خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
.... ..................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 201 سطر 1 الى ص 210 سطر 21
خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فينا خطيبا فقال : يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض
فهى حرام من حرام إلى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر
أن يسفك فيها دما ولا يعضد بها شجرا . الحديث . وفيه فقال عمرو لابى شريح
انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك إنها لا تمنع سافك دم ولا خالع
طاعة ولا مانع جزية . الحديث . قلت الذى وقع في الصحيح أن هذا الخبر لعمرو
ابن سعيد بن العاص مع أبى شريح لا لعمرو بن الزبير وهو الصواب . والوهم فيه
عن من دون ابن اسحق . وقد رواه يونس بن بكير عنه على الصواب .
وحين افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقف على الصفا يدعو وقد أحدقت به
الانصار فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم
بها فلما فرغ من دعائه قال ما ذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله فلم يزل بهم حتى
أخبروه فقال النبى صلى الله عليه وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم .
ذكره ابن هشام وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح أراد قتل النبى صلى الله عليه
وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضالة
قال نعم فضالة يا رسول الله قال ماذا كنت تحدث به نفسك قال لا شئ كنت
أذكر الله فضحك النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على
صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما خلق الله
شيئا أحب إلى منه . قال فضالة فرجعت إلى أهلى فمررت بامرأة كنت أتحدث
اليها فقالت هم إلى الحديث فقلت لا وانبعث فضالة يقول :
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والاسلام
ـ202ـ
لو ما رأيت محمدا وقبيله * بالفتح يوم تكسر الاصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الاظلام
وفر يومئذ صفوان بن أمية فاستأمن له عمير ين وهب الجمحى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأمنه وأعطاه عمامته التى دخل بها مكة فلحقه عمير وهو يريد أن
يركب البحر فرده فقال يا رسول الله اجعلنى بالخيار شهرين فقال أنت بالخيار
أربعة أشهر . وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبى جهل
فأسلمت واستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فلحقته باليمن فردته وأقرهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم هو وصفوان على نكاحهما الاول . قال ابن سعد ثم بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعى فجدد أنصاب الحرم وحانت
الظهر فأذن بلال فوق ظهر الكعبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغز
قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة يعنى على الكفر ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالحزورة ( 1 ) فقال إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى ولولا أنى أخرجت منك
ما خرجت . وبث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا إلى الاصنام التى حول
مكة فكسرها منها العزى ومناة وسواع وبوانة وذو الكفين . ونادى مناديه بمكه
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره . ومما قيل من
الشعر يوم الفتح الفتح قول حسان بن ثابت :
عفت ذات الاصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء ( 2 )
ديار من بنى الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الحاء وسكون الزاى وفتح الواو والراء . قال الدارقطنى هكذا
صوابه والمحدثون يفتحون الزاى ويشددون الواو وهو تصحيف .
( 2 ) سيأتى تفسير الغريب من كلام المؤلف . ( * )
ـ203ـ
وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء
فدع هذا ولكن من لطيف * يؤرقنى إذا هب العشاء
لشعثاء التى قد تيمته * فليس لقلبه منها شفاء
كأن سبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء
اذا ما الاشربات ذكرن يوما * فهن لطيب الراح الفداء
نوليها الملامة إن ألمنا * إذا " ما " ( 1 ) كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا * وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الاعنة مصغيات * على أكتافها الاسل الظلماء
تظل جيادنا متمطرات * بلطمهن بالخمر النساء
فاما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * يعين الله فيه من يشاء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق إن نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدقوه * فقالوا لا نقوم ولا نشاء
وقال الله قد يسرت جندا * هم الانصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
فنحكم بالقوافى من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء
ألا أبلغ أبا سفيان عنى * مغلغلة فقد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركتك عبدا * وعبد الدار سادتها الاماء
* ( هامش ) * ( 1 ) " ما " غير موجودة في الاصل . ( * )
ـ204ـ
هجوت محمدا فأحبت عنه * وعندالله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخير كما الفداء
هجوت مباركا برا حنيفا * أمين الله شيمته الوفاء
فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء
فان أبى ووالده وعرضى لعرض محمد منكم وقاء
لسانى صارم لا عيب فيه * وبحرى لا تكدره الدلاء
وقال أنس بن زنيم يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قال فيهم عمرو بن سالم من أبيات
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
أحث على خير وأسبغ نائلا * اذا راح كالسيف الصقيل المهند
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد
تعلم رسول الله أنك مدركى * وأن وعيدا منك كالاخذ باليد
تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد
تعلم بأن الركب ركب عويمر * هم الكاذبون المخلفو كل موعد
ونبوا رسول الله أنى هجوته * فلا حملت سوطى إلى إذا يدى
ـ205ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بخبر الفتح سوى ما تقدم ـ
الوتير ماء لخزاعة ، وهى في كلام العرب الورد الابيض . والعنان
السحاب وقوله * قد كنتم ولدا وكنا والدا * يريد أن بنى عبد مناف أمهم من
خزاعة وكذلك قصى أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية . والولد الولد . وقوله " ثمت
أسلمنا " من السلم لانهم لم يكونوا آمنوا بعد . وفيه * هم قتلونا ركعا وسجدا *
يدل على أن فيهم من كان أسلم وصلى . قال السهيلى . وحاطب بن أبى بلتعة مولى
عبيدالله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبدالعزى واسم أبى بلتعة عمرو من ولده
زياد بن عبدالرحمن شبطون ( 1 ) . روى الموطأ عن مالك أندلسى ولى قضاء طليطلة .
قال السهيلى وقد قيل إنه كان في الكتاب إلى كتبه حاطب بن أبى بلتعة إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم
بالله لوصار اليكم وحده لنصره الله عليكم فانه منجز له ما وعده . قيل وفى الخبر
دليل على قتل الجاسوس لتعليقه عليه السلام المنع من قتله بشهوده بدرا .
وحمشتهم الحرب يقال حمشت الرجل إذا أغضبته ويقال حمست النار إذا أو قدتها
ويقال حمست بالسين . وأبوسفيان بن الحرث كان رضيع رسول الله صلى الله عليه
وسلم أرضعتهما حليمة وكان آلف الناس له قبل النبوة ثم كان أبعدهم عنه بعد
* ( هامش ) * ( 1 ) زياد بن عبدالرحمن اللحمى شبطون - بفتح الشين والباء الموحدة وضم
الطاء - صاحب مالك وعليه تفقه يحيى بن يحيى قبل أن يرحل إلى مالك . وكان
زياد ناسكا ورعا أريد على القضاء فهرب . توفى سنة 173 . كما في شذرات الذهب .
ـ206ـ
أشار إليه حسان بقوله :
ألا أبلغ أبا سفيان عنى * مغلغلة فقد برح الخفاء
فانه هو الذى كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه . والحميت الزق .
والاحمس الشديد والاحمس الذى لا خير عنده . ودخل عليه السلام مكة من ثنية
كداء - بفتح الكاف والمد - من أعلاها حيث وقف ابراهيم عليه السلام فدعا
لذريته ( فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم ) فاستجيب له تبركا بذلك . والصيلم
الصلعاء الداهية . وخنيس بن خالد كذا هو عند ابن اسحق وقد قيد بالحاء
المهملة المضمومة والباء الموحدة مفتوحة والشين المعجمة . والنهيت صوت الصدر
وأكثر ما يوصف به الاسد . وابن خطل اسمه عبدالله وقيل هلال وقيل بل
هلال أحوه وكان يقال لهما الخطلان من بنى تيم بن غالب . وصلاته عليه السلام في
بيت أم هانئ قال السهيلى هى صلاة الفتح تعرف بذلك وكان الامراء اذا افتتحوا
بلدا يصلونها ، وحكى عن الطبرى قال صلاها سعد بن أبى وقاص حين افتتح
الدائن ودخل إيوان كسرى ثمان ركعات لا يفصل بينها ولا تصلى بامام ولا يجهر
فيها بالقراءة . وذات الاصابع والجواء منزلان بالشام . وعذراء قرية بقرب دمشق
معروفة . وبنو الحسحاس من بنى أسد . والروامس الرياح . والسماء يعنى المطر .
وشعثاء بنت سلام بن مشكم اليهودى . وخبر كان سبيئة محذوف تقديره كان في
فيها سبيئة نحو قوله إن محلا وإن مرتحلا أى إن لنا محلا . وألمنا أتينا بما يلام
فاعله أى نصرف اللوم إلى الخمر ونعتذر بالسكر . والمغث الضرب باليد واللحاء
الملاحاة باللسان * وشركما لخير كما الفداء * أنصف بيت قالته العرب وهو من
ـ207ـ
باب قوله عليه السلام " شر صفوف الرجال آخرها " يريد نقصان حظهم عن حظ
الصف الاول . قال سيبويه ولا يجوز أن يريد التفضيل في الشر . حكاه أبوالقاسم
السهيلى . قال ابن إسحق وبلغنى عن الزهرى أنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه .
ونحكم بالقوافى أى نرد من حكمة ( 1 ) الدابة . وفى شعر أنس بن زنيم " وأعطى لبرد
الخال " الخال من برود اليمن وهو من رفيع الثياب .
ـ سرية خالد بن الوليد ـ
قال ابن سعد ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر
رمضان سنة ثمان ليهدمها فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه حتى انتهوا اليها
فهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . فقال هل رأيت شيئا
قال لا قال فانك لم تهدمها فارجع اليها فاهدمها فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه
فخرجت اليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها فضربها
خالد فجز لها ( 2 ) باثنتين ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال نعم تلك العزى
وقد أيست أن تعبد ببلادكم أبدا وكانت بنخلة وكانت لقريش وجميع بنى كنانة
وكانت أعظم أصنامهم وكان سدنتها بنو شيبان من بنى سليم .
* ( هامش ) * ( 1 ) الحكمة اللجام . أو حديدة فيه .
( 2 ) أى قطعها ، والجزلة : القطعة . ( * )
ـ208ـ
ـ سرية عمرو بن العاص إلى سواع ـ
في شهر رمضان سنة ثمان وهو صنم لهذيل ليهدمه
قال عمرو فانتهيت اليه وعنده السادن فقال ما تريد فقلت أمرنى رسول الله
صلى الله على وسلم أن أهدمه قال لا تقدر على ذلك قلت لم قال تمنع قلت حتى
الآن أنت على الباطل ويحك وهل يسمع أو يبصر قال فدنوت منه فكسرته
وأمرت أصحابى فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئا ثم قلت للسادن كيف
رأيت قال أسلمت لله .
ثم
ـ سرية سعد بن زيد الاشهل إلى مناة ـ
في شهر رمضان سنة ثمان وكانت بالمشلل للاوس والخزرج وغسان
فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى اليها وعليها سادن فقال السادن ما تريد
قال هدم مناة قال أنت وذاك فأقبل سعد يمشى اليها وتخرج اليه امرأة عريانة
سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها فقال السادن مناة دونك
بعض عصاتك ويضربها سعد بن زيد فيقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه
فهذموه ولم يجدوا في خزانتها وشيئا وانصرف راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم لست بقين من شهر رمضان .
ـ209ـ
ـ سرية خالد بن الوليد ـ
إلى بنى جذيمة من كنانة وكانوا بأسفل مكة على ليلة بناحية يلملم
في شوال سنة ثمان وهو يوم الغميصاء
وهى عند ابن إسحق قبل سريته لهدم العزى . وسياق ما قال أذكره لا بن سعد
قالوا لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى ورسول الله صلى الله عليه وسلم
مقيم بمكة بعثه إلى بنى جذيمة داعيا إلى الاسلام ولم يبعثه مقاتلا فخرج في ثلاثمائة
وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار وبنى سليم فانتهى اليهم قال ما أنتم قالوا
مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها ، قال فما
بال السلاح عليكم قالوا إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا
هم فأخذنا السلاح قال فضعوا السلاح قال فوضعوه فقال لهم استأسروا فاستأسر
القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرقهم في أصحابه فلما كان في السحر نادى
خالد من كان معه أسير فليذافه ، والمذافة الاجهاز عليه بالسيف . فأما بنو سليم
فقتلوا من كان في أيديهم . وأما المهاجرون والانصار فأرسلوا أسراهم فبلغ النبى
صلى الله عليه وسلم ما صنع خالد فقال اللهم إنى أبرأ اليك مما صنع خالد وبعث على بن أبى طالب
فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . وعند
ابن إسحق في هذا الخبر أن خالدا قال لهم ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا
فلما وضعوه أمر بهم عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف ، وقد كان بين خالد
و عبدالرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبدالرحمن عملت بأمر الجاهلية في
ـ210ـ
الاسلام فقال إنما ثأرت بأبيك فقال عبدالرحمن كذبت قد قتلت قاتل أبى وإنما
ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة ، حتى كان بينهما شر فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال
مهلا ياخالد دع عنك أصحابى فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل
الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابى ولا روحته . وكان بنو جذيمة قتلوا الفاكه
ابن المغيرة وعوف بن عبد عوف قبل ذلك وقتل عبدالرحمن خالد بن هشام قاتل
أبيه منهم . قال ابن اسحق وحدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الاخنس عن
الزهرى عن ابن أبى حدرد الاسلمى قال كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد
فقال لى فتى من بنى جذيمة هو في سنى وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ( 1 ) ونسوة
مجتمعات غير بعيد منه يافتى قلت ماتشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى
إلى هذه النسوة حتى أقضى اليهن حاجة ثم تردنى بعد فتصنعوا بى ما بد الكم قال
قلت والله ليسير ما طلبت فأخذته برمته فقدته بها حتى وقفته عليهن فقال اسلمى
حبيش على نفد العيش :
أريتك إن طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم أك أهلا أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لى قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبى بود قبل إحدى الصفائق
أثيبى بود قبل أن يشحط النوى * وينأى الامير بالحبيب المفارق
أخبرنا أ بوعبدالله محمد بن عبدالمؤمن الصورى بقراءتى عليه بظاهر دمشق
قلت له أخبركم الشيخان أبوالفخر أسعد بن سعيد بن روح وأم حبيبة عائشة
بنت معمر بن الفاخر في كتابهما إليك من أصبهان فأقر به قالا أخبرتنا أم ابراهيم
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الراء قطعة من الحبل . ( * )
ـ211ـ
فاطمة بنت عبدالله ا لجوزدانية قالت أبوبكر محمد بن عبدالله بن ريذة قال
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 211 سطر 1 الى ص 220 سطر 22
فاطمة بنت عبدالله ا لجوزدانية قالت أبوبكر محمد بن عبدالله بن ريذة قال
أنا أبوالقاسم الطبرانى ثنا أحمد بن شعيب أبو عبدالرحمن النسائى ثنا محمد بن
حرب المروزى ثنا على بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوى ( 1 ) عن عكرمة
عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال
لهم إنى لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعونى أنظر إليها ثم اصنعوا بى مابدا
لكم فاذا امرأة طويلة أدماء فقال لها اسلمى حبيش قبل نفاد العيش :
أرأيت لو تبعتكم فلحقتكم * بحلية أو أدركتكم بالخوانق
أما كان حقا أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
قالت نعم فديتك قال فقدموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه
فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبروه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم . الغميصاء ماء لبنى
جذيمة . والنفد والنفاد مصدر نفد الشئ إذا فنى . وحبيش مرخم من حبيشة
وحلية والخوانق موضعان . والودائق جمع وديقة وهى شدة الحر .
