الثلاثاء، 19 أبريل 2022

مجلد تابع . عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير محمد بن عبد الله بن يحي ابن سيد الناس/671 ه - 734 ه المجلد الثاني ـ غزوة حمراء الاسد ـ

 

عيون الاثر مجلد:  2.  السيرة النبوية المسمى  عيون الاثر ـ 3 ـ

السيرة النبوية المسمى عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير محمد بن عبد الله بن يحي ابن سيد الناس/671 ه - 734 ه

المجلد الثاني  ـ غزوة حمراء الاسد ـ

وهى صبيحة يوم الاحد عند ابن اسحق لست عشرة مضت من شوال

عند ابن سعد لثمان خلون من شوال من صبيحة أحد والخلاف عندهم في أحد

كما سبق . قال ابن اسحق وأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس

طلب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالامس

بكلمة ؟ ؟ جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام فقال يا رسول الله إن أبى كان خلفنى على

خوات لى سبع وقال يا بنى إنه لا ينبغى لى ولا لك ان نترك هؤلاء النسوة لا رجل

فيهن ؟ ؟ ولست بالذى أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف على

حواتك فتحلفت عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه

وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه خرج في

طلبة ليظنوا به قوة وان الذى أصابهم لم يوههم عن عدوهم فخرج رسول الله

صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الاسد - وهى من المدينة على ثمانية اميال -

واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام فأقام بها الاثنين والثلاثاء

والاربعاء ثم رجع إلى المدينة وقد مر به - كما حدثنى عبدالله بن أبى بكر - معبد بن

بى معبد الخزاعى وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله صلى

الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ

مشرك ؟ ؟ فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا ان الله قد

عافاك فيهم وكان معبد قد رأى خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين

لى حمراء الاسد ولقى أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول

ـ 6 ـ

الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ففت ( 1 ) ذلك في أعضاد قريش وقد كانوا أرادوا

الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه صلى الله عليه وسلم فتمادوا إلى مكة وظفر

رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخرجه ذلك بمعاوية بن المغيرة بن أبى العاص

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا ( 2 ) وهو والد عائشة أم عبد

الملك بن مروان . وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال وهو بحمراء الاسد

حين بلغه أنهم هموا بالرجعة " والذى نفسى بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا

بها لكانوا كأمس الذاهب " قال ابن هشام ويقال ان زيد بن حارثة وعمار بن

ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الاسد كان لجأ إلى عثمان بن عفان

فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه على أنه وجد بعد ثلاث

قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعثهما النبى صلى الله عليه وسلم وقال انكما ستجدانه

بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه . وقال ابن سعد ودعا رسول الله صلى الله

عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه إلى على بن أبى طالب ويقال لى

أبى بكر الصديق وخرج وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيته

قد شظيت ( 3 ) وشفته السفلى قد كلمت ( 4 ) في باطنها وهو متوهن منكبه يعنى الايمن

من ضربة ابن قمئة وركبتاه مجحوشتان ( 5 ) وحشد أهل العوالى ونزلوا حيث أتاهم

الصريخ وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وخرج الناس معه فبعث

ثلاثة نفر من اسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد

قال وللقوم زجل ( 6 ) وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك فبصروا

بالرجلين فعطفوا عليهما فقتلوهما ومضوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم

بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الاسد وكان المسلمون يوقدون تلك الليالى خمسمائة

* ( هامش ) * أى اضعفهم .

( 2 ) القتل صبرا هو أن يمسك شئ من ذوات الروح فيرمى بشئ حتى يموت .

( 3 ) اى : كسرت .

( 4 ) أى جرحت

( 5 ) اى انخدش جلدهما

( 6 ) اى صوت .

ـ 7 ـ

نار حتى ترى من المكان البعيد . وذهب صوت معكسرهم ونيرانهم في كل

 

وجه فكبت الله تبارك وتعالى بذلك عدوهم . وكان دليله صلى الله عليه وسلم

إلى حمراء الاسد ثابت بن الضحاك بن ثعلبة من الخزرج وليس بأخى أبى جبيرة

ابن الضحاك ذاك أوسى من بنى عبدالاشهل وله حديث في النهى عن المزارعة

رواه مسلم ومن الناس من يجعل ذلك الحديث لثابت هذا وليس بشئ .

ـ 8 ـ

ـ سرية ابى سلمة بن عبدالاسد ـ

روينا عن ابن سعد قال ثم سرية أبى سلمة بن عبدالاسد المخزومى إلى قطن

وهو جبل بناحية فيد - ماء لبنى أسد بن خزيمة - في هلال المحرم على رأس خمسة

وثلاثين شهرا وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابنى

خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعونهم إلى حرب رسول الله صلى الله

عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة وعقد له لواء وبعث

معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار ، وقال سر حتى تنزل أرض بنى

أسد فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم . فخرج فأغذ ( 1 ) السير ونكب عن

سنن الطريق وسبق الاخبار وانتهى إلى أدنى قطن فأغار على سرح لهم فضمه

وعاء ؟ ؟ لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم فجاءوا جميعهم فحذروهم فتفرقوا في كل

ناحية ففرق أبوسلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء فآبوا اليه سالمين

قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر أبوسلمة بذلك كله إلى المدينة .

* ( هامش ) * ( 1 ) أى أسرع .

ـ 9 ـ

ـ سرية عبدالله بن انيس ـ

قال ابن سعيد ثم سرية عبدالله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى

العرنة ؟ ؟ : خرج من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة

وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه بلغ رسول الله

صلى الله عليه وسلم ان سفيان بن خالد الهذلى ثم اللحيانى وكان ينزل عرنة وما

والاها في ناس من قومه قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث

رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن انيس ليقتله فقال صفه لى يا رسول الله

فقال اذا رأيته هبته وفرقت ( 1 ) منه وذكرت الشيطان قال وكنت لا أهاب الرجال

فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم فأذن لى فأخذت سيفى وخرجت

اعتزى إلى خزاعة حتى اذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشى ووراءه الاحابيش ومن

ضوى ( 2 ) اليه فعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته فرأيتنى اقتر عرقا

فقلت صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال من الرجل فقلت رجل من

بنى خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لاكون معك فقال ؟ ؟ ؟ ؟ أجل انى لاجمع له

فمشيت معه ساعة وحدثته فاستحلى حديثى حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه

أصحابه حتى اذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم دخلت غارا

في الجبل وضربت العنكبوت على وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين

ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة فوجدت

رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما رآنى قال أفلح الوجه قلت افلح

وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته حبرى فدفع إلى عصا فقال

* ( هامش ) * ( 1 ) اى خفت

( 2 ) أى أوى . ( * )

ـ 10 ـ

تخصر بهذه في الجنة فكانت عند ؟ فلما حضرته الوفاة أوصى أهله ان يدرجوها

في كفنه ففعلوا ، وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة وقدم يوم السبت لسبع بقين من

المحرم . وقال ابن عقبة جعلوها في كفنه بينجلده وثيابه . وقال موسى بن عقبة

أيضا فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بموته قبل قدوم عبدالله

ابن أنيس . قال ابن هشام وقال عبدالله بن أنيس في ذلك :

تركت ابن ثور كالحورا وحوله * نوائح تفرى كل جيب مقدد

تناولته والظعن خلفى وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند

أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن انيس فارسا غير قعدد

وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبى محمد

وكنت اذا هم النبى بكافر * سبقت اليه باللسان وباليد

قوله يعجم رأسه من قولهم فلان يعجم التمرة أى يلوكها ويعضها . والقعدد

والقعدد الجبان . قال ابن عقبة ولا ندرى من أين بعث رسول الله صلى الله

عليه وسلم عبدالله بن انيس إلى ابن نبيح أمن المدينة أم من غيرها .

ـ 11 ـ

ـ بعث الرجيع ـ

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 11 سطر 1 الى ص 20 سطر 25

ـ بعث الرجيع ـ

وكان في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن سعد

روينا من طريق البخارى قال حدثنى موسى بن اسمعيل فثنا ابراهيم

قال انا ابن شهاب قال أخبرنى عمرو بن أسيد بن جارية الثقفى حليف بنى

زهرة ، وكان من أصحاب أبى هريرة عن أبى هريرة قال بعث رسول الله

صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الانصارى جد

عاصم بن عمر بن الخطاب ( 1 ) حتى اذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا

لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام

فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا

آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا

انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق وأن لانقتل منكم أحدا . فقال

عاصم بن ثابت أيها القوم أما أنا فلا انزل في ذمة كافر ثم قال اللهم أخبر عنا

نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما ونزل اليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم

خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر . فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم

فربطوهم بها فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم ان لى بهؤلاء

أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فانطلق بخبيب وزيد بن

الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا

وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى

أجمعوا قتله فاستعار خبيب من بعض بنات الحرث موسى يستحد بها فأعارته

* ( هامش ) * ( 1 ) كذا وقع في الصحيح ، قال بعض الحفاظ صوابه خاله لاجده . ( * )

ـ 12 ـ

مدرج ؟ ؟ ؟ بنى ( 1 ) لها وهى غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخده والموسى بيده

قالت ؟ ؟ ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين ان اقتله ما كنت لافعل ذلك

قالت والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا

من عنب في يده وانه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة وكانت تقول انه لرزق

رزقه الله خبيبا . فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب دعونى

أصلى ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع

لزدت ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول :

فلست أبالى حين أقتل مسلما * على أى شق كان لله مصرعى

وذلك في ذات الاله وان يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع

ثم قام اليه أبوسروعة غقبة بن الحارث فقتله . وكان خبيب هو سن لكل مسلم

قتل صبرا الصلاة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا

خبرهم وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا

شئ منه يعرف . وكان قتل عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من

لدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا . كذا روينا في هذا

لخبر من طريق البخارى في جامعه وفيه أن خبيبا هذا قتل الحارث بن عامر

وم بدر وليس ذلك عندهم بمعروف . وإنما الذى قتل الحرث بن عامر خبيب

بن اساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج .

خبيب بن عدى لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازى . وروينا عن ابن

سحق قال وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة قال وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله ان فينا إسلاما فابعث معنا نقرا

من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرؤننا القرآن ويعلموننا شرائع الاسلام

فبعث معهم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبى مرثد الغنوى حليف حمزة

* ( هامش ) * ( 1 ) اسم هذا الصبى ابوالحسين بن الحارث بن عامر بن نوفل ، ومن ولده

عبدالله بن عبدالرحمن بن أبى الحسن المحدث . ( * )

ـ 13 ـ

بن ع بدالمطلب وخالد بن البكير الليثى حليف بنى عدى بن كعب وعاصم بن

ثابت بن أبى الاقلح أخو بنى عمرو بن عوف وحبيب بن عدى أخو بنى جحجبا

ابن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة أخو بنى بياضة وعبدالله بن طارق

حليف بنى ظفر . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبى

مرثد الغنوى فحرجوا مع القوم حتى اذا كانوا على الرجيع - ماء لهذيل - غدروا

بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم

السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم فقالوا لهم انا والله لا نريد

قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من اهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه

ان لا نقتلكم فأبوا فأما مرثد وخالد وعاصم فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا

وقاتلوا حتى قتلوا . فلما قتل عاصم أرادت هذيل اخذ رأسه ليبيعوه من سلافة

بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين اصاب ابنيها يوم احد لئن قدرت

على رأس عاصم لتشربن فيه الخمر . قال ابوجعفر الطبرى وجعلت لمن جاءت

برأسه مائة ناقة .

رجع إلى خبر ابن اسحق : فمنعه الدبر فلما حالت بينهم وبينه قالوا دعوه حتى يمسى

فنأخذه فبعث الله الوادى فاحتمل عاصما فذهب به وقد كان عاصم اعطى الله

عهد ان لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا ابدا . واما زيد بن الدثنة وخبيب وابن

طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحيوة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا

بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى اذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق

يده من القرآن ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه

فقبر بالظهران يرحمه الله . وأما خبيب وزيد فقدموا بهما مكة فباعوهما من قريش

بأسيرين من هذيل كانا بمكة فابتاع خبيبا حجير بن أبى اهاب التميمى حليف

بنى نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه . وأما زيد بن الدثنة فابتاعه

صفوان بن أمية ليقتله بأبيه فأخرجه مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم

خارج الحرم ليقتله واجتمع رهط من قريش فيهم أبوسفيان بن حرب فقال له

ـ 14 ـ

أبوسفيان حين قدم ليقتل أنشدك بالله يازيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك

نضرب عنقه وانك في أهلك فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذى

هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وانى لجالس في أهلى قال يقول أبوسفيان ما رأيت

من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس يرحمه الله .

ورأيت في كتاب ذيل المذيل لابى جعفر محمد بن جرير الطبرى لحسان بن ثابت

يرثى أصحاب الرجيع الستة

ألا ليتنى فيها شهدت ابن طارق * وزيدا وما تغنى الامانى ومرثدا

ودافعت عن حبى خبيب وعاصم * وكان شفاء لو تداركت خالدا

وذكر ابن سعد أن البعث كانوا عشرة وذكر الستة الذين ذكرناهم وزاد ومعتب

ابن عبيد وهو أخو عبدالله بن طارق لامه ولم يذكر الباقين . وذكر ابن عقبة

أيضا معتب بن عبيد فيهم وذكر أن الذى قيل له أتحب ان محمدا مكانك هو

هو خبيب بن عدى حين رفع على الخشبة فقال لا والله فضحكوا منه . قال وقال

خبيب اللهم انى لا أجد إلى رسولك رسولا غيرك فابلغه منى السلام وزعموا

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس في ذلك اليوم الذى قتلا فيه

وعليكما أو عليك السلام خبيب قتلته قريش ولا يدرون أذكر زيد بن الدثنة معه

أم لا . وزعموا أنهم رموا زيد بن الدثنة بالنبل وأرادوا فتلته فلم يزدد إلا ايمانا

وتثبيتا ، وزعموا أن عمرو بن أمية الضمرى دفن خبيبا . قال أبوعمر وروى

عمرو بن أمية الضمرى قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبيب بن

عدى لا نزله من الخشبة فصعدت خشبته ليلا فقطعت عنه وألقيته فسمعت وجبة ( 1 )

خلفى فالتفت فلم أر شيئا . وقال ابن عقبة واشترك في ابتياع خبيب زعموا

أبواهاب بن عزيز وعكرمة بن أبى جهل والاخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم

ابن الاوقص وأمية بن أبى عتبة وبنو الحضرمى وصفوان بن أمية بن خلف

* ( هامش ) * ( 1 ) اى صوتا ( * )

ـ 15 ـ

وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر ودفعوه إلى عقبة بن الحارث فسحنه في

داره - الحديث . وكان فيما أنزل الله تعالى في المنافقين الذين كانوايامز ونهم وفيهم

من القرآن ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) إلى أن ذكر هم فقال ( ومن

الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ) الآية . ومما قاله حسان يهجو هذيلا

لعمرى لقد شانت هذيل بن مدرك * أحاديث كانت في خبيب وعاصم

أحاديث لحيان صلوا بقبيحها * ولحيان ركابون شر الجرائم

هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت * أمانتهم ذا عفة ومكارم

قبيلة ليس الوفاء بهمهم * وان ظلموا لم يدفعوا كيف ظالم

اذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم * بمجرى مسيل الماء بين المخارم

محلهم دار البوار ورأيهم * اذا نابهم أمر كرأى البهائم

الدبر ذكر النحل . ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ 16 ـ

ـ قصة بئر معونة ـ

وكان في صفرعلى رأس أربعة أشهر من أحد عند ابن اسحق . قال وكان

من حديثهم كما حدثنى أبى اسحق بن يسار عن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث

ابن هشام وعبدالله بن محمد بن أبى بكر بن عمرو بن حزم ( 1 ) وغيرهم من اهل العلم

قالوا قدم أبوبراء عامر بن مالك بن مالك بن جعفر ملاعب الاسنة على رسول الله صلى

الله عليه وسلم فعرض عليه الاسلام ودعاه اليه فلم يسلم ولم يبعد عن الاسلام

وقال يا محمد لو بعثت رجالا من اصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت

أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى اخشى اهل نجد عليهم

قال ابوبراء انا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك فبعث رسول الله

صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخى بنى ساعدة المعبق ليموت في اربعين

وعن غير ابن اسحق في سبعين رجلا من اصحابه من خيار المسلمين فساروا حتى

نزلوا بئر معونة وهى بين ارض بنى عامر وحرة بنى سليم كلا البلدين منها قريب

وهى إلى حرة بنى سليم اقرب فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول

الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه

حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بنى عامر فأبوا أن يجيبوه إلى

ما دعاهم اليه وقالوا لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ

عليهم قبائل من سليم عصية ورعلا فأجابوه إلى ذلك ثم خرجوا حتى غشوا

القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى

آخرهم رحمهم الله إلا كعب بن زيد أخا بنى دينار بن النجار فانهم تركوه وبه

* ( هامش ) * ( 1 ) لعله عبدالله بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم . ( * )

ـ 17 ـ

رمق فارتث ( 1 ) من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا رحمه الله . وكان

في سرح القوم عمرو بن أمية الضمرى ورجل آخر من الانصار أحد بنى عمرو

ابن عوف . قال ابن هشام هو المنذر بن محمد بن عقبة بن احيحة بن الجلاح .

قال ابن اسحق فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا

والله ان لهذه الطير لشأنا فأقبلا ينظر ان فاذا القوم في دمائهم واذا الخيل التى

أصابتهم واقفة فقال الانصارى لعمرو بن أمية ماذا ترى قال نرى أن نلحق

برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الانصارى لكنى ما كنت

لارغب بنفسى عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه

الله وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبر هم انه من مضر أخذه عامر بن الطفيل

وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه . فحرج عمرو بن أمية حتى

اذا كان بالقرقوة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر حتى نزلا معه في ظل

هو فيه فكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم

يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا ممن أنتما فقالا من بنى عامر فأمهلهما

حتى اذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى ان قد أصاب بهما تؤرة من بنى عامر

فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن أمية

على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لقد قتلت قتيلين لادينهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبى

براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه اخفار عامر إياه

وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه . وقال حسان بن ثابت

يحرض بنى أبى براء على عامر بن الطفيل :

بنى أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوائب أهل نجد

تهكم عامر بأبى براء * ليخفره وما خطأ كعمد

ألا أبلغ ربيعة ذا المساعى * فما أحدثت في الحدثان بعدى

أبوك أ بوالحروب أبوبراء * وخالك ماجد حكم بن سعد

* ( هامش ) * ( 1 ) ارتث مبنيا للمجهول اى حمل من المعركة رثيثا اى جريحا وبه رمق . ( * )

ـ 18 ـ

أم البنين هى أم ابى البراء من بنى عامر بن صعصعة فحمل ربيعة بن أبى براء

على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه ( 1 ) ووقع عن فرسه فقال

هذا عمل ابى براء إن انامت فدمى لعمى فلا يتبعن به وان اعش فسأرى رأيى .

قال أبوعمر ذكر عبدالرزاق عن معمر عن ثمامة بن عبدالله بن انيس عن انس بن

مالك ان حرام بن ملحان وهو خال انس طعن يوم بئر معونة في رأسه فتلقى دمه

بكفه ثم نضحه ( 2 ) على رأسه ووجهه وقال فزت ورب الكعبة . وقيل ان حرام بن

ملحان ارتث يوم بئر معونة فقال الضحاك بن سفيان الكلابى وكان مسلما يكتم

إسلامه لامرأة من قومه هل لك في رجل ان صح كان نعم المراعى فضمته اليها

فعالجته فسمعته يقول :

أتت عامر ترجو الهوادة بيننا * وهل عامر إلا عدو مداجن

اذا ما رجعنا ثم لم تك وقعة * بأسيافنا في عامر أو نطاعن

فلا ترجونا ان تقاتل بعدنا * عشائرنا و المقربات الصوافن

فوثبوا عليه فقتلوه والاول اصح . وقتل يومئذ عامر بن فهيرة قتله عامر بن الطفيل

من طريق يونس بن بكير عن ابن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم

عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له من الرجل الذى لما قتل

رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع فقال له هو عامر بن

فهيرة . وروى ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب قال زعم عروة بن الزبير أن

عامر بن فهيرة قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوا يرون ان الملائكة دفنته

رحمه الله والله اعلم بالصواب .

* ( هامش ) * ( 1 ) يقال رمى فأشوى اذا لم يصب المقتل

( 2 ) اى : رشه .

ـ 19 ـ

ـ وممن استشهد يوم بئر معونه ـ

عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصديق وهو ابن اربعين سنة قديم الاسلام

سلم قبل ان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن ابى

الارقم . والحكم بن كيسان مولى بنى مخزوم . والمنذر بن محمد بن عقبة بن

احيحة بن الجلاح . وابوعبيدة بن عمرو بن محصن . والحارث بن الصمة بن

عمرو ابنا عتيك بن عمرو بن مبذول . وابى بن معاذ بن انس بن قيس بن

عبيد بن زيد بن معاوية بن مالك بن النجار واخوه انس . وابن

اسحق وابن عقبة يسميانه اوسا ، والواقدى يقول ان انسا هذا مات في خلافة

عثمان . وابوشيخ ابن ابى بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة

ابن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار ، وحرام وسليم ابنا ملحان بن خالد بن

زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار ، واسم ملحان مالك ،

وهما اخوا ام سليم ام انس بن مالك واخوا ام حرام امرأة عبادة بن الصامت

ومالك وسفيان ابنا ثابت من الانصار من بنى النبيت ، وذلك مما انفرد به محمد بن

عمر الواقدى لم يوجد ذكر مالك وسفيان في شهداء بئر معونة عن غير محمد بن

عمر وعروة بن اسما بن الصلت من بنى عمرو بن عوف من حلفائهم ، وقطبة بن عبد

عمرو بن مسعود بن كعب بن عبد الاشهل بن حارثة بن دينار ، والمنذر بن عمرو بن

خنيس بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة وهو اميرهم ، ومعاذ

ابن ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق واخوه عائذ ، وغير الواقدى يقول

جرح معاذ ببدر ومات منه بالمدينة ، وقيل في عائذ مات باليمامة ، ومسعود بن سعد

ابن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق عند الواقدى ، واما ابن القداح فقال مات بخيبر ،

وخالد بن ثابت بن النعمان بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر ، وقيل بل قتل خالد بن ثابت

بمؤتة ، وسفيان بن حاطب بن امية بن رافع بن سويد بن حرام بن الهيثم بن ظفر ، وسعد

ـ 20 ـ

ابن عمرو بن ثقف واسمه كعب بن مالك بن مبذول وابنه الطفيل وابن اخيه سهل بن

عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف ، وعبدالله بن قيس بن صرمة بى ابى انس بن

صرمة بن مالك بن عدى بن النجار ، ونافع بن بديل ورقاء الخزاعى وفيه

يقول عبدالله بن رواحة يرثيه :

رحم الله نافع بن بديل * رحمة المبتغى ثواب الجهاد

صابرا صادق اللقاء اذا ما * اكثر القوم قال قول السداد

ذكر هؤلاء المستشهد بن ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى في كتابه ذيل المذيل

من رواية ابن عبدالبر عن ابى عمر احمد بن محمد بن الجسور عن ابى بكر احمد بن الفضل

ابن العباس الخفاف عنه ومن اصل ابى عمر بن عبدالبر نقلت ، وعند ابن سعد فيهم

الضحاك بن عبد عمرو بن مسعود بن عبدالاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار ،

وذكر ابن القداح فيهم عمرو بن معبد بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة

من بنى عمرو بن عوف واسمه عند ابن اسحق عمرو ، وهو عند ابن القداح عمير ،

وذكر ابن الكلبى خالد بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن

ابن النجار في شهداء بئر معونة ، وذكر ابوعمر النمرى في الاستيعاب سهيل بن عامر

ابن سعد فيهم واظنه سهل بن عامر الذى ذكرناه على انه ذكر ذلك في ترجمتين احداهما

في باب سهل والاخرى في باب سهيل ، والمختلف في قتله في هذه الواقعة مختلف في

حضوره فأرباب المغازى متفقون على ان الكل قتلوا إلا عمرو بن امية الضمرى ،

وكعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبدالاشهل بن حارثة بن دينار فانه جرح

يوم بئر معونة ومات بالخندق . وقال ابن سعد لما أحيط بهم قالوا اللهم إنا لا نجد من

يبلغ رسولك منا السلام غيرك فأقرئه منا السلام فأخبره جبريل عليه السلام بذلك

فقال وعليهم السلام وقال فقد عمرو بن أمية عامر بن فهيرة من بين القتلى

فسأل عنه عامر بن الطفيل فقال قتله رجل من بنى كلاب يقال له جبار بن سلمى فلما قتله

قال فزت والله ورفع إلى السماء فأسلم جبار بن سلمى لما رأى من قتل عامر بن فهيرة ورفعه

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين . وروينا

ـ 21 ـ

عن ابن سعد قال انا الفضل بن دكين فثنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال سمعت انس بن

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 21 سطر 1 الى ص 30 سطر 28

عن ابن سعد قال انا الفضل بن دكين فثنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال سمعت انس بن

مالك قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب

بئر معونة . وروينا من طريق مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك

 

عن اسحق بن عبدالله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك قال دعا رسول الله صلى الله عليه

وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا يدعو على رعل ولحيان وعصية

عصت الله ورسوله . قال أنس أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ

بعد " أن بلغوا قومنا ان قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه " كذا وقع في هذه

الرواية وهو يوهم ان بنى لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس كذلك ،

وإنما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم . وأما بنو لحيان فهم

الذين أصابوا بعث الرجيع وإنما أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم

كلهم في وقت واحد فدعا على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين دعاء واحدا .