ـ213ـ
ـ غزوة حنين ـ
وهى غزوة هوازن
قال ابن اسحق : ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من
مكة جمع مالك بن عوف النصرى فاجتمع اليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت
نصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بنى هلال وهم قليل ولم يشهدها من قيس
عيلان إلا هؤلاء غابت عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ولم يشهدها
منهم أحد له اسم وفى جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شئ إلا التيمن
برأيه ومعرفته بالحرب وكان شجاعا محربا ( 1 ) وفى ثقيف سيدان لهم ، وفى الاحلاف
قارب بن الاسود بن مسعود بن معتب ، وفى بنى مالك ذو الخمار سبيع بن الحرث
ابن مالك وأخوه أحمر بن الحرث . وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصرى
فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم
وأبناءهم . فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم دريد بن الصمة فلما نزل قال
بأى واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم محل الخيل لاحزن ضرس ولا سهل دهس مالى
أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف
النصرى مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم . قال أين مالك قيل هذا مالك ودعى
له فقال يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من
الايام مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال سقت مع
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الميم أى كثير الحروب . ( * )
ـ214ـ
الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كان رجل أهله
وماله ليقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال راعى ضأن والله وهل يرع المنهزم شئ
إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في
أهلك ومالك . ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب
الحد والجد لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب ولوددت أنكم فعلتم
كما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال
ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة
هوازن إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى ممتنع ( 1 ) بلادهم وعليا قومهم ثم الق الصبا على
متون الخيل وإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألقاك
ذلك وقد أحرزت أهلك قال والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك .
والله لتطيعننى يا معشر هوازن أو لاتكئن على هذا السيف حتى يخرج من
ظاهرى ، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأى قالوا أطعناك فقال دريد
ابن الصمة هذا لم اليوم نشهده ولم يفتنى :
ياليتنى فيها جذع أخب فيها وأضع * أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع
ثم قال مالك للناس إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل
واحد ، وبعث عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرقت أوصالهم قال ويلكم ما شأنكم
قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فوالله
مارده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد . ولما سمع بهم نبى الله صلى الله عليه وسلم بعث
اليهم عبدالله بن حدرد الاسلمى وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم
* ( هامش ) * ( 1 ) في سيرة ابن هشام " متمنع " . ( * )
ـ215ـ
علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق ابن أبى حدرد فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد
أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ثم أقبل
حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فلما أجمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم السير إلى هوازن ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا
فأرسل اليه وهو يومئذ مشرك فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا
غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد ؟ قال بل عارية وهى مضمونة حتى نؤديها اليك قال
ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان
من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة
فكانوا اثنى عشر ألفا . واستعمل عتاب بن أسيد على مكة أميرا ثم مضى يريد
لقاء هوازن . قال ابن إسحق وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن عبدالرحمن بن
جابر عن أبيه جابر بن عبدالله قال لما استقبلنا وادى حنين انحدرنا في واد من
أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارا قال وفى عماية الصبح وكان
القوم قد سبقونا إلى الوادى فكمنوا لنا في شعابه وأجنابه ومضايقه وقد أجمعوا
وتهيئوا وأعدوا فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة
رجل واحد والشمر الناس راجعين لايلوى أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال يا أيها الناس هم إلى أنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنا محمد بن عبدالله قال فلا شئ حملت الابل بعضها على بعض فانطلق
الناس إلا أنه قد بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين وأهل بيته وفيمن لبث
معه من المهاجرين أبوبكر وعمر ومن أهل بيته على بن أبى طالب والعباس
وأبوسفيان بن الحرث وابنه والفضل بن العباس وربيعة بن الحرث وأسامة بن
زيد وأيمن بن أم أيمن وقتل يومئذ ، قال ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية
ـ216ـ
فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما هو كذلك إذ أهوى اليه على بن
أبى طالب ورجل من الانصار يريدانه قال فيأتى على من خلفه فيضرب عرقوبى
الجمل فوقع على عجزه ووتب الانصارى على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف
ساقه فانجعف ( 1 ) عن رحله قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم
حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحق فلما انهزم
الناس يعنى المسلمين ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة
أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبوسفيان بن
حرب لاتنتهى هزيمتهم دون البحر وإن الازلام لمعه في كنانته وصرخ جبلة بن
الحنبل - وصوبه ابن هشام كلدة - ألابطل السحر اليوم فقال له صفوان أخوه لامه
وكان بعد مشركا اسكت فض الله فاك فوالله لئن يربنى ( 2 ) رجل من قريش أحب
إلى من أن يربنى رجل من هوازن .
وروينا عن ابن سعد قال أنا محمد بن عمر ثنا عمر بن عثمان المخزومى عن
عبدالملك بن عبيد قال محمد بن عمرو حدثنا خالد بن الياس عن منصور بن
عبدالرحمن الحجبى عن أبيه عن أمه ( 3 ) وغيرها قالوا كان شيبة بن عثمان رجلا صالحا
له فضل وكان يحدث عن إسلامه وما أراد الله به من الخير ويقول ما رأيت أعجب
مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات . ثم يقول لما كان عام
الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت أسير مع قريش إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : وقع
( 2 ) أى : يسوسنى
( 3 ) لعل صوابه عن منصور بن عبدالرحمن عن أمه . ( * )
ـ217ـ
هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذى
قمت بثأر قريش كلها ، وأقول لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا
ما تبعته أبدا وكنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الامر في نفسى إلا قوة فلما
اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف
فدنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفى حتى كدت أسوره فرفع لى شواظ من نار
كالبرق كاد يمحشنى ( 1 ) فوضعت يدى على بصرى خوفا عليه والتفت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنادانى يا شيب ادن فدنوت فمسح صدرى ثم قال اللهم أعذه
من الشيطان قال فوالله لهوكان ساعتئذ أحب إلى من سمعى وبصرى ونفسى
وأذهب الله ما كان في ثم قال ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفى الله يعلم أنى
أحب أن أقيه بنفسى كل شئ ولو لقيت تلك الساعة أبى لو كان حيا لاوقعت
به السيف فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد
وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها فخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه
ورجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه ما دخل عليه غيرى حبا لرؤية وجهه
وسرورا به فقال يا شيب الذى أراد الله بك خير مما أردت بنفسك ثم حدثنى بكل
ما اضمرت في نفسى مما لم أكن أذكره لاحد قط قال فقلت فأنى أشهد أن لا إله إلا الله
وأنك رسول الله ثم قلت استغفر لى فقال غفر الله لك . قال ابن اسحق وحدثنى الزهرى
عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن ع بدالمطلب قال إنى لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
آخذ بحكمة بغلته وقد شجرتها ( 2 ) بها قال و ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ جسيما شديد الصوت قال
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس إلى أين أيها
الناس قال فلم أر الناس يلوون على شئ فقال يا عباس اصرخ يا معشر الانصار يا معشر
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يحرقنى .
( 2 ) أى : ضربتها بلجامها أكفها . ( * )
ـ218ـ
الانصار السمرة فأجابوا البيك لبيك قال فيذهب الرجل ليثنى بعيره فلا يقدر على
ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله
ويؤم الصوت حتى ينتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا اجتمع اليه
منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فكانت الدعوى أول ما كانت يا للانصار ثم
خلصت أخيرا يا للخزرج وكانوا صبرا عند الحرب فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال الآن حمى الوطيس . وزاد غيره
أنا النبى لا كذب * أنا ابن ع بدالمطلب
وفى صحيح مسلم ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بها وجوه الكفار
ثم قال انهزموا ورب محمد ، ثم قال فما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا
وأمرهم مدبرا . ومن رواية أخرى أن النبى صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم
قبض قبضة من تراب الارض ثم استقبل بها وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق
الله منهم إنسانا إلا ملا عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين .
قال ابن اسحق : وحدثنى اسحق بن يسار أنه حدث عن جبير بن مطعم قال لقد
رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد ( 1 ) الاسود أقبل من السماء حتى سقط
بينناو بين القوم فنظرت فاذا نمل أسود مبثوث قد ملا الوادى لم أشك أنها الملائكة
ولم يكن إلا هزيمة القوم . قال ابن اسحق ولما انهزمت هوازن استحر ( 2 ) القتل من
ثقيف في بنى مالك فقتل منهم سبعون رجلا . ولما انهزم المشركون أتوا الطائف
ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة ، وبعث
* ( هامش ) * ( 1 ) البجاد كساء غليظ .
( 2 ) أى باشتد . ( * )
ـ219ـ
رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عمر الاشعرى
فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال فرمى بسهم فقتل فأخذ الراية
أبوموسى الاشعرى وهو ابن عمه فقاتلهم ففتح الله عليه وهزمهم الله فيزعمون أن
سلمة بن دريد هو الذى رمى أبا عامر فقتله . وقال ابن سعد قتل أبوعامر منهم
تسعة مبارزة ثم برز العاشر معلما بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله ، واستخلف
أبوعامر أبا موسى الاشعرى فقاتلهم حتى فتح الله عليه وقتل أبى عامر فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لابى عامر واجعله من أعلى أمتى في الجنة ودعا لابى
موسى أيضا ، وقتل من المسلمين أيمن بن عبيد هو ابن أم أيمن وسراقة بن
الحارث ورقيم بن ثعلبة بن زيد بن لوذان - وعند ابن اسحق يزيد بن زمعة بن
الاسود بن المطلب بن أسد - جمع به فرس يقال له الجماح ( 1 ) فقتل . واستحر القتل في
بنى نصر بن معاوية ثم في بنى رئاب فذكر ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال
اللهم اجبر مصيبتهم . ووقف مالك بن عوف على ثنية من الثنايا حتى مضى ضعفاء
أصحابه وتتام آخر هم ثم هرب فتحصن في قصر يليه ويقال دخل حصن ثقيف .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبى والغنائم تجمع فجمع ذلك كله وحذروه
إلى الجعرانة فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف
وهم في حظائر لهم يستظلون بها من الشمس . وكان السبى ستة آلاف رأس والابل
أربعة وعشرون ألفا والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية
فضة فاستأنى ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبى أن يقدم عليه وفدهم وبدأ
بالاموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب
أربعين أوقية ومائة من الابل قال ابنى يزيد قال اعطوه أربعين أوقية ومائة من
* ( هامش ) * ( 1 ) لعله " الجناح " كما ذكره جماعة .
( 2 ) أى : انتظر وتربص ، يقال أنيت وتأنيت واستأنيت . ( * )
ـ220ـ
الابل قال ابنى معاوية قال اعطوه أربعين أوقية ومائة من الابل ، واعطى حكيم
ابن حزام مائة من الابل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه وأعطى النضير بن الحارث
ابن كلدة مائة من الابل وأعطى اسيد بن جارية الثققى مائة من الابل وأعطى
العلاء بن جارية الثقفى خمسين بعيرا وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيرا وأعطى
الحارث بن هشام مائة من الابل وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الابل
وأعطى صفوان بن أمية مائة من الابل وأعطى قيس بن عدى مائة من الابل
وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الابل وأعطى سهيل بن عمر ومائة من الابل
واعطى حويطب بن عبدالعزى مائة من الابل وأعطى هشام بن عمرو العامرى
خمسين من الابل وأعطى الاقرع بن حابس التميمى مائة من الابل وأعطى عيينة
ابن حصن مائة من الابل وأعطى مالك بن عوف مائة من الابل وأعطى العباس
ابن مرداس أربعين من الابل فقال في ذلك شعرا فأعطاه مائة من الابل ويقال
خمسين . وإعطاء ذلك كله من الخمس وهو أثبت الاقاويل عندنا ، ثم أمر زيد بن
ثابت باحصاء الناس والغنا ثم ثم فضها على الناس فكانت سهمانهم لكل رجل
أربعا من الابل أو أربعين شاة فان كان فارسا أخذ اثنى عشر بعيرا أو عشرين
ومائة شاة وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له .
قال ابن اسحق : وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبى
سعيد الخدرى قال لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا
في قريش وفى قبائل العرب ولم يكن في الانصار منها شئ وجد هذا الحى من
الانصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقى والله رسول الله
صلى الله عليه وسلم قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا رسول الله إن هذا
الحى من الانصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفئ الذى أصبت
ـ221ـ
قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحى
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 221 سطر 1 الى ص 229 سطر 13
قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحى
من الانصار منها شئ قال فأين أنت من ذلك يا سعد فقال يا رسول الله ما أنا إلا
من قومى قال فاجمع لى قومك في هذه الحظيرة قال فجاء رجال من المهاجرين
فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتى سعد فقال قد اجتمع لك
هذا الحى من الانصار فأتاهم رسول الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه
بما هو أهله ثم قال يا معشر الانصار ما قالة بلغتنى عنكم وجدة وجد تموها على في
أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهدا كم الله بى وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين
قلوبكم قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال ألا تجيبوننى يا معشر الانصار قالوا
بماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المن والفضل ، قال أما والله لو شئتم لقلتم
فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصر ناك وطريدا فآويناك
وعائلا فآسيناك أوجدتم يا معشر الانصار في أنفسكم في لعاعة ( 1 ) من الدنيا تألفت
بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب
الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم فوالذى نفس محمد بيده
لولا الهجرة لكنت امرأة من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت
الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء
أبناء الانصار قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم
قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا وقدمت الشيماء بنت
الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فقالت
يا رسول الله إنى أختك قال وما علامة ذلك قالت عضة عضضتنيها في ظهرى
وأنا متور كتك قال فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها
عليه وخيرها وقال إن أحببت فعندى محبة مكرمة وإن أمتعك وترجعى
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : قليل . وفى نسخة لغاغة . ( * )
ـ222ـ
إلى قومك فعلت قالت بل تمتعنى وتردنى إلى قومى قفعل فزعمت بنو سعد أنه
أعطاها غلاما له يقال له مكحول وجارية فزوجت إحداهما الآخر فلم يزل فيهم من
نسلهما بقية . وقال أبوعمر فأسلمت فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة
أعبد وجارية ونعما وشاء . وسماها حذافة وقال الشيماء لقب .
ـ223ـ
قدوم وفد هوازن على النبى صلى الله عليه وسلم
وقدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا
ورأسهم زهير بن صرد وفيهم أبويرقان هم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فسألوه
أن يمن عليهم بالسبى فقال أبناؤكم ونساؤكم ونساؤكم أحب اليكم أم أموالكم قالوا ماكنا
نعدل بالاحساب شيئا فقال أما مالى ولبنى ع بدالمطلب فهو لكم وسأسأل لكم
الناس فقال المهاجرون والانصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال الاقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو
فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم ما كان
لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن مرداس وهنتمونى وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد كنت استأنأت سبيهم وقد
خيرتم فلم يعدلوا بالابناء والنساء شيئا فمن كان عنده منهن شئ فطابت نفسه
أن يرده فسبيل ذلك ومن أبى فليرد عليهم وليكن ذلك فرضا علينا ست
فرائض من أول ما يفئ الله علينا قالوا رضينا وسلمنا فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم
ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فانه أبى أن يرد عجوزا صارت في
يديه منهم ثم ردها بعد ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسى السبى قبطية قبطية .
أخبرنا أ بوعبدالله بن أبى الفتح المقدسى سماعا ب الزعيزعية بمرج دمشق قال
أنا أبوالفخر أسعد بن سعيد بن روح الصالحانى وأم حبيبة عائشة بنت الحافظ
أبى أحمد معمر بن الفاخر ا لاصبهانيان إجازة منهما قالا أخبرتنا أم ابراهيم فاطمة
ـ224ـ
بنت عبدالله بن أحمد بن القاسم بن عقيل ا لجوزدانية قال الاول سماعا وقالت
الثانية حضورا قالت أنا أبوبكر محمد بن عبدالله بن ريذة قال أنا أبوالقاسم
الطبرانى ثنا عبيدالله بن رماحس ( 1 ) القيسى برمادة الرملة سنة أربع وسبعين ومائتين
ثنا أبوعمرو زياد بن طارق وكان قد أنت عليه مائة وعشرون سنة قال سمعت
أبا جزول زهير بن صرد الجشمى يقول لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يوم
هوازن وذهب يفرق السى والشاء أتيته فأنشأت أقول هذا الشعر :
أمنن علينا رسول الله في كرم * فانك المرء نرجوه وننتظر
امنن على بيضة قد عاقها قدر * مشتت شملها في دهرها غير
أبقت لنا الدهر هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر
إن لم تداركهم نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك تملاها من محضها الدرر
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتى وما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فانا معشر زهر
إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه * من أمهاتك إن العفو مشتهر
ياخير من مرجت كمت الجياد به * عند الهياج إذا ما استوقد الشرر
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه * هذى البرية إذ تعفو وتنتصر
فاعف عفا الله عما أنت راهبه * يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
قال فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لى ولبنى ع بدالمطلب فهولكم
وقالت قريش ما كان لنا فهو لله ولرسوله وقالت الانصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله .
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الراء وكسر الحاء المهملة . ( * )
ـ225ـ
قال الطبرانى لا يروى عن زهير بن صرد بهذا التمام إلا بهذا الاسناد تفرد به
عبيدالله بن رماحس . ومما قيل من الشعر في يوم حنين قول العباس بن مرداس السلمى
عفى مجدل من أهله فمتالع * فمطلى أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخى وصرف الدهر ( 1 ) للحى جامع
حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع
فان تتبع الكفار غير ملومة * فانى وزير للنبى وتابع
دعانا اليه خير وقد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالاخشبين وإنما * يدالله بين الاخشيين نبايع
فجسنا مع المهدى مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع
علانية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع
ويوم حنين حين سارت هوازن * الينا وضاقت بالنفوس الاضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الاعادى منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف السحابة لامع
عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع ( 2 )
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى * مصالا لكنا الاقربين نتابع
ولكن دين الله دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لامر حمه الله دافع
وقوله : ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " الدار "
( 2 ) في الاستيعاب " واقع " . وسيأتى تفسير الغريب . ( * )
ـ226ـ
عين تأويها من شجوها أرق * فالماء يعمرها طورا وينحدو
كأنهم نظم در عند ناظمه * تقطع السلك منه فهو منتبر ( 1 )
يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أنى دونه الصمان والحفر
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والذعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفى سليم لاهل الفخر مفتخر
قوم هم تصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * ولا تجاوز في مشتاهم البقر
إلا سوامح كالعقيان مقربة * في دارة حولها الاخطار والعكر
يدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحى دكوان لا ميل ولا صجر
الضاربون جنود الشرك ضاحية * ؟ ؟ ؟ مكة والارواح تبتدر
حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر
إذ نركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
تحت اللوامع والضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر
في مأزق من مكر الحرب كلكلها ( 2 ) * يكاد يأفل منه الشمس والقمر
وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر
حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا * إلا وأصبح منا فيهم أثر
قال وتركت من شعر العباس ما يبدو فضله ويستحسن مثله إيثارا
للاختصار والله الموفق .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " منتثر " .
( 2 ) الكلكل في أصل معناه : الصدر . ( * )
ـ227ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بغزوة حنين وما اتصل بها ـ
حنين بن قانية بن مهلايل هو الذى ينسب اليه الموضع . وهى غزوة حنين
وهوازن وأوطاس سميت بأوطاس باسم الموضع الذى كانت فيه الوقعة أخيرا
حيث اجتمع فلالهم وتوجه اليهم أبوعامر الاشعرى كما سبق . والوطيس التنور
وفى هذه الغزوة قال عليه السلام الآن حمى الوطيس حين استعرت الحرب وهى
من الكلم التى لم يسبق اليها صلى الله عليه وسلم وكذلك قوله عليه السلام في غير
هذه الوقعة يا خيل الله اركبى وقوله فانقض به أى صوت بلسانه في فيه من النقيض
وهو الصوت . وقوله راعى ضأن يجهله بذلك . وفرار من كان معه عليه السلام يوم
حنين قد أعقبه رجوعهم اليه سرعة وقاتلهم معه حتى كان الفتح ففى ذلك نزلت
( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ) إلى قوله ( والله غفور
رحيم ) كما قال فيمن تولى يوم أحد ( ولقد عفا الله عنهم ) وإن اختلف الحال في
الواقعتين . ويوم حنين قال عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه فصار حكما
مستمرا . وقتل أبوطلحة يومئذ عشرين وأخذ أسلابهم . وفى هذه المسألة خلاف
بين العلماء ليس هذا موضع ذكره . وفى خبر جبير بن مطعم عن رؤيته الملائكة
رأيت مثل البجاد من النمل - والبجاد السكساء - وقد قال غيره يومئذ رأيت رجالا
بيضا على خيل بلق فكانت الملائكة . والبغلة التى كان عليها النبى صلى الله
عليه وسلم يومئذ هى المسماة فضة التى أهداها له فروة بن نفاثة . والمجدل القصر
وهو في هذا البيت اسم على لمكان . ومطلاء يمدو يقصر وهى أرض تعقل الرجل
ـ228ـ
عن المشى . وحذروف السحاب اراد به البرق الذى في السحاب . وكانع حاضر
نازل . والضحاك بن سفيان كانت بيده راية سليم يوم حنين . قال البرق ليس
هو الضحاك بن سفيان الكلابى إنما هو الضحاك بن سفيان السلمى . وفى رواية
غير البكائى عن إبن إسحق رفع نسبه إلى بهتة بن سليم لم يذكر أبوعمر السلمى .
وقوله نذوذ أخانا البيت يريد أنه من سليم وسليم من قيس كما أن هوازن من قيس
كلاهما ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس . ومعناه نقاتل إخوتنا
وننودهم عن إخوتنا من سليم ، ولو ترى في حكم الدين مصالا مفعلا من الصولة
لكنا مع الاقر بين يريد هوازن . والحماطة من ورق الشجر ما فيه خشونة . والعايز
كالشئ ينخس في العين لانه يعورها . والسهر الرجل لانه لما لم يفتر عنه فكأنه
سهر ولم ينم . والصمان والحقر موضعان . وقوله لا يغرسون فسيل النخل يعنى أهل
المدينة يعير هم بذلك . والمقربة الخيل التى قربت مرابطها . والاخطار جمع خطر
وهو القطيع الضخم من الابل . والعسكر ما فوق خمسمائة من الابل . ضاحية كل
شئ نواحيه البارزة . والظاهرة من الارض ما غلظ منها .
ـ229ـ
ـ سرية الطفيل بن عمرو الدوسى ـ
إلى ذى الكفين في شوال سنة ثمان
قال ابن سعد قالوا : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل
ابن عمرو إلى ذى الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسى يهدمه وأمره أن يستمد قومه
ويوافيه بالطائف فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في
وجهه ويحرقه ويقول :
ياذا الكفين لست من عباد كا * ميلادنا أقدم من ميلاد كا
أنا حششت النار في فؤادكا
قال وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا النبى صلى الله عليه وسلم
بالطائف بعد مقدمه بأربعة ، أيام وقدم بدابة ومنجنيق وقال يا معشر الازد من
يحمل رايتكم فقال الطفيل : من كان يحملها في الجاهلية قالوا النعمان بن الرازية
اللهيى قال أصبتم .
ـ231ـ
ـ غزوة الطائف ـ
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 231 سطر 1 الى ص 240 سطر 13
ـ غزوة الطائف ـ
في شوال سنة ثمان
قال ابن سعد قالوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين يريد الطائف
وقدم خالد بن الوليد على مقدمته ، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه
ما يصلحهم لسنة فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم و ؟ ؟ ؟
للقتال وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا
المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد حتى أصيب من المسلمين ناس
بجراحة وقتل منهم اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع
مسجد الطائف اليوم وكان معه من فسائه أم سلمة وزينب فضرب لهما قبتين
وكان يصلى بين القبتين حصار الطائف كله فحاصرهم ثمانية عشر يوما ويقال
خمسة عشر يوما . وقال ابن اسحق بضعا وعشرين ليلة . وقال ابن هشام سبعة
عشر يوما ، ونصب عليهم المنجنيق وهو أول مارمى به في الاسلام فيما ذكر ابن هشام .
روينا عن ابن سعد قال أنا قبيصة بن عقبة قال أنا سفيان الثورى عن ثور
ابن يزيد عن مكحول أن النبى صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين
يوما . قال ابن اسحق حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ( 1 ) ثم رجعوا بها إلى جدار الطائف
ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكات الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم
* ( هامش * ( 1 ) آلة تتخذ من جلود وخشب يدخل فيها الرجال ويقربونها من الحصن لينقبوه .
ـ232ـ
ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب
ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون . قال ابن سعد ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنى أدعها لله وللرحم . ونادى منادى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل إلى من الحصن وخرج إلينا فهو حر . فخرج منهم بضعة عشر
رجلا فيهم أبوبكرة نزل في بكرة فقيل أبوبكرة فعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل
رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة
ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف . واستشار رسول الله صلى الله عليه
وسلم نوفل بن معاوية الديلى فقال ماترى فقال ثعلب في حجر إن أقمت عليه
أخذته وإن تركته لم يضررك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فأذن في
الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا ترحل ولم يفتح علينا الطائف فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال فغدوا فأصابت المسلمين جراحات
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك وأذعنوا
وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك وقال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله وحده صدق الله وعده ونصرعبده وهزم الاحزاب
وحده فلما ارتحلوا واستقلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون . وقيل
يا رسول الله ادع الله على ثقيف قال اللهم اهدثقيفا وائت بهم مسلمين .
ـ233ـ
ـ تسمية من استشهد بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ
عن ابن إسحق سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس وعرفطة بن
خباب حليف لهم من الازد بن الغوث ، قال ابن هشام ويقال حباب وعبدالله
ابن أبى بكر الصديق رمى بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعبدالله بن أبى أمية المخزومى وعبدالله بن عامر بن ربيعة العدوى حليف لهم
والسائب بن الحارث السهمى وأخوه عبدالله . ومن بنى سعد بن ليث جليحة بن
عبدالله ومن الانصار ثابت بن الجذع السلمى والحرث بن سهل بن أبى صعصعة
المازنى النجارى والمنذر بن عبدالله الساعدى ومن الاوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف إلى الجعرانة وبها قسم غنائم حنين كما تقدم .
قال ابن سعد ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدقين قالوا لما رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال المحرم سنة تسع بعث المصدقين يصدقون العرب فبعث
عيينة بن حصن إلى بنى تميم وبعث يزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار ويقال بعث
كعب بن مالك وبعث عباد بن بشر الاشهلى إلى سليم ومزينة وبعث رافع بن
مكيث إلى جهينة وبعث عمرو بن العاص إلى بنى فزارة وبعث الضحاك بن سفيان
الكلابى إلى بنى كلاب وبعث بسر بن سفيان الكعبى إلى بنى كعب وبعث
ابن الاتبية الازدى إلى بنى ذبيان وبعث رجلا من بنى سعد هذيم على صدقاتهم
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقيه ( 1 ) أن يأخذوا العفو منهم ويتوقوا كرائم أموالهم . قال
* ( هامش ) * ( 1 ) المصدق : الذى يجمع الزكاة . ( * )
ـ234ـ
ابن إسحق وبعث المهاجرين أبى أمية إلى صنعاء فخرج عليه العنسى وهو بها وبعث
زياد بن لبيد إلى حضر موت وبعث عدى بن حاتم على طئ وبنى أسد وبعث
مالك بن نويرة على صدقات بنى حنظلة وفرق صدقات بنى سعد على رجلين :
الزبرقان بن بدر على ناحية وقيس بن عاصم على ناحية والعلاء بن الحضرمى على
البحرين وبعث عليا إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم .
ـ سرية عيينة بن حصن الفزارى إلى بنى تميم ـ
وكانوا فيما بين السقيا وأرض بنى تميم وذلك في المحرم سنة تسع
قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزارى إلى بنى
تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجرى ولا أنصارى فكان يسير
الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا
الجمع ولوا وأخذ منهم أحد عشر رجلا ووجدوا في المحلة إحدى وعشرين امرأة
وثلاثين صبيا فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا
في دار رملة بنت الحارث فقدم فيهم عدة ( 1 ) من رؤسائهم عطارد بن حاجب والزبرقان
ابن بدر وقيس بن عاصم والاقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد
وعمرو بن الاهتم ورباح بن الحارث بن مجاشع فلما رأوهم بكى اليهم النساء والذرارى
فعجلوا وجاءوا إلى باب النبى صلى الله عليه وسلم فنادوا يا محمد اخرج الينا فخرج
* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية زيادة " قيل كانوا سبعين " . ( * )
ـ235ـ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بلال الصلاة وتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم
يكلمونه فوقف معهم ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد فقدموا عطارد
ابن حاجب فتكلم وخطب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن
شماس فأجابهم ونزل فيهم ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثر هم
لا يعقلون ) فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسرى والسبى . وذكر
ابن اسحق ما وقع بينهما من المفاخرة وما وقع بين الشاعرين الزبرقان بن بدر
وحسان بن ثابت من المفاخرة نظما فأنشد الزبرقان :
نحن الكرام فلا حى يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الاحياء كلهم * عند النهاب وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس الفزع
بما ترى الناس يأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم نصطنع
فننحر الكوم عبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا
فلا ترانا إلى حى نفاخرهم * إلا استقادوا فكانوا الرأس يقتطع
فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه * فيرجع القوم والاخبار تستمع
إنا أبينا ولم يأب لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع
وأنشد لحسان مجيبا له :
إن الذوائب من فهر وإخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بهم كل من كانت سريرته تقوى الاله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة * إن الخلائق فاعلم شرها البدع
ـ236ـ
إن كان في الناس سباقون بعدهم * فكل سبق لادنى سبقهم تبع
لايرفع الناس ما أوهت أكفهم * عند الدفاع ولا يوهون مارفعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحى عفتهم * لا يطبعون ولا يؤذى بهم طبع
لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طمع
إذا نصبنا لحى لم ندب له * كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلاخور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع * أسد بحلبة في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا * ولا يكن همك الامر الذى منعوا
فان في حربهم فاترك عداوتهم * شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم * إذا تفاوتت الاهواء والشيع
أهدى لهم مدحتى قلب يؤازره * فيما أحب لسان حائك صنع
فانهم أفضل الاحياء كلهم * إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
فلما فرغ حسان قال الاقرع بن حابس إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب
من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولاصواتهم أعلى من أصواتنا فلما فرغ
القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )
ـ237ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر ـ
والكلام على شئ من غريب شعره
الاقرع بن حابس لقب واسمه فراس وكان في رأسه قرع فلقب بذلك .
ذكر ذلك عن ابن دريد . واسم عيينة بن حصن حذيفة وكانت عينه جحظت
فلقب بذلك . والزبرقان القمر قال الشاعر :
تضئ به المنابر خين يرقى * عليها مثل ضوء الزبرقان
والزبرقان الخفيف العارضين واسمه الحصين . وقوله إذا لم يؤنس الفزع يريد
إذا كان الجدب ولم يكن في السماء سحاب يتفزع . والتفزع تفرق السحاب .
والكوم جمع كوماء وهى العظيمة السنام . والاعتباط الموت في الحداثة . قال
من لم يمت عبطة يمت هرما . ومتعوا ارتفعوا متع النهار إذا ارتفع . والذرع ولد
البقر وجمع ذرعان . وبقرة مذرع إذا كانت ذات ذرعان . والسلع شجر مر .
وشمعوا أى ضحكوا وفى الحديث " من تتبع المشمعة شمع الله به " يريد من ضحك
من الناس فأفرط في المزح وشمعت الجارية والدابة شموعا لعبت ومعناه في البيت
هزلوا ومنه امرأة شموع إذا كانت مزاحة . وذكر أن قيس بن عاصم كان يبغض
عمرو بن الاهتم وهو الذى ضرب أباه فهتم فاه ( 1 ) فشهر بالاهتم واسمه سنان بن سمى
فغض منه بعض الغض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فأعطاه رسول الله صلى
* ( هامش ) * ( 1 ) أى كسر ثناياه . ( * )
ـ238ـ
لله عليه وسلم كما أعطى القوم . ولما داربين عمرو وزبرقان قال عليه السلام يومئذ
إن من البيان لسحرا . وذلك أن عمرا قال في الزبر قان إنه لمطاع في أدينه سيد في
عشيرته فقال الزبرقان لقد حسدنى يا رسول الله لشرفى ولقد علم أفضل مما قال
فقال عمرو إنه لزير المروءة ضيق العطن لئيم الخال فعرف الانكار في وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت
وسخطت فقلت أقبح ما علمت ولقد صدقت في الاولى وما كذبت في الثانية ،
ويقال كانت أم الزبرقان باهلية فذلك أراد عمرو .
ـ سرية قطبة بن عامر بن حديدة ـ .
إلى خثعم بناحية بيشة قريبا من تربة في صفر سنة تسع
قال ابن سعد قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبه في عشرين رجلا
إلى حى من خثعم بناحية تبالة وأمره أن يشن الغارة فخرجوا على عشرة أبعرة
يعتقبونها فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضرة ويحذرهم
فضربوا عنقه ثم أقاموا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالا شديدا
حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعا وقتل قطبة بن عامر من قتل وساقوا النعم
والشاء والنساء إلى المدينة وجاء سيل أتى فحال بينهم وبينه فما يجدون اليه سبيلا
وكانت سهمانهم أربعة أبعرة والبعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أفرد الخمس .
ـ239ـ
ـ سرية الضحاك بن سفيان الكلابى إلى بنى كلاب ـ
في شهر ربيع الاول سنة تسع
قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى القرطاء عليهم الضحاك
ابن سفيان بن عوف بن أبى بكر الكلابى ومعه الاصيد بن سلمة بن قرط فلقوهم
بالزخ زخ لاوة فدعوهم إلى الاسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم فلحق الاصيد أباه
سلمة وسلمة على فرس له في غدير بالزخ ودعا أباه إلى الاسلام وأعطاه الامان
فسبه وسب دينه فضرب الاصيد عرقوبى فرس أبيه فلما وقع الفرس على عرقوبيه
ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك حتى جاء أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه
الزخ بالزاى والخاء ا لمعجمتعين . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في النهاية : زج لاوة هو بضم الزاى وتشديد الجيم موضع نجدى بعث
اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان يدعو أهله إلى الاسلام . وذكره في
القاموس في حرف الجيم
ـ240ـ
ـ سرية علقمة بن محرز المدلجى إلى الحبشة ـ
في شهرربيع الآخر سنة تسع
قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة ترا آهم أهل
جدة فبعث اليهم علقمة بن محرز في ثلثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر وقد خاض
اليهم البحر فهربوا منه . فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأذن لهم فتعجل
عبدالله بن حذافة السهمى فيهم فأمره على من تعجل وكانت فيه دعابة فنزلوا ببعض
الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها ويصطنعون فقال عزمت عليكم إلا تواثبتم
في هذه النار فقام بعض القوم فتحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال اجلسوا
إنما كنت أضحك معكم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
من أمركم بمعصية فلا تطيعوه .
ـ سرية عكاشة بن محصن ـ
إلى الجباب أرض عذرة وبلى وكانت في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة
ـ241ـ
ـ سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه ـ
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 241 سطر 1 الى ص 250 سطر 23
ـ سرية على بن أبى طالب رضى الله عنه ـ
إلى الفلس صم طى ليهدمه في التاريخ
قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب في خمسين ومائة رجل من
الانصار عل مائة بعير وخمسين فرسا ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس
ليهدموه فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر . فهدموا الفلس وحرقوه وملؤا
أيديهم من السبى والنعم والشاء . وفى السبى أخت عدى بن حاتم وهرب عدى
إلى الشام ووجدوا في خزانة الفلس ثلاثة أسياف رسوب والمخذم ( 1 ) وسيف يقال
له اليماتى وثلاثة أدراع . واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبى أبا قتادة واستعمل
على الماشية والرقة عبدالله بن عتيك فلمانزلوا رككا ( 2 ) . وعزل للنبى صلى الله عليه وسلم صفيا
رسوبا والمخدم ثم صار له بعد السيف الآخر وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسمهم
حتى قدم بهم المدينة . والفلس بضم الفاء وسكون اللام .
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الميم .
( 2 ) شرقى سلمى . ( * )
ـ242ـ
ـ خبر كعب بن زهير مع النبى صلى الله عليه وسلم وقصيدته ـ
وكان فيما بين رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف وغزوة تبوك
قال إبن إسحق ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير
ابن زهير إلى أخيه كعب يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا
بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقى من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة
ابن أبى وهب قد هربوا في كل وجه فان كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه تائبا وإن أنت لم تفعل فانج إلى
تجائك وكان كعب قد قال :
ألا أبلغا عنى بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحكك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل * على أى شئ غير ذلك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخا لكا ( 1 )
فان كنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعالكا ( 2 )
سقاك بها المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
قال وبعث بها إلى بحير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : على خلق لم ألف أما ولا أبا عليه وما تلفى عليه أبا لكا
( 2 ) سيأتى تفسير الغريب . في حاشية الاصل ( بلغ مقابلة لله الحمد ) .
ـ243ـ
فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سقاك بها المأمون صدق وإنه
لكذوب وأنا المأمون ولما سمع " على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه " قال أجل لم يلف
عليه أباه ولا أمه . ثم قال بجير لكعب :
من مبلغ كعبا فهل لك في التى * تلوم عليها باطلا وهى أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجو اذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت * من النار إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شئ دينه * ودين أبى سلمى على محرم
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من
كان في حاضره من عدو فقالوا هو مقتول فلما لم يجد من شئ بدا قال قصيدته
التى يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر خوفه وإرجاف الوشاة به
من عدوه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من
جهينة كما ذكر لى فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فصلى مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقم اليه واستأمنه فذكر لى أنه قام إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى جلس اليه فوضع يده في يده وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك
تابئا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال أنا
يارسول الله كعب بن زهير . قال ابن اسحق : فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة
أنه وثب عليه رجل من الانصار فقال يا رسول الله دعنى وعدو الله أضرب عنقه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك فانه قد جاء تائبا نازعا . قال فغضب
ـ244ـ
كعب على هذا الحى من الانصار لما صنع به صاحبهم وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل
من المهاجرين إلا بخير فقال في قصيدته التى قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول ( 1 )
وما سعاد غداة البين إذ برزت * إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذى ظلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذى شبم من ماء محنية * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفى الرياح القذى عنه وأفرطه * من صوب غادية بيض يعاليل
ويل امها خلة لو أنها صدقت * بوعدها أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد شيط من دمها * فجع وولع وإخلاف وتبديل
فما تقوم على حال تكون بها * كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالوصل الذى زعمت * إلا كما يمسك الماء الغرابيل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا * وما مواعيدها إلا الا باطيل
أرجو وآمل أن يعجلن في أمد * وما لهن اخال الدهر تعجيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت * إن الامانى والاحلام تضليل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها * إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولا يبلغها إلا عذافرة * فيها على الاين إرقال وتبغيل
من كل نضاخة الذفرى اذا عرقت * عرضتها طامس الاعلام مجهول
ترمى النجاد بعينى مفرد لهق * اذا توقدت الحزاز والميل
ضخم مقلدها فعم مقيدها * في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
حرف أخوها أبوها من مهجنة * وعمها خالها قوداء شمليل
* ( هامش ) * ( 1 ) شرح الغريب في الصفحة 213 وفى النسخ المطبوعة اختلاف ألفاظ مشهورة
ـ245ـ
يمشى القراد عليها ثم يزلفه * منها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحل عن عرض * مرفقها عن بنات الزور مفتول
قنواء في حرتيها للبصير بها * عتق مبين وفى الخدين تسهيل
كأن مافات عينيها ومذبحها * من خطمها ومن اللحيين برطيل
تمر مثل عسيب النخل ذاخصل * في غارز لم تخونه الاحاليل
تهوى على يسرات وهى لاهية * ذوابل وقعهن الارض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما * لم يقهن سواد الاكم تنعيل
يوما يظل به الحرباء مرتبيا * كأن ضاحيه في النار مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت * بقع الجنادب يركضن الحصى قيلوا
كان أوب ذراعيها وقد عرقت * وقد تلفع بالقور العساقيل
أوب يدى فاقد شمطاء معولة * قامت فجاو بها نكد مثا كيل
نواحة رخوة الضبعين ليس لها * لما نعى بكرها الناعون معقول
تفرى اللبان بكفيها ومدرعها * مشقق عن تراقيها رعابيل
تمشى الغواة بجنبيها وقولهم * إنك يا ابن أبى سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله * لا ألهينك إنى عنك مشغول
فقلت خلوا طريقى لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول
أنبئت أن رسول الله أو عدنى * والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذى أعطاك نافلة ال * - قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنى بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الاقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به * يرى ويسمع ما قد أسمع الفيل
لظل يرعد من وجد بوادره * إن لم يكن من رسول الله تنويل
ـ246ـ
حتى وضعت يمينى ما أنازعها * في كف ذى نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندى إذ أكلمه * وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الارض مخدره * في بطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس معفور خراديل
إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو نافرة * ولا تمشى بواديه الاراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البز والدرسان مأكول
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل
يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم * ضرب اذا عرد السود التنابيل
شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا اذا نيلوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل
قال ابن هشام : قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على النبى صلى الله عليه وسلم المدينة
وبيته حرف أخوها أبوها . ويمشى القراد . وبيته عيرانة قذفت . وبيته تمر مثل
عسيب النخل . وبيته تفرى اللبان . وبيته اذا يساور قرنا . وبيته ولا يزال بواديه
عن غير ابن إسحق قال ابن اسحق : قال عاصم بن عمر بن قتادة فلما قال
كعب * إذا عرد السود التنابيل * وإنما يريد معشر الانصار لما كان صاحبنا
صنع به وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ247ـ
حته غضبت عليه الانصار فقال بعد أن أسلم يمدح الانصار ويذكر بلاءهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعهم من اليمن :
من سره كرم الحياة فلا يزل * في مقنب من صالحى الانصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر * إن الخيار هم بنو الاخيار
الباذلين نفوسهم لنبيهم * يوم الهياج وفتية الاحبار
والذائدين الناس عن أديانهم بالمشرفى وبالقنا الخطار
المكرهين السمهرى بأدرع * كسوالف الهندى غير قصار
والناظرين بأعين محمرة * كالجمر غير كليلة الابصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم * للموت يوم تعانق وكرار
بتطهرون يرونه نسكا لهم * بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت ببطن خفية * غلب الرقاب من الاسود ضوار
وإذا حللت ليمنعوك اليهم * أصبحت عند معاقل الاعفار
ضربوا عليا يوم بدر ضربة * دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الاقوام علمى كله * فيهم لصدقنى الذين أمارى
قوم إذا خوت النجوم فانهم * للطارقين النازلين مقارى
في العز من غسان في جرثومة * أعيت محافرها على المنقار
ـ249ـ
ـ ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر ـ
أبوسلمى ربيعة بن رياح أحد بنى مزينة . والمأمون يعنى النبى صلى الله
عليه وسلم وكانت قريش تسميه أيضا الامين . ولعا كلمة تقال للعائر دعاء له
بالاقالة . تبلت المرأة فؤاد الرجل رمته بهجرها فقطعت قلبه . ومعلول من العلل
وهو الشرب الثانى والاول النهل ومنه قوله منهل ويستعمل معلول أيضا من الاعتلال
كما يقول الخليل في العروض . حكاه ابن القوطية ولم يعرفه ابن سيده . وشجت
بذى شبم يعنى الخمر وشجت كسرت من أعلاها لان الشجة لاتكون إلا في الرأس
والشبم البرد والشبم البارد . قاله الاصمعى وقال شج الشئ إذا علاه ومن هذا
شج الشراب وهو أن يعلوه بالماء فيمزجه به . ومشمول ضربه الشمال . وأفرطه أى
ملاه . عن السهيلى وعن عيره سبقه وتقدمه . واليعاليل السحاب وقيل جبال
ينحدر الماء من أعلاها . واليعاليل أيضا الغدران واحدها يعلول لانه يعل الارض
بمائه . وقال ابن سيده اليعلول الحبابة من الماء وهو أيضا السحاب المطرد .