ـ 23 ـ

ـ غزوة بنى النضير ـ

وهى عند ابن اسحق في شهر ربيع الاول على رأس خمسة أشهرمن وقعة أحد ،

وقال البخارى قال الزهرى عن عروة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل

أحد . قال موسى بن عقبة وكانوا قد دسوا إلى قريش في قتال رسول الله صلى الله

عليه وسلم فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة . قال ابن اسحق وغيره ثم خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى النضير ليستعينهم في دية ذينك القتيلين اللذين

قتل عمرو بن أمية الضمرى للجوار الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد

لهما وكان بين بنى النضير وبنى عامر عقد وحلف فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه

وسلم يستعينهم في ديتهما قالوا نعم يا أبا القاسم نعيك على ما أحببت مما استعنت

بنا عليه ( 1 ) ، ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا انكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه

ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد فمن رجل يعلو

على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فير يحنامنه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن

كعب أحدهم فقال انا لذلك فصعد ليلقى عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله

عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبوبكر وعمر وعلى رضى الله عنهم .

وقال ابن سعد فقال سلام بن مشكم يعنى لليهود لا تفعلوا والله ليخبرن بما

هممتم به وانه لنقض العهد الذى بيننا وبينه .

رجع إلى خبز ابن اسحق قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من

السماء بما أراد القوم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلما

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية زيادة " اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك فجلس إلى ظل

جدار من جدر دورهم . ( * )

ـ 24 ـ

؟ ؟ ؟ النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا من المدينة

مقبلا فسألوه فقال رأيته داخلا إلى المدينة فأقبل أصحاب النبى صلى الله عليه

وسلم حتى انتهوا اليه فأخبر الخبر هم بما كانت أرادت يهود من الغدر به .

قال ابن عقبة ونزل في ذلك ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ

هم قوم ان يبسطوا اليكم ) الآية .

رجع إلى خبر ابن اسحق فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم

والسير اليهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام ، وقال ثم

سار بالناس حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر .

قال ابن اسحق فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه

على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها ، وقد كان رهط من بنى عوف بن

الخزرج منهم عبدالله بن أبى بن سلول ووديعة بن مالك بن أبى قوقل وسويد

وداعس بعثوا إلى بنى النضير أن اثبتوا وتمنعوا فانا لمن نسلمكم ان قوتلتم قاتلنا

معكم وان أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله

في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف

عن دمائهم على ان لهم ما حملت الابل من اموالهم إلا الحلقة ( 1 ) ففعل فاحتملوا من

اموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه ( 2 ) فيضمه على

بعيره فينطلق بن فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وخلوا الاموال

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء ، ولم يسلم

من بنى النضير إلا رجلان يامين بن عمرو ( 3 ) بن كعب بن عمر عمرو بن جحاش وأبو

* ( هامش ) * ( 1 ) الحلقة بسكون اللام هى السلاح عاما وقيل الدروع .

( 2 ) أسكفة الباب .

( 3 ) لعل صوابه " بن عمير " كما ذكره المؤلف في غزوة تبوك وكما هو عند

ابن عبدالبر وابن هشام والذهبى . ( * )

ـ 25 ـ

سعيد ( 1 ) بن وهب اسلما فاحرزا أموالهم بذلك ، ويقال ان رسول الله صلى الله

عليه وسلم قال ليامين ألم تر إلى ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأنى فجعل يامين

جعلا لمن يقتله فقتل ونزل في أمر بنى النضير سورة الحشر ، قال ابن عقبة ولحق

بنو أبى الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضة قد رآها النبى صلى الله عليه وسلم

وأصحابه حين خرجوا بها وعمد حيى بن أخطب حتى قدم مكة على قريش فاستغواهم

على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر هم وبين الله عزوجل لرسول الله

صلى الله عليه وسلم حديث أهل النفاق وما بينهم وبين اليهود . وفيما ذكر ابن سعد

من الخبر عن بنى النضير أنهم حين هموا بغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه

الله بذلك ونهض سريعا إلى المدينة بعث اليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من

بلدى فلا تساكنونى بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا

فمن رؤى بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون وأرسلوا إلى

ظهر ( 2 ) لهم بذى الجدر وتكاروا من ناس من أسجع ابلا فأرسل اليهم ابن أبى

لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فان معى ألفين من قومى ومن العرب

يدخلون حصنكم فيموتون من آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع

حيى فيما قال ابن أبى فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا ؟ ؟ ؟ من ديارنا

فاصنع ما بدالك فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمون

لتكبيره وقال حاربت يهود فسار اليهم النبى صلى الله عليه وسلم في أصحابه فصلى

العصر بفناء بنى النضير وعلى يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم

فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة

واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبى وحلفاؤهم من غطفان فيئسوا من

نصرهم فحاصر هم رسول الله صلى الله عليه وسلم و ؟ ؟ ؟ نخلهم وقالوا نحمن نخرج

عن بلادك فقال لا أقبله اليوم ولكن أخرجوا منهم ولكم دماؤ وما حملت

الابل إلا الحلقة فنزلت يهود على ذلك وكان حاصر هم خمسة عشر يوما فكانوا

* ( هامش ) * ( 1 ) لعله " سعد " كما في تجريد الذهبى وتلقيح ابن الجوزى و الاستيعاب

وسيرة ابن هشام .

( 2 ) أى إبل . ( * )

ـ 26 ـ

يخربون بيوتهم بأيديهم ثم أجلاهم عن المدينة وولى اخراجهم محمد بن مسلمة

وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة يعير فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم هؤلاء في قومهم بمنزلة بنى المغيرة في قريش فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون

عليهم حزنا شديدا وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاموال والحلقة فوجد

من الحلقة خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا ، وكانت أموال بنى

النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبسا لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم

منها لاحد وقد أعطى ناسا من أصحابه ووسع في الناس منها ، وذكر أبوعبد

الله الحاكم في كتاب الاكليل له باسناده إلى الواقدى عن معمر بن راشد عن

الزهرى عن خارجة بن زيد عن أم العلاء قالت طار لنا عثمان بن مظعون في القرعة

فكان في منزلى حتى توفى قالت فكان المسلمون و المهاجرون في دورهم وأموالهم

فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس

فقال ادع لى قومك فقال ثابت الخزرج يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم الانصار كلها فدعا له الاوس والخزرج فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم

فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم ذكر الانصار وما صنعوا ب المهاجرين وانزالهم

اياهم في منازلهم وأموالهم وأثرتهم على أنفسهم ثم قال ان أحببتم قسمت بينكم

وبين المهاجرين ما أفاء الله على من بنى النضير ، وكان المهاجرون على ما هم عليه

من ؟ ؟ ؟ في منازلكم وأموالكم وان أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم

فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا يا رسول الله بل ؟ ؟ ؟ بين المهاجرين

ويكونون في دورنا كما كانوا ونادت الانصار رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار فقسم رسول

الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله عليه وأعطى المهاجرين ولم يعط أحدا من الانصار

شيئا الا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف وأبادجانة وأعطى سعد بن معاذ

سيف ابن أبى الحقيق وكان سيفا له ذكر عندهم . وذكر أبوبكر احمد بن يحيى

ابن جابر البلاذرى في كتاب فتوح البلدان له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال للانصار ليست لاخوانكم من المهاجرين أموال فان شئتم قسمت هذه وأموالكم

ـ 27 ـ

بينكم وبينهم جميعا وان شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة فقالوا

بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت ( ويؤثرون على أنفسهم

ولو كان بهم خصاصة ) قال أبوبكر رضى الله عنه جزاكم الله يامعشر الانصار خيرا

هو الله امثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوى :

جزى الله عنا جعفرا حين أزلفت * بنا نعلنا في الواطئين فزلت

أبوا أن يملونا ولو أن أمنا * تلاقى الذى يلقون منا لملت

قال وكانت أموال بنى النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان

يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخر من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة وما فضل

جعله في الكراع والسلاح . وروينا من طريق البخارى قال حدثنى اسحق قال

أنا حبان فثنا جوبرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم

حرق نخل بنى النضير ، قال ولها يقول حسان بن ثابت :

وهان على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير

فأجابه أبوسفيان بن الحرث :

أدام الله ذلك من صنيع * وحرق في نواحيها السعير

ستعلم أينا منها بتره * ونعلم أى أرضينا تضير ( 1 )

هذه رواية البخارى ، وقال أبوعمرو الشيبانى وغيره ان أبا سفيان بن الحارث قال :

لعز على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير

ويروى بالبويلة .

* ( هامش ) * ( 1 ) روى بالضاد المعجمة بمعنى تضر ، وروى بالصاد المهملة بمعنى تشق ونقطع ( * )

ـ 28 ـ

؟ ؟ ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام وأبا

سلمة البويلة من أرضهم فأجابه حسان

أدام الله ذالكم حريقا * وضرم في طوائفها السعير

هم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمى عن التوراة بور

هذه أشبه بالصواب من الرواية الاولى .

ـ 29 ـ

ـ غزوة ذات الرقاع ـ

قال ابن اسحق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بنى النضير

شهر ربيع ، وقال الوقشى الصواب شهرى ربيع وبعض جمادى . ثم غزا نجدا يريد

بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أباذر الغفارى ويقال

عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام وقال حتى نزل نخلا وهى غزوة ذات الرقاع

وسميت بذلك لانهم رقعوا فيها راياتهم ، ويقال ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع

وقيل لان أقدامهم نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق ، وقيل بل الجبل الذى نزلوا

عليه كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع . قال ابن اسحق فلقى بها جمعا من غطفان

فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول

الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس . قال ابن سعد وكان

ذلك أول ما صلاها وبين الرواة خلف في صلاة الخوف ليس هذا موضعه .

رجع إلى الاول قال ابن اسحق حدثنى عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر

ابن عبدالله أن رجلا من بنى محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب

ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف نقتله قال أفتك به قال فأقبل إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال يا محمد أنظر إلى سيفك هذا

قال نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله ثم قال يا محمد أما تخافنى قال لا

وما أخاف منك قال وفى يدى السيف قال لابل يمنعنى الله منك قال ثم عمد إلى

سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه فأنزل الله تبارك وتعالى ( يأيها

الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ) الآية . وقد رواه من حديث

جابر أيضا أبوعوانة وفيه فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه

وسلم فقال من يمنعك قال كن خير آخذ قال تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول

ـ 30 ـ

الله قال الاعرابى أعاهدك انى لا اقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال فخلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس .

قلت وقد تقدم في غزوة ذى أمر خبر لرجل يقال له دعنور بن الحارث من

بنى محارب يشبه هذا الخبر قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيف

فقال من يمنعك منى اليوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل

في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من

يمنعك منى قال لا أحد أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ثم اتى قومه

فجعل يدعوهم إلى الاسلام ونزلت ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ

هم قوم ) الآية والظاهر أن الخبرين واحد ، وقد قيل ان هذه الآية نزلت في امر

بنى النضير كما سبق فالله اعلم ، وفى انصرافه عليه السلام من هذه الغزوة أبطأ

جمل جابر بن عبدالله بن فنخسه النبى صلى الله عليه وسلم فانطلق متقدما بين

يدى الركاب ثم قال اتبيعنيه فابتاعه منه وقال له لك ظهره إلى المدينة فلما وصل

إلى المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل ( 1 ) . وقال ابن سعد قالوا قدم قادم المدينة

بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انمار وثعلبة قد جمعوا

لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج ليلة السبت لعشر

خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه ويقال سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات

الرقاع فلم يجد في محالهم إلا نسوة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعال بن

سراقة بشيرا لسلامته المسلمين قال وغاب خمس عشرة ليلة . وروينا في

صحيح البخارى من حديث أبى موسى أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق

فسميت غزوة ذات الرقاع وجعل حديث أبى موسى هذا حجة في أن غزوة ذات

الرقاع متأخرة عن خيبر وذلك ان أبا موسى إنما قدم مع أصحاب السفينتين بعد

هذا بثلاث سنين ، والمشهور في تاريخ غزوة ذات الرقاع ما قدمناه وليس في خبر

أبى موسى ما يدل على شئ من ذلك . وغورث مقيد بالغين معجمة ومهملة وهو

عند بعضهم مصغر بالعين المهملة .

* ( هامش ) * ( 1 ) في البخارى ان اشتراء جمل جابر كان بطريق تبوك ، قال الحافظ ابن

حجر في شرحه جزم ابن اسحق عن وهب بن كيسان أنه في ذات الرقاع وأهل

المغازى لمثل هذا . ( * )

ـ 31 ـ

ـ غزوة بدر الاخيرة ـ

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 31 سطر 1 الى ص 40 سطر 24

ـ غزوة بدر الاخيرة ـ

قال ابن اسحق ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات

الرقاع أقام بها بقية جمادى الاولى إلى آخر رجب ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد

أبى سفيان حتى نزله . قال ابن هشام واستعمل على المدينة عبدالله بن عبدالله

ابن أبى سلول الانصارى . قال ابن اسحق فأقام عليه ثمان ليال ينتظر أبا سفيان

وخرج أبوسفيان في اهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران وبعض الناس

يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال يا معشر قريش انه لا يصلحكم إلا

عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وان عامكم هذا عام جدب وانى

راجع فارجعوا فرجع الناس وسماهم اهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم

تشربون السويق واقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان

لميعاده فأتاه مخشى بن عمرو الضمرى وهو الذى كان وادعه على بنى ضمرة في غزوة

ودان فقال يا محمد اجبث لميعاد قريش على هذا الماء قال نعم يا أخا بنى ضمرة وان شئت

مع ذلك رددنا اليك ما كان بيننا وبينك ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك

قال لا والله يا محمد ما لنا بذلك منك حاجة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلى المدينة . وروى الحاكم في الاكليل عن الواقدى قال وكان رسول الله صلى

الله عليه وسلم قد خرج في هذه الغزوة في الف وخمسمائة من اصحابه وكانت

الخيل عشرة افراس فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لابى بكر وفرس

لعمر وفرس لابى قتادة وفرس لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وفرس للمقداد

وفرس للخباب وفرس للزبير وفرس لعباد بن بشر ، وذكر عنه أن النبى صلى الله

عليه وسلم استخلف على المدينة عبدالله بن رواحة .

ـ 32 ـ

ـ غزوة دومة الجندل ـ

ودومة بضم الدالى وفتحها سميت بدومة ابن اسمعيل لانه نزلها

ثم غزار رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل ، قال ابن هشام في شهر ربيع الاول واستعمل

على المدينة سباغ بن عرفطة الغفارى ثم رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل

أن ؟ ؟ ؟ اليها ولم يلق كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته ، وقال ابن سعد قالوا بلغ رسول

الله صلى الله عليه وسلم أن بدومة الجندل جمعا كثيرا يظلمون من مربهم وأنهم

يريدون ان يدنوا من المدينة وهى طرف من أفواه الشام بينها وبين دمشق خمس

ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة أوست عشرة ليلة فندب رسول الله صلى

الله عليه وسلم الناس وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الاول في ألف من

المسلمين فكان يسير الليل ويكن النهار ومعه دليل له من بنى عذرة يقال له مذكور

فلما دنا منهم إذا هم مغربون واذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم

فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل

رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يلق بها أحدا فأقام بها أياما وبث السرايا

وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحدا وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله صلى الله

عليه وسلم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الاسلام

فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لعشر ليال بقين من شهر

ربيع الآخر . وفى هذه الغزوة وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن

ان يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض وكانت بلاده قد أجدبت . ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ 33 ـ

ـ غزوة الخندق ـ

وقال ابن اسحق ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس ( 1 ) ، وقال ابن سعد

في ذى القعدة فحدثنى يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن

لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك ومحمد بن كعب القرظى والزهرى وعاصم

ابن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبى بكر وغيرهم من علمائنا كل قد اجتمع حديثه

في الحديث عن الخندق وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض قالوا إنه كان من حديث

الخندق ان نفرا من يهود منهم سلام بن مشكم وابن أبى الحقيق وحيى بن

أخطب وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق النضريون وهوذة بن قيس وأبوعمار

الوائلى في نفر من بنى النضير ومن بنى وائل وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول

الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة يدعونهم إلى

حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا انا سنكون معكم عليه حتى ؟ ؟ ؟ صله فقالت

لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الاول والعلم بما اصبحنا تختلف فيه

أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله

فيهم ( ألم تر إلى الذين أوتو انصببا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) الآية

إلى قوله ( وكفى بجهنم سعيرا ) فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم اليه

من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج

أولئك النفر من يهود حتى جاء واغطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول

الله صلى الله عليه وسلم واخبر وهم انهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد تابعوهم

* ( هامش ) * ( 1 ) حديث ابن عمر " عرضت على النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا

ابن أربع عشرة سنة . . . " الذى في الصحيحين احتج به ابن حزم وتاج الدين

الفاكهانى في رياض الافهام على أنها كانت في سنة اربع . ( * )

ـ 34 ـ

على ذلك واجتمعوا معهم فيه فخرجت قريش وقائدها ابوسفيان بن حرب وخرجت

غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بنى فزارة والحرث بن عوف المرى في بنى

مرة ومسعود بن رخيلة فيمن تابعه من اشجع فلما سمع بهم رسول الله صلى الله

عليه وسلم ومما اجمعوا له من الامر ضرب على المدينة الخندق فعمل رسول الله

صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الاجر وعمل معه المسلمون فيه فدأب ودأبوا

وابطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من

المنافقين وجعلوا يورون بالضعف من العمل ويتسللون اليهم بغير علم من رسول

الله صلى الله عليه وسلم ولا اذن وجعل الرجل من الملمين اذا نابته النائبة من الحاجة

التى لابد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق

بها فاذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير واحتسابا به .

قرأت على السيدة الاصيلة مؤنسة خاتون ابنة المولى السلطان الملك العادل سيف

الدين ابى بكر بن ايوب رحم الله سلفها اخبرتك الشيخة الاصيلة ام هانئ عفيفة

بنت احمد بن عبدالله ا لفارقانية اجازة قالت انا ابوطاهر عبدالواحد بن احمد

ابن محمد بن الصباغ قال انا ابونعيم قال انا ابوعلى محمد بن احمد بن الحسن فثنا

ابوجعفر محمد بن نصر الصايغ فئنا ابراهيم بن حمزة فثنا عبدالعزيز بن محمد عن

عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال بعثنى خالى عثمان بن مظعون لآتيه

بلحاف فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فاستأذنته وهو بالخندق فأذن لى وقال

لي من لقيت منهم فقل لهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان ترجعوا

قال فكان ذلك في برد شديد فلقيت الناس فقلت لهم ان رسول الله صلى الله

عليه وسلم يأمركم ان ترجعوا قال والله ما عطف على منهم اثنان او واحد . كذا

وقع في هذا الخبر عثمان بن مظعون وعثمان بن مظعون توفى قبل هذا واخوة

عثمان قذامة والسائب وعبدالله تأخروا . وقدامة مذكور فيمن شهد الخندق

وهم أخوال عبدالله بن عمر رضى الله عنهم ، قال ابن اسحق فأنزل الله عزوجل

في ذلك ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على أمر جامع

لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) إلى قوله ( إن الله غفور رحيم ) ثم قال يعنى للمنافقين

الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون من غير إذن ( لا تجعلوا دعاء الرسول

ـ 35 ـ

بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) الآية إلى قوله ( أو يصيبهم عذاب أليم ألا ان الله

ما في السموات والارض - قد يعلم ما أنتم عليه من صدق أو كذب إلى قوله - والله

بكل شئ عليم ) وقال ابن سعد وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من

العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة

وقادوا معهم ثلثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا يقودهم أبو

سفيان بن حرب ورأتهم بنو سليم بمر الظهران وكانوا سبعمائة يقودهم سفيان بن

سيد شمس حليف حرب بن أمية وهو أبوأبى الاعور السلمى الذى كان مع معاوية

بصفين وخرجت معهم بنو أسد يقود هم طليحة بن خويلد الاسدى ، وخرجت

فزارة فأوعبت وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن ، وخرجت اشجع وهم أربعمائة

يقودهم مسعود بن رخيلة وخرجت بنومرة وهم أربعمائة يقودهم الحرث بن

عوف وخرج معهم غيرهم . وقد روى الزهرى ان الحرث بن عوف رجع بنى

مرة فلم يشهد الخندق منهم احد ، وكذلك روت بنو مرة والاول اثبت انهم

شهدوا الخندق مع الحرث بن عوف فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق ممن

ذكر من القبيلة عشرة آلاف وهم الاحزاب وكانوا ثلاثة عساكر وعناج ( 1 ) الامر

إلى ابى سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس واخبرهم خبر

عدوهم وشاورهم في امرهم فأشار عليه سلمان بالخندق فأعجب ذلك المسلمين

وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع وكان المسلمون يومئذ

ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم ثم خندق على المدينة فعمل

فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لينشط الناس وكمل في ستة ايام . انتهى

ما نقله ابن سعد . وغيره يقول حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه في

الخندق بضع عشرة ليلة وقيل أربعا وعشرين وكان في حفر الخندق آيات من

أعلام النبوة منها أن جابرا كان يحدث أنه اشتهد عليهم في بعض الخندق كدية ( 2 )

فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وضرب فعاد كثيبا

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : ملاكه وما يقوم به .

( 2 ) قطعة صلبة لا يعمل فيها الفأس . ( * )

ـ 36 ـ

أهيل ( 1 ) . وروى في هذا الخبر أنه عليه السلام دعا بماء فتفل عليه ثم دعا بماشاء الله

أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها فو الذى بعثه

بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا ولا مسحاة . ومنها خبر الحفنة

من التمر الذى جاءت به ابنة بشير بن سعد لابيها وخالها عبدالله بن رواحة

ليتغديا به فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتيه فصبته في كفى رسول الله

صلى الله عليه وسلم فما ملاهما ثم أمر بثوب فبسط لم ثم قال لانسان عنده اصرخ

في أهل الخندق ان هلم إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه

وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وانه ليسقط من أطراف الثوب . ومنها

حديث شويهة جابر وكانت غير عبد سمينة قال صنعتها وإنما أريد أن ينصرف معى

رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلما قلت له أمر صارخا فصرخ ان انصرفوا

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبدالله قال قلت إنا لله وإنا

اليه راجعون قال فأقبل الناس معه فجلس فأخرجناها اليه فبرك ثم سمى الله عزوجل

ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء آخرون حتى صدر أهل الخندق

عنها . رواه البخارى وفيه : وهم الف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا

وان برمتنا لتغط كما هى وان عجيننا ليخبز كما هو ، ومنها حديث سلمان الفارسى

أنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت على ورسول الله صلى الله عليه وسلم

قريب منى فلما رأنى أضرب ورأى شدة المكان على نزل فأخذ المعول من يدى

فضربه ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى

ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال قلت بأبى وأمى أنت يا رسول الله ما هذا

الذى رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب قال أو قد رأيت ذلك يا سلمان قال قلت

نعم قال أما الاولى فان الله فتح على بها اليمن وأما الثانية فان الله فتح على بها

الشام والمغرب وأما الثالثة فان الله فتح على بها المشرق .

قال أبن اسحق وحدثنى من لا أتهم عن أبى هريرة أنه كان يقول حين فتحت

هذه الامصار في زمن عمر وزمن عثمان افتتحوا ما بدا لكم فو الذى نفس أبى

هريرة بيده ما فنحتم من مدينة ولا نفتخر لها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : رملا سائلا ( * )

ـ 37 ـ

محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك . ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم

من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الاسيال وغطفان ومن تبعهم بذنب

نقمى إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا

ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه

وبين القوم وأمر بالنساء والذرارى أن يجعلوا في لآطام ( 1 ) . وقال ابن سعد كان

لواه المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الانصار بيد سعد بن عبادة وكان رسول

الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتى رجل وزيد بن حارثة في

ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير وذلك أنه كان يخاف على الذرارى

من بنى قريظة ، وكان عماد بن بشر على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم

مع غيره من الابصار بحرسونه كل ليلة . كذا قال ابن سعد في هذا الموضع ،

وقال في باب حراس النبى صلى الله عليه وسلم حرسه يوم بدرحين نام في العريش

سعد بن معاذ ويوم أحد محمد بن مسلمة ويوم الخندق الزبير بن العوام .

رجع إلى ابن سعد : وكان المشركون يتناوبون بينهم فيفدو أبوسفيان بن حرب

في أصحابه يوما ويغدو خالد بن الوليد يوما ويغدو عمرو بن العاص يوما ويغدو

هبيرة بن أبى وهب يوما ويغدو عكرمة ابن أبى جهل يوما ويغدو ضرار بن الخطاب

الفهرى يوما فلايزالون يجبيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون .

رجع إلى ابن اسحق : وخرج عدو الله حيى بن اخطب النضرى حتى أتى كعب

ابن أسد القرظى صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى

الله عليه وسلم على قومه وعاقده على ذلك فلما سمع كعب بحيى أغلق دونه باب حصنه

فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيى ويحك يا كعب افتح لى قال ويحك يا حيى

إنك امرؤ مشؤم وانى قد عاهدت محمدا فلست ناقض ما بينى وبينه ولم أر منه إلا

وفاء وصدقا قال ويحك افتح لى أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله ان اغلقت دونى إلا

تخوفا على جشيشتك ( 2 ) ان أكل معك منها فأحفظ الرجل ( 3 ) ففتح له فقال ويحك

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : الابنية المرتفعة

( 2 ) الجشيشة هى أن تطحن الحنطة ثم تجعل في القدرر ويلقى عليها لحم أو تمر

وتطبخ . ويقال لها لدشيشة بالدال . ( 3 ) أى أغضبه .