وقيل القطعة البيضاء من السحاب . واليعول المطر بعد المطر . وبعد هذا البيت في
القصيدة وليس من الرواية :
من اللواتى إذا ما خلة صدقت * يشفى مضاجعها شم وتقبيل
بيضاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكى قصر منها ولا طول
ـ250ـ
قال الخشنى شيط مثل شاط يقال شاط دمه إذا سال وشاطت القدر إذا غلت
والصواب فيه سيط أى خلط ومزج . وكذلك فسره السهيلى أى خلط بلحمها
ودمها . وهذه الاخلاق التى وصفها بها من الولع وهو عندهم الكذب . والخلف
والفجع : قال ابن سيده الفجيعة الرزيئة بما يكره فجعه يفجعه فجعا . والغول التى
تتراءى بالليل . والسعلاة التى تتراءى بالنهار من الجن . وعرقوب بن صخر
من العماليق . وقيل بل هو من الاوس أو الخزرج وقصته في إخلاف الوعد مشهورة
حين وعد أخاه جنى نخلة له وعدا بعد وعد ثم جدها ليلا ولم يعطه شيئا . قاله
السهيلى وغيره وقال كان يسكن المدينة يثرب . والبيت المشهور * مواعيد عرقوب
أخاه بيثرب * ومن الناس من يقول يترب . يعنى أرضا للعماليق ولم تكن يثرب سكنى
العماليق فان كان من ساكنى المدينة كما ذكره السهيلى فالبيت مستقيم على الرواية
المشهورة . النجيبات السلسة السير و النجيبات السريعة . والمراسيل السهلة السير
التى تعطيك ما عندها عفوا . عذا فرة صلبة . إرقال اسراع . والتبغيل قال السهيلى
ضرب من السير سريع . وقال غيره سير البغال عرضتها جهة شوقها . والنجاد
الارض الصلبة . واللهق الحمار الوحشى . وقال مفرد لانه يرمى ببصره نحو الاتن
ولا يمشى إلا كدا معهن . والحزاز ما غلظ من الارض . والميل الاعلام . وقال
السهيلى ما اتسع من الارض . القوداء الطوبلة العنق . والشمليل السريعة السير .
والحرف الناقة الضامر . من مهجنة من إبل مستكرمة هجان . قال أبوالقاسم وقوله
أبوها أخوها أى إنها من جنس واحد في الكرم وقيل إنها من فحل حمل على
أمه فجاءت بهذه الناقة فهو أبوها وأخوها وكانت للناقة التى هى أم هذه بنت
أخرى من الفحل الاكبر فعمها خالها على هذا وهو عندهم من أكرم النتاج .
واللبان الصدر . وأقراب زهاليل خواصر ملس . وبنات الزور يعنى اللحمات
النابتة في الصدر . والبرطيل حجر مستطيل وهو أيضا المعول . والعسيب عظم
ـ251ـ
الذنب وجمعه عسبان . والخصل شعر الذنب . والتخون قال الاصمعى التنقص
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 251 سطر 1 الى ص 260 سطر 21
الذنب وجمعه عسبان . والخصل شعر الذنب . والتخون قال الاصمعى التنقص
والتخون أيضا التعهد . لم تخونه الاحاليل يريد رويت من اللبن . والاحاليل
الذكور . واليسر اللين والانقياد واليسر السهل . قال ابن سيده وإن قوائمه
ليسرات أى سهلة واحدتها يسرة ويسرة . وتحليل أى قليل . و العجايات عصب
يكون في اليدين والرجلين الواحدة عجاية . والزيم المتفرقة . والقور الحجارة السود .
والعساقيل هنا السراب . قال أبوالقاسم الخثعمى وهذا من المقلوب أراد وقد
تلفعت القور بالعساقيل . وقوله شمطاء معولة جعلها شمطاء لانها يائس من الولد
فهى أشد حزنا . والخراديل القطع من اللحم وفى الحديث " ومنهم المخردل " في صفة
المارين على الصراط أى تخردل لحمه الكلاليب التى حول الصراط . والاراجيل
جمع جمع وهو جمع أرجل وأرجل جمع رجل . والدريس الثوب الخلق . وزولوا أى هاجروا .
والتنابيل القصار . والفقعاء نبت قاله أبوحنيفة . والتهليل الفزع والجبن . وكعب بن
زهير من فحول الشعراء هو وأبوه وكذلك ابنه عقبة بن كعب وابن عقبة أيضا العوام
وهو القائل :
ألا ليت شعرى هل تغير بعدنا * ملاحة عينى أم عمرو وجيدها
وهل بيت أثوابها بعد جدة * ألا حبذا اخلاقها وجديدها
ومما يستحسن لكعب قوله :
لو كنت أعجب من شئ لاعجبنى سعى الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لامور ليس يدركها * فالنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ماعاش ممدود له أمل * لا تنتهى العين حتى ينتهى الاثر
ـ252ـ
يستحسن له أيضا قوله في النبى صلى الله عليه وسلم :
تخدى به الناقة الادماء معتجرا ( 1 ) * بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
ففى عطافيه أو أثناء بردته * ما يعلم الله من دين ومن كرم
* ( هامش ) * ( 1 ) الخدى ضرب من السير . ومعتجر أى ملتف ( * )
ـ253ـ
ـ غزوة تبوك في شهر رجب سنة تسع ـ
توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزو الروم
قال ابن اسحق وكان ذلك في زمن عسرة من الناس وجدب من البلاد وحين
طابت الثمار فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على الحال
من الزمان الذى هم عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة
إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك لبعد الشقة وشدة الزمان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس
أحد بنى سلمة يا جد هل لك العام في جلاد بنى الاصفر فقال يا رسول الله أتأذن لى
ولا تفتنى فوالله لقد عرف قومى أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء منى وإنى أخشى
إن رأيت نساء بنى الاصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد
أذنت لك ففيه نزلت ( ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ) وقال قوم من المنافقين
بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر . فأنزل الله فيهم ( وقالوا لا تنفروا في الحر . الآية ) ثم
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز وحض أهل
الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ،
وأنفق عثمان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها . وذكر ابن سعد قالوا بلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن هرقل قد
رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى
البلقاء وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
( لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا
ـ254ـ
ما ينفقون ) وهم سالم بن عمير وعلبة بن زيد وأبوليلى المازنى وعمرو بن عنمة ( 1 ) وسلمة
ابن صخر والعرباض بن سارية . وفى بعض الروايات وعبدالله بن مغفل ومعقل
ابن يسار . وعند ابن عائذ فيهم مهدى بن عبدالرحمن . وبعضهم يقول البكاؤون
بنو مقرن السبعة وهم من مزينة . وابن إسحق يعد فيهم عمرو بن الحمام بن الجموح
وقال وبعض الناس يقول عبدالله بن عمرو المزنى بدل ابن المغفل وهرمى بن
عبدالله الواقفى وفيما ذكر ابن إسحق أنه بلغه أن ابن يامين بن عمير بن كعب
النضرى لقى أبا ليلى وابن المغفل وهما كذلك فأعطاهما ناضحا ( 2 ) له وزودهما شيئا
من تمر . وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم فلم يعذرهم . قال ابن سعد وهم
اثنان وثمانون رجلا وكان عبدالله بن أبى بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في
حلفائه من اليهود و المنافقين فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين . وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق يصلى بالناس
واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الانصارى وقيل سباع بن عرفطة . ذكره
ابن هشام والاول أثبت . فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عبدالله بن أبى ومن
كان معه وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك
وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وأبوخيثمة السالمى وأبوذر الغفارى . وشهدها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من الناس والخيل عشرة آلاف فرس
وأقام بها عشرين ليلة يصلى ركعتين ولحقه بها أبوخيثمة السالمى وأبوذر وهرقل
يومئذ بحمص . وفيما ذكر ابن إسحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما أراد الخروج
خلف على بن أبى طالب على أهله فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استثقالا
* ( هامش ) * ( 1 ) علبة بضم العين . وعنمة بفتح العين والنون والميم .
( 2 ) أى جملا يستقى عليه ( * )
ـ255ـ
وتخفيفا منه فأخذ على سلاحة ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ( 1 ) فقال
يا نبى الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتنى أنك استثقلتنى وتخففت منى فقال كذبوا
ولكنى خلفتك لما تركت ورائى فارجع فاخلفنى في أهلى وأهلك أفلا ترضى يا على
أن تكون منى بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى . فرجع على إلى المدينة .
ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أيا ما إلى أهله في يوم حار فوجد
امرأتين في عريشين لهما في حائطه قدرشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له
فيها ماء وهيأت له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما
صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح ( 2 ) والريح والحر وأبوخيثمة في
ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش
واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيآ لى زادا ففعلتا ثم قدم
ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين
نزل تبوك وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحى في الطريق يطلب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى اذا دنوا من تبوك قال أبوخيثمة لعمير
ابن وهب إن لى ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ففعل حتى اذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك
قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كن أبا خيثمة قالوا يا رسول الله هو والله أبوخيثمة فلما أناخ أقبل فسلم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى لك يا أبا خيثمة
ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعاله
* ( هامش ) * ( 1 ) هو موضع قريب من المدينة .
( 2 ) بكسر الضاد أى الشمس . ( * )
ـ256ـ
بحير وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر فقال لا تشربوا من مائها
شيئا ولا يتوضأ منه للصبرة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الابل ولا تأكلوا
منها شيئا ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ففعل الناس إلا أن رجلين
من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعيره فأما الذى خرج
لحاجته فانه خنق على مذهبه . وأما الذى ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح
حتى طرحته بجبلى طئ فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم أن يخرج أحد
منكم إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذى خنق على مذهبه فشفى . وأما الآخر الذى
وقع بجبلى طئ فان طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة .
قال ابن إسحق بلغنى عن الزهرى أنه قال لما من رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا
إلا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم . قال ابن إسحق فلما أصبح الناس
ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم
من الماء ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى كان ببعض الطريق ضلت
ناقته فقال زيد بن اللصيت ( 1 ) وكان منافقا أليس محمد يزعم أنه نبى ويخبركم عن
خبر السماء وهو لايدرى أين ناقته فقال عليه السلام إن رجلا يقول وذكر مقالته
وإنى والله لا أعلم إلا ما علمنى الله وقد دلنى الله عليه وهى في الوادى في شعب
كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتونى بها فذهبوا فجاؤوه
بها ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون تخلف فلان
فنقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم اللام وفتح الصاد ، وروى " اللصيب " بالموحدة . ( * )
ـ257ـ
الله منه . وتلوم ( 1 ) أبوذر على بعيره . فلما أبطا عليه اخذ متاعه فحمله على ظهره ؟ ؟ ؟
خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شيا ونزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذا الرجل
يمشى على الطريق وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأمله
القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبوذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم
الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده .
قال ابن إسحق فحدثنى بريدة بن سفيان الاسلمى عن محمد بن كعب القرظى
عن عبدالله بن مسعود قال لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره لم يكن
معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلانى وكفنانى ثم ضمانى على قارحة
الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبوذر صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به وأقبل عبدالله بن مسعود في رهط
من أهل العراق عمار ( 2 ) فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قدكادت الابل
تطأها وقام اليها الغلام فقال هذا أبوذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على
دفنه قال فاستهل عبدالله يبكى ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشى وحدك وتموت
وحدك وتبعث وحدك . ثم نزل هو أصحابه فواروه ثم حدثهم عبدالله بن مسعود
حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك وقد كان رهط من المنافقين
منهم وديعة بن ثابت أخو بنى عمرو بن عوف . ومنهم رجل من أشجع حليف لبنى سلمة
يقال له مخشن ( 3 ) بن حمير يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : انتظر .
( 2 ) أى : معتمرين .
( 3 ) في ضبط اسمه خلاف . ( * )
ـ258ـ
تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بنى الاصفر كقتال العرب بعضهم بعضا
والله لكأنكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشن بن
حمير والله لوددت أنى أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة وانا ننفلت أن
ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى لعمار بن ياسر أدرك
القوم فانهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا
فانطلق اليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون
اليه فقال وديعة بن ثابت إنما كنا تخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ( ولئن سألتهم
ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ) وقال مخشن بن حمير والله يا رسول الله قعد بى
اسمى واسم أبى فكان الذى عفى عنه في هذه الآية فتسمى عبدالرحمن وسأل الله
أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر .
وذكر ابن عائذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل تبوك في زمان قل ماؤها فيه فاغترف
رسول الله صلى الله عليه وسلم غرفة بيده من ماء فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى
امتلات فهى كذلك حتى الساعة . ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب إيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه
الجزية وأتاه أهل جرباء وأدرح فأعطوه الجزية وكتب لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم كتابا وهو عندهم وكتب ليحنة بالمصالحة : بسم الله الرحمن الرحيم هذا
أمنة من الله ومحمد النبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة سفنهم وسيارتهم
في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبى ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن
وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فانه لا يحول ماله دون نفسه وإنه طيبة لمن
أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يردونه من بر أو بحر .
ـ259ـ
ـ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ـ
إلى أكيدر دومة
قال ابن اسحق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى
أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبدالملك رجل من كندة كان ملكا عليها وكان
نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد إنك ستجده يصيد البقر فخرج
خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له
ومعه امرأته فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته هل رأيت مثل
هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذه قال لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج له
وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان فركب وخرجوا معه
بمطاردهم ( 1 ) فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه وقد كان
عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستبله خالد فبعث به إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم قبل قدومه عليه . وفيه قال عليه السلام لمناديل سعد بن معاذ في
الجنة أحسن من هذا . ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته .
وقال ابن سعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا في أربعمائة وعشرين
فارسا سرية إلى أكيدر في رجب سنة تسع بدومة الجندل وبينها وبين المدينة
خمس عشرة ليلة . وذكر نحو ماتقدم وقال وأجار خالد أكيدر من القتل حتى
* ( هامش ) * ( 1 ) جمع مطرد كمنبر رمح قصيرر يطعن به الوحش . ( * )
ـ260ـ
يأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل ففعل وصالحه
على ألفى بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح فعزل للنبى صلى الله
عليه وسلم صفيا خالصا ثم قسم الغنيمة فأخرجا الخمس وكان للنبى صلى الله عليه
وسلم ثم قسم ما بقى في أصحابه فصار لكل واحد منهم خمس فرائض .
وذكر ابن عائذ في هذا الخبر أن أكيدر قال عن البقر والله ما رأيتها قط
جاءتنا إلا البارحة ولقد كنت أضمر لها اليومين والثلاثة ولكن قدر الله . وذكر
موسى بن عقبة اجتماع أكيدر ويحنة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما إلى الاسلام
فأبيا وأقرا بالجزية فقاضا هما رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية دومة وعلى
تبوك وعلى إيلة وعلى تيماء وكتب لهما كتابا .
رجع إلى خبر تبوك : قال ابن اسحق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ثم انصرف قافلا إلى المدينة وكان في الطريق
ماء يخرج من وشل ( 1 ) ما يروى الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له وادى المشقق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا
حتى نأتيه قال فسبقه اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أناه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له
يا رسول الله فلان وفلان وفلان فقال أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ثم
لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ثم نزل فوضع يده تحت الوشل
فجعل يصب في يده ماشاء الله أن يصب ثم نصحه ( 2 ) به ومسحه بيده ودعا رسول الله
* ( هامش ) * ( 1 ) الوشل الماء القليل ووشل الماء وشلا أى قطر وقيل الوشل حجر أو جبل يقطر منه الماء .
( 2 ) أى : رشه . ( * )
ـ261ـ
صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعوبه فانخرق من الماء كما يقول من سمعه ما إن له حسا كحس
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 261 سطر 1 الى ص 269 سطر 11
صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعوبه فانخرق من الماء كما يقول من سمعه ما إن له حسا كحس
الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لئن بقيتم أو من بقى منكم ليسمعن بهذا الوادى وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه .
قال وحدثنى محمد بن ابراهيم بن الحرث التيمى أن عبدالله بن مسعود كان يحدث
قال قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فرأيت
شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر اليها فاذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبوبكر وعمر وإذا عبدالله ذو البجادين المزنى قد مات وإذا هم قد حفروا
له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبوبكر وعمر يدليانه اليه وهو يقول
ادنيا إلى أخا كما فدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم إنى قد أمسيت راضيا عنه
فارض عنه قال يقول عبدالله بن مسعود ياليتنى كنت صاحب الحفرة . وقال صلى
الله عليه وسلم مرجعه من غزوة تبوك إن بالمدينة لاقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم
واديا إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم حبسهم العذر .
ـ263ـ
ـ امر مسجد الضرار ـ
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل في أوان ( 1 ) بلد بينه وبين
المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد الضرار أتوه وهو يتجهز إلى تبوك
فقالوا يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذى العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة
الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه فقال إنى على جناح سفر وحال شغل
أو كما قال صلى الله عليه وسلم ولو قدمنا إن شاء الله لاتينا كم فصبلينا لكم
فيه . فلما نزل بذى أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مالك بن الدخشم أخا بنى سالم بن عوف ومعن بن عدى أخابنى العجلان فقال
انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بنى
سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك بن الدخشم لمعن انظرنى
حتى أخرج اليك بنار من أهلى فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه
نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل
فيه من القرآن ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ) إلى آخر
القصه . وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا خذام بن خالد من بنى عبيد بن زيد
أحد بنى عمرو بن عوف ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب من
بنى أمية بن زيد ومعتب بن قشير وأبوحبيبة بن الازعر من بنى ضبيعة بن زيد
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " بذى عوان " وفى أخرى " بذى أوان " . وعند
القاضى عياض الصواب فيه " ذو أروان " . ( * )
ـ264ـ
وعباد بن حنيف وجارية بن عامر وابناه مجمع وريد ونبتل بن الحرث وبحزج وبحاد
ابن عثمان من بنى ضبيعة ووديعة بن ثابت من بنى أمية رهط أبى لبابة بن عبدالمنذر .
وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين وتخلف الثلاثة الذين ذكرناهم كعب ومرارة
وهلال فأما المنافقون فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولم يعذرهم الله ولا رسوله . وأما الثلاثة الآخرون فروينا من طريق
البخارى قال حدثنا يحيى بن بكير فثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن
عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك أن عبدالله بن كعب بن مالك كان
قائد كعب من بنيه جين عمى قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن
غزوة تبوك قال كعب لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة
تبوك غير أنى كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها إنما ؟ ؟ ؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم
على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين
تواثقنا على الاسلام وما أحب أن لى بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس
منها . كان من خبرى أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت في تلك الغزاة
والله ما اجتمعت عندى قبله راحلتان قط حتى جمعتها في تلك الغزاة ولم يكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى
للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذى يريد والمسلمون مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - قال
كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحى من الله .
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكى أتجهز معهم فأرجع
ـ265ـ
ولم اقض شيئا فاقول في نفسى اناقادر عليه فلم يزل يتمادى بى حتى اشتد بالناس
الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازى شيئا فقلت أتجهز
بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لاتجهز فرجعت ولم أقض شيئا
ثم غدت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بى حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن
أرتحل فأدركهم وليتنى فعلت فلم يقدر لى ذلك فكنت اذا خرجت في الناس بعد
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزننى أنى لا أرى إلا رجلا مغموصا ( 1 )
عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بنى سلمة
يا رسول الله حبسه برذاه ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله
يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال
كعب بن مالك فلما بلغنى أنه توجه قافلا حضرنى همى وطفقت أتذكر الكذب
وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذى رأى من أهلى
فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عنى الباطل وعرفت
أنى لن أخرج منه بشئ أبدا فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى
الله عليه وسلم قادما وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس
للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة
وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم
إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعالى فجئت أمشى حتى
جلست بين يديه فقال ما خلفك ألم تكن قدا بتعت ظهرك فقلت بلى إنى والله لو جلست
عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكنى
والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به على ليوشكن الله أن
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : ظنينا في دينه متهما بالنفاق . ( * )
ـ266ـ
يسخطك على ولئن حدثتك حديث صدق مجد على فيه ؟ ؟ ؟ لارجو فيه عفو الله
لا والله ما كان لى من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت
عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله
فيك فقمت وثار رجال من بنى سلمة فاتبعونى فقالوا لى والله ما علمناك كنت
أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما
اعتذر اليه المخلفون قد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه
وسلم لك فوالله ما زالوا يؤنبونى حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسى ثم قلت لهم
هل لقى هذا أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت
من هما قالوا مرارة بن الربيع العمرى وهلال بن أمية الواقفى فذكروا لى رجلين
صالحين شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لى ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغير والنا
حتى تنكرت في نفسى الارض فما هى التى أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما
صاحباى فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم
فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطواف في الاسواق ولا يكلمنى أحد
وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسى هل
حرك شفتيه برد السلام على أم لا ثم أصلى قريبا منه فأسارقه النظر فاذا أقبلت على
صلاتى أقبل إلى واذا التفت نحوه أعرض عنى حتى اذا طال على ذلك من جفوة
الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبى قتادة وهو ابن عمى وأحب الناس
إلى فسلمت عليه فوالله مارد على السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمنى
أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله
ورسوله أعلم ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت الجدار ، قال فبينا أنا أمشى
ـ267ـ
بسوق المدينة اذا نبطى من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول
من يدلنى على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى جاءنى دفع إلى كتابا
من ملك غسان فاذا فيه أما بعد فانه بلغنى أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله
بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأته وهذا أيضا من البلاء
فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى اذا مضت أربعون ليلة من الخمسين اذا رسول
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل
امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبى
مثل ذلك فقلت لامرأتى الحقى بأهلك فتكونى عندهم حتى يقضى الله في هذا
الامر . قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول
الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا
ولكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شئ والله مازال يبكى منذ كان
من أمره ما كان إلى يومه هاذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لا مرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله
لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدرينى ما يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم اذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى
كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا .
فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا بينا أنا
جالس على الحال التى قد ذكر الله تعالى ضاقت على نفسى وضاقت على الارض
بما رحبت سمعت صوت صارخ أو في على جبل سلح بأعلى صوته ( 1 ) يا كعب بن
مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج . وآذن رسول الله صلى
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة زيادة " يقول " . ( * )
ـ268ـ
الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشرونا
وذهب قبل صاحبى مبشرون وركض إلى رجل فرسا . وسعى ساع من أسلم فأوفى
على ذروة الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءنى الذى سمعت صوته
يبشرنى نزعت له ثوبى فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ
واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقانى
الناس فوجا فوجا يهنئونى بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك . قال كعب حتى
دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلى
طلحة بن عبيدالله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام إلى رجل من المهاجرين
غيره ولا أنساها لطلحة . قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير
يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله
قال لا بل من عندالله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سر استنار وجهه
حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله
إن من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة إلى الله والى رسوله . قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك . قلت فأنى أمسك سهمى
الذى بخيبر فقلت يا رسول الله إن الله إنما نجانى بالصدق ، وإن من توبتى أن
لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق
الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلانى ما تعمدت منذ
ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم هذا كذبا وإنى لارجو
أن يحفظنى الله فيما بقيت وأنزل الله تعالى على رسوله عليه السلام ( لقد تاب الله
على النبى و المهاجرين والانصار - إلى قوله - وكونوا مع الصادقين ) فوالله ما أنعم
ـ269ـ
الله على نعمة قط بعد أن هدانى للاسلام أعظم في نفسى من صدقى لرسول الله
صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فان الله
تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحى شر ما قال لاحد فقال الله تبارك وتعالى
( سيحلفون بالله لكم ) إلى قوله ( فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) قال كعب
وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى
قضى الله فيه فبذلك قال الله تعالى ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) وليس الذى ذكر
الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له
واعتذر اليه فقبل منه . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )
ـ271ـ
ـ امر وفد ثقيف وإسلامها ـ
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 271 سطر 1 الى ص 280 سطر 13
ـ امر وفد ثقيف وإسلامها ـ
في شهر رمضان سنة تسع
قال ابن اسحق وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه
في ذلك الشهر وقد ثقيف وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يقبل إلى المدينة
فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالاسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتحدث قومه
انهم قاتلوك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة للامتناع الذى كان
منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبكارهم - قال ابن هشام من أبصارهم -
وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه
لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم إلى الاسلام وأظهر لهم دينه
رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله فيزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم
يقال له أوس بن عوف أخو بنى سالم بن مالك ، ويزعم الاحلاف أنه قتله رجل
منهم من بنى عتاب بن مالك يقال له وهب بن جابر فقيل لعروة ماترى في دمك
قال كرامة أكرمنى الله بها وشهادة ساقها الله إلى فليس في إلا ما في الشهداء الذين
قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنونى معهم فدفنوه معهم
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه إن مثله في قومه لكمثل صاحب
ـ272ـ
س في قومه ، ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم
ورأوا أنهم لاطاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا وأجمعوا أن
يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كما أرسلوا عروة فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير
وكان سن عروة بن مسعود ، وعرضوا عليه ذلك فأبى أن يفعل وخشى أن يصنع
به اذا رجع كما صنع بعروة فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معى رجالا فأجمعوا أن
يبعثوا معه رجلين من الاحلاف وثلاثة من بنى مالك فيكونون ستة فبعثوا مع عبديا ليل
الحكم بن عمرو بن وهب بن معنب وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب ومن
بنى مالك عثمان بن أبى العاص بن بشر بن عبد دهمان أخابنى يسار وأوس بن
عوف أخابنى سالم ونمير بن خرشة بن ربيعة أخابنى الحارث فخرج بهم فلما دنوا
من المدينة ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة فاشتد ليبشر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقدومهم عليه فلقيه أبوبكر فقال له أقسمت عليك لا تسبقنى إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل فدخل أبوبكر على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم عليه . ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر
معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا بتحية
الجاهلية . ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية
المسجد كما يزعمون ، فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذى يمشى بينهم وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم وكان خالد الذى كتبه وكانوا لا يطعمون
طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالدا حتى
أسلموا ، وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية وهى
اللات لايهدمها ثلاث سنين فأبى رسول الله ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة
وسنة ويأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد قدومهم فأبى عليهم أن يدعها
ـ273ـ
شيئا مسمى وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم
وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام فأبى رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها
وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم
بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم
منه وأما الصلاة فانه لاخير في دين لاصلاة فيه فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبى العاص وكان من أحدثهم
سنا وذلك أنه كان أحرصهم على التفقة في الاسلام وتعلم القرآن فلما فرغوا من
أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب
والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى اذا قدموا الطائف أراد
المغيرة أن يقدم أباسفيان فأبى ذلك أبوسفيان عليه . وقال ادخل أنت على قومك
وأقام أبوسفيان بماله بذى الهرم فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها ليضربها بالمعول
وقام قومه دونه بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة وخرج نساء
ثقيف حسرا يبكين عليها . ويقول أبوسفيان والمغيرة يضربها بالفأس واهالك
واها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبى سفيان وحليها مجموع
ومالها من الذهب والفضة والجذع وقد كان أبومليح بن عروة وقارب بن الاسود
قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة يريدان
فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شئ أبدا فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم توليا من شئتما فقالا نتولى الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالكما
أباسفيان بن حرب فقالا وخالنا أبا سفيان فلما أسلم أهل الطائف ووجه
أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبومليح
ـ274ـ
ابن عروة أن يقضى عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال له قارب بن الاسود وعن الاسود يا رسول الله
فاقضه وعروة والاسود أخوان لاب وأم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الاسود مات
مشركا فقال قارب يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة يعنى نفسه وإنما الدين
على وإنما أنا أطلب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضى
دين عروة والاسود من مال الطاغية فقضى وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم الذى كتبه لهم : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبى رسول الله إلى المؤمنين
إن عضا وج ( 1 ) وصيده لا يعضد من وجد يفعل شيئا من ذلك فانه يجلد وينزع ثيابه
فان تعدى ذلك فانه يؤخذ فيبلغ النبى محمدا صلى الله عليه وسلم وأن هذا أمر
النبى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب خالد بن سعيد بن العاص بأمر
الرسول محمد بن عبدالله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الواو وتشديد الجيم اسم الطائف . ( * )
ـ275ـ
ـ حج ابى بكر بالناس في سنة تسع ـ
قال ابن سعد قالوا استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق على الحج فخرج
؟ ؟ ؟ ثلاثمائة رجل من المدينة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين
بدنة قلدها وأشعرها بيده عليها ناجية بن جندب الاسلمى وساق أبوبكر خمس
بدنات فلما كان بالعرج - وابن عائذ يقول بضجنان - لقيه على بن أبى طالب على
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء فقال له أبوبكر استعملك رسول الله
صلى الله عليه وسلم على الحج قال لا ولكن بعثنى أقرأ براءة على الناس وأنبذ
إلى كل ذى عهد عهده فمضى أبوبكر فحج بالناس وقرأ على بن أبى طالب براءة
يوم النحر عند الجمرة ونبذ إلى كل ذى عهد عهده وقال لا يحج بعد العام مشرك
ولا يطوف بالبيت عريان ، ثم رجعا قافلين إلى المدينة . وفيما ذكر ابن عائذ أن
المشركين كانوا يحجون مع المسلمين ويعارضهم المشركون باعلاء أصواتهم
ليغلطوهم بذلك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وماملك ويطوف رجال
منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل يعظمون بذلك الحرمة ويقول بعضهم
أطوف بالبيت كما ولدتنى أمى ليس على شئ من الدنيا خالطه الظلم فكره رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يحج ذلك العام وأمر الله ببراءة وذكر تمام الخبر .
وفيه فلما كان يوم النحر يوم الحج الاكبر أذن ببراءة من عهد كل مشرك لم يسلم
ـ276ـ
أن لا يدخل المسجد الحرام بعد ذلك العام وبين لهم مدة الله التى ضرب على لسان
نبيه أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا فقالوا بل الآن لا نبتغى تلك المدة نبرأ
منك ومن ابن عمك إلا من الضرب والطعن فحج الناس عامهم ذلك فلما رجعوا
أرغب الله المشركين فدخلوا في الاسلام طوعا وكرها . وكان العهد بين رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عاما وخاصا فالعام أن لا يصد أحد عن
البيت جاءه ولا يخاف أحد في الاشهر الحرم فانتقض ذلك بسورة براءة والخاص
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب إلى آجال مسماة ولذلك
قال ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا - الآية ) ذكر معناه
ابن اسحق وذكر تمام الآى من سورة براءة وتفسيرها .
ـ277ـ
15 - ـ وفود العرب ـ
وفى سنة تسع قدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تسمى بذلك
ففيها قدم وفد بنى تميم الذى تقدم ذكره . وفيها قدم وفد بنى عامر فيهم عامر بن
الطفيل وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر وجبار بن سلمى بن مالك بن
جعفر . قاله ابن اسحق قال وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم فقدم عامر
ابن الطفيل عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به وقد قال
له قومه يا عمر إن الناس قد أسلموا فأسلم قال والله لقد كنت آليت لا أنتهى حتى
يتبع العرب عقبى فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لاربد إذا قدمنا
على الرجل فانى شاغل عنك وجهه فاذا فعلت ذلك فاعله بالسيف فلما قدموا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا محمد خالنى قال لا والله حتى
تؤمن بالله وحده قال يا محمد خالنى وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به
فجعل أربد لا يجير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال يا محمد خالنى قال لاحتى
تؤمن بالله وحده لا شريك له فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما
والله لاملانها عليك خيلا ورجالا فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم
اكفنى عامر بن الطفيل فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لاربد
ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به والله ما كان على ظهر الارض رجل هو أخوف
ـ278ـ
عندى على نفسى منك وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا قال لا أبا لك لا تعجل على
والله ما هممت بالذى أمرتنى به من أمره إلا دخلت بينى وبين الرجل حتى ما أرى
غيرك أفأضربك بالسيف . وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض
الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة
من بنى سلول فجعل يقول يابنى عامر أغدة البكر في بيت امرأة من بنى
سلول ثم خرج أصحابه حين وأروه التراب حتى قدموا أرض بنى عامر فلما قدموا
أتاهم قومهم فقالوا ماوراءك يا أربد قال لا شئ والله لقد دعانا إلى عبادة شئ لوددت
أنه عندى الآن فأرميه بالنبل حتى أقلته فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له
يتبعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما .
ـ279ـ
ـ قدوم ضمام بن ثعلبة ـ
قرأت على أبى الفتح يوسف بن يعقوب الشيبانى بسفح قاسيون أخبركم أبواليمن
الكندى قراءة عليه وأنتم تسمعون سنة سبع وستمائة وأبومحمد عبدالعزيز بن
الاخضر إجازة من بغداد قالا أنا الحافظ أبوالقاسم بن السمرقندى سماعا قال
أنا أبوالحسين بن النقور قال أنا أبوالقاسم عيسى بن على بن الجراح الوزير قراءة
عليه وأنا أسمع فثنا أبوالقاسم عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوى فثنا اسحق
ابن ابراهيم المروزى قال حدثنى أبوعمارة حمزة بن الحارث بن عمير وهو أبوعمير
قال سمعت أبى يذكر عن عبيدالله بن عمر عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى
هريرة قال : بينما النبى صلى الله عليه وسلم مع أصحابه متكئا - أو قال جالسا -
جاء هم رجل من أهل البادية فقال أيكم ابن ع بدالمطلب قالوا هذا الامغر المرتفق
قال حمزة الامغر الابيض مشرب حمرة ، والمرتفق مثل المتكئ - قال فدنامنه
وقال إنى سائلك فمشتد عليك في المسألة فقال سل عما بدالك فقال أنشدك برب
من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله أمرك
أن تصلى خمس صلوات في كل يوم وليلة قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله
أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا قال اللهم نعم قال وأنشدك
بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثنى عشر شهرا قال اللهم نعم قال فأنشدك
ـ280ـ
بالله آلله أمرك أن يحتج هذا البيت من استطاع اليه سبيلا قال اللهم نعم قال فانى
قد آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة وأما هذه الهناة فوالله إن كنا لنتنزه عنها
في الجاهلية . قال حمزة فسمعت أبى يقول الهناة الفواحش قال فلما أن ولى قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقه الرجل . قال فكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول :
ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة . وذكر ابن اسحق هذا
الخبر وقال فيه إن ضماما قال لقومه عند ما رجع اليهم إن الله قد بعث رسولا وأنزل
عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ومانها كم عنه
قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما قال يقول
عبدالله بن عباس فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة . ذكره عن
محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )
ـ281ـ
ـ قدوم الجارود بن بشر بن المعلى ـ
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 281 سطر 1 الى ص 290 سطر 7
ـ قدوم الجارود بن بشر بن المعلى ـ
في وفد عبدالقيس وكان نصرانيا
قال ابن إسحق فحدثنى من لا أتهم عن الحسن قال لما انتهى إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلمه فعرض عليه رسول الله صلى الل عليه وسلم الاسلام ودعاه اليه ورغبه
فيه فقال يا محمد إنى قد كنت على دين وإنى تارك دينى لدينك أفتضمن لى دينى
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا ضامن ان قد هداك الله إلى ما هو
خير منه قال فأسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان
فقال والله ما عندى ما أحملكم عليه فقال يا رسول الله فان بيننا وبين بلادنا ضوال
من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا قال لا إياك وإياها فانما تلك حرق
النار . فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه وكان حسن الاسلام صليبا على دينه
حتى هلك وقد أدرك الردة فلما رجع قومه من كان أسلم منهم إلى دينه الاول مع
المغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فتشهد شهادة الحق ودعا إلى الاسلام
فقال أيها الناس إنى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله وأكفر من لم يشهد . وقد روينا خبر قدومه من حديث سليمان بن على عن على
ابن عبدالله عن عبدالله بن العباس وفيه إنشاده النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه في قومه :
ـ282ـ
يا نبى الهدى أتنك رجال * قطعت فدفدا ( 1 ) وآلافالا ( 2 )
وطوت نحوك الضحاضع ( 3 ) طرا * لا تخال الكلال فيه كلالا
كل دهناء ( 4 ) يقصر الطرف عنها * أرقلتها قلاصنا ( 5 ) إرقالا
وطوتها الجياد تجمع فيها * بكماة كأنجم تتلالا
تبتغى دفع بؤس يوم عباس * أوجل القلب ذكره ثم هالا
* ( هامش ) * ( 1 ) الفدفد : الفلاة من الارض .
( 2 ) الآل السراب .
( 3 ) الضحضاح هو مارق من الماء على وجه الارض .
( 4 ) الدهناء الفلاة .
( 5 ) أى قطعتها نوقنا . ( * )
ـ283ـ
ـ قدوم بنى حنيفة ـ
ومعهم مسيلمة الكذاب
قال ابن اسحق وكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الانصار ثم من بنى
؟ ؟ ؟ فحدثنى بعض علمائنا من أهل المدينة أن بنى حنيفة أتت به رسول الله
صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب
من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه
بالثياب كلمه وسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتنى هذا العسيب
ما أعطيتكه . قال ابن اسحق وقد حدثنى شيخ من بنى حنيفة من أهل اليمامة أن
حديثه كل على خلاف هذا : أن وفد بنى حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا
قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفى ركابنا يحفظها لنا قال فأمر له رسول الله صلى
الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم وقال أما إنه ليس بشركم مكانا أى لحفظه ضيعة
أصحابه ذلك الذى يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ثم انصرفوا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجاءوه بما أعطاه فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب
لهم وقال إنى قد أشركت في الامر معه وقال لوفده الذين كانوا معه ألم يقل لكم
حين ذكر تمونى له أما إنه ليس بشركم مكانا ما ذاك إلا لما كان يعلم أنى قد
ـ284ـ
أشركت في الامر معه ثم جعل يسجع لهم ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن :
لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا . وأحل
لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه نبى فأصفقت مع حنيفة على ذلك فالله أعلم أى ذلك كان .
قلت كان مسيلمة صاحب نيرو جات يقال إنه أول من أدخل البيضة في القارورة
وأول من وصل جناح الطائر المقصوص وكان يدعى أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب
منها . قتله زيد بن الخطاب رضى الله عنه يوم اليمامة وقال رجل من نبى حنيفة يرثيه :
لهفى عليك أبا ثمامه * لهفى على ركنى شمامه
كم آية لك فيهم * كالشمس تطلع من غمامه
حكاه السهيلى وقال كذب بل كانت آياته منكوسة يقال إنه تفل في بئر قوم
سألوه ذلك تبركا فملح ماؤها ومسح رأس صبى فقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في
ابنين له بالبركة فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله
الذئب ومسح على عينى رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه .
ـ285ـ
ـ قدوم زيد الخيل بن مهلهل الطائى ـ
في وفد طئ
قال ابن اسحق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طئ فيهم زيد الخيل وهو
سيدهم فلما انتهوا اليه كلمهم وعرض عليهم الاسلام فأسلموا وحسن إسلامهم .
وقال عليه السلام ما ذكر لى رجل من العرب بفضل ثم جاءنى إلا رأيته دون ما قيل فيه
إلا زيد الخيل فانه لم يبلغ كل ما فيه . ثم سماه زيد الخير وقطع له فيد وأرضين
معه وكتب له بذلك فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى
قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ينج زيد من حمى المدينة فانه قال قد سماها رسول
الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى وغير أم ملدم ( 1 ) فلم يثبته فلما انتهى من بلد
نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة أصابته الحمى بها فمات فلما أحس زيد بالموت قال :
أمر تحل قومى المشارق غدوة * وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادنى * عوائد من لم يبر منهن يزهد
فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان من كتبه التى أقطعها له رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأحرقتها بالنار . قال أبوعمر وقيل بل مات في آخر خلافة عمر وكان قد
أسر عامر بن الطفيل قبل إسلامه وجز ناصيته . وكان له ابنان مكنف وبه كان يكنى
وحريث أسلما وصحبا النبى صلى الله عليه وسلم وشهدا قتال أهل الردة مع خالد .
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الميم وقيل تفتح والدال المهملة ، وتعجم . ( * )
ـ286ـ
ـ قدوم عدى بن حاتم الطائى ـ
قال ابن اسحق وكان يقول فيما بلغنى ما رجل من العرب كان أشد كراهية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به منى أما أنا فكنت امرا شريفا وكنت نصرانيا
وكنت أسير في قومى بالمرباع ( 1 ) فكنت في نفسى على دين وكنت ملكا في قومى
لما كان يصنع بى فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته فقلت لغلام
كان لى عربى وكان راعيا لابلى اعزل لا أبا لك اعزل لى من إبلى أجمالا ذللا
سمانا فاحبسها قريبا منى فاذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذنى ففعل
ثم إنه أتانى ذات غداة فقال يا عدى ما كنت صانعا إذا غشيك محمد فاصنعه الآن
فانى قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا هذه جيوش محمد قال فقلت فقرب لى
أجمال فقربها فاحتملت بأهلى وولدى ثم قلت ألحق بأهل دينى من النصارى
بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفنى خيل
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى
الله عليه وسلم في سبايا من طئ وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربى إلى
الشام فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت اليه وكانت امرأة جزلة ( 2 ) فقالت يا رسول
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يأخذ الربع من الغنيمة دون أصحابه .