ـ 38 ـ

يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش حتى انزلهم بمجتمع الاسيال

من رومة وغطفان حتى أزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد قد عاهدونى وعاقدونى

على ان لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه قال له كعب جئتنى والله بذل الدهر

وبجهام ( 1 ) قد هراق ماءه يرعد ويبرق وليس فيه شئ ويحك يا حيى دعنى وما أنا عليه

فانى لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حبى بكعب يفتله في الذروة والغارب

حتى سمح له على ان اعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم

يصيبوا محمدا ان ادخل معك في حصنك حتى يصيبنى ما أصابك فنقض كعب بن

أسد عهده ويرئ مما كان بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فلما انتهى

إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله عليه الصلاة

والسلام سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهما ابن رواحة وخوات بن جبير فقال انطلقوا

حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فان كان حقا فالحنوا إلى لحنا حتى أعرفه

ولا تفتوا في أعضاد الناس وان كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا بذلك للناس

فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم نالوا من رسول الله عليه الصلاة

والسلام وقالوا من رسول الله لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد فشاتمهم سعد بن

معاذ وشاتموه وكان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما

بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ، وذكر ابن عائذ أن الذى شاتمهم سعد بن عبادة

والذى قال له ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة سعد بن معاذ ثم أقبل سعد وسعد

ومن معهما على رسول الله عليه الصلاة والسلام فسلموا عليه ثم قالوا بمضل والقارة

أى كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام الله

أكبر أبشروا يامعشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم

من فوقهم ومن أسفل منهم حتى فلن المؤمنون كل ظن ولحم النفاق من بعض

المنافقين حتى قال معتب بن قشير كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر

وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ، وقيل لم يكن معتب من

المنافقين وقد شهد بدرا . قاله ابن هشام . وقال ابن عائذ وقال رجال ممن معه يا أهل

يثرب لا مقام لكم فارجعوا . قال ابن اسحق وقال أوس بن قيظى يا رسول الله

* ( هامش ) * ( 1 ) السحاب الذى لا ماء فيه . ( * )

ـ 39 ـ

ان بيوتنا عورة من العدو وذلك عن ملا من رجال قومه فاذن لنا أن نخرج

فنرجع إلى ديارنا فانها خارج من المدينة .

فأقام رسول الله عليه الصلاة والسلام وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة

قريب من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمى بالنبل والحصار : وقال ابن عائذ وأقبل

نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومى على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق

فقتله الله وكبر ذلك على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام

انا نعطيكم الدية على أن تدفعوه الينا فندفنه فرد اليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام

أنه خبيث خبيث الدية فلعنه الله ولمن ديته ولا ممنعكم ان تدفنوه ولا ارب لنا في

ديته ، وقيل اعطوا في جثته عشرة آلاف . قال ابن اسحق وبعث رسول الله عليه

الصلاة والسلام كما حدثنى عاصم بن عمر عن الزهرى إلى عيينة بن حصن من حذيفة

ابن بدر الفزارى والى الحارث بن عوف المرى وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث

ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما للصلح حتى

كتبوا الكتب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك فلما أراد

رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة

يذكر ذلك لهما واستشار هما فيه فقالا يا رسول الله أنمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك

الله به لابد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا قال بل شئ أصنعه لكم والله ما أصنع

ذلك إلى انى رأيت العرب قدر منكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب

فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله

قدكنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الاوثان لا نعبد الله ولا نعرفه

وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة الا قرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالاسلام

وهدانا له وأعزنابك وبه نعطيهم أموالنا مالنا بهذا من حاجة والله لانعطيهم إلا

السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام فأنت وذاك

فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا فأقام رسول

الله عليه الصلاة والسلام والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا أن

فوارس من قريش منهم عمرو بن عبدود وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى

وهب وضرار بن الخطاب تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل

ـ 40 ـ

بنى كنانه فقالوا نهيؤا يا بنى كنانه للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم ثم اقبلوا

تعنق ( 1 ) بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلمار أوه قالوا والله ان هذه لكيدة

ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت

 

منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج على بن أبى طالب في نفرمعه

من المسلمين حتى أخذوا عليهم النغرة التى أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان

تعنق نحوهم . وكان عمرو بن عبدودقد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد

يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال

من يبارز فبرز له على بن أبى طالب رحمه الله ، وذكر ابن سعد في هذا الخبر أن

عمرا كان ابن تسعين سنة فقال على أنا أبارزه فأعطاه رسول الله عليه الصلاة والسلام

سيفه وعممه وقال اللهم أعنه عليه .

رجع إلى الاول فقال له يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من

قريش إلى احدى خلتين إلا أخذتها منه قال له أجل قال له على فانى أدعوك إلى

الله والى رسوله عليه الصلاة والسلام والى الاسلام قال لاحاجة لى بذلك قال له

على فانى أدعوك إلى النزال قال له لم يا ابن أخى فوالله ما أحب أن أقتلك قال على

لكنى والله أحب أن أقتلك قال فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره

وضرب وجهه ثم أقبل على على فتناولا وتجاولا فقتله على وخرجت خيلهم منهزمة

حتى اقتحمت من الخندق هاربة ، وقال على في ذلك :

نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت دين محمد بضراب

فصددت حين تركته متجد لا * كالجذع بين دكادك ورواب

وعففت عن أثوابه ولو اننى * كنت المقطر بزنى أثوابى

لآتحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب

وعن ابن اسحق من غير رواية الكائى أن عمرا لما نادى بطلب من يبارزه

* ( هامش ) * ( 1 ) العنق هو نوع من سير الابل والدواب . ( * )

ـ 41 ـ

قام على رضى الله عنه وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبى الله فقال له اجلس

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 41 سطر 1 الى ص 50 سطر 27

قام على رضى الله عنه وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبى الله فقال له اجلس

انه عمرو ثم كرر عمرو النداء وجعل يؤنبهم ويقول أين جنتكم التى تزعمون انه

من قتل منكم دحلها أفلا تبرزون لى رجلا فقام على فقال أنا يا رسول الله فقال

اجلس انه عمرو ثم نادى الثالثة وقال :

ولقد بححت من النداء * بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز

وكذاك أنى لم أزل * متسرعا قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز

فقام على رضى الله عنه فقال أنا له يا رسول الله فقال انه عمرو فقال وان كان

 

عمرا فأذن له رسول الله عليه الصلاة والسلام فمشى اليه على وهو يقول :

لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة * والصدق منجى كل فائز

انى لارجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز

فقال عمرو من أنت قال أنا على قال ابن عبد مناف قال أنا على بن أبى طالب

فقال غيرك يا ابن أخى من أعمامك من هو أسن منك فانى أكره ان اهريق دمك

فقال على لكنى والله ما أكره ان اهريق دمك فغضب ونزل وسل سيفه كأنه

شعلة نار ثم أقبل نحو على مغضبا ويقال انه كان على فرسه فقال له على كيف أقاتلك

وأنت على فرسك ولكن انزل معى فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله على

بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه على

على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله عليه الصلا والسلام التكير

فعرف أن عليا قد قتله . قال ابن هشام وكان شعار أصحاب رسول الله عليه الصلاة

والسلام يوم الخندق ويوم بنى قريظة ( حم لا ينصرون ) .

ـ 42 ـ

قال ابن اسحق وحدثنى أبوليلى عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالرحمن الانصارى

أخو بنى حارثة أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بنى حارثة يوم الخندق وكان

من أحصن حصون المدينة قال وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن قالت

وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد وعليه درع له مقلصة قد خرجت

منها ذراعه كلها وفى يده حربته يرقد ( 1 ) بها ويقول :

لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ( 2 ) * لا بأس بالموت اذا حان الاجل

فقالت له أمه الحق أى بنى فقد والله أخرت قالت عائشة رضى الله عنها فقلت

لها يا أيام سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هى قالت وخفت عليه حيث

أصاب السهم منه فرمى سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الاكحل رماه كما حدثنى

عاصم حبان بن العرقة أحد بنى عامر بن لؤى فلما أصابه قال خذها منى وأنا ابن

العرقة فقال له سعد عرق الله وجهك في النار . ويقال بل الذى رماه خفاجة بن

عاصم بن جبارة وقيل بل الذى رماه أبوأسامة الجشمى حليف بنى مخزوم .

رجع إلى ابن اسحق ثم قال سعد اللهم ان كنت ابقيت من حرب قريش شيئا

فابقنى لها فانه لا قوم أحب إلى ان أجاهد من قوم آذوا رسولك واخرجوه وكذبوه

اللهم ان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لى شهادة ولا تمتنى حتى

تقر عينى من بنى قريطة . وذكر ابن عائذ أن المشركين جهزوا نحو رسول الله عليه

الصلاة والسلام كتيبة عظيمة غليظة فقاتلوهم يوما إلى الليل فلما حضرت العصر

دنت الكتائب فلم يقدر النبى عليه الصلاة والسلام ولا أحد من أصحابه الذين

كانوا معه أن يصلوا الصلاة على ما أرادوا فانكفأت مع الليل فزعموا أن رسول

الله عليه الصلاة والسلام قال شغلونا عن صلاة العصر ملا الله بطونهم وقبورهم

نارا . وقرأت على أبى النور إسمعيل بن نور بن قمر الهبتى أخبركم الشيخ أبونصر

موسى بن عبدالقادر الجبلى قراءة عليه وانت تسمع فأقر به قال انا ابوبكر بن

* ( هامش ) * ( 1 ) الارقداد هو الاسراع .

( 2 ) بفتح الحاء والميم وهو حمل بن سعدانة بن حارثة الكلبى . ( * )

ـ 43 ـ

الزاغونى قال أنا ابن البسرى قال انا المخلص فثنا يحيى بن محمد فثنا محمد بن يزيد

أبوهشام الرفاعى فثنا أبومالك الجنبى عمرو بن هاشم فثنا يحيى بن سعيد عن سعيد

ابن المسيب عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ما صلى رسول الله عليه الصلاة

والسلام يوم الخندق الظهر والعصر حتى غابت الشمس . رواية سعيد بن المسيب عن

عمر بن الخطاب ذهب بعض الناس إلى انها مرسلة لانه ولد لسنتين بقيتا من خلافة

عمر ، وقيل ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر وهو الصحيح ان شاء الله فتكون

متصلة وله عنه أحاديث يسيرة هى عندهم متصلة ويقول في بعضها سمعت عمر رضى

الله عنه على المنبر . وذكر ابن سعد في هذا الخبر أنهم شغلوا عن صلاة الظهر

والعصر والمغرب والعشاء . قال ابن سعد وأقام أسيد بن الحضير على الخندق في

مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرة المسلمين

فناوشوهم ساعة ، ومع المشركين وحشى فزرق ( 1 ) الطفيل بن النعمان من بنى سلمة

بمزراقه فقتله وانكشفوا وسار رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى قبته فأمر

بلا لا فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد لكل صلاة اقامة اقامة وصلى هو وأصحابه

مافاتهم من الصلوات وقال شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملا الله أجوافهم

وقبورهم نارا ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعا حتى انصرفوا إلا انهم لا يدعون

الطلائع بالليل يطمعون في الغارة .

قال ابن اسحق فأقام رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما وصف

الله عزوجل من الخوف والشدة بمظاهرة عدوهم واتيانهم اليهم من فوقهم ومن

أسفل منهم ثم ان نعيم بن مسعود الاشجعى اتى رسول الله عليه الصلاة والسلام

فقال يا رسول الله انى اسلمت وان قومى لم يعلموا باسلامى فمرنى بما شئت فقال

رسول الله عليه الصلاة والسلام إنما انت فينا رجل واحد فخذ عنا ما استطعت

فان الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى اتى بنى قريظة وكان لهم نديما في

الجاهلية فقال يا بنى قريظة قد عرفتم ودى إياكم رخاصة ما بينى وبينكم قالوا صدقت

لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان ليسوا كما أنتم البلد بلدكم وبه اموالكم

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : رماه بمزارقه وهو الرمح القصير . ( * )

ـ 44 ـ

ونساؤكم وابناؤكم لا تقدرون على ان تتحولوا منه الى غيره وان قريشا وغطفان

قد جاء والحرب محمد واصحابه وقد ظاهر تموهم عليه وبلدهم واموالهم ونساؤهم

بغيره فليسوا كأنتم فان رأوا نهزة اصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم

؟ ؟ ؟ بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به ان خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم

حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم يكون بأيديكم ثقة لكم على ان يقاتلوا

معكم محمدا حتى تناجزوه قالوا لقد أشرت بالرأى ثم خرج حتى اتى قريشا فقال

لابى سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودى لبكم وفراقى

محمدا ، وأنه قد بلغنى أمر قد رأيت أن ابلغكموه نصحا لكم فاكتموا عنى

قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين

محمد وقد أرسلوا اليه انا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من

القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم

ثم نكون معك على من بقى منهم حتى نستأصلهم فارسل اليهم نعم فان بعثت

اليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا اليهم رجلا واحدا ثم خرج حتى

أتى غطفان فقال يا معشر غطفان انكم اصلى وعشيرتى واحب الناس إلى ولا اراكم

تتهمونى قالوا صدقت ما انت عندنا بمتهم قال فاكتموا على قالوا نعم ثم قال لهم

مثل ما قال لقريش وحذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من

صنيع الله لرسوله عليه الصلاة والسلام ارسل ابوسفيان بن حرب ورموس غطفان

إلى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل في نفرمن قريش وغطفان فقالوا لهم إنا لسنا

بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا

وبينه فأرسلوا اليه أن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدى في السبت

ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا . فلما رجع الرسول بذلك قالوا صدقنا

والله نعيم بن مسعود فردوا اليهم الرسل وقالوا والله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا

معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم فقال بنو قريظة صدق والله نعيم بن مسعود

وخذل الله بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة

البرد فجعلت الريح تقليب أبنيتهم وتكفأ قدور هم فلما اتصل برسول الله صلى الله

عليه وسلم اختلاف أمرهم بعث حذيفة من اليمان ليأتيه بخبرهم فأتاهم واستتر في

ـ 45 ـ

غمار هم وسمع أبا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه قال

حذيفة فأخذت بيد جليسى وقلت من أنت فقال أنا فلان ، ثم قال أبوسفيان

يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا

بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر

ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فانى مرتحل ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو

قائم ، قال حذيفة ولو لا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إذ بعثنى ان لا أخذت

شيئا لقتلته بسهم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم فوجدته

قائما يصلى فأخبرته فحمد الله وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين

إلى بلادهم . وروينا من طريق البخارى فثنا محمد بن كثير قال أنا سفيان عن محمد

ابن المنكدر قال سمعت جابرا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم

الاحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال

الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبى حوارى

وان حواريى الزبير . كذا وقع في هذا الخبر ، والمشهور أن الذى توجه ليأتى بخبر

القوم حذيفة بن اليمان كما روينا عنه من طريق ابن اسحق وغيره قال يعنى النبى

صلى الله عليه وسلم من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشترط له

رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة أسأل الله أن يكون رفيقى في الجنة فما قام رجل

من القوم من شدة الخوف وشدة الجذع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعانى

فلم يكن لى بد من القيام حين دعانى فقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم . وذكر

الحديث . وذكر ابن عقبة ومحمد بن عائذ خروج حذيفة إلى المشركين ومشقة

ذلك عليه إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فحفظك الله من أمامك

ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع الينا فقام حذيفة مستبشرا

بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه احتمل احتمالا فما شق عليه شئ مما كان

فيه ، وعند ابن عائذ فقبض حذيفة على يد رجل عن يمينه فقال من أنت قال أنا

معاوية بن أبى سفيان وقبض على يد آحر عن يساره فقال من أنت فقال أنا فلان

وفعل ذلك خشية أن يفطن له فبدرهم بالمسألة . وقد روينا في خبر نعيم بن مسعود

غير ما ذكرناه . وقال صلى الله عليه وسلم حين أجلى الاحزاب الآن نغزوهم ولا

ـ 46 ـ

يغزرننا نحن نسير اليهم . ذكره البخارى بسنده ، وقال ابن سعد وأقام عمرو بن

العاص وخالد بن الوليد في مائتى فارس ساقة ( 1 ) لعسكر المشركين وردءا لهم مخافة

الطلب وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لسبع ليال بقين

من ذى القعدة . وكان مما قيل من الشعر يوم الخندق قول عبدالله بن الزبعرى السهمى :

حى الديار محا معارف رسمها * طول البلى وتراوح الاحقاب

قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس أتراب

فاترك تذكر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام بباب

واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الانصاب

أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذى غياطل جحفل جبجاب ( 2 )

فدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشز ظاهر وشعاب

فيه الجياد شوازب مجنوبة * قب البطون لواحق الاقراب

من كل سلهبة ( 3 ) وأجرد سلهب * كالسيد ( 4 ) بادر غفلة الرقاب

جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الاحزاب

قرمان كالبدرين أصبح فيهما * غيب الفقير ومعقل الهراب

حتى اذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرب قضاب

شهرا وعشرا قاصدين محمدا * وصحابه في الحرب غير صحاب

لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سغب وذئاب

فأجابه حسان بن ثابت رضى الله عنه :

هل رسم دارسة المقام بباب * متكلم لمحاور بجواب

فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب

واشك الهموم إلى الاله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب

* ( هامش ) * ( 1 ) الساقة هم الذين يسوقون الجيش

( 2 ) سيأتى تفسير الغريب من كلام المؤلف .

( 3 ) السلهب من الخيل : الطويل .

( 4 ) اى الذئب . ( * )

ـ 47 ـ

ساروا بجمعهم اليه وألبوا * أهل القرى وبوادى الاعراب

جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلية الاحزاب

حتى اذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الاسلاب

وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردو بغيظهم على الاعقاب

بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الارباب

وكفى الاله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الاجر خير ثواب

من بعد ماقنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب

وأقر عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب

وقال هبيرة بن أبى وهب يعتذر من فراره ويبكى عمرو بن عبدود يذكر

عليا ، وقد سبق بعض هذه الابيات :

لعمرى ما وليت ظهرى محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل

ولكننى قلبت أمرا فلم أجد * لسيفى غناء ان ضربت ولا نبل

وقفت فلما لم أجد لى مقدما * شددت كضرغام هزبر ابى شبل

ثنى عطفه عن قرنه حين لم تجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلى

فلا تبعدن يا عمرو حياوها لكا * وحق بحسن المدح منلك من مثل

ولا تبعدن يا عمرو وحياوها لكا * فقدمت محمود الننا ما جد الاصل

فمن لطوال الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل

هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ماوغل

فعنك على لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل

فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل

الغيطلة الشجر الملتف والغيطلة الجلبة والغيطلة التباس الظلام ، وجبجاب ؟ ؟ ؟

الصوت ، والمتخمط الشديد الغضب .

ـ 48 ـ

ـ ذكر شهداء الخندق ـ

من بنى عبد الاشهل : سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك وعبدالله بن

سهل ، ومن بنى جشم بن الخزرج ثم من بنى سلمة الطفيل بن النعمان وثعلبة بن

عنمة ، ومن بنى النجار كعب بن زيد . وذكر شيخنا الحافظ أبومحمد عبدالمؤمن

الدمياطى في نسب الاوس له في بنى ظفر قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر

شهد أخدا وحضر الخندق ومات هناك ودفن ، وذكر في نسب الخزرج له عبد

الله بن أبى خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الاشهل بن حارثة بن دينار

ابن النجار قتل يوم الخندق شهيدا ذكره ابن الكلبى . ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )

ـ 49 ـ

ـ غزوة بنى قريظة ـ

روينا عن أبى بكر الشافعى فثنا عبيد بن عبدالواحد بن شريك البزار فثنا

سعيد بن أبى مريم قال أنا العمرى عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة

رضى الله عنها قالت لما رجع النبى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بينا هو عندى

إذ دق الباب فارتاع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب وثبة منكرة

وخرج فخرجت في أثره فاذا رجل على دابة والنبى صلى الله عليه وسلم متكئ

على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل قلت من ذلك الرجل الذى كنت تكلمه

قال ورأيتيه قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية بن خليفة الكلبى قال ذاك

جبريل أمرنى أن أمضى إلى بنى قريظة . قال ابن اسحق ولما أصبح رسول الله

صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا

السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم كما حدثنى الزهرى

معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال أو قد

وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم فقال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد

وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ان الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بنى قريظة

فانى عامد اليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن في

الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببنى قريظة . وروينا عن ابن

عائد قال أخبرنى الوليد عن معاذ بن رفاعة السلامى عن أبى الزبير عن جابر قال

بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه مرجعه من طلب الاحزاب إذ

وقف عليهء جبريل فقال ما اسرع ما حللتم والله ما نزعنا من لامتنا ( 1 ) شيئا منذ نزل

* ( هامش ) * ( 1 ) اللامة الدرع وقيل السلاح ، ولامة الحرب أداته . ( * )

ـ 50 ـ

العدو بك قم فشد عليك سلاحك فوالله لادفنهم كدق البيض على الصفا ثم ولى

فأتبعنه بصرى فلما رأينا نهضنا . قال وأخبرنى الوليد قال أخبرنى سعيد بن

بشير عن قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا يا خيل الله

اركبى . قال ابن سعد ثم سار اليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة

وثلاثون فرسا ، وذلك في يوم الاربعاء لسبع يقين من ذى القعدة ، واستعمل

على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام . قال ابن اسحق وقدم رسول الله

صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب برايته إلى بنى قريظة وابتدرها الناس فسار

حتى اذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

فرجع حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك

أن لا تدنو من هؤلاء الاخابيث قال لم أظنك سمعت منهم لى أذى قال نعم

يا رسول الله قال لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله صلى الله عليه

وسلم من حصوبهم قال يا اخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قالوا

يا أبا القاسم ما كنت جهولا ، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه

بالصورين قبل أن يصل إلى بنى قريظة فقال هل مربكم أحد قالوا يا رسول الله

مر بنا دحية بن خليفة الكلبى على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها قطيفة ديباج

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل بعث إلى بنى قريظة يزلزل بهم حصونهم

ويقذف الرعب في قلوبهم ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى قريظة نزل

على بئر من آبارها وتلاحق به الناس فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا

العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لايصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة

فشغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم وأبوا أن يصلوا لقول النبى صلى الله عليه

وسلم حتى تأتوا بنى قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله

بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدثنى بهذا

الحديث أبى اسحق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الانصارى وحاصرهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف

الله في قلوبهم الرعب ، وقد كان حيى بن أخطب دخل مع بنى قريظة في حصنهم

حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما

ـ 51 ـ

أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 51 سطر 1 الى ص 60 سطر 23

أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال

كعب بن أسد لهم يا معشر يهود قد نزل بكم من الامر ما ترون وانى عارض عليكم

خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا وما هى قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله

لقد تبين لكم انه لنبى مرسل وانه للذى تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم

وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لانفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به

غيره قال فاذا أبيتم على هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه

رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان

نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه وان نظهر فلعمرى لنجد النساء

والابناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فان أبيتم على هذه

فان الليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا

لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه مالم يحدث فيه

من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسبخ قال ما بات رجل

منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم أن ابعث الينا با لبابة بن عبدالمنذر أخا بنى عمرو بن عوف

وكانوا حلفاء الاوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم

اليهم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق

لهم وقالوا يا أبا لباته أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه

انه الذبح قال أبولبابة فوالله ما رالت قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت

الله ورسوله ، ثم انطلق أبولبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم

حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب

إلى على مما صنعت وعاهذت الله أن لا أطأ بنى قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله

ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه

قال أما لوجاء نى لا ستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذى أطلقه من مكانه

حتى يتوب الله عليه . وحدثنى يزيد بن عبدالله بن قسيط أن توبة أبى لبابه

نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة

فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك قالت قلت مم

ـ 52 ـ

تضحك أضحك الله سنك قال تيب على أبى لبابة قالت قلت أفلا أبشره يا رسول

الله قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن

الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت فثار الناس اليه ليطلقوه

فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى يطلقنى بيده

فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه . قال ابن هشام أقام أبولبابة مرتبطا

بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط

بالجذع فيما حدثنى بعض أهل العلم ، وقال أبوعمر روى ابن وهب عن مالك

عن عبدالله بن أبى بكر أن أبالبابة ارتبط بسلسلة ربوض - والربوض الثقيلة - بضع

عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله

اذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجة فاذا فرغ اعادته إلى الرباط فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاءنى لا ستغفرت له . قال أبوعمر اختلف

في الحال الذى أوجب فعل أبى لبابة هذا بنفسه وأحسن ما قيل في ذلك ما رواه

معمر عن الزهرى قال كان أبولبابة ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه

وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية ( 1 ) وقال والله لا أحل نفسى منها ولا أذوق

طعاما ولا شرابا حتى يتوب الله على أو أموت فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما

ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه وذكر نحوما تقدم في حال رسول

الله صلى الله عليه وسلم إياه ثم قال أبولبابة يا رسول الله إن من توبتى ان اهجر

دار قومى التى اصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة إلى الله والى رسوله

قال يجزئك يا أبا لبابة الثلث . وروى عن ابن عباس من وجوه في قوله تعالى

( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) الآية أنها نزلت

في ابى لبابة ونفر معه سبعة أو ثمانية أو سبعة سواه تخلفوا عن غزوة تبوك ثم

ندموا فتابوا وربطوا انفسهم بالسوارى فكان عملهم الصالح توبتهم والسيئ

تخلفهم عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبوعمر وقد قيل إن

الذنب الذى اتاه أبولبابة كان اشارته إلى حلفائه بنى قريظة انه الذبح ان نزلتم

على حكم سعد بن معاذ واشارته إلى حلفه فنزلت فيه ( يا أيها الذين آمنوا لا نخونوا

الله والرسول ) الآية .

* ( هامش ) * ( 1 ) اى اسطوانة . ( * )

ـ 53 ـ

قال ابن إسحق ثم ان ثعلبة بن سعية واسيد بن سعية واسيد بن عبيد وهم

نفر من هدل ليسوا من بنى قريظة ولا النظير نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم

أسلموا تلك الليلة التى نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى للقرظى فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه

وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال أنا عمرو بن سعدى

وكان عمرو قد أبى ان يدخل مع بنى قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه

وسلم وقال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لاتحرمنى

عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله

صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين وجه من الارض إلى

يومه هذا فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال ذلك رجل نجاه الله

بوفائه . وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة ( 1 ) فيمن أوثق من بنى قريظة حين

نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى

أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة فالله أعلم أى ذلك

كان فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتو اثبت الاوس

فقالوا يا رسول الله لهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالى اخواننا

بالامس ما قد علمت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بنى قريظة قد

حاصر بنى قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبدالله بن

أبى بن سلول فوهبهم له فلما كلمته الاوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون

يا معشر الاوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرآة

من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوى الجرحى وتحتسب بنفسها على

خدمة من كانت بها ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد

قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب

فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنى قريظة أتاه قومه فحملوه على

حمار وقد وطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم اقبلوا معه إلى رسول

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : بحبل . ( * )

ـ 54 ـ

الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا ابا عمر وأحسن في مواليك فان رسول الله

صلى الله عليه وسلم إنما والاك ذلك لتحسن فيهم ( 1 ) فلما أكثروا قال لقدآن لسعد

أن لا يأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بنى

عبدالاشهل فنعى اليهم رجال بنى قريظة قبل ان يصل اليهم سعد عن كلمته التى

سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم . فأما المهاجرون من قريش فيقولون إنما

أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار . وأما الانصار فيقولون عم بها رسول

الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فقاموا اليه فقالوا يا أبا عمر إن رسول الله صلى الله

عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله

وميثاقه ان الحكم فيهم كما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هاهنا في الناحية التى

فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فانى أحكم فيهم أن

تقتل الرجال وتقسم الاموال وتسى الذرارى والنساء . قال ابن سعد قال حميد

وقال بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الانصار قال فقالت الانصار اخواننا

كنا معهم فقال انى أحببت أن يستغنوا عنكم .

قال ابن إسحق فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن عبدالرحمن بن عمرو بن

سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرفعة . قال ابن هشام حدثنى من

أثق به من أهل العلم ان على بن أبى طالب صلح وهم محاصرو بنى قريظة بكتيبة

الايمان وتقدم هو والزبير بن العوام قال والله لاذوقن ما ذاق حمزة أو أفتحن حصنهم

فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد . قال ابن إسحق ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

في دار بنت الحارث إمرأة من بنى النجار . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلى سوق المدينة التى هى سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث اليهم فضرب

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " اليهم " بدل " فيهم " . ( * )

ـ 55 ـ

أعناقهم في تلك الخنادق فخرج بهم اليها أرسالا وفيهم عدوالله حيى بن أخطب وكعب

ابن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر يقول كانوا ما بين ا لثمانمائة

و التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه

وسلم أرسالا : يا كعب ماتراه يصنع بنا قال في كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعى

لا ينزع وانه من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل . فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ

منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بحيى بن أخطب عدوالله مجموعة يداه

إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت

نفسى في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال : أيها

الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بنى إسرائيل ، ثم

جلس فضربت عنقه . وقد حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن

عائشة قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله إنها لعندى تحدث

معى وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف

باسمها أين فلانة قالت أنا والله قالت قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم

قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول فوالله

ما أنسى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل . قال ابن

هشام هى التى طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته ، وقال ابن سعد أمر بهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا وجعلوا ناحية وأخرج النساء

والذرية فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبدالله بن سلام وجمع أمتعتهم وما وجد

في حصونهم من الحلقة والاثاث والثياب فوجد فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة

درع وألفى رمح وخمسمائة ترس وحجفة ( 1 ) وخمرا وجرار سكر فأهريق ذلك كله ولم

يخمس ، ووجدوا أجمال نواضح وماشية كثيرة . ( 2 )

* ( هامش ) * ( 1 ) الحجفة الترس . ( 2 ) في هامش الاصل " بلغ مغابلة لله الحمد " . ( * )

ـ 56 ـ

قال ابن إسحق : وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر ابن شهاب

الزهرى أتى الزبير ( 1 ) بن باطا القرظى ، وكان يكنى أبا عبدالرحمن وكان

الزبير قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية ذكر لى بعض ولد الزبير أنه كان

من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت وهو شيخ

كبير فقال يا أبا عبدالرحمن هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى مثلك قال انى

قد أردت أن أجزيك بيدك عندى قال إن الكريم يجزى الكريم ثم أتى

ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه كان للزبير على منة

وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هولك

فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لى دمك فهولك قال شيخ

كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال فأتى ثابت رسول الله صلى الله عيله

وسلم فقال يا رسول الله بابي أنت وأمى إمرأته وولده قال هم لك ، قال فأتاه فقال

قد وهب لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك قال أهل بيت

بالحجاز لامال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال يا رسول الله ماله قال هو لك فأتاه ثابت فقال قد أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم

مالك فهو لك قال أى ثابت ما فعل الذى كأن وجهه مرآة صينية تتراءى فيه عذارى

الحى كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادى حيى بن أخطب

قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن سموال قال

قتل قال فما فعل المجلسان يعنى بنى كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة قال

ذهبوا قتلوا قال فأنى أسألك يا ثابت بيدى عندك إلا ألحقتنى بالقوم فوالله ما في

العيش بعد هؤلاء من خير أفما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح ( 2 ) حتى ألقى الاحبة فقدمه

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الزاى المشددة و " الزبير " بضم الزاى إلا هذا .

( 2 ) سيأتى تفسير الغريب . ( * )

ـ 57 ـ

ثابت فضرب عنقه فلما بلغ ابا بكر الصديق قوله ألقى الاحبة قال يلقاهم والله في

نار جهنم خالدا خلدا . وذكر أبوعبيد هذا الخبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أهله

وماله إن أسلم . قال ابن إسحق حدثنى شعبة بن الحجاج عن عبدالملك بن عمير

عن عطية القرظى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بنى قريظة

كل من أنبت وكنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلوا سبيلى وسألت أم المنذر سلمى

بنت قيس أخت سليط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إحدى خالانه

رفاعة بن سموال القرظى وكان قد بلغ قالت فانه زعم أنه سيصلى ويأكل لحم الجمل

فوهبه لها ثم خمست غنائمهم وقسمت للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه

وللراجل سهم وهو أول في ، وقعت فيه السهمان وخمس وكانت الخيل ستة وثلاثين

فرسا . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الانصارى أخابنى عبدالاشهل بسبايا

من بنى قريظة إلى نجدفا بتاع لهم بهم خيلا وسلاحا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد إصطفى

لنفسه منهم ريحانه عمرو بن خنافة إحدى نساء بنى عمرو بن قريظة فكانت

عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى عنها وسيأتى ذكرها في موضعه من هذا الكتاب إن

شاء الله تعالى وأنزل الله عزوجل في أمر الخندق وبنى قريظة من القرآن القصة في سورة

الاحزاب ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا

وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة . وكانت

الجنود التى أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة إذ جاء وكم من فوقكم بنو قريظة ومن

أسفل منكم قريش وغطفان إلى قوله ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم

تطؤها - يعنى خيبر - وكان الله على كل شئ قديرا ) فلما انقضى شأن بنى قريظة انفجر لسعد

ابن معاذ جرحه فمات منه وأتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا ( 1 ) بعمامة من

* ( هامش ) * ( 1 ) الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل

منها شيئا تحت ذقنه . ( * )

ـ 58 ـ

استبرق فقال يا محمد من هذا الذى فتحت له ابواب السماء واهتزله العرش ( 1 )

قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده

قد مات . ولما حمل على نعشه وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان له

حملة غيركم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر ابن عائذ لقد نزل سبعون

ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الارض إلا يومهم هذا ، وقال ابن سعد مرت

عليه عنز وهو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها فما رقأ حتى مات وبعث صاحب

دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة من سندس فجعل

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبون من حسن الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن يعنى من هذا .

واستشهد يوم بنى قريظة خلاد بن سويد الحارثى الذى طرحت المرأة عليه

الرسا ، وقد تقدم خبر قتلها وزاد ابن عائذ ومنذر بن محمد أخو بنى جحجبا . ومات

أبوسنان بن محصن الاسدى ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بنى قريظة فدفن في مقبرة

بنى قريظة ، ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم . فكان كذلك .

* ( هامش ) * ( 1 ) قال القاضى أبوبكر بن العربى في تفسيره : " معنى اهتزاز العرش لموت

سعد أن تعتقد أن اهتزازه إنما هو استبشار الملائكة الحافين به كما نقول اهتز

البلد اليوم لموت فلان العالم . ( * )

ـ 59 ـ

ـ ذكر فوائد تتعلق بما سبق من ذكر الخندق وبنى قريظة ـ

أول من حفر الخنادق في الحروب منوشهر بن ايرج وأول من كمن الكمائن بخت

نصر ذكر ذلك عن الطبرى . والنسبة إلى بنى النضير نضرى بفتحتين كثقفى . وعينة

ابن حصن لقب لقب لقائد الاحزاب واسمه حذيفة لقب بذلك لشتر في عينيه .

وذكر حيى بن أخطب وما قال لكعب وانه لم يزل يقتل في الذروة والغارب . قال

السهيلى هذا مثل وأصله في البعير يستصعب عليك فتأخذ القراد ( 1 ) من ذروته وغارب

سنامه فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك وأنشد للحطيئة :

لعمرك ما قراد بنى كليب * إذا نزع القراد بمستطاع

يريد أنهم لا يخدعون ولا يستذلون . واللحن العدل بالكلام عن الوجه

المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه ، كما أن اللحن الذى هو الخطأ عدول عن

الصواب المعروف ، وقال الجاحظ في قول مالك بن أسماء :

منطق صائب وتلحن أحيا * نا وخير الكلام ما كان لحنا

يريد أن اللحن الذى هو الخطأ قد يستملح ويستطاب من الجارية الحديثة

السن . وخطئ الجاحظ في هذا التأويل ، وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف

لا مرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت فأنكر عليها اللحن

* ( هامش ) * ( 1 ) دويبة معروفة تلصق في جلد البعير . ( * )

ـ 60 ـ

فاحتجب بقول أخيها مالك بن أسماء * وخير الحديث ما كان لحنا * وقال

لها الحجاج لم يرد أخوك هذا إنما أراد الذى هو التورية والالغاز فسكتت

فلما حدث الجاحظ بهذا الحديث قال لو كان بلغنى هذا قبل أن أؤلف كتاب

البيان ما قلت في ذلك ما قلت فقيل أفلا تغيره فقال وكيف وقد ساربها البغال

الشهب وأنجد في البلاد وغار . انتهى ما حكاه السهيلى ، وتأويل الجاحظ أولى لما

فيه من مقابلة الصواب بالخطأ ولعل الشاعر لو أراد المعنى الآخر لقال منطق ظاهر

ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية واللغز من الخفاء ، وكما قال الجاحظ في تأويل وتلحن

أحيانا قال ابن قتيبة . وحبان بن العرقة هو حبان بن عبد مناف بن منقد بن

عمرو بن معيص بن عامر بن لؤى والعرقة أمه وهى قلابة بنت سعيد بن سعد بن

سهم تكنى أم فاطمة سميت العرقة لطيب ريحها . كذا ذكر السهيلى ، وابن الكلبى

يقول هى أم عبد مناف جد أبيه وهو عنده حبان بن ببأبى قيس بن علقمة بن عبد

مناف وموسى بن عقبة يقول فيه جبار بن قيس بالجيم والراء أحد بنى العرقة . وحديث

اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ حديث صحيح . قال السهيلى والعجب من رواية

من روى عن مالك أنه كره أن يقال اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ولم ير التحدث

بذلك مع صحة نقله وكثرة الرواة له ، ولا أدرى ماوجه ذلك ولعلها غير صحيحة

عنه فقد خرجه البخارى . قلت هذا يقتضى أن يكون إنكار مالك محمولا عنده

على أمر عنده يرجع إلى الاسناد وليس كذلك بل قد اختلف العلماء في هذا الخبر

فمنهم من يحمله على ظاهره ومنهم من يجنح فيه إلى التأويل . وما كانت هذه سبيله

من الاخبار المشكلة فمن الناس من يكره روايته إذا لم يتعلق به حكم شرعى فلعل

الكراهة المروية عن مالك من هذا الوجه والله أعلم . وأسيد بن سعية بفتح

الهمزة وكسر السين كذا هو عند أكثر الرواة ، ونقل عن بعضهم أسيد بضم

الهمزة وفتح السين . وجهشت إلى الشئ وأجهشت أسرعت متبا كيا ، ويعنى

ـ 61 ـ

بالارفعة السموات قال ابن دريد كذا جاء في هذا الحديث " سبعة أرفعة "

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 61 سطر 1 الى ص 70 سطر 22

بالارفعة السموات قال ابن دريد كذا جاء في هذا الحديث " سبعة أرفعة "

على لفظ التذكير على معنى السقف قال الفسوى ومثل تسميتهم إياها بالجرباء ( 1 )

تسميتهم إياها بالرفيع ، قال ابن الاعرابى سموها بالرفيع لانها مرفوعة بالنجوم . قال

أبوعلى والاجرب خلاف الاملس . والمرأة المقتولة من بنى قريظة اسمها بنانة امرأة

الحكم القرظى قال السهيلى وفى قتلها دليل لمن قال تقتل المرتدة من النساء أخذا

بعموم قوله عليه السلام " من بدل دينه فاضربوا عنقه " وفيه مع العموم قوة أخرى

وهى تعليق الحكم بالردة والتبديل ولا حجة مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن

لا تقتل المرتدة لنهيه عليه السلام عن قتل النساء والولدان . قلت هما عامان تعارضا

وكل من الفريقين يخص أحد الحديثين بالآخر ف العراقيون يخصون حديث من بدل

دينه فاقتلوه بحديث النهى عن قتل النساء والصبيان ، وغيرهم يخالفهم وتخصيص

المخالف أولى لوجه ليس هذا موضع ذكره . وأما استدلاله بهذا الحديث على قتل

المرتدة ولم تكن هذه مرتدة قط فعجيب بل هى قاتلة قتلت خلاد بن سويد ومقاتلة

بتعاطيها ذلك ونافضة للعهد فالعراقى موافق لغيره في قتل هده وفى انفرادها بالقتل

عن نساء بنى قريظة ما يشعر بأنه لما انفردت به عنهن من قتل خلاد فليس هذا

من حكم المرتدة في ورد ولا صدر . وقول الزبير وهو بفتح الزاى وكسر الباء ألست

صابرا قبلة دلو ناضح هو عند ابن إسحق بالفاء والثاء المثلثة الحروف ، وقال

ابن هشام إنما هو بالقاف والباء الموحدة وقابل الدلو الذى يأخذها من المستقى .

وذكر أبوعبيد الحديث في الاموال افراغة دلو . ( 2 )

* ( هامش ) * ( 1 ) أى السماء .

( 2 ) في حاشية الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ 63 ـ

ـ سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء ـ

روينا عن ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن أبى الاسود عن

عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أخا بنى عبد الاشهل بعثه إلى

القرطاء من هوازن . وروينا عن ابن سعد قال ثم سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء

خرج لعشر ليال خلون من المحرم على رأس تسع وخمسين شهرا من مهاجر رسول

الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ثلاثين راكبا إلى القرطاء وهم بطن من بنى أبى

بكر بن كلاب وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية ، وبين المدينة وضرية سبع

ليال وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل نفرا

منهم وهرب سائرهم واستاق نعما نوشاء ولم يعرض للظعن وانحدروا إلى المدينة

فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ماجاء به وفض على أصحابه ما بقى فعدلوا الجزور بعشرة

من الغنم وكانت النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة ، وغاب تسع عشرة

ليلة وقدم لليلة بقيت من المحرم . وذكر أ بوعبدالله الحاكم أنها في المحرم سنة ست

وأن ثمامة بن أثال الحنفى أخذ فيها وذكر حديث اسلامه . وروينا من طريق مسلم

رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد فثنا ليث عن سعيد بن أبى سعيد أنه سمع أبا هريرة

يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له

ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج اليه

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة قال عندى يا محمد خير إن تقتل

ـ 64 ـ

بل ذا دم وان تنعم تنعم على شار وان كنت تريد المال فسل تعط منه

شئت الحديث . وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب

بن المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا

عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الارض أبغض إلى من وجهك فقد أصبح

وجهك أحب الوجوه كلها إلى والله ما كان على الارض من دين أبغض إلى من .

دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلى الحديث . والقرطاء قرط وقريط وقريط

بنو عبد بن عبيد وهو أبوبكر بن كلاب من قيس غيلان ذكره الرشاطى قال

وذكر الطبرى قال قال أ بواليقظان تزوج النبى صلى الله عليه وسلم عمرة وهى من

القرطاء من بنى أبى بكر بن كلاب وممن ينسب هذه النسبة محمد بن القسم بن شعبان

القرظى الفقيه له مصنف في الفقه على مذهب مالك رحمه الله وهو مصرى وقد ذكره الامير .

ـ 65 ـ

ـ سرية عبدالله بن عتيك ـ

لقتل أبى رافع سلام بن أبى الحقيق

واستأذن نفر من الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله ذبا عن الله وعن رسوله

صلى الله عليه وسلم وتشبها بالاوس فيما فعلوه من قتل ابن الاشرف فأذن لهم

وكذلك كانوا رضى الله عنهم يتنافسون فيما يزلف إلى الله والى رسوله . وكان ابن

أبى الحقيق بخيبر فخرج اليه من الخزرج من بنى سلمة خمسة نفر عبدالله بن

عتيك ومسعود بن سنان وعبدالله بن أنيس وأبوقتادة بن ربعى وخزاعى بن

أسود حليف لهم من أسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ابن عتيك ونهاهم أن

بقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبى الحقيق ليلا

فلم يدخلوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله قال وكان في علية له اليها عجلة قال

فأسندوا فيها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم

فقالوا ناس من العرب نلتمس الميرة قالت ذا كم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلنا

أغلقنا علينا وعليه الحجرة تخوفا أن يكون دونه محولة تحول بيننا وبينه قال

وصاحت المرأة فنوهت بنا قال وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه

في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع

عليها سيفه ثم يذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها

بلبل . قال فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه

حتى أنفذه ، وهو يقول قطنى أى حسبى حسبى قال وخرجنا وكان عبدالله

ـ 66 ـ

ابن عتيك رجلا سئ البصر فوقع من الدرجة فوثئت يده وثئا ( 1 ) شديدا ، ويقال رجله

فيما قال ابن هشام وغيره قال وحملناه حتى نأتى منهرا من عيونهم ( 2 ) فندخل فيه قال

فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبون حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم

فاكتنفوه يقضى بينهم . قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات قال

فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدتها

ورجال يهود حولها وفى يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول أما والله لقد

سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت قلت انى ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت

تنظر في وجهه ثم قال فاض والله يهود فما سمعت كلمة ألذ إلى نفسى منها قال ثم جاءنا

فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا بقتل

عدوالله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا

أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبدالله بن أنيس هذا قتله أرى فيه

أثر الطعام . قال ابن سعد هى في شهر رمضان ست قال وقالوا كان أبورافع

قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركى العرب وجعل لهم الجعل العظيم لحرب

رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذكر ابن عقبة فيمن قتل أبا رافع أسعد بن

حرام ولم يذكره غيره . والعجلة درجة من نحل قاله القتبى .

* ( هامش ) * ( 1 ) أى أصابها وهن .

( 2 ) المنهر خرق في الحصن نافذ يدخل فيه الماء . ( * )

ـ 67 ـ

ـ إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ـ

رضى الله عنهما

روينا عن ابن إسحق قال وحدثنى يزيد بن أبى حبيب عن راشد مولى حبيب

ابن أبى أوس الثقفى عن حبيب بن أبى أوس قال حدثنى عمرو بن العاص من

فيه قال ولما انصرفنا مع الاحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا

يرون رأيى ويسمعون منى فقلت لهم تعلمون والله انى أرى أمر محمد يعلو الامور

علوا منكرا وإنى قد رأيت أمرا فما ترون فيه قالوا وما ذا رأيت قلت رأيت

أن نكون عند النجاشى فان ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشى فانا ان

ما تأخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع فان الاسلام يجب ما كان

قبله وإن الهجرة تجب ما كان قبلها قال فبايعته ثم انصرفت .

قال ابن إسحق : وحدثنى من لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبى طلحة كان

معهما . قال أبوالقاسم السهيلى وذكر الزبير حديث عمر وهذا وقال وقدم معهما عثمان

ابن طلحة صحبهما في تلك الطريق قال عمرو كنت أسن منهما فأردت أن أكيدهما

فقد منهما قبلى للمبايعة فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يغفر لهما ما

تقدم من ذنبهما وأضمرت في نفسى أن أذكر ما تقدم من ذنبى وما تأخر فلما بايعت

قلت على أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى وأنسيت أن أقول ما تأخر . قوله قد استقام

الميسم أى ظهرت العلامة ، ومن رواه المنسم بالنون أراد الطريق .

ـ 68 ـ

ـ غزوة بنى لحيان ـ

هى عند ابن سعد لغرة هلال شهر ربيع الاول سنة ست ، وقال ابن إسحق

وخرج يعنى النبى صلى الله عليه وسلم في جمادى الاولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة

إلى بنى لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع خبيب بن عدى وأصحابه وأظهر أنه يريد

الشام ليصيب من القوم غرة ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن

هشام حتى أتى منازل بنى لحيان فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال فلما

نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا

عسفان لرأى أهل مكة انا قد جئنا مكة فخرج في مائتى راكب من أصحابه حتى

نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا وراح

رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا فكان جابر بن عبدالله يقول سمعت رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون

أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسواء المنظر في الاهل والمال . والحديث

عن غزوة بنى لحيان عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبى بكر عن عبد

الله بن كعب بن مالك . وقال ابن سعد فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع

به قريش فيذعرهم فأتوا الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا .

ـ 69 ـ

ـ غزوة ذى قرد ـ

ويقال لها غزوة الغابة

قال ابن إسحق ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يقم بها إلا

ليالى قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى في خيل من

غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من بنى غفار

وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح . فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة

وعبدالله بن أبى بكر ومن لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك كل قد حدث

في غزوة ذى قرد بعض الحديث أنه كان أول من نذربهم سلمة بن عمرو بن

الاكوع غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيدالله معه

فرس له يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف إلى ناحية

سلع ثم صرخ واصباحاه ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق

القوم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع

فاذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمكنه الرمى رمى ثم قال خذها

وانا ابن الاكوع اليوم يوم الرضع قال فيقول قائلهم أوكيعنا هو أول النهار قال

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الاكوع فصرخ في المدينة الفزع الفزع فكان

أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو

- وهو الذى يقال له المقداد بن الاسود حليف بنى زهرة - ثم عباد بن بشر وسعد

ابن زيد أحد بنى كعب بن عبد الاشهل وأسيد بن ظهير يشك فيه وعكاشة بن

ـ 70 ـ

محصن ومحرز بن نضلة وأبوقتادة وأبوعياش عبيد بن زيد بن صامت أخو بنى

زريق فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليهم سعد بن زيد ثم قال اخرج

في طلب القوم حتى ألحقك بالناس . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما

بلغنى عن رجال من بنى زريق لابى عياش يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس

رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم فقال أبوعياش قلت يا رسول الله انا افرس

الناس ثم ضربت الفرس فوالله ماجرى بى خمسين ذراعا حتى طرحنى فعجبت

ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أعطيته افرس منك وانا اقول انا افرس

الناس فزعم رجال من بنى زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى فرس ابى عياش

معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وكان ثامنا . كذا وقع

هنا ، وبعضا الناس يقول ان معاذ بن ما عص وأخاه عائذا قتلا يوم بئر معونة

شهيدين وقد تقدم ذلك ، وبعض الناس يعد سلمة بن الاكوع أحد الثمانية

ويطرح أسيد بن ظهير ولم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أول من لحق بالقوم

على رجليه فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا . فحدثنى عاصم بن عمر

ابن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وكان

يقال لمحرز الاخرم ويقال له قمير وان الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة

في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صيعا ( 1 ) جاما فقال نساء من نساء بنى

عبد الاشهل حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به يا قمير هل

لك في ان تركب هذا الفرس فانه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم

والمسلمين قال نعم فأعطينه إياه فخرج عليه فلم يلبث أن بذ الخيل لجمامه ( 2 ) حتى

* ( هامش ) * ( 1 ) أى وأحسن القيام عليه . ( 2 ) أى : استراحته ، يقال : جم الفرس جماما

إذا ذهب اغناؤه ، وكذا إذا ترك الضراب وإذا ترك فلم يركب . ( * )

ـ 71 ـ

أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا يا معشر بنى اللكيعة حتى يلحق

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 71 سطر 1 الى ص 80 سطر 22

أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا يا معشر بنى اللكيعة حتى يلحق

بكم من ؟ ؟ ؟ كم من أدباركم من المهاجرين والانصار قال وحمل عليه رجل منهم فقتله

وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على اريه ( 1 ) في بنى عبدالاشهل فلم يقتل من

المسلمين غيره . قال ابن هشام قتل يومئذ من المسلمين مع محرز وقاص بن محرر

المدلجى فيما ذكر غير واحد من أهل العلم . قال ابن اسحق . ولما تلاحقت الخيل

قتل أبوقتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل

رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم

فيما قال ابن هشام فاذا حبيب مسجى ببرد أبى قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل

أبوقتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبى قتادة ولكنه قتيل لابى

قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه وأدرك عكاشة بن محصن أو بارا وابنه

عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا

بعض اللقاح وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذى قرد

وتلاحق به الناس وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الاكوع يا رسول الله لو

سرحتنى في مائة رجل لا ستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى انهم الآن ليغبقون ( 2 ) في غطفان فقسم رسول الله

صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليها ثم رجع رسول

الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة وأقبلت إمرأة الغفارى على ناقة ( 3 ) من إبل

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت

يا رسول الله انى قد نذرت لله أن أنحرها ان نجانى الله عليها قال فتبسم رسول الله

* ( هامش ) * ( 1 ) الارى مربط الدابة .

( 2 ) الغبوق شرب العشى

( 3 ) في نسخة زيادة " هى العضباء " ( * )

ـ 72 ـ

صلى الله عليه وسلم قال بئس ما جز يتيها ان حملك الله عليها وبحاك بها ثم تنحرينها

لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين إنما هى ناقة من إبلى إرجعى إلى أهلك على

بركة الله . والحديث عن إمرأة الغفارى وما قالت وما قال لها رسول الله صلى الله

عليه وسلم عن أبى الزبير المكى عن الحسن البصرى ، وقال ابن عقبة كان رئيس

القوم يعنى المشركين مسعدة الفزارى وهو عنده قتيل أبى قتادة وفيه قوله عليه

السلام لتعرفوه فتخلوا عن قتيله وسلبه ثم ان فوارس النبى صلى الله عليه وسلم

أدركوا العدو والسرح فاقتتلوا قتالا شديدا واستنقذوا السرح وهزم الله تعالى العدو

ويقال قتل أبوقتادة قرفة إمرأة مسعدة وأما ابن سعد فقال وقتل المقداد بن عمرو

حبيب بن عيينة بن حصن وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، قال ابن عقبة

 

وقتل يومئذ من المسلمين الاخرم ( 1 ) محرز بن نضلة قتله أوبار . كذا قاله وهو عند ابن

سعد آثار وعندابن عائذ آبار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوبارا وابنه وذكر

ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عبدالله بن لهيعة عن أبن الاسود عن عروة

نحو ما ذكرنا عن ابن عقبة . وذكر ابن سعد أنها في شهر ربيع الاول سنة ست

من الهجرة وان اللقاح عشرون فأغار عليها عيينة في ليلة الاربعاء في أربعين فارسا

فاستوقوها وكان أبوذر فيها وقتلوا ابن أبى ذر وجاء الصريخ فنادى الفزع الفزع

فنودى يا خيل الله اركبى وكان أول مانودى بها . قلت قد تقدم عن قتادة من طريق

ابن عائذ النداء بياخيل الله اركبى في وقعة بنى قريظة وهى قبل هذه عندهم وركب

رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج غداة الاربعاء في الحديد مقنعا فوقف وكان

أول من أقبل اليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له رسول

الله صلى الله عليه وسلم لواء في رمحه وقال امض حتى تلحقك الخيل وخلف سعد

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " الاجدع " ( * )

ـ 73 ـ

ابن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة قال وذهب الصريخ إلى بنى عمرو

ابن عوف فجاءت الامداد فلم تزل الخيل تأتى والرجال على أقدامهم وعلى الابل

حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى قرد فاستنقذوا عشر لقاح وأفلت القوم بما

بقى وهى عشرة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى قرد صلاة الخوف وأقام

به يوما وليلة يتحسب الخبر وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا

 

خمسمائة ويقال سبعمائة وبعث اليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت

رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى قرد . قال ابن سعد والثبت عندنا أن سعد بن زيد أمير هذه

السرية ولكن الناس نسبوها للمقداد لقول حسان * غداة فوارس المقداد * قلت وأوله :

ولسر أولاد اللقيطة أننا * سلم غداة فوارس المقداد

قال فعاتبه سعد فقال اضطرنى الروى إلى المقداد . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلى المدينة يوم الاثنين وكان قد غاب خمس ليال .

وفى رواية لابن سعد في هذا الخبر عن هاشم بن القاسم عن عكرمة بن عمار

قال حدثنى إياس بن سلمة عن أبيه قال خرجت أنا ورباح غلام النبى صلى الله

عليه وسلم وخرجت بفرس لطلحة بن عبيدالله كنت أريد أن أنسيه ( 1 ) مع الابل

فلما أن كان بغلس أغار عبدالرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه

وسلم فقتل راعيها وخرج يطردها ، وذكر نحو ما تقدم وفيه حتى ما خلق الله شيئا

من ظهر النبى صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهرى ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من

ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفونها ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت

* ( هامش ) * ( 1 ) التندية ان تورد الابل والخيل فتشرب قليلا ثم ترد للمرعى ساعة وتعاد إلى الماء . ( * )

ـ 74 ـ

عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه أنه جلاهم عن

ماء ذى قرد ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه قوله

عليه السلام انهم الآن يقرون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال

مروا على فلان الغطفانى فنحر لهم جزورا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة

فتركوها وخرجوا هرابا فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فرساننا

اليوم أبوقتادة وخير رجالتنا سلمة فأعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم

الراجل والفارس جميعا ، وفى رواية البخارى لهذا الخبر من طريق سلمة فقلت يا نبى

الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش فابعث اليهم الساعة فقال يا ابن الاكوع

ملكت فأسجح ( 1 )

ـ ذكر فوائد تتعلق بهذه الواقعة ـ

قرد مفتوح القاف والراء وحكى السهيلى عن أبى على الضم فيهما . وقوله اليوم يوم

الرضع يريد يوم هلاك الرضع والرضع اللئام من قولهم لئيم راضع وهو الذى يرضع

الغنم ولا يحلبها فيسمع صوت الحلب وقد قيل فيه غير ذلك . ومحرز بن نضلة المعروف

فيه سكون الضاد ورأيت عن الدار قطنى فتحها وحكى البغوى عن ابن إسحق محرز

ابن عون بن نضلة وبعضهم يقول ابن ناضلة . ( 2 )

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : قدرت فسهل وأحسن العفو ، وهو مثل .

( 2 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ 75 ـ

ـ سرية سعيد بن زيد إلى العرنيين ـ

وهى في شوال سنة ست عند ابن سعد

قال ابن عقبة وكان قد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة وعرينة حى

من بجيلة وكانوا مجهودين مضرورين قد كادوا يهلكون فأنزلهم عنده وسألوه أن

ينحيهم من المدينة فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له بفيفاء

الخبار ( 1 ) من وراء الحمى فيها مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى يسارا فقتلوه

ثم مثلوا به واستاقوا لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى

الله عليه وسلم في آثارهم فأدركوا فوق المنقى فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وأمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد . وتحدث

بهذا الحديث كما زعموا أنس بن مالك وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

نهى بعد ذلك عن المثل بالآية التى في سورة المائدة ( إنما جزاء الذين يحاربون

الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم

وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة

عذاب عظيم ) هذه الآية والتى بعدها . قرئ على أبى محمد عبدالرحيم بن يوسف

المزى وانا اسمع وأخبرك أبوعلى حنبل بن عبدالله بن الفرج وأقر به قال أنا

الرئيس أبوالقاسم بن الحصين قال أنا أبوعلى بن المذهب قال أنا أبوبكر القطيعى

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الخاء المعجمة . ( * )

ـ 76 ـ

قال أنا عبدالله بن احمد بن حنبل قال أنا أبى فثنا ابن أبى عدى عن حميد عن

أنس قال أسلم ناس من عرينة فاجتووا ( 1 ) المدينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه

وسلم لو خرجتم إلى ذود ( 2 ) لنا فشر بتم من ألبانها . قال حميد وقال قتادة عن أنس

وأبوالها . فلما صحوا كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعى النبى صلى الله عليه وسلم

مؤمنا ومسلما وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهربوا محاربين فأرسل

رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار هم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرأ عينهم ( 3 )

وتركهم في الحرة حتى ماتوا . وقال ابن سعد وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهرى فأدركوهم

فأحاطوا بهم فأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة قال وكانت

اللقاح خمس عشرة غزارا فردوها إلى المدينة ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم

منها لقحة تدعى الحناء فسأل عنها فقيل نحروها .

* ( هامش ) * ( 1 ) أى أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هو

اؤها واستو خموها ، ويقال اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة .

( 2 ) أى نوق

( 3 ) أى احمى مسامير الحديد وكحلهم بها . ( * )

ـ 77 ـ

ـ ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر ـ

قد تقدم أن نفرا من عرينة وروى من عكل أو عرينة على الشك ، وروى من

عكل وعرينة من غير شك وروى أن نفرا قدموا ولم يذكر من أى قبيلة هم . والكل

في الصحيح من حديث أنس فأما عرينة ففى بجيلة وقضاعة فالذى في بجيلة عرينة

ابن نذير بن قسر بن عبقر وعبقر أمه بجيلة ، قاله الرشاطى قال ومنهم الرهط الذين

أغاروا على إبل النبى صلى الله عليه وسلم . قال والعرن حكة تصيب الفرس والبعير

في قوائمهما . وأما عكل ففى الرباب . وعكل إمرأة حضنت بنى عوف بن وائل بن

قيس بن عوف بن عبدمناة من الرباب حكى ابن الكلبى قال ولد عوف بن وائل

الحرث وجشما وسعدا وعليا وقيسا وأمهم ابنة ذى اللحية من حمير وحضنتهم عكل

أمة لهم فغلبت عليهم . قال ابن دريد اشتقاق عكل من عكلت الشئ إذا جمعته

وقال غيره يكون من عكل يعكل إذا قال برأيه مثل حدس ورجل عكلى أى أحمق

منهم من الصحابة خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبدالله بن عبادة بن سعد بن

عوف المذكور لم يذكره أبوعمر ولا نسبه ابن فتحون قاله الرشاطى . وقوله فاجتووا

المدينة : قال ابن سيده وجوى الارض جوى واجتواها لم توافقه . وقد وقع في بعض

الروايات أنهم شكوا أجوافهم . وأبوال الابل وألبانها يدخل في شئ من علاج

الاستسقاء إبل البادية التى ترعى الشيح والقيصوم . وقول ابن عقبة وذكروا أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثل فمن الناس من رأى ذلك

ـ 78 ـ

وزعم أن هذا الخبر منسوخ بقوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله )

الآية وبنهيه عليه السلام عن المثلة ، وقد روى في ذلك شئ عن بعض السلف

ومن الناس من أبى ذلك وقد يترجح هذا لانه مختلف في سبب نزول هذه الآية

فقد ذكر البغوى وغيره لنزولها قصة غير هذه وأيضا فليس فيها أكثر مما تشعره

لفظة " إنما " من الاقتصار في حد الخرابة ( 1 ) على ما في الآية ، وأما من زاد على الخرابة

جنايات أخر كما فعل هؤلاء حيث زادوا بالردة وسمل أعين الرعاء وغير ذلك .

فقد روينافى خبرهم عن ابن سعد أنهم قطعوا يد الراعى ورجله وغرسوا الشوك في

لسانه وعينيه حتى مات فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم والزيادة في

عقوبتهم فهذا قصاص ليس بمثلة والمثلة ما كان ابتداء عن غير جزاء . وقد روينا

من طريق الترمذى والنسائى جميعا عن الفضل بن سهل عن يحيى بن غيلان

وثقهما النسائى عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك قال إنما

سمل النبى صلى الله عليه وسلم أعين أولئك العرنيين لانهم سملوا أعين الرعاء ولو أن شخصا

جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة فاقتص منهم للمجنى عليهم لما كان التسوية

التى حصل به من المثلة المنهى عنها . واذا اختلفت في سبب نزول الآية الاقوال

وتطرق اليها الاحتمال فلا نسخ . وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير وجه

وروى أيضا من حديث ابن عمر وعائشة وغيرهما . ولولا ما شرطناه من الاختصار

لاوردنا طرفا من طرفه ولبسطنا الكلام عليه .

* ( هامش ) * ( 1 ) أى الجناية . ( * )

ـ 79 ـ

ـ غزوة بنى المصطلق ـ

وهى غزوة المريسيع

وهى في شعبان سنة ست عند ابن إسحق ، وفى سند أربع عند موسى بن عقبة

وفى شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد ، والخندق

بعدها عنده في ذى القعدة من السنة . قال ابن إسحق فحدثنى عاصم بن عمر بن

قتادة وعبدالله بن أبى بكر ومحمد بن يحيى بن حبان كل قد حدثنى بعض حديث

بنى المصطلق قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بنى المصطلق يجمعون

له وقائدهم الحرث بن أبى ضرار أبوجويرية بنت الحرث زوج النبى صلى الله عليه وسلم فلما

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج اليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم

يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله نبى

المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم

فأفاهم عليه . وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بريدة بن

الحصيب الاسلمى يعلم علم ذلك فأتاهم ولقى الحرث بن أبى ضرار وكلمه ورجع إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم . وثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس

اليهم وأسرعوا الخروج وقادوا الخيل وهى ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة

وفى الانصار عشرون . واستخلف على المدينة زيد بن حارثة ، وقال ابن هشام

استعمل عليها أباذر النفارى ويقال نميلة بن عبدالله الليثى .

ـ 80 ـ

رجع إلى خبر ابن سعد : وكان معه فرسان لزاز والظرب وبلغ الحارث بن أبى ضرار

ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم وأنه قد قتل عينه الذى كان وجهه ليأتيه بخبر

رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئ لذلك الحرث ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق عنهم

من كان معهم من العرب وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المر يسيع وهو

الماء فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة فتهيئوا للقتال وصف رسول الله صلى

الله عليه وسلم ودفع راية المهاجرين إلى أبى بكر وراية الانصار إلى سعد بن

عبادة فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا

حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى

رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والدرية . وقد روينا من طريق مسلم

خلاف ذلك قال حدثنا يحيى بن يحيى فثنا سليم بن أخضر عن ابن عون قال :

كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال فكتب إلى إنما كان ذلك في

أول الاسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق وهم غارون

وأنعامهم تسعى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى

أحسبه قال جورية أو البتة ابنة الحارث . وحدثنى هذا الحديث عبدالله بن عمر

وكان في ذلك الجيش . وقد أشار ابن سعد إلى هذه الرواية وقال الاول أثبت قال

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب

وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقر ان مولاه وجمع الذرية ناحية واستعمل

على قسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدى ، وكان الابل ألفى

بعير والشاء خمسة آلاف شاة وكان السبى مائتى بيت وقال غاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم عن المدينة ثمانيا وعشرين ليلة وقدم المدينة لهلال رمضان .

رجع إلى ابن اسحق : قال وقد أصيب رجل من المسلمين من بنى كلب بن عوف

ـ 81 ـ

ابن عامر بن ليث بن بكر يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الانصار من

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 81 سطر 1 الى ص 90 سطر 7

ابن عامر بن ليث بن بكر يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الانصار من

رهط عبادة بن الصامت وهويرى أنه من العدو فقتله خطأ فبينما الناس على ذلك

الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال له جهجاه

ابن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهنى حليف بنى عوف

ابن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنى يا معشر الانصار وصرخ الجهجاه

يا معشر المهاجرين فغضب عبدالله بن أبى بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد

ابن أرقم غلام حدث فقال أقد فعلوها أقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا

وجلا بيب قريش هذه إلا كما قال الاول " سمن كلبك يأكلك " أما والله لئن رجعنا

إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال :

هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتوهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم

ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دار كم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر

وعنده عمر بن الخطاب فقال مر به عباد بن بشر فليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

فكيف يا عمر إذا تحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه قال لا ولكن أذن بالرحيل

وفى ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحمل الناس وقد مشى

عبدالله بن أبى بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن

أرقم قد بلغه ما سمعنه منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان في قومه

شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار من أصحابه

يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا

على ابن أبى ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد

 

ابن الحضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه وقال : يا نبى الله والله لقد رحت في ساعة

منكرة ما كنت تروح في مثلها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو ما بلغك ما قال

ـ 82 ـ

صاحبكم ؟ قال أى صاحب يا رسول الله ؟ قال عبدالله بن أبى قال وما قال ؟ قال

زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الاعز منها الاذل . قال فأنت والله يا رسول الله

تخرجه إن شئت هووالله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد

جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فانه ليرى أنك قد استلبته

ملكه ، ثم متن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى

وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذته الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا

أن وجدوا مس الارض فوقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث

الذى كان بالامس من حديث عبدالله بن أبى ثم راح رسول الله صلى الله عليه

وسلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فوق النقيع يقال له نقعا فلما

راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس هبت على الناس ريح شديدة آذتهم

وتخوفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوها فانها هبت لموت عظيم

من عظماء الكفار ، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بنى

قينقاع وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين مات ذلك اليوم ونزلت السورة التى

ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبى ومن كان على مثل أمره ، فلما نزلت أخذ رسول

الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال هذا الذى أوفى الله بأذنه .

وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبى الذى كان من أمر أبيه فحدثنى عاصم بن عمر

ابن قتادة أن عبدالله أنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه

قد بلغنى أنك تريد قتل عبدالله بن أبى فيما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرنى

فأنا أحمل لك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده منى

إنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال

* ( هامش ) * ( 1 ) يقال متن به أى سار به يومه أجمع . ( * )

ـ 83 ـ

رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به وتحسن صحبته ما بقى معنا . وجعل بعد

ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم كيف

ترى باعمر ؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لى اقتله لارعدت له أنف لو أمرتها اليوم

بقتله لقتلته قال قال عمر قدو الله علمت لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمرى .

وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر ، فقال يا رسول الله جئتك مسلما

وجئت أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه

هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على

قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا فقال في شعر يقوله :

شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا * يضرج ثوبيه دماء الاخادع

وكانت هموم النفس من قبل قتله * تلم فيحمينى وطاء المضاجع

حللت به وترى وأدركت ثورتى * وكنت إلى الاوثان أول راجع

ثأرت به فهما وحملت عقله * سراة بنى النجار أرباب فارع

وقال مقيس بن صبابة أيضا :

جللته ضربة باتت لها وشل * من ناقع الجوف يعلوه وينصرم

فقلت والموت تغشاه أسرته * لا تأمنن بنى بكر إذا ظلموا

قال ابن هشام وكان شعار المسلمين يوم بنى المصطلق يا منصور أمت أمت . قال

ابن إسحق وأصيب من بنى المصطلق ناس يومئذ وقتل على بن أبى طالب منهم

رجلين مالكا وابنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا فشاء

ـ 84 ـ

قسمته في المسلمين . وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويريه بنت الحارث بن أبى

ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبوعمر كان اسمها برة فغيره رسول

الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية فأرسل الناس ما بأيديهم من سبايا بنى

المصطلق لذلك فكانت مائة بيت وأسلم بنو المصطلق ، ثم بعد ذلك بأزيد من

عامين بعث اليهم الوليد بن عقبة مصدقا فخرجوا للقائه فتوهم أنهم خرجوا لقتاله

قفر راجعا وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظنه فهم عليه السلام بقتالهم

فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية والتى بعدها .

ـ 85 ـ

ـ حديث الافك ـ

وفى هذه الغزاة قال أهل الافك في عائشة ماقالوا فبرأها الله مما قالوا : روينا من

طريق البخارى قال حدثنا يحيى بن بكير فثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب

قال أخبرنى عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن

عبدالله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين قال لها

أهل الافك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا . وكل حدثنى طائفة من الحديث وبعض

حديثهم يصدق بعضه بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض . الذى حدثنى

عروة عن عائشة أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبى

صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها

خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة

غزاها فخرج سهمى فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل

في هودجى وأنزل فيه حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك

وقفل ودنونا من المدينة قافلين أذن ليلة بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما

قضيت شأنى أقبلت إلى رحلى فاذا عقد لى من جذع أظفار قد انقطع فالتمست

عقدى وحبسنى ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هودجى

فرحلوه على بعيرى الذى كنت ركبت وهم يحسبون أتى فيه وكان النساء إذا ذاك

خفافا ولم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة ( 1 ) من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج

* ( هامش ) * ( 1 ) أى القليل . ( * )

ـ 86 ـ

حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدى بعد

ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلى الذى

كنت فيه وظننت أنهم سيفقدونى فيرجعون إلى فبينا أنا جالسة في منزلى غلبتنى

عينى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى من وراء الجيش فأدلج ( 1 )

فأصبح عند منزلى فرأى سواد إنسان نائم فأتانى فعرفنى حين رآنى وكان يرانى

قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابى والله

ما يكلمنى كلمة ولا أكلمه وما سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته

فوطئ على يدها فركبتها فانطلق بى يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا

موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك . وكان الذى تولى الافك عبدالله بن أبى

ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول

أصحاب الافك لا أشعر بشئ من ذلك وهو يريبنى في وجعى أنى لا أعرف من

رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى إنما يدخل على رسول

الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم ؟ ثم ينصرف فذاك الذى يريبنى ولا أشعر

بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت فخرجت معى أم مسطح قبل المناصع وهو متبر زنا

وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ السكنف قريبا من بيوتنا

وأمرنا أمر العرب الاول في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن

نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهى ابنة أبى رهم بن عبدمناف

أمها بنت صخربن عامر خالة أبى بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة فأقبلت

أنا وأم مسطح قبل بيتى قد غرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت

تعس مسطع فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت أى هنتاه أولم

* ( هامش ) * ( 1 ) أى نزل من آخر الليل . ( * )

ـ 87 ـ

تسمعى ما قبل ؟ قلت وما قال ؟ قالت فأخبرتنى بقول أهل الافك فازددت مرضا

على مرضى فلما رجعت إلى بيتى ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعنى سلم ثم قال كيف

تيكم ؟ فقلت أتأذن لى أن آتى أبوى قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر

من قبلهما قالت فأذن لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوى فقلت لامى يا أمتاه

فما يتحدث الناس قالت يا بنية هونى عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند

رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت فقلت سبحان الله ولقد تحدث

الناس بهذا . قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ ( 1 ) لى دمع ولا أكتحل

بنوم حتى أصبحت أبكى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأسامة بن

زيد حين استلبث الوحى يستأمرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة بن زيد

فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذى يعلم من براءة أهله وبالذى

يعلم لهم في نفسه من الود فقال يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا . وأما على بن أبى

طالب فقال يا رسول الله : لم يضبق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل

الجارية تصدقك قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال إيه بربرة هل رأيت

من شئ يريبك قالت بربرة والذى بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا أغمصه ( 2 )

عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن

فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبدالله بن أبى بن سلول قالت فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرنى ( 3 ) من رجل قد بلغنى

أذاه في أهل بيتى فوالله ما علمت عن أهلى إلا خيرا . ولقد ذكروا رجلا ما علمت

عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلى إلا معى فقام سعد بن معاذ الانصارى

* ( هامش ) * ( 1 ) أى لا ينقطع .

( 2 ) أى أعيبه

( 3 ) أى من يقوم بعذرى إن كافأته على سوء صنيعه . ( * )

ـ 88 ـ

فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الاوس ضربت عنقه وإن كان من

إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيد

الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت

لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عمر سعد بن

معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن

المنافقين فتثاور الحيان الاوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله

عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى

سكتوا وسكت قالت فمكثت يومى ذلك لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح

أبواى عندى وقد بسكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لى دمع يظنان

؟ ؟ ؟ البكاء فالق كبدى قالت فبينما هما جالسان عندى وأنا أبكى فاستأذنت

على امرأة من الانصار فأذنت لها فجلست تبكى معى قالت فبينما نحن على ذلك

دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندى

منذ قيل لى ما قيل قبلها ولقد لبث شهرا لا يوحى اليه في شأنى قالت فتشهد رسول الله

صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه قد بلغنى عنك كذا

وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله

وتوبى اليه فان العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه قالت فلما

قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة

فقلت لابى أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدرى ما أقول

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامى أجيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقالت ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فقلت وأنا جارية

حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث

حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إنى بريئة والله يعلم أنى بريئة

ـ 89 ـ

لا تصدقونى بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنى منه بريئة لتصدقونى ،

والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبى يوسف قال فصبر جميل والله المستعان على

ما تصفون قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشى قالت وأنا حينئذ أعلم أنى بريئة

وأن الله مبرئى ببراءتى ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأنى وحيا

يتلى ولشأنى في نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن كنت

أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئنى الله بها قالت فوالله

مارام ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله

عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ( 2 ) حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في

يوم شات من ثقل القول الذى ينزل عليه قالت فلما سرى عن رسول الله صلى الله

عليه وسلم سرى عنه وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها يا عائشة أما الله

فقد برأك فقالت أمى قومى اليه قالت فقلت والله لا أقوم اليه ولا أحمد إلا الله .

وأنزل الله ( إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم ) العشر الآيات كلها فلما أنزل الله

هذا في براءتى قال أبوبكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه

وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذى قال لعائشة ما قال فأنزل الله

( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين و المهاجرين في

سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) قال

أبوبكر بلى والله إنى لاحب أن يغفر الله لى فرجع إلى مسطح النفقة التى كان ينفق

عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل

زينب ابنة جحش عن أمرى قال يا زينب ماذا علمت أرأيت فقالت يا رسول

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : مابرح .

( 2 ) البرحاء في أصل معناها : شدة الحمى وشدة الكرب . ( * )

ـ 90 ـ

الله أحمى سمعى وبصرى ما علمت إلا خيرا قالت وهى التى كانت تسامينى من

أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت

فيمن هلك من أصحاب الافك . قال البخارى ثنا محمد بن كثير قال أنا سليمان

عن حصين عن أبى وائل عن مسروق عن أبى مروان عن أم رومان أم عائشة

أنها قالت لما رميت عائشة خرت مغشيا عليها . ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ 91 ـ

ـ ذكر فوائد تتعلق بخبر بنى المصطلق وحديث الافك ـ

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 2 من ص 91 سطر 1 الى ص 99 سطر 17

ـ ذكر فوائد تتعلق بخبر بنى المصطلق وحديث الافك ـ

المصطلق هو جزيمة بن كعب من خزاعة . والمر يسيع ماء لهم . وجهجاه بن

مسعود وقال أبوعمر جهجاه بن سعد بن حرام هو صاحب حديث " المؤمن يأكل

في معى واحد " وقيل إن ذلك قيل في غيره وقال الطبرى المحدثون يزيدون فيه

الهاء والصواب جهجا دون هاء وجهجاه هذا هو الذى جاء وعثمان رضى الله عنه

يخطب وبيده عصا النبى صلى الله عليه وسلم فأخذها وكسرها على ركبته اليمنى فدخلت

فيها شظية منها فبقى الجرح وأصابته الاكلة وشدت العصا وكانت مضببة ذكره

ابن سلمة التجيبى في تاريخه . وسنان بن وبر باسكان الباء عند بعضهم الاموى

وقال أبوعمر سنان بن تيم ويقال ابن وبر وفى كتاب ابن شبة سنان بن أبير .

وحكى الاموى عن ابن اسحق سنان بن عمرو ويقال ابن وبرة . ومتن بالناس قال

صاحب العين ساروا سيرا ممانا أى بعيدا . وفى حديث الافك ذكر صفوان بن

المعطل قال السهيلى وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من المتاع ولذلك

نحلف في هذا الحديث وقد روى أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل

الناس ويشهد لذلك حديث أبى داود أن امرأة صفوان اشتكت به إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم فذكرت أشياء منها أنه لا يصلى الصبح فقال صفوان يا رسول

الله إنى امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له النبى صلى الله عليه وسلم

إذا استيقظت فصل . وقتل صفوان شهيدا في خلافة معاوية واندقت رجله يوم قتل

فطاعن بها وهى منكسرة حتى مات . وجذع ظفار قال يعقوب مدينة باليمن وقد

ـ 92 ـ

وقع جذع طعارى وهو أيضا صحيح . وأم رومان زينب بنت عامر بن عو يمر

ابن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحرث بن غنم كذا قال

مصعب ، وغيره يخالفه وقد وقع في الصحيح رواية مسروق عنها بصيغة العنعنة

وغيرها ولم يدركها ، وملخص ما أجاب به أبوبكر الخطيب أن مسروقا يمكن أن

يكون قال سئلت أم رومان فأثبت الكاتب صورة الهمزة ألفا فتصحفت على من

بعده بسألت ثم نقلت إلى صيغة الاخبار بالمعنى في طريق وبقيت على صورتها

في آخر ومخرجها التصحيف المذكور . ومسطح لقب واسمه عوف بن أثاثة بن عباد بن

المطلب بن عبد مناف . ذكر الاموى عن أبيه عن ابن اسحق قال قال أبوبكر لمسطح

يا عوف ويحك هلا قلت عارفة * من الكلام ولم تتبع به طمعا

وأدركتك حميا معشر أنف * ولم تسكن قاطعا يا عوف منقطعا

فأنزل الله وحيا في براءتها * وبين عوف وبين الله ما صنعا

فان أعش أجز عوفا عن مقالته * شر الجزاء إذا ألفيته تبعا

قال أبوعمر أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالذين رموا عائشة بالافك حين نزل القرآن ببراءتها

فجلدوا الحد ثمانين فيما ذكر أهل السير والعلم والخبر . ووقع في هذا الحديث

فقام سعد بن معاذ الانصارى فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه ووقع عند أبن إسحق

في هذا الخبر بدل سعد بن معاذ أسيد بن حضير فمن الناس من يرى أن ذكر سعد

في هذا الخبر وهم لان سعدا مات عند انقضاء أمر بنى قريظة ويرى أن الصواب

ما ذكره ابن إسحق من ذكر أسيد بن حضير . ولو اتفق أهل المغازى على أن وقعة

الخندق وبنى قريظة متقدمة على غزوة بنى المصطلق لكان الوهم لازما لمن رآه

كذلك ولكن هم مختلفون في ترتيب هذه المغازى كما سبق في هذه وغيرها . ورأيت

ـ 93 ـ

عن الحاكم أبى عبدالله أن سبب هذا الخلاف إنما هو لا ختلاف في التاريخ

هل هو لمقدم النبى صلى الله عليه وسلم في ربع الاول كما هو عند قوم أو للعام الذى

قدم فيه كما هو عند آخرين وذلك لا يتم لامرين أحدهما أن تلك المدة التى وقع

الاختلاف فيها إنما هى نحو ثلاثة أشهر وهى من أول العام إلى ربيع الاول وزمن

الخلاف أوسع من ذلك فهذه الغزوة عند ابن عقبة في سنة أربع . وعند غيره في

شعبان سنة ست . الثانى أنها مختلفة الترتيب عندهم في تقديم بعضها على بعض

فهذه عند ابن سعد وجماعة قبل الخندق وعند ابن اسحق وآخرين بعدها وذلك

غير الاول وأما ابن سعد فانه يؤرخ هذه الوقائع بالاشهر لا بالسنين .

وفى هذه الغزوة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن العزل أخبرنا أ بوعبدالله بن عبدالمؤمن

بقراءة الحافظ أبى الحجاج المزى عليه وأنا أسمع بمرج دمشق قال له أخبركم

المؤيد بن الاخوة إجازة من أصبهان فأقر به قال أنا زاهر بن طاهر الشحامى

قال أنا أبوسعد الكنجروذى قال أنا أبوطاهر محمد بن الفضل قال أنا جدى

أبوبكر محمد بن إسحق بن خزيمة فثنا على هو ابن حجر فثنا إسماعيل هو ابن

جعفر فثنا ربيعة هو ابن أبى عبدالرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ

عن ابن محير يزأنه قال : دخلت أنا وأبوصرمة على أبى سعيد الخدرى فسأله أبو

صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل ؟ فقال نعم

غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بنى المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا

العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم

بين أظهرنا لانسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم أن لا تفعلوا

ما كتب الله خلق نسمة هى كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون . قال ابن سعد وفيها

سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه فنزلت آية التيم . فقال أسيد بن الحضير

ـ 94 ـ

ماهى بأول بركتكم يا آل أبى بكر . قرأت على أبى الفتح الشيبانى بدمشق أخبركم

الخضر بن كامل قراءة عليه وأنتم تسمعون قال أنا أبوالدر ياقوت بن عبدالله

الرومى سماعا " ح " قال الشيبانى وأنا أبواليمن الكندى إجازة إن لم يكن سماعا

قال أنا ابن البيضاوى قالا أنا أبومحمد بن هزار مرو قال أنا المخلص فثنا البغوى

فثنا مصعب بن عبدالله الزبيرى قال حدثنى مالك عن عبدالرحمن بن القسم عن

أبيه عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره

حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدى فأقام رسول الله صلى الله

عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فجاء

أبوبكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذى قد نام فقال حبست رسول الله

صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبنى أبوبكر وقال

ماشاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتى فلا يمنعنى من التحرك إلامكان

رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذى فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح

على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء

ما هذا بأول بركتكم يا آل أبى بكر قالت فبعثنا البعير الذى كنت عليه فوجدنا

العقد تحته . قال البغوى هذا معنى لفظ الحديث . وروى الطبرى في معجمه من حديث

محمد بن إسحق عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت

لما كان من أمر عقدى ما كان قال أهل الانك ما قالوا فخرجت مع النبى صلى

الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدى حتى حبس التماسه الناس وطلع

الفجر فلقيت من أبى بكر ماشاء الله وقال لى يابنية في كل سفرة تكونين عناء

وبلاء وليس مع الناس ماء فأنزل الله الرخصة بالتيمم فقال أبوبكر والله يا بنية

إنك لما علمت مباركة . فهذه الرواية تقتضى أن الواقعتين كانتا في غزوتين والله أعلم

ـ 95 ـ

ـ سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ـ

قال ابن سعد بعد ذكر غزوة الغابة وهى غزوة ذى قرد : ثم سرية عكاشة بن

محصن الاسدى إلى الغمر غمر مرزوق مفتوح الغين المعجمة ساكن الميم بعدها راء

مهملة . وهو ماء لبنى أسد . وكانت في شهر ربيع الاول سنة ست . قالوا وجه رسول الله

صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلا قال الواقدى فيما

حكاه عنه الحاكم أ بوعبدالله فيهم ثابت بن أقرم وسباع بن وهب فخرج سربعا

يغذ ( 1 ) السير ونذر به القوم فهربوا فنزلوا عليا بلادهم ووجد ديار هم ؟ ؟ ؟ ( 2 ) فبعث

شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربئة ( 3 ) لهم فأموه فدلهم

على نعم لبنى عم له فأغاروا عليها فاستاقوا مئتى بعير فأرسلوا الرجل وحدروا النعم

إلى المدينة وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا . وقال ابن

عائذ أمير هم ثابت بن أقرم ومعه عكاشة بن محصن الاسدى حليف بنى أمية

ابن عبد شمس ولقيط بن أعصم حليف بنى عمرو بن عوف ثم من بنى معاوية

ابن مالك من بلى فأصيب فيها ثابت . كذا وجدت عن الحاكم سباع بن وهب ولعله

شجاع بن وهب الذى يأتى ذكره بعد ذلك .

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يسرع .

( 2 ) أى : أهلها غائبون .

( 3 ) أى : طليعة . ( * )

ـ 96 ـ

ـ سرية محمد بن مسلمة إلى ذى القصة ـ

بفتح القاف والصاد المهملة

قال ابن سعد في ربيع الآخر سنة ست قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه

وسلم محمد بن مسلمة إلى بنى ثعلبة وبنى عوال وهم بذى القصة وبينها وبين

المدينة أربعة وعشرون ميلا طريق الربذة في عشرة نفر فوردوا عليهم ليلا فأحدق

يهم القوم وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الاعراب عليهم بالرماح

فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضرب كعبه فلا يتحرك وجردوه من الثياب

ومر بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين فمله حتى ورد به المدينة فبعث رسول

الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا

ووجدوا نعما وشاء فساقه ورجع . وذكر الحاكم عن الواقدى نحوه في كتاب الاكليل .

ـ 97 ـ

ـ سرية أبى عبيدة بن الجراح ـ

إلى ذى القصة

ثم سرية أبى عبيدة بن الجراح إلى ذى القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست

قالوا أجدبت بلاد بنى ثعلبة وأنمار ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين ( 1 ) والمراض

على ستة وثلاثين ميلا من المدينة . فسارت بنو محارب وثعلبة وأنمار إلى تلك

السحابة وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة وهى ترعى بهيفاء موضع على سبعة

أميال من المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في

أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا المغرب فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة

مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال فأصاب رجلا واحدا

فأسلم وتركه فأخذ نعما من نعمهم فاستاقه ورثة ( 2 ) من متاعهم وقدم بذلك المدينة

فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقى عليهم . وقال ابن عائذ أنا الوليد بن مسلم

عن عبدالله بن لهيعة عن أبى الاسود عن عروة قال ثم بعث أبا عبيدة بن الجراح

إلى ذى القصة من طريق العراق . ورأيته مقيدا بالصاد المهملة والمعجمة معا

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم .

( 2 ) بكسر الراء وفتح الثاء المشددة وهو السقط من متاع البيت . ( * )

ـ 98 ـ

ـ سرية زيد بن حارثة رضى الله عنه إلى بنى سليم ـ

بالجموم بفتح الجيم

ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب . قال وبعث رسول الله صلى الله عليه

وسلم زيد بن حارثة في غزوة الجموم فأصاب زيد نعما وشاء وأسر جماعة من المشركين

وقال ابن سعد هى في شهر ربيع الآخر سنة ست . قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه

وسلم زيد بن حارثة إلى بنى سليم فسار حتى ورد الجموم - ناحية بطن تخل عن

يسارها وبطن نخل من المدينة على أربعة برد - فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال

لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بنى سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء

وأسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية . فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب

رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها فقال بلال بن الحرث المزنى في ذلك :

لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت * حليمة حتى راح ركبهما معا

ـ 99 ـ

ـ سرية زيد بن حارثة إلى العيص ـ

قال ابن سعد ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص - وبينها وبين المدينة أربع

ليال وبينها وبين ذى المروة ليلة - في جمادى الاولى سنة ست قالوا لما بلغ رسول

الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام بعث زيد بن حارثة

في سبعين ومائة راكب معترضا لها . فأخذوها وما فيها ، وأخذوا يومئذ فضة

كثيرة لصفوان بن أمية ، وأسروا ناسا ممن كان في العير منهم أبوالعاص بن الربيع

وقدم بهم المدينة فاستجار أبوالعاص بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته

ونادت في الناس حين صلى رسول الله عليه وسلم الفجر : إنى قد أجرت

أبا العاص . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت بشئ من هذا وقد أجرنا

من أجرت ورد عليه ما أخذ منه .

ـ سرية زيد بن حارثة إلى الطرف ـ

ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف . وهو ماء قريب من المراض دون النخيل

على ستة وثلاثين ميلا من المدينة . فخرج إلى بنى ثعلبة في خمسة عشر رجلا فأصاب

نعما وشاء وهربت الاعراب . وصبح زيد بالنغم المدينة وهى عشرون بعيرا ولم

يلق كيدا وغاب أربع ؟ ؟ ؟ ، وكان شعار هم أمت أمت . وقال الواقدى فيما ذكر عنه

الحاكم وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم

ـ101ـ

الذى أتاه رئيه بظهور النبى صلى الله عليه وسلم قال فأرسل اليه عمر رضى الله عنه فقال له أنت

... ....... .........

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 101 سطر 1 الى ص 110 سطر 12

الذى أتاه رئيه بظهور النبى صلى الله عليه وسلم قال فأرسل اليه عمر رضى الله عنه فقال له أنت سواد بن قارب قال نعم قال أنت الذى أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال فأنت على ما كنت عليه من كهانتك قال فغضب وقال ما استقبلنى بهذا

أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين فقال عمر سبحان الله ما كنا عليه من الشرك

أعظم مما كنت عليه من كهانتك فأخبرنى باتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان اذ أتانى رئيى فضربنى برجله قال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل انه قد بعث

رسول من لؤى بن غالب يدعو إلى الله عزوجل والى عبادته ثم أنشأ يقول

عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما صادق الجن ككذابها

فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس قداماها كأذنابها

قال قلت دعنى أنام فانى امسيت ناعسا فلما كانت الليلة الثانية أتانى فضربنى

برجله وقال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل انه قد بعث

رسول من لؤى بن غالب يدعو إلى الله عزوجل والى عبادته ثم أنشأ يقول

عجبت للجن وتخبارها * وشدها العيس بأكوارها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما مؤمن الجن ككفارها

فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها

قال قلت دعنى أنام فانى أمسيت ناعسا فلما كانت الليلة الثالثة أتانى فضربنى

برجله وقال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل انه قد بعث

رسول من لؤى بن غالب يدعو إلى الله عزوجل والى عبادته ثم أنشأ يقول

عجبت للجن وتجساسها * وشدها العيس بأحلاسها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما خير الجن كأنجاسها

ـ102ـ

فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينك إلى راسها

فقمت فقلت قد إمتحن الله قلبى فرحلت ناقتى ثم أتيت المدينة فاذا رسول الله

وصحبه حوله فدنوت فقلت اسمع مقالتى يا رسول الله قال هات فأنشأت أقول :

أتانى نجيبى بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤى بن غالب

فشمرت من ذيلى الازار ووسطت * بى الذعلب ( 1 ) الوجناء بين السباسب

فأشهد أن الله لا رب غيره * وأنك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يابن الاكرمين الاطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل * وان كان فيما جاء شيب الذوائب

وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمقالتى فرحا شديدا حتى رؤى الفرح في

وجوههم . قال فوثب اليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فالتزمه وقال قد كنت

اشتهى أن أسمع هذا الحديث منك فهل يأتيك رئيك اليوم قال اما منذ قرأت

القرآن فلا ونعم العوض كتاب الله من الجن ثم أنشأ عمر يقول كنا يوما في حى

من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا لهم والجزار يعالجه اذ سمعنا صوتا

من جوف العجل ولا نرى شيئا يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح

يشهد أن لا إله إلا الله . وقد روينا خبر سواد هذا من طريق البخارى ثنا يحيى

ابن سليمان قال حدثنى ابن وهيب قال حدثنى عمر أن سالما حدثه عن عبدالله

ابن عمر فذكر الخبر أخصر مما سقناه وفى الالفاظ إختلاف . قال السهيلى ولسواد

ابن قارب هذا مقام حميد في دوس حين بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما . قال

* ( هامش ) * ( 1 ) الذعلب بكسر الدال المشددة وسكون العين وكسر اللام الناقة

السريعة . ( * )

ـ103ـ

ومن هذا الباب خبر سوداء بنت زهرة بن كلاب وذلك انها حين ولدت ورآها

أبوها زرقاء سيماء أمر بوأدها وكانوا يئدون من البنات ما كانت على هذه الصفة

فأرسلها إلى الحجون لتدفن هناك فلما حفر لها الحافر وأراد دفنها سمع هاتفا يقول

لا تئد الصبية وخلها في البرية فالتفت فلم ير شيئا فعاد لدفنها فسمع الهاتف يسجع

بسجع آخر في المعنى فرجع إلى أبيها وأخبره بما سمع فقال إن لها لشأنا وتركها

فكانت كاهنة قريش فقالت يوما لبنى زهرة ان فيكم نذيرة أو تلد نذيرا فاعرضوا

على بناتكم فعرضن عليها فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين حتى

عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه النذيرة أو ستلد نذيرا . وهو خبر طويل

ذكر الزبير يسيرا منه . وذكره بطوله أبوبكر النقاش .

( خبر مازن بن الغضوبة )

أخبرنا على بن محمد التغلبى قال أنا محمد بن غسان بن غافل وغيره قالا أنا على بن

الحسن الدمشقى قال أنا الشيخان أبوالقاسم زاهر وأبوبكر وجيه ابنا طاهر بن محمد

الشحاميان بنيسابور قالا أنا أبوحامد أحمد بن الحسن الازهرى قال أنا أبومحمد الحسن

ابن أحمد المخلدى قال أنا أبوعمران موسى بن العباس الجوينى ثنا على بن حرب

ثنا المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبدالله العمانى عن مازن بن

الغضوبة قال كنت أسدن صنما بسمال قرية بعمان فعترنا ذات يوم عنده عتيرة

وهى الذبيحة فسمعنا صوتا من الصنم يقول :

يا مازن إسمع تسر * ظهر خير وبطن شر * بعث نبى من مضر

بدين الله الكبر * فدع نحيتا من حجر * تسلم من حر سقر

ـ104ـ

قال ففزعت لذلك فقلت إن في هذا لعجبا . قال ثم عترت بعد أيام عتيرة فسمعت

صوتا من الصنم يقول .

اقبل إلى أقبل * تسمع مالا يجهل * هذا نبى مرسل * جاء بحق منزل

فآمن به كى تعدل * عن حر نار تشعل * وقودها بالجندل

فقلت إن في هذا لعجبا ( 1 ) وانه لخير يراد بى فبينا نحن كذلك إذ قدم رجل من أهل

الحجاز قلنا ما الخبر وراءك قال ظهر رجل يقال له أحمد يقول لمن أتاه أجيبوا

داعى الله فقلت هذا نبأ ما سمعته فثرت إلى الصنم فكسرته جذاذا وركبت

راحلتى فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرح لى الاسلام فأسلمت وقلت

كسرت بادر أجذاذا وكان لنا * ربا نطيف به ضلا بتضلال

بالهاشمى هدانا من ضلالتنا * ولم يكن دينه منى على بال

يا راكبا بلغن عمرا واخوتها * أنى لمن قال ربى بادر قالى

يعنى بعمرو بنى الصامت واخوتها بنى الخظامة . قال مازن فقلت يا رسول الله انى مولع

بالطرب وبشرب الخمر وبالهلوك من النساء وألحت علينا السنون فذهبن بالاموال وهزلن

الذرارى والعيال وليس لى ولد فادع الله أن يذهب عنى ما أجد ويأتينى بالحيا ( 2 )

ويهب لى ولدا فقال النبى صلى الله عليه وسلم اللهم ابدله بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال

وبالخمر ريا لا إثم فيه وبالعهر عفة الفرج وائته بالحيا وهب له ولدا قال مازن

فأذهب الله عنى ما كنت أجد وتعلمت شطر القرآن وحججت حججا وأخصبت

عمان ووهب الله لى حيان بن مازن وأنشدت أقول :

إليك رسول الله خبت مطيتى * تجوب الفيافى من عمان إلى العرج

 

لتشفع لى يا خير من وطئ الحصى * فيغفر لى ربى وأرجع بالفلج

إلى معشر خالفت في الله دينهم * فلا رأيهم رأيى ولا شرجهم شرجى

* ( هامش ) * ( 1 ) في النسخ " ان هذا لعجبا " ( 2 ) أى : المطر ( * )

ـ105ـ

وكنت امرأ بالرعب والخمر مولعا * شبابى حتى آذن الجسم بالنهج

فبدلنى بالخمر خوفا وخشية ( 1 ) * وبالعهر إحصانا فحصن لى فرجى

فأصبحت همى في الجهاد ونيتى * فلله ما صومى ولله ما حجى

وروينا عن زمل بن عمرو العذرى قال كان لبنى عذرة صنم يقال له خمام فكانوا

يعظمونه وكان في بنى هند بن حرام بن ضبة بن عبد بن كثير بن عذرة وكان

سادنه رجلا يقال له طارق وكانوا يعترون عنده فلما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا

يقول يا بنى هند بن حرام ظهر الحق وأودى خمام ودفع الشرك الاسلام . قال ففزعنا

لذلك وهالنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا وهو يقول يا طارق يا طارق بعث النبى

الصادق بوحى ناطق صدع صادعة بأرض تهامة لناصريه السلامة ولخاذليه الندامة

هذا الوداع منى إلى يوم القيامة . قال زمل فوضع الصنم لوجهه . قال زمل فابتعت راحلة

ورحلت حتى أتيت النبى صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومى وأنشدته شعرا قلته :

إليك رسول الله أعملت نصها * أكلفها حزنا وقوزا من الرمل

لانصر خير الناس نصرا مؤزرا * وأعقد حبلا من حبالك في حبلى

وأشهد أن الله لا شئ غيره * أدين له ما أثقلت قدمى نعلى . في خبر ذكره

وروينا عن ابن هشام ابن بعض أهل العلم حدثه أنه كان لمرداس أبى عباس

ابن مرداس السلمى وثن يعبده وهو حجر يقال له ضمار فلما حضر مرداس قال

لعباس أى بنى أعبد ضمار فانه ينفعك ويضرك فبينما عباس يوما عند ضمار إذ سمع

من جوف ضمار مناديا يقول :

قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد

ان الذى ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد

أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبى محمد

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " وعفة " ولعله غلط . ( * )

ـ106ـ

فحرق العباس ضمار ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم . وروى أبوجعفر العقيلى عن رجل من

بنى لهب يقال له لهيب أو لهيب بن مالك قال حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت

عنده الكهانة فقلت بأبى وأمى نحن أول من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين

ومنعهم من إستراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا إجتمعنا إلى كاهن لنا يقال

له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة وكان

من أعلم كهاننا فقلنا له يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التى يرمى بها فانا قد

فزعنا لذلك وخفنا سوء عاقبتها فقال إئتونى بسحر أخبركم الخبر ألخير أم ضرر

أو لامن أو حذر قال فانصرفنا عنه يومنا فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه

فاذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه فناديناه يا خطر يا خطر فأومأ الينا

أمسكوا فأمسكنا فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته

أصابه أصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويله ما حاله

بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله وغيرت أحواله . ثم أمسك طويلا يقول

يا معشر بنى قحطان :

أخبركم بالحق والبيان * أقسمت بالكعبة والاركان

والبلد المؤتمن السدان * قد منع السمع عتاة الجان

بثاقب بكف ذى سلطان * من أجل مبعوث عظيم الشان

يبعث بالتنزيل والفرقان * وبالهدى وفاضل القرآن

تبطل به عبادة الاوثان

قال فقلت ويحك يا خطر إنك لتذكر أمرا عظيما فماذا ترى لقومك فقال

أرى لقومى ما أرى لنفسى * أن يتبعوا خير نبى الانس

برهانه مثل شعاع الشمس * يبعث في مكة دار الحمس

بمحكم التنزيل غير اللبس

ـ107ـ

فقلنا له يا خطر وممن هو فقال والحياة والعيش انه لمن قريش ما في حكمه

طيش ولا في خلقه هيش ( 1 ) يكون في جيش وأى جيش من آل قحطان

وآل أيش . فقلنا بين لنا من أى قريش هو فقال والبيت ذى الدعائم انه

لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم وقتل كل ذى ظالم ثم قال هذا

هو البيان أخبرنى به رئيس الجان . ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع

عن الجن الخبر . ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق إلا بعد ثلاثة فقال لا إله

إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوة وانه ليبعث

يوم القيامة أمة وحده . قال السهيلى المعنى وصابه مثل وشاح وأشاح وتكون الهمزة

بدلا من واو مكسورة . وروينا من طريق ابن ماجه ثنا محمد بن يحيى ثنا اسرائيل

ثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ان قريشا أتوا إمرأة كاهنة فقالوا

لها أخبرينا أشبهنا أثرا بصاحب المقام فقال إن أنتم جررتم كساء على هذه السهلة ثم

مشيتم عليها أنبأتكم فجروا كساء ثم مشى الناس عليها فأبصرت اثر رسول الله

صلى الله عليه وسلم فقالت هذا أقربكم اليه شبها ثم مكثوا بعد ذلك عشرين سنة

أو ما شاء الله ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم . وذكر ابن أبى خيثمة ثنا موسى ثنا حماد

عن حميد عن عكرمة ان نفرا من قريش مروا بجزيرة من جزائر البحر فاذا هم

بشيخ من جرهم فقال ممن أنتم قلنا نحن من أهل مكة من قريش فقال الشيخ ذات

يوم لقد طلع الليلة نجم لقد بعث فيكم نبى قال فنظروا فاذا النبى صلى الله عليه

وسلم قد بعث تلك الليلة . قرئ على أبى عبدالله محمد بن عبدالمؤمن المقدسى وأنا

أسمع بغوطة دمشق أخبرتكم أم النور عين الشمس بنت أحمد بن أبى الفرج

الثقفى إجازة قالت أنا أبوالفتح إسمعيل بن الفضل بن أحمد بن الاخشيد قراءة

عليه ثنا الشيخ الزكى أبوالقاسم الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود الثقفى ثنا ابو

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : ليس عنده حدة وسرعة غضب . ( * )

ـ108ـ

بكر أحمد بن يوسف بن ابراهيم الثقفى ثنا أبوعلى الحسن ابن محمد بن إله المعدل

ثنا عمرو بن على ثنا عبيد الله بن عبدالمجيد ثنا القاسم بن الفصل ثنا أبونضرة عن

أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال بينما راع يرعى بالجزيرة إذ عرض الذئب

 

لشاة من شائه فحال الراعى بين الذئب وبين الشاة فأقعى الذئب على ذنبه فقال

ألا تتقى الله تحول بينى وبين رزق ساقه الله إلى . فقال الراعى هل أعجب من ذئب

مقع على ذنبه يكلمنى بكلام الانس . فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب منى رسول

الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين ( 1 ) يحدث الناس بأنباء ما قد سبق فساق الراعى شاءه فأتى

المدينة فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثه بما قال الذئب فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم صدق الراعى إن من أشراط الساعة كلام السباع الانس والذى

نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل شراك نعله وعذبة صوته ويخبره بما

صنع أهله . وذكر الواقدى باسناد له قال كان ابوهريرة يحدث ان قوما من خثعم

كانوا عند صنم لهم جلوسا وكانوا يتحاكمون إلى أصنامهم . وفيه قال ابوهريرة رضى

الله عنه فبينا الخثعمون عند صنمهم اذ سمعوا هاتفا يهتف :

يأيها الناس ذوو الاجسام * ومسندو الحكم إلى الاصنام

أكلكم أوره كالكهام * أما ترون ما أرى امامى

من ساطع يجلو دجى الظلام * ذاك نبى سيد الانام

من هاشم في ذروة السنام * مستعلن بالبلد الحرام

جاء بهد الكفر بالاسلام * أكرمه الرحمن من إمام

قال أبوهريرة فأمسكوا عنه ساعة حتى حفظوا ذلك ثم تفرقوا فلم تمض بهم ثالثة حتى

فجئهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قد ظهر بمكة فما أسلم الخثعميون حتى إستأخر

إسلامهم ورأوا عبرا عند صنمهم . قال ابن إسحق وحدثنى على بن نافع الجرشى أن

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : المدينة لانها بين حرتين عظيمتين : والحرة هى الارض ذات الحجارة السود . ( * )

ـ109ـ

جنبا بطنا من اليمن كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه

وسلم وانتشر في العرب قالت له جنب أنظر لنا في أمر هذا الرجل واجتمعوا اليه

في أسفل جبل فنزل عليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس

له فرفع رأسه إلى السماء طويلا ثم جعل ينزو ثم قال أيها الناس إن الله أكرم محمدا

واصطفاه وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل ثم اشتد في جبله راجعا

من حيث جاء . والاخبار في هذا كثيرة .

( ذكر المبعث ، متى وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة )

قرئ على أبى عبدالله محمد بن عبدالمؤمن بن أبى الفتح الصورى وأنا أسمع

أخبركم أبوالقاسم عبد الصمد بن محمد بن أبى الفضل بن الحرستانى قراءة عليه

وأنتم تسمعون فأقر به قال أنا أبومحمد عبدالكريم بن حمزة بن أبى الخضر السلمى

سماعا عليه قال أنا أبومحمد عبدالعزيز بن أحمد الكنانى قال أنا تمام بن محمد

الرازى قال أنا أحمد بن سليمان ثنا يزيد بن محمد ثنا أ بوالجماهر ثنا سعيد بن بشير

ثنا قتادة عن الحسن عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت أول النبيين

في الخلق وآخرهم في البعث . أخبرنا محمد بن اسمعيل بن عبدالله بن الانماطى

بقراءة والدى عليه وأنا أسمع قال أنا ابن الحرستانى سماعا وأبوالحسن المؤيد

ابن محمد بن على الطوسى إجازة قال أنا وقال ابن الحرستانى أنبأنا الامام أبوعبد

الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوى قال أنا أبوحفص بن مسرور قال أنا أبو

عمرو بن نجيد ثنا محمد بن أيوب الرازى قال أنا محمد بن سنان العوقى ثنا ابراهيم

ـ110ـ

ابن طهمان عن بديل عن عبدالله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال قلت يا رسول

الله متى كنت نبيا قال كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد .

( كم كانت سنه صلى الله عليه وسلم حين بعث )

أخبرنا أبوحفص عمر بن عبد المنعم بن القواس بقراءتى عليه بعربيل بغوطة

دمشق قلت له أخبركم القاضى الامام ابوالقاسم عبدالصمد بن محمد بن أبى الفضل

الانصارى قراءة عليه بحضورك في الرابعة فأقر به قال أنا جمال الاسلام أبوالحسن

السلمى قال أنا أبونصر الحسين بن محمد بن طلاب قال أنا أبوالحسين بن جميع

ثنا خالد بن محمد بدمياط ثنا محمد بن على الصائغ ثنا محمد بن بشر التنيسى ثنا

الاوزاعى قال حدثنى ربيعة بن أبى عبدالرحمن قال حدثنى أنس بن مالك أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس الاربعين وقبض على رأس الستين وما في رأسه

ولحيته عشرون شعرة بيضاء .

ـ111ـ

( خبر بعثه عليه السلام إلى الاسود والاحمر )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 111 سطر 1 الى ص 120 سطر 23

( خبر بعثه عليه السلام إلى الاسود والاحمر )

أخبرنا أبومحمد عبدالعزيز بن عبد المنعم الحرانى بقراءة والدى عليه أخبركم

أبوعلى ضياء بن أبى القاسم عن الخريف قال أنا أبوبكر محمد بن عبدالباقي بن

محمد الانصارى قال أنا ابوالحسن على بن عيسى الباقلانى قال أنا أحمد بن جعفر

ثنا الحسن بن الطيب البلخى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام

تبوك قام من الليل يصلى فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى اذا صلى وانصرف

اليهم قال لهم لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلى اما أولهن فأرسلت

إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلى إنما يرسل إلى قومه . ونصرت بالرعب على العدو

ولو كان بينى وبينه مسيرة شهر لملئ منى رعبا . وأحلت لى الغنائم كلها وكان من قبلى

يعظمونها كانوا يحرمونها . وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا أينما أدركتنى الصلاة

تمسحت وصليت وكان من قبلى يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم .

والخامسة قيل لى سل فان كل نبى قد سأل فأخرت مسألتى إلى يوم القيامة فهى

لكم ولمن شهد أن لا إله إلى الله . قرئ على عبدالرحيم بن يوسف الموصلى وأنا اسمع

اخبركم ابن طبرزد قال أنا ابن الحصين أنا ابن غيلان عن أبى بكر الشافعى ثنا ابراهيم

ابن عبدالله بن مسلم ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير

عن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع بى من يهودى أو نصرانى ثم

لم يسلم دخل النار . قال ابن إسحق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة

بعثه الله رحمة للعالمين وكافة للناس وكان الله قد أخذ له الميثاق على كل نبى بعثه قبله

ـ112ـ

بالايمان به والتصديق له والنصر على من خالفه وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل

من آمن بهم وصدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه بقول الله تعالى

لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم

رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى -

اى ثقل ما حملتكم من عهدى - قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين )

فأخذ الله الميثاق عليهم جميعا بالتصديق له والنصر وأدوا ذلك إلى من آمن بهم

وصدقهم من اهل هذين الكتابين . وعن عائشة رضى الله عنها ان أول ما ابتدئ

به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله به كرامته ورحمة العباد

به الرؤيا الصادقة لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح وحبب الله اليه الخلوة فلم يكن

شئ أحب اليه من أن يخلو وحده . وروينا عن ابى بشر الدولابى قال حدثنى

محمد بن حميد أبوقرة ثنا سعيد بن عيسى بن تليد قال حدثنى المفضل بن فضلة عن

أبى الطاهر عبدالملك بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمه عبدالله بن ابى

بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه كان من بدء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رأى في المنام

رؤيا فشق ذلك عليه فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد فقالت له أبشر

فان الله لا يصنع بك إلا خيرا فذكر لها أنه رأى ان بطنه أخرج فطهر وغسل ثم

أعيد كما كان قالت هذا خير فأبشر ثم استعلن به جبريل فأجلسه على ما شاء الله أن

يجلسه عليه وبشره برسالة ربه حتى اطمأن ثم قال اقرأ قال كيف أقرأ قال ( اقرأ

باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم

بالقلم ) فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه واتبع الذى جاء به جبريل

من عند الله وانصرف إلى أهله فلما دخل على خديجة قال أرأيتك الذى كنت

أحدثك ورأيته في المنام فانه جبريل استعلن فأخبرها بالذى جاءه من الله عزوجل

وسمع فقالت أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فاقبل الذى أتاك الله وأبشر

ـ113ـ

فانك رسول الله حقا . وروينا من طريق الدولابى عن محمد بن عايذ ثنا محمد بن

شعيب عن عثمان بن عطاء الخراسانى عن أبيه عطاء بن أبى مسلم عن عكرمة عن

ابن عباس قال بعث الله عز وجل محمدا على رأس خمس سنين من بنيان الكعبة

وكان أول شئ أراه إياه من النبوة رؤيا في النوم فذكر نحو ما تقدم وفى آخره فلما

قضى اليه الذى أمر به انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم منقلبا إلى أهله لا يأتى

على حجر ولا شجر إلا سلم عليه سلام عليك يا رسول الله فرجع إلى بيته وهو موقن

قد فاز فوزا عظيما الحديث . وروينا من طريق مسلم ثنا ابوبكر بن ابى شيبة ثنا

يحيى بن أبى كثير عن ابراهيم بن طهمان قال حدثنى سماك بن حرب عن جابر

ابن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل

أن أبعث إنى لاعرفه الآن . وفى رواية يونس عن ابن إسحق بسنده إلى أبى ميسرة

عمرو بن شرحبيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة انى اذا خلوت وحدى سمعت

نداء وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر قالت معاذ الله ما كان الله ليفعل ذلك بك

فوالله انك لتؤدى الامانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما دخل أبوبكر وليس

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت خديجة له فقالت يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة فلما

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبوبكر بيده وقال انطلق بنا إلى ورقة فقال ومن

أخبرك قال خديجة فانطلقا اليه فقصا عليه فقال انى اذا خلوت وحدى سمعت

نداء من خلفى يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الارض فقال له لا تفعل اذا أتاك فاثبت

حتى تسمع ما يقول لك ثم إئتنى فأخبرنى فلما خلا ناداه يا محمد يا محمد قل بسم الله

الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين قل لا إله إلا الله فأتى

ورقة فذكر له ذلك فقال له ورقة أثبت ( 1 ) فأنا أشهد أنك الذى بشر به ابن مريم

وأنك على مثل ناموس موسى وانك نبى مرسل وانك ستؤمر بالجهاد بعد يومك

هذا ولئن أدركنى ذلك لاجاهدن معك فلما توفى ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " أبشر " في مكان " أثبت " . ( * )

ـ114ـ

رأيت القس في الجنة وعليه ثياب الحرير لانه آمن بى وصدقنى يعنى ورقة .

وروينا عن أبى بكر الشافعى ثنا محمد بن يونس بن موسى ثنا عثمان بن عمر بن

فارس قال أنا على بن المبارك الهنائى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة قال سألت

جابر بن عبدالله فقال لا أحدثك الا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

جاورت بحراء فلما قضيت جوارى هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى فلم أر شيئا

فنظرت عن يسارى فلم أر شيئا فنظرت من خلفى فلم أر شيئا فرفعت رأسى فرأيت

شيئا بين السماء والارض فأتيت خديجة فقلت دثرونى وصبوا على ماء باردا فدثرونى

وصبوا على ماء باردا فنزلت هذه الآية ( يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر ) رواه مسلم

عن ابن مثنى عن عثمان بن عمر بن فارس . وروينا من حديث الزهرى قال أخبرنى

عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة في النوم

فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يخلو

بغار حراء يتحنث فيه - وهو التعبد - الليالى ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله

ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء

فجاءه الملك فقال إقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد

ثم أرسلنى فقال إقرأ قلت ما أنا بقارئ قال فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى

الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ قلت ما انا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى

الجهد ثم ارسلنى فقال ( اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ

وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم ) فرجع بها رسول الله صلى الله

عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملونى زملونى فزملوه حتى

ذهب عنه الروع ثم قال لخديجة أى خديجة مالى وأخبرها الخبر قال لقد خشيت

على نفسى قالت له خديجة كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم

ـ115ـ

تصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب

الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى وهو

ابن عم خديجة أخى أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب

العربى ويكتب من الانجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد

عمى فقالت له خديجة أى عم اسمع من ابن أخيك قال ورقة بن نوفل يا ابن أخى ماذا

ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا هو الناموس

الذى أنزل على موسى ياليتنى فيها جذعا ياليتنى اكون حيا حين يخرجك قومك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجى هم قال ورقة نعم لم يأت رجل قط

بما جئت به إلا عودى وان يدركنى يومك انصرك نصرا مؤزرا . رويناه من حديث

مسلم عن أبى الطاهر عن ابن وهب عن يونس عنه وهذا لفظه . ورويناه من طريق

البخارى وغيره ولفظهم متقارب . وروينا من طريق الدولابى ثنا يونس بن عبد

الاعلى ثنا عبدالله بن وهب قال اخبرنى يونس بن يزيد عن الزهرى عن عروة

عن عائشة رضى الله عنها فذكر نحو ما تقدم وفى آخره ثم لم ينشب ورقة ان توفى

وفتر الوحى فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه

مرارا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة كى يلقى نفسه

منها تبدى له جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك

جأشه وتقر نفسه فيرجع فاذا طال عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك فاذا أوفى ذروة

تبدى له جبريل فقال مثل ذلك . وعن عبيد بن عمير كان رسول الله صلى الله

عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما تحنث به قريش في

الجاهلية والتحنث التبرر فكان يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه

من المساكين فاذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به اذا انصرف

قبل ان يدخل بيته الكعبة فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله ثم يرجع إلى بيته حتى

ـ116ـ

اذا كان الشهر الذى اراد الله به فيه ما اراد من كرامته وذلك الشهر رمضان خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى اذا

كانت الليلة التى اكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله

تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءنى وأنا نائم بنمط من ديباج فيه

كتاب فقال اقرأ قلت ما اقرأ فغتنى به حتى ظننت انه الموت ثم ارسلنى فقال اقرأ فقلت

ما اقرأ فغتنى به حتى ظننت انه الموت ثم ارسلنى فقال اقرأ قلت ماذا أقرأ ما اقول ذلك

إلا افتداء منه ان يعود لى بمثل ما صنع قال ( اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من

علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم ) فقرأتها ثم انتهى فانصرف

عنى وهببت من نومى فكأنما كتب في قلبى كتابا فخرجت حتى اذا كنت في وسط

من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وانا جبريل رفعت رأسى

إلى السماء أنظر فاذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول يا محمد أنت

رسول الله وانا جبريل فوقفت أنظر اليه فما اتقدم وما اتأخر وجعلت اصرف وجهى عنه

في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما اتقدم أمامى

وما ارجع ورائى حتى بعثت خديجة رسلها في طلبى فبلغوا مكة ورجعوا اليها وأنا

واقف في مكانى ذلك ثم انصرف عنى وانصرفت راجعا إلى أهلى حتى أتيت

خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا اليها فقالت يا أبا القاسم أين كنت فوالله لقد

بعثت رسلى في طلبك فبلغوا مكة ورجعوا إلى ثم حدثتها بالذى رأيت فقالت

ابشر يا ابن عمى واثبت فوالذى نفسى بيده إنى لارجوا أن تكون نبى هذه الامة

ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان

قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من اهل التوراة والانجيل فأخبرته بما اخبرها به

رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رأى وسمع فقال ورقة قدوس قدوس والذى

نفسى بيده لئن كنت صدقتنى يا خديجة لقد جاءه الناموس الاكبر الذى كان

ـ117ـ

يأتى موسى وانه لنبى هذه الامة فقولى له فليثبت فرجعت خديجة إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم

جواره وانصرف صنع ما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل

وهو يطوف بالكعبة فقال له يا ابن اخى اخبرنى بما رأيت وسمعت فأخبره رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة والذى نفسى بيده انك لنبى هذ الامة ولقد

جاءك الناموس الاكبر الذى جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتقاتلنه ولئن انا

ادركت ذلك اليوم لانصرن الله نصرا يعلمه ثم ادنى رأسه منه فقبل يأفوخه ثم

انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله . وروينا عن ابى بشر ثنا عبد

الله بن عبد الرحيم ثنا عبدالملك بن هشام عن زياد قال قال محمد بن اسحق حدثنى

اسماعيل بن ابى حكيم مولى آل الزبير انه حدث عن خديجة انها قالت لرسول الله

صلى الله عليه وسلم اى ابن عم أتستطيع ان تخبرنى بصاحبك هذا الذى يأتيك

اذا جاءك قال نعم قالت فاذا جاء فأخبرنى به فجاءه جبريل عليه السلام فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل قد جاءنى قالت قم يا ابن عم

فاجلس على فخذى اليسرى قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها

قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاقعد على فخذى اليمنى قال فتحول رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقعد على فخذها اليمنى فقالت هل تراه قال نعم قالت

فتحول فاجلس في حجرى فتحول فجلس في حجرها ثم قالت هل تراه قال نعم

قال فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها

ثم قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وأبشر فوالله انه لملك ما هذا

بشيطان . وفى رواية يونس وروى عطاء بن السائب وابوبشر وابن اسحق كلهم

عن سعيد بن جبير دخل حديث بعضهم في بعض عن ابن عباس قال كان لكل

قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون فيه فلما رموا بالشهب وحيل بينهم وبين

ـ118ـ

خبر السماء قالوا : ما هذا الا لشئ حدث في الارض وشكوا ذلك إلى ابليس لعنه

الله فقال : ما هذا الا لامر حدث فائتونى من تربة كل ارض فانطلقوا يضربون

مشارق الارض ومغاربها يبتغون علم ذلك فأتوه من تربة كل ارض فكان

يشمها ويرمى بها حتى اتاه الذين توجهوا إلى تهامة بتربة من تربة مكة فشمها وقال

من ها هنا يحدث الحدث فنظروا فاذا النبى صلى الله عليه وسلم قد بعث ثم انطلقوا

فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة معه من اصحابه بنخلة عامدين إلى سوق

عكاظ وهو يصلى بهم صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا والله

الذى حال بيننا وبين خبر السماء فولوا إلى قومهم منذرين فقالوا : يا قومنا انا سمعنا

قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد وذكر تمام الخبر . وقال شعبة عن مغيرة عن ابراهيم

النخعى نزلت عليه ( يأيها المدثر ) وهو في قطيفة . وقال شيبان عن الاعمش عن ابراهيم

اول سورة أنزلت عليه ( اقرأ باسم ربك الذى خلق ) وهو قول عائشة وعبيد بن

عمير ومحمد بن عباد بن جعفر والحسن البصرى وعكرمة ومجاهد والزهرى . روينا

عن ابى على بن الصواف ثنا جعفر بن احمد ثنا محمد بن خالد بن عبدالرحمن ثنا

ابراهيم بن عثمان وهو ابن ابى شيبة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس

عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كان من الانبياء من يسمع الصوت فيكون نبيا

بذلك وان جبريل يأتينى فيكلمنى كما يأتى احدكم صاحبه فيكلمه . أخبرنا عبدالله

ابن احمد بن فارس التميمى وغيره سماعا وقراءة قالوا انا ابواليمن الكندى قراءة

عليه ونحن نسمع قال انا ابوالقاسم الحريرى قال انا ابوطالب العشارى قال

انا ابوالحسين الواعظ ثنا ابوالحسن على بن محمد بن احمد المصرى ثنا بكر بن

سهيل ثنا شعيب بن يحيى ثنا الليث بن سعد قال حدثنى سعيد بن ابى سعيد عن

ابيه عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من الانبياء من نبى

الا وقد اعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وانما الذى اوتيت وحيا اوحاه الله

ـ119ـ

عزوجل إلى فأرجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة . وكان نزول جبريل له عليه

السلام فيما ذكر يوم الاثنين لسبع في رمضان وقيل لسبع عشرة مضت منه .

رواه البراء بن عازب وغيره . وعن ابى هريرة انه كان في السابع والعشرين من

رجب وقال ابوعمر يوم الاثنين لثمان من ربيع الاول سنة احدى واربعين من

عام الفيل وقد قيل غير ذلك .

( ذكر فوائد تتعلق بهذه الاخبار )

حديث أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين المتفق

عليه بين أهل النقل مما فيه إقامته عليه السلام بالمدينة عشرا وأما إقامته بمكة

فمختلف في مقدارها . وسيأتى ذلك في آخر الكتاب عند ذكر وفاته عليه السلام .

وأما سنه عليه السلام حين نبئ فالمروى عن ابن عباس وجبير بن مطعم

وقباث بن اشيم وعطاء وسعيد بن المسيب كالمروى عن أنس وهو الصحيح عند

أهل السير وغيرهم : قال أبوالقاسم السهيلى وقد روى أنه نبئ لاربعين وشهرين

وفى حديث عمرو بن شعيب فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى والمراد

والله أعلم ينتظرون فراغه من الصلاة وأما حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم

من المشركين فقد كان انقطع منذ نزلت ( والله يعصمك من الناس ) وذلك قبل

تبوك والله أعلم . وحديث جابر بن سمرة إنى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على ،

هذا هو المعروف بغير زيادة . وقد روى أن ذلك الحجر هو الحجر الاسود . يحتمل

أن يكون هذا التسليم حقيقة وان يكون الله انطقه بذلك كما خلق الحنين في الجذع

ويحتمل ان يكون مضافا إلى ملائكة يسكنون هناك من باب ( واسأل القرية )

ـ120ـ

فيكون من مجاز الحذف وهو علم ظاهر من أعلام النبوة على كلا التقديرين . وفى

حديث عبيد بن عمير في خبر نزول جبريل عليه السلام قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم فجاءنى وانا نائم فهذه حالة . وحديث عائشة وغيرها انه كان في اليقظة

فهذه حالة ثانية ولا تعارض لجواز الجمع بينهما بوقوعهما معا ويكون الاتيان في النوم

توطئة للاتيان في اليقظة . وقد قالت عائشة : أول ما بدئ به عليه السلام

من الوحى الرؤيا الصادقة . وعن الشعبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكل به اسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحى ثم

وكل به جبريل فجاءه بالقرآن والوحى فهذه حالة ثالثة لمجئ الوحى . ورابعة وهى

أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال عليه السلام إن روح القدس نفث في

روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب .

وخامسة وهى أن يأتيه الوحى في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه وقيل ان

ذلك يستجمع قلبه عندءلك الصلصلة فيكون أوعى لما يسمع . وسادسة وهى أن

يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كما في ليلة الاسراء وإما في النوم كما في

حديث معاذ أتانى ربى في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملا الاعلى وكان الملك

يأتيه عليه السلام تارة في صورته له ستمائة جناح كما روى وتارة في صورة دحية

الكلبى . فهذه حالات متعددة ذكر معناه السهيلى . وقوله فغطنى ويروى فسأبنى

ويروى سأتثنى ويروى فزعتنى وكلها واحد وهو الخنق والغم . والناموس صاحب سر

الملك . وقال بعضهم الناموس صاحب سر الخير والجاسوس صاحب سر الشر .

ومؤزرا من الازر وهو القوة والعون . واليأفوخ مهموز ولا يقال في رأس الطفل يأفوخ

حتى يشتد وإنما يقال له الغاذية . وفترة الوحى لم يذكر لها ابن اسحق مدة معينة

قال أبوالقاسم السهيلى وقد جاء في بعض الاحاديث المسندة أنها كانت سنتين

ونصف سنة والله أعلم .

ـ121ـ

( ذكر صلاته عليه السلام أول البعثة )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 121 سطر 1 الى ص 130 سطر 24

( ذكر صلاته عليه السلام أول البعثة )

قال ابن اسحق حدثنى بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول

الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادى فانفجرت منه

عين فتوضأ جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ

رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل يتوضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول

الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ثم انصرف جبريل فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها

ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله

صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صلى به جبريل فصلت بصلاته كذا

ذكره ابن اسحق مقطوعا وقد وصله الحارث بن أبى أسامة : ثنا الحسن بن موسى

عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الزهرى عن عروة عن أسامة بن زيد قال

حدثنى أبى زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحى اليه

أتاه جبريل عليه السلام فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح ( 1 )

بها فرجه قال السهيلى . وقد رويناه من طريق ابن ماجه عن ابراهيم بن محمد الفريابى

عن حسان بن عبدالله عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهرى بسنده بمعناه . وقد

روى نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس رضى الله عنهم . وفى حديث ابن عباس

وكان ذلك أول من الفريضة . وعن مقاتل بن سليمان فرض الله في أول الاسلام

الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى ثم فرض الخمس ليلة المعراج . وأما إمامة

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : رش . ( * )

ـ122ـ

جبريل بالنبى صلى الله عليه وسلم عند البيت ليريه أوقات الصلوات الخمس فليس

هذا موضع الحديث وإن كان ابن إسحق وضعه هنا من طريق ابن عباس لاتفاق

أصحاب الحديث الصحيح على أن هذه الواقعة كانت صبيحة الاسراء وهو بعد هذا

بأعوام كما سيأتى مبينا عند ذكر أحاديث المعراج والاسراء إن شاء الله تعالى .

ـ123ـ

( ذكر أول الناس إيمانا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم )

وأول الناس إيمانا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى بن كلاب

فيما أتت به الآثار وذكره أهل السير والاخبار منهم ابن شهاب وقتادة وغيرهما .

وروينا عن الدولابى ثنا ابوأسامة الحلبى ثنا حجاج بن أبى منيع ثنا جدى عن

الزهرى قال كانت خديجة أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم . وروينا

عن الدولابى أيضا ثنا احمد بن المقدام أبوالاشعث ثنا زهير بن العلاء ثنا سعيد

ابن أبى عروبة عن قتادة قال كانت خديجة أول من آمن بالنبى صلى الله عليه

وسلم من النساء والرجال وهو قول موسى بن عقبة وابن إسحق والواقدى والاموى

وغيرهم . قال ابن إسحق كانت خديجة أول من آمنت بالله ورسوله وصدقت ما جاء

من عند الله عزوجل ووازرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسوله فكان لا يسمع

شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع

اليها تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رضى الله عنها .

أخبرنا عبدالرحيم بن يوسف المزى بقراءة والدى عليه قال انا ابوحفص بن

طبرزد قال أنا محمد بن عبدالباقي قال أنا الحسن بن على الجوهرى قال أنا ابن

الشخير قال أنا اسحق يعنى ابن موسى الرملى ثنا سهل بن بحر ثنا عبيد يعنى ابن

يعيش ثنا أبوبكر بن عياش عن الشيبانى عن عبدالله بن أبى أوفى رضى الله

عنه قال بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ببيت في الجنة من ذهب لا صخب فيه

ولا نصب . أخبرنا أحمد بن عبدالرحمن الحارثى ويحيى بن أحمد الجرامى في آخرين

قالوا أنا أبو عبدالله بن أبى المعالى قال أنا أبومحمد السعدى قال أنا على بن الحسين

ـ124ـ

المصرى قال أنا أ بوالعباس احمد بن الحسين بن جعفر العطار قراءة عليه وأنا أسمع

أنا أبومحمد الحسن بن رشيق العسكرى ثنا ابو عبدالله محمد بن رزيق بن جامع

المدينى سنة سبع وتسعين ومائتين قال ثنا أبوالحسين سفيان بن بشر الاسدى

الكوفى ثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه

عن جده أبى رافع قال صلى النبى صلى الله عليه وسلم أول يوم الاثنين وصلت خديجة رضى الله

عنها آخر يوم الاثنين وصلى على يوم الثلاثاء من الغد الحديث . ثم على بن أبى

طالب رضى الله عنه واسم أبى طالب عبد مناف بن ع بدالمطلب بن هاشم بن

عبد مناف بن قصى بن كلاب وكان على أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر

من عقيل بعشر سنين وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين . قال أبوعمر وروى

عن سلمان وأبى ذر والمقداد وخباب وجابر وأبى سعيد الخدرى وزيد بن أرقم أن

على بن أبى طالب أول من أسلم وكذلك قال ابن إسحق وهو قول ابن شهاب إلا

أنه قال من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع في خديجة وأسلم أخواه جعفر وعقيل

بعد ذلك وكان يومئذ ابن ثمان سنين وقيل عشرة وقيل اثنتى عشرة وقيل خمس

عشرة . قال ابن اسحق وكان مما أنعم الله عليه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم

قبل الاسلام وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبوطالب ذا عيال

كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بنى هاشم

يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة

فانطلق بنا اليه فلنخفف من عياله آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفهما

عنه قال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا إنا نريد ان نخفف عنك

من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه وقال لهما أبوطالب إذا تركتما لى

عقيلا فاصنعا ما شئتما ويقال عقيلا وطالبا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليا فضمه اليه وأخذ العباس جعفرا فضمه اليه فلم يزل على مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ـ125ـ

حتى بعثه الله نبيا فاتبعه على وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم

واستغنى عنه . روينا من طريق أبى بكر الشافعى بالاسناد المتقدم ثنا محمد بن بشر

ابن مطر ثنا محمد بن حميد ثنا سلمة بن الفضل قال حدثنى محمد بن إسحق عن يحيى

ابن أبى الاشعث عن اسمعيل بن اياس بن عفيف الكندى وكان عفيف أخا

الاشعث بن قيس لامه وكان ابن عمه عن أبيه عن جده عفيف الكندى قال

كان العباس بن ع بدالمطلب لى صديقا وكان يختلف إلى اليمن يشترى العطر ويبيعه

أيام الموسم فبينما أنا عند العباس بمنى فأتاه رجل مجتمع فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم قام

يصلى فخرجت امرأة فتوضأت ثم قامت تصلى ثم خرج غلام قد راهق فتوضأ ثم

قام إلى جنبه يصلى فقلت ويحك يا عباس ما هذا الدين قال هذا دين محمد بن عبد

الله ابن أخى يزعم أن الله بعثه رسولا هذا ابن أخى على بن أبى طالب قد تابعه

على دينه وهذه امرأته خديجة قد تابعته على دينه فقال عفيف بعد ان أسلم ورسخ

في الاسلام ياليتنى كنت رابعا .

وذكر ابن اسحق عن بعض أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه على بن أبى طالب مستخفيا

من أبى طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها فاذا امسيا

رجعا كذلك فمكثا ما شاء الله ان يمكثا ثم ان أبا طالب عثر عليهما يوما وهما

يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخى ما هذا الدين الذى أراك

تدين به قال أى عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين أبينا ابراهيم أو كما

قال صلى الله عليه وسلم بعثنى الله به رسولا إلى العباد وأنت أى عم احق من

بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابنى اليه وأعاننى عليه أو كما

قال فقال ابوطالب أى ابن أخى إنى لا استطيع ان افارق دين آبائى وما كانوا

عليه ولكن والله لا يخلص اليك بشئ تكرهه ما بقيت . وذكروا انه قال لعلى

ـ126ـ

أى بنى ما هذا الدين الذى انت عليه فقال يا ابت آمنت برسول الله وصدقت بما

جاء به وصليت معه لله واتبعته فزعموا انه قال له اما انه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه .

قال ابن إسحق : ثم اسلم زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد

العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن

كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن

وبرة كذا عند ابن هشام الكلبى مولى رسول الله فكان اول ذكر أسلم وصلى

بعد على بن ابى طالب وكان زيد اصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام

لعمته خديجة بن خويلد بأربعمائة درهم ثم وهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك

وتتبع اهله خبره حتى دلوا عليه فأتوا في طلبه فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم

بين المكث عنده أو الرجوع مع اهله فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام

عنده وخبره بذلك مشهور . ثم اسلم ابوبكر بن ابى قحافة رضى الله عنه واسمه

عتيق وقيل عبدالله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه وقيل غير ذلك واسم ابى

قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤى

فلما اسلم اظهر إسلامه ودعا إلى الله والى رسوله وكان ابوبكر مألفا لقومه محببا

سهلا وكان انسب قريش لقريش واعلمهم بها وبما كان فيها من خير وشر وكان

تاجرا ذا خلق ومعروف فكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لتجارته وحسن مجالسته

وغير ذلك فجعل يدعو إلى الاسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس اليه

فأسلم بدعائه فيما بلغنى عثمان بن عفان بن ابى العاص بن أمية بن عبد شمس بن

عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة . والزبير بن العوام بن خويلد بن اسد بن عبد

العزى بن قصى . و عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب

ابن مرة . وسعد بن أبى وقاص واسم أبى وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف

ابن زهرة بن كلاب . وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد

ـ127ـ

ابن تيم بن مرة فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له

فأسلموا وصلوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغنى ما دعوت

أحدا إلى الاسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبى بكر

ابن أبى قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه . قال فكان هؤلاء النفر

الثمانية الذين سبقوا الناس بالاسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وصدقوا ما جاءه من عند الله . ثم أسلم ابوعبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح

ابن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر . وأبوسلمة عبد الله بن عبد

الاسد بن هلالى بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى .

والارقم بن أبى الارقم عبد مناف بن أسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم . وعثمان

 

ابن مظعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن

لؤى وأخواه قدامة و عبدالله . وعبيدة بن الحرث بن المطلب بن عبد مناف بن

قصى بن كلاب . وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن

عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى . وعند ابن هشام تقديم

عبدالله بن قرط بن رياح . وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل المذكور . وأسماء

ابنة أبى بكر وعائشة أختها وهى صغيرة . وخباب بن الارت بن جندلة بن سعد

ابن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيدة مناة بن تميم الخزاعى ولاء الزهرى حلفا

وعمير بن أبى وقاص أخو سعد . و عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن

شمخ بن فار بن مخزوم بن هالة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن

مدركة وعند ابن هشام فيه خلاف ما ذكرناه حليف بنى زهرة . ومسعود بن ربيعة

القارئ بن عمرو بن سعد بن عبدالعزى بن جمالة بن غالب بن محلم بن عايذة

ابن سبيع بن الهون بن خزيمة بن القارة . وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود

ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى . وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة

ـ128ـ

ابن عبدالله بن عمر بن مخزوم . وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل

ابن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية . وخنيس بن حذافة بن قيس بن

عدى بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى . وعامر بن

ربيعة العنزى باسكان النون وهو فيما ذكر ابن الكلبى عامر بن ربيعة الاصغر

ابن حجير بن سلامان بن مالك بن ربيعة الاكبر بن رفيدة بن عبدالله وهو

عنز بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة

ابن نزار حكاه الرشاطى . قال وذكر أبوعمر في نسبه اختلافا كثيرا لا يتحصل

منه شئ وهو حليف آل الخطاب . و عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن

صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وأخوه أبوأحمد

حليفا بنى أمية . وجعفر بن أبى طالب . وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن

كعب بن مالك بن قحافة من خثعم كذا هو عند ابن إسحق وعند أبى عمر

أسماء بنت عميس بن معد بن الحرث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن

عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن

شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو جماعة خثعم بن انمار على اختلاف في

انمار . وقيل أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة

ابن عامر بن زيد بن نسر بن وهب الله . وحاطب بن الحرث بن معمر بن حبيب

ابن وهب بن حذافة بن جمح . وامرأته فاطمة بنت المجلل بن عبدالله بن أبى قيس

ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى وأخوه خطاب وامرأته

فكيهة بنت يسار . ومعمر بن الحرث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة

ابن جمح . والسائب بن عثمان بن مظعون . والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن

عبد بن الحرث بن زهرة . وامرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد

ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى . والنحام نعيم بن عبدالله بن

ـ129ـ

أسد بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدى بن كعب . وعامر بن

فهيرة مولى أبى بكر . وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس . وامرأته

أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن

مليح بن عمرو بن خزاعة . وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر

ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى . وأبوحذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة بن

عبد شمس بن عبد مناف . وواقد بن عبدالله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة

ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف بنى عدى . وخالد

وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بنى سعد

ابن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بنى عدى . وعمار بن ياسر بن

عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوديم بن ثعلبة بن عوف بن

حارثة بن عامر الاكبر بن يام بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد ومالك جماع

مذحج حليف بنى مخزوم وصهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل

ابن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أوس مناة بن أسلم

ابن النمر بن قاسط كذا هو عند ابن الكلبى . وعند أبى عمر سنان بن خالد بن

عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد

قال إلى هنا نسب ابن إسحق ونسبه الواقدى وخليفة وابن الكلبى وغيرهم فقالوا

صهيب بن سنان بن خالد بن عبد عمرو بن طفيل بن كعب بن سعد ومنهم من

يقول ابن سفيان بن جندلة بن مسلم بن أوس بن زيد مناة من النمر بن قاسط

يقال له الرومى وكان مولى لعبد الله بن جدعان . وذكر أبوعمر في السابقين أبا ذر

جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن خمرة بن

بكر بن عبد مناة بن كنانة . وأبا نجيح السلمى عمرو بن عبسة بن منقد بن خالد

ابن حذيفة بن عمر بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بهثة بن سليم ومازن

ـ130ـ

ابن مالك أمة بجلة بنت هناءة بن مالك بن فهم واليها ينسب البجلى بسكون الجيم

ذكره كذلك الرشاطى وحكى عن أبى عمر في نسبه غير ذلك وصحح ما ذكرناه .

وحكى عن أبى عمر في نسبه غاضرة بن عتاب وزعم أنه خطأ وأن الصواب في ذلك النسب

ناضرة بن خفاف قال ابوعمر ولكنهما يعنى أبا ذر وأبا نجيح رجعا إلى بلاد قومهما

وذكر فيهم عتبة بن مسعود أخا عبدالله بن مسعود . وكان سبب اسلام عبدالله بن

مسعود رضى الله عنه ما رويناه من طريق أبى على بن الصواف بالسند المتقدم حدثنا

عبدالله بن احمد بن حنبل ورويناه من طريق الطبرانى في معجمه الصغير ثنا عمرو

ابن عبدالرحمن السلمى قالا ثنا ابراهيم بن الحجاج الشامى واللفظ للاول قال ثنا

سلام أبوالمنذر ثنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود

قال كنت في غنم لآل عقبة بن أبى معيط فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبوبكر

ابن أبى قحافة فقال النبى صلى الله عليه وسلم هل عندك لبن قلت نعم ولكنى مؤتمن قال فهل

عندك من شاة لم ينز عليها الفحل قلت نعم فأتيته بشاة شصوص قال سلام وهى

التى ليس لها ضرع فمسح النبى صلى الله عليه وسلم مكان الضرع ومالها ضرع فاذا ضرع حافل

مملوء لبنا قال فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم بصخرة منقعرة فاحتلب النبى صلى الله عليه وسلم فسقى أبا بكر

وسقانى ثم شرب ثم قال للضرع اقلص فرجع كما كان قال فلما رأيت هذا من

رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله علمنى فمسح رأسى وقال بارك الله فيك فانك

غلام معلم قال فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فبينا نحن عنده على حراء إذ نزلت عليه سورة

المرسلات فأخذتها وإنها لرطبة بفيه أو إن فاه لرطب بها فلا أدرى بأى الآيتين

ختم ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) أو ( فبأى حديث بعده يؤمنون ) وأخذت

من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وأخذت بقية القرآن من

أصحابه فبينا نحن نيام على حراء أو على الجبل فما نبهنا إلا صوت النبى صلى الله

عليه وسلم منعها منكم الذى منعكم منها قال قلت يا رسول الله وما ذاك قال

حية خرجت من ناحية الجبل .

ـ131ـ

( ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الاسلام )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 131 سطر 1 الى ص 140 سطر 24

( ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الاسلام )

قال ابن اسحق ثم دخل الناس في الاسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى

فشا ذكر الاسلام بمكة وتحدث به ثم إن الله عزوجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن

يصدع بما جاءه منه وأن ينادى في الناس بأمره ويدعو إليه وكان مدة ما أخفى

رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستسر به إلى أن أمره الله باظهاره ثلاث سنين فيما بلغنى

من بعثه ثم قال الله له ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) ثم قال ( وأنذر

عشيرتك الاقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إنى أنا النذير

المبين ) فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالاسلام وصدع به كما أمره

الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها فلما فعل ذلك أعظموه

وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته صلى الله عليه وسلم إلا من عصم الله منهم بالاسلام وهم قليل

مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبوطالب ومنعه وقام

دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهرا له لا يرده عنه شئ فلما رأت

قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شئ أنكروه عليه من

فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه

لهم مشى رجال من أشرافهم إلى أبى طالب فقالوا يا أبا طالب ان أبن أخيك قد

سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا وإما أن

تخلى بيننا وبينه فانك على مثل ما نحن عليه من خلافه فقال لهم أبوطالب قولا

رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو

ـ132ـ

عليه يظهر دين الله ويدعو اليه ثم شرى ( 1 ) الامر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال

وتضاغنوا واكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا عليه ( 2 ) وحض

بعضهم بعضا عليه ثم انهم مشوا إلى أبى طالب مرة أخرى فقالوا يا أبا طالب إن

لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد إ ستنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا

والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه

عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يملك أحد الفريقين أو كما قال ثم انصرفوا عنه

فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا باسلام رسول الله صلى الله

عليه وسلم ولا خذلانه . وذكر أن أبا طالب لما قالت له قريش هذه المقالة بعث

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخى إن قومك قد جاءونى فقالوا

لى كذا وكذا للذى قالوا له فابق على وعلى نفسك ولا تحملنى من الامر ما لا أطيق

فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء وأنه خاذله ومسلمه

وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه فقال له يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى

والقمر في يسارى على أن أترك هذا الامر حتى يظهره الله وأهلك فيه ما تركته ثم

استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبوطالب فقال أقبل يا ابن

أخى فأقبل عليه فقال إذهب يا ابن أخى فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ

أبدا ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله

عليه وسلم وإسلامه ( 3 ) وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا اليه بعمارة بن

الوليد بن المغيرة فقالوا له يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش

وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا وأسلم الينا ابن أخيك هذا الذى

خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فانما هو رجل

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : عظم وتفاقم . ( 2 ) اى حث بعضهم بعضا عليه

( 3 ) من هنا إلى قوله " وعداوتهم " زيادة من النسخة الظاهرية . ( * )

ـ133ـ

كرجل قال والله لبئس ما تسوموننى أتعطونى ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابنى

تقتلونه هذا والله مالا يكون أبدا فقال المطعم بن عدى والله يا أبا طالب لقد أنصفك

قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال

له أبوطالب والله ما أنصفونى ولكنك قد أجمعت خذلانى ومظاهرة القوم على

فاصنع ما بدا لك فحقب الامر وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا قال ثم إن قريشا

تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الذين أسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم

عن دينهم ومنع الله تعالى منهم رسوله بعمه أبى طالب وقد قام أبوطالب حين

رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بنى هاشم وبنى المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه

من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا اليه وأقاموا معه

وأجابوه إلى ما دعاهم اليه إلا ما كان من أبى لهب : روينا عن أبى بكر الشافعى

ثنا إسحق بن الحسن بن ميمون الحربى ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة

ابن أبى الحسام ثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد أو عياد الدؤلى يقول

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر

إلى المدينة يقول يأيها الناس إن الله يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا قال

ووراءه رجل يقول يأيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من

هذا الرجل فقيل أبولهب . قال ابن إسحق ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع اليه

نفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش إنه قد

حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا

فأجمعوا فيه رأيا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا فأنت يا أبا عبد شمس فقل

وأقم لنا رأيا نقول فيه قال بل أنتم فقولوا أسمع قالوا نقول كاهن قال والله ما هو

بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا فنقول مجنون

ـ134ـ

قال والله ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته

قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهجزه وقريضه

ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر قد رأينا

السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده قالوا فما تقول يا ابا عبد شمس قال والله ان

لقوله لحلاوة وان اصله لعذق وان فرعه لجناة وما انتم بقائلين من هذا شيئا الا

اعرف انه باطل وان اقرب القول فيه لان تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق

به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا

عنه بذلك فجعلوا يجلسون لسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا

حذروه إياه وذكروا له أمره وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى

الله عليه وسلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها . قوله لعذق بفتح العين المهملة

وسكون الذال إستعارة من النخلة التى ثبت أصلها وهو العذق . ورواية ابن هشام

لغدق بغين معجمة وكسر الدال المهملة من الغدق وهو الماء الكثير . قال السهيلى

ورواية ابن إسحق أفصح لانها إستعارة تامة يشبه آخر الكلام لاوله .

* * *

ـ135ـ

( ذكر ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم )

من أذى قومه وصبره وما من الله به من حمايته له

أخبرنا الامام أبو عبدالله محمد بن ابراهيم المقدسى وأبومحمد بن عبدالعزيز بن

عبد المنعم الحرانى قراءة عليهما وأنا حاضر فالاول قال أنا أبواليمن الكندى والثانى

قال أنا أبوعلى بن أبى القاسم البغدادى قالا أنا محمد بن عبدالباقي قال أنا ابن

حسنون قال أنا أبوالقاسم السراج هو موسى بن عيسى بن عبدالله ثنا محمد بن

محمد بن سليمان ثنا ابوطاهر احمد بن عمر بن السرح ثنا عبدالله بن وهب قال

أخبرنى الليث بن سعد عن إسحق بن عبدالله عن أبان بن صالح عن على بن عبد

الله بن عباس عن أبيه عن العباس بن ع بدالمطلب قال كنت يوما في المسجد

فأقبل أبوجهل فقال إن لله على إن رأيت محمدا أن أطأ على عنقه فخرجت إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فاخبرته بقول أبى جهل فخرج

غضبان حتى دخل المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم من الحائط فقلت

هذا يوم شر نبشته فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ( اقرأ باسم ربك

الذى خلق ) حتى بلغ شأن أبى جهل ( كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى )

قال فقال إنسان لابى جهل يا أبا الحكم هذا محمد فقال أبوجهل ألا ترون ما أرى

والله لقد سد أفق السماء على فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة

سجد . قرأت على الامام الزاهد أبى اسحق ابراهيم بن على بن أحمد بسفح

قاسيون أخبركم أب والبركات داود بن أحمد بن محمد البغدادى قراءة عليه وانت

تسمع فأقر به قال أنا أبوالفضل محمد بن عمر بن يوسف قال أنا أ بوالغنائم عبد

ـ136ـ

الصمد بن على بن محمد بن المأمون قال أنا الشيخ أبوالحسن على بن عمر بن أحمد

الدارقطنى ثنا أبو عبدالله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز ومحمد بن هارون الحضرمى

قالا ثنا محمد بن منصور الطوسى ثنا أبوأحمد الزبيرى ثنا عبدالسلام هو ابن حرب

عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزل ( تبت يدا

أبى لهب ) جاءت إمرأة أبى لهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أبوبكر رضى

الله عنه فلما رآها قال يا رسول الله إنها إمرأة بذية فلو قمت لا تؤذيك قال إنها لن

ترانى فجاءت فقالت يا أبا بكر صاحبك هجانى قال لا وما يقول الشعر قالت أنت

عندى تصدق وانصرفت قلت يا رسول الله لم ترك قال لا لم يزل ملك يسترنى منها

بجناحه . قرأت على أبى عبدالله محمد بن عثمان بن سلامة بدمشق أخبركم أبوالقاسم

الحسن بن على بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الاسدى قراءة عليه وأنت

تسمع فأقر به قال أنا جدى قال أنا القاسم بن أبى العلاء قال أنا أبومحمد بن أبى

نصر قال أنا خيثمة ثنا هلال يعنى ابن العلاء الرقى ثنا سعيد بن عبدالملك ثنا محمد

ابن سلمة عن أبى عبدالرحيم عن زيد هو ابن أبى أنيسة عن أبى إسحق عن عمرو

ابن ميمون الاودى ثنا عبدالله بن مسعود قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه

وسلم في المسجد الحرام ورفقة من المشركين من قريش ونبى الله صلى الله عليه وسلم يصلى وقد

نحر قبل ذلك جزور وقد بقى فرثه ( 1 ) وقذره فقال أبوجهل ألا رجل يقوم إلى هذا

القذر يلقيه على محمد ونبى الله صلى الله عليه وسلم ساجد إذ انبعث أشقاها فقام فألقاها عليه

قال عبد الله فهبنا أن نلقيه عنه حتى جاءت فاطمة رضى الله عنها فألقته عنه فقام

فسمعته يقول وهو قائم يصلى اللهم اشدد وطأتك على مضر سنين كسنى يوسف

عليك بأبى الحكم بن هشام - وهو أبوجهل - وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد

ابن عتبة وعقبة بن أبى معيط وأمية بن خلف ورجل آخر ثم قال : رأيتهم من العام

* ( هامش ) * ( 1 ) أى ما في كرشه ( * )

ـ137ـ

المقبل صرعى بالطوى طوى بدر صرعى بالقليب ( 1