( 2 ) أى : عاقلة . ( * )
ـ287ـ
الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن على من الله عليك وقال من وافدك قالت
عدى بن حاتم فقال الفار من الله ورسوله . ثم مضى وتركنى حتى إذا كان من الغد
مربى فقلت له مثل ذلك وقال لى مثل ما قال بالامس حتى إذا كان بعد الغد مر
بى وقد يئست فأشار إلى رجل من خلفه أن قومى فكلميه قالت فقمت اليه فقلت
يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد ( 1 ) فامنن على من الله عليك فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد فعلت فلا تعجلى بخروج حتى تجدى من قومك من يكون
لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنينى . فسألت عن الرجل الذى أشار إلى أن
كلميه فقيل هو على بن أبى طالب فأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة قالت
وإنما أريد أن آتى أخى بالشام قالت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت يا رسول الله قد قدم رهط من قومى لى فيهم ثقة وبلاغ قالت فكسانى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وحملنى وأعطانى نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام قال عدى
فوالله إنى لقاعد في أهلى إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى تؤمنا قال فقلت ابنة
حاتم قال فاذا هى هى فلما وقفت على انسجلت تقول القاطع الظالم احتملت بأهلك
وولدك وتركت بقية والديك عورتك قال قلت أى أخيه لاتقولى إلا خيرا فوالله
مالى من عذر لقد صنعت ما ذكرت قال ثم نزلت فأقامت عندى فقلت لها وكانت
امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا
فان يكن الرجل نبيا فللسابق اليه فضله وإن يك ملكا فلن تذل في عز اليمن
وأنت أنت قال قلت والله إن هذا للرأى قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه فقال من الرجل فقلت عدى بن حاتم
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بى إلى بيته فوالله إنه لعامد بى اليه إذ لقيته امرأة
* ( هامش ) * ( 1 ) سيأتى تفسير الغريب . ( * )
ـ288ـ
ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال قلت في نفسى
والله ما هذا بملك قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا دخل بيته
تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلى فقال اجلس على هذه قال فقلت بل
أنت فاجلس عليها قال بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالارض قال قلت في نفسى والله ما هذا بأمر ملك ثم قال إيه ياعدى بن
جاتم ألم تك ركوسيا ( 1 ) قال قلت بلى قال أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع قال قلت
بلى قال فان ذلك لم يكن يحل لك في دينك قال قلت أجل والله قال وعرفت أنه
نبى مرسل يعلم ما يجهل ثم قال لعلك يا عدى إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين
ماترى من حاجتهم فوالله ليو شكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن
أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ،
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وايم الله
ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بال قد فتحت عليهم قال فأسلمت
قال فكان عدى يقول مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن قد رأيت
القصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم وقد رأيت المرأة تخرج من
القادسية على بعيرها ولا تخاف حتى تحج هذا البيت وايم الله لتكونن الثالثة
ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه . الركوسية قوم لهم دين قوله وغاب الوافد
بالواو وقال بعض الناس لا معنى له إلا على وجه بعيد . قال ووجدت الرقام ذكره
في كتابه الرافد بالراء وهو أشبه .
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الراء وضم الكاف فرقة لهم دين أخذ من النصرانية والصابئين . ( * )
ـ289ـ
ـ قدوم فروة بن مسيك المرادى ـ
قال ابن اسحق وقدوم فروة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لملوك كندة وقد كان
قبيل الاسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى
أثخنوهم في يوم كان يقال له الردم فكان الذى قاد إلى مراد همدان الاجدع بن مالك
في ذلك اليوم - وابن هشام يقول مالك بن خزيم وعن الدارقطنى وابن ماكولا
فيه حريم بفتح الحاء مكسور الراء المهملتين قبل هو والد مسروق بن الاجدع .
حكاه الدارقطنى وتبعه ابن ماكولا وهو مما أنكره الوقثى وقال ليس مالك بن
حريم جد مسروق كما زعم لان مالكا من بنى دالان بن سابقة بن ناشح بن
ذافع بن مالك بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان ومسروقا من بنى معمر بن
الحارث بن سعد بن عبدالله بن وداعة بن عمرو بن عامر بن ناشح رأيته بخط
الاستاذ أبى على الشلوبين وقد أسقط بين جشم بن خيوان حاشد بن جشم .
كذا هو عند الرشاطى جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف . ولما توجه
فروة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرجل حان الرجل عرق نسائها
قربت راحلتى أؤم محمدا * أرجو فواضلها وحسن ثرائها
ـ290ـ
وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم قال يا رسول الله
من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومى يوم الردم ولا يسوءه فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم أما إن ذلك لم يزد قومك في الاسلام إلا خيرا واستعمله على مراد
وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان
معه في بلاده حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( * )
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )
ـ291ـ
ـ قدوم عمرو بن معدى كرب
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 291 سطر 1 الى ص 300 سطر 10
ـ قدوم عمرو بن معدى كرب
وقدم عمرو بن معدى كرب في أناس من بنى زبيد قدم عمرو فأسلم وكان قد
قال لقيس بن مكشوح المرادى وقيس ابن أخته ياقيس إنك سيد قومك وقد
ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبى فانطلق
بنااليه حتى نعم علمه فان كان نبيا كما يقول فانه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه
وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسبقه رأيه فركب عمرو حتى
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وصدقه وآمن به فلما بلغ ذلك قيسا
أوعد عمرا فقال عمرو في ذلك شعرا أوله :
أمرتك يوم ذى صنعا * ء أمرا باديا رشده
وأقام عمرو في قومه من بنى زبيد وعليهم فروة بن مسيك فلما توفى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو . قاله ابن اسحق . وذكر أبوعمرو من طريق
ابن عبدالحكم فثنا الشافعى قال : وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن
أبى طالب وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن قال : إذا اجتمعتما فعلى
الامير واذا افترقتما فكل واحد منكم أمير فاجتمعا وبلغ عمرو بن معدى كرب
مكانهما فأقبل في جماعة من قومه فلما دنا منهما قال دعونى حتى آتى هؤلاء
ـ292ـ
القوم فأنى لم أسم لاحد قط إلا هابنى . فلما دنا منهما نادى أنا أبوثور أنا عمرو بن
معدى كرب فابتدره على وخالد وكلاهما يقول لصاحبه خلنى وإياه ويفديه بأبيه
وأمه فقال عمرو اذ سمع قولهما العرب تفزع بى وأرانى لهؤلاء جزرة . فانصرف عنهما
وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة وكان شاعرا محسنا فمما يستجاد من شعره قوله :
أعادل عدتى يزنى ( 1 ) ورمحى * وكل مقلص سلس القياد
أعادل إنما أفنى شبابى * إجابتى الصريح إلى المنادى
مع الابطال حتى سل جسمى * وأقرح عاتقى حمل النجاد ( 2 )
ويبقى بعد حلم القوم حلمى * ويفنى قبل زاد القوم زادى
تمنى أن يلاقينى قييس * وددت وأينما منى ودادى
فمن ذا عاذرى من ذى سفاه * يرود بنفسه شر المراد
أريد حباءه ( 3 ) ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد
يريد قيس بن مكشوح . وأسلم قيس بعد ذلك وله ذكر في الصحابة وقيل
كان إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان شجاعا فارسا شاعرا . وكان يناقض
عمرا وهو القائل لعمرو
فلو لا قيتنى لاقيت قرنا ( 4 ) * وودعت الحبائب بالسلام
لعلك موعدى ببنى زبيد * وما قامعت من تلك اللئام
ومثلك قد قرنت له يديه * إلى اللحيين يمشى في الخطام
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاستيعاب " بدنى " .
( 2 ) بكسر النون حمائل السيف .
( 3 ) بالكسر والمد العطاء . وفى رواية " حياته " .
( 4 ) القرن الكفء ( * )
ـ293ـ
ـ قدوم الاشعث بن قيس ـ
وقدم الاشعث بن قيس في ثمانين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجلوا جمهم وتكحلوا وعليهم جبب الحبرة قد كففوها بالحرير
فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا الحرير
في أعمناقكم قال فشقوه منها فألقوه وقالوا يا رسول الله نحن بنوآ كل المرار ( 1 ) وأنت
ابن آكل المرار . قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نحن بنى النضير
ابن كنانة لا نفقو أمنا ولا ننتفى من أبينا . كان الاشعث رئيسا مطاعا في الجاهلية
وجيها في قومه في الاسلام إلا أنه كان ممن ارتد بعد النبى صلى الله عليه وسلم ثم راجع الاسلام
في خلافة أبى بكر الصديق وشهد بعد ذلك مع سعد القادسية والمدائن وجلولاء
ونهاوند ومات سنة أربعين أواثنين وأربعين بالكوفة . وآكل المرار الحارث بن
عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن كندة وقيل جده حجر بن عمر أكل
هو وأصحابه في غزوة شجرا يقال له المرار وللنبى صلى الله عليه وسلم جدة من كندة مذكورة
هى أم كلاب بن مرة فذلك أراد الاشعث .
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الميم ( * )
ـ294ـ
ـ قدوم صرد به عبدالله الازدى ـ
وقدم صرد بن عبدالله الازدى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من
الازد فأمره على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل
الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بجرش وهى يومئذ مدينة مغلقة وبها قبائل من
قبائل اليمن . وقد ضوت ( 1 ) اليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين اليهم
فحاصروهم فيها قريبا من شهر وامتنعوا فيها منه . ثم إنه رجع عنهم قافلا حتى اذا
كان ببلد يقال له شكر ( 2 ) ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه
حتى اذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا . وقد كان أهل جرش بعثوا
رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظر ان فبينما هما عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد العصر إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأى بلاد الله شكر فقام الجرشيان فقالا يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر
وكذلك تسميه أهل جرش فقال انه ليس بكشر ولكنه شكر . قالا فما شأنه
يا رسول الله قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن قال فجلس الرجلان إلى أبى بكر
أو إلى عثمان فقال لهما ويحكمها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعى الآن لكما
قومكما فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن
* ( هامش ) * ( 1 ) أى انضموا اليهم
( 2 ) بفتح الشين وسكون الكاف جبل باليمن . ( * )
ـ295ـ
ومكما فقاما اليه فسألاه ذلك فقال اللهم ارفع عنهم فخرجا من عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبدالله
في اليوم الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وفى الساعة التى ذكر
فيها ما ذكر فخرج وقد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسلموا وحمى لهم حمى حول قريتهم .
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير ورسولهم اليه باسلامهم
الحارث بن كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان
وبعث اليه زرعة ذو يزن باسلامهم فكتب اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله النبى إلى الحارث بن عبد كلال والى
النعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان أما بعد : فانى أحمد الله اليكم الذى لا إله
إلا هو أما بعد فانه وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ
ما أرسلتم به وخبر ما قبلكم وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين وأن الله قد
هدا كم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم
من المغانم خمس الله تعالى وسهم النبى وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة
من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وما سقى الغرب نصف العشر وأن
في الابل الاربعين ابنة لبون وفى ثلاثين من الابل ابن لبون ذكر وفى كل خمس
من الابل شاة وفى كل عشر من الابل شاتان وفى كل أربعين من البقر بقرة وفى
كل ثلاثين من القر تبيع جذع أو جذعة وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها
شاة أنها فريضة الله التى فرض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير
له ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فانه من
المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ولهم ذمة الله وذمة رسوله وأنه من أسلم من يهودى
ـ296ـ
أو نسرانى فانه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو
نصرانيته فانه لا يرد عليها وعليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد
دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فان له ذمة الله وذمة رسوله ومن منعه فانه عدو لله ولرسوله ، أما بعد فان
محمدا النبى أرسل إلى زرعة ذى يزن أن إذا أتاكم رسلى فأوصيكم بهم خيرا معاذ
ابن جبل وعبدالله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرارة
وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من محالفيكم وأبلغوها رسلى
وأن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا أما بعد فان محمدا شهد أن لا إله
إلا الله وأنه عبده ورسوله . ثم إن مالك بن مرارة الرهاوى قد حدثنى أنك قد
أسلمت من أول حمير وقتلت المشركين فابشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا
ولا تخاذلوا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مولى غنيكم وفقير كم وأن الصدقة لا تحل لمحمد
ولا لاهل بيته إنما هى زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وأن ما لكاقد
بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا فانه منظور اليهم والسلام عليكم ورحمة الله .
ـ297ـ
ـ إسلام فروة بن عمرو ـ
قال ابن اسحق وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامى رسولا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم باسلامه وأهدى له بغلة بيضاء . وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من
العرب وكان منزله معاون وما حولها من أرض الشام فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه
أخذوه فحبسوه عندهم ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ماء لهم يقال له عفراء فلسطين
فزعم الزهرى ابن شهاب أنهم لما قدموا ليقتلوه قال :
أبلغ سراة المسلمين بأننى * سلم لربى أعظمى ومقامى
ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد
في شهر ربيع الآخر أو جمادى الاولى سنة عشر إلى بنى الحارث بن كعب بنجران
وأمره أن يدعوهم إلى الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فان استجابوا فاقبل منهم وإن
لم يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه
ويدعون إلى الاسلام ويقولون أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس ودخلوا فيما
دعوا اليه فأقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذلك فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل ويقبل معه وفدهم فأقبل
وأقبل معه وفدهم منهم قيس بن الحصين ذى القصة ويزيد بن عبدالمدان ويزيد
ابن المحجل وعبدالله بن قراد الزيادى وشداد بن عبدالله الضبابى وقال لهم
ـ298ـ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية قالوا لم نكن نغلب أحدا
قال بلى قالوا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم وأمر عليهم
قيس بن الحصين فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال أو في ذى القعدة فلم يمكثوا
إلا أربعة أشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذو القصة لقب لابى
قيس قيل له ذلك لقصة كانت بحلقه لا يكاد يبين منها .
ـ قدوم رفاعة الجذامى ـ
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامى
وأهدى برسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما وأسلم فحسن إسلامه وكتب له
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب
من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إنى بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم
إلى الله والى رسوله فمن أقبل منهم ففى حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان
شهرين . فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا ثم ساروا إلى الحرة حرة الرجلاء فنزلوها .
ـ299ـ
ـ وفد همدان ـ
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد همدان منهم مالك بن نمط ومالك بن
أيفع وضمام بن مالك السلمانى وعميرة بن مالك الخارفى ( 1 ) فلقوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية على الرواحل
المهرية ( 2 ) والارحبية ومالك بن نمط يرتجز بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول :
اليك جاوزن سواد الريف * في هبوات الصيف والخريف
مخطمات بحبال الليف
وذكروا له كلاما كثيرا حسنا فصيحا فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا
أقطعهم فيه ماسألوه وأمر عليهم مالك بن نمط واستعمله على من أسلم من قومه
وأمره بقتال ثقيف فكان لا يخرج لهم سرح إلا أغار اليه . وكان مالك بن
نمط شاعرا محسنا فقال :
* ( هامش ) * ( 1 ) خارف بطن من همدان .
( 2 ) بفتح الميم نسبة إلى مهرة . ( * )
ـ300ـ
ذكرت رسول الله في حمة الدجى * ونحن بأعلى رحرحان وصلدد
وهن بنا خوص قلائص تغتلى * بركبانها في لاحب متمدد
على كل فتلاء الذراعين جسرة * تمر بنا مر الهجف الخفيدد
حلفت برب الراقصات إلى منى * صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق * رسول أتى من عندذى العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها * أشد على أعدائه من محمد
وأعطى اذا ما طالب العرف جاءه * وأمضى بحد المشرفى المهند
الهجف الظليم المسن . والخفيدد الطويل الساقين من الظلمان . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل ( بلغ مقابلة لله الحمد ) . ( * ) ـ301ـ
=============
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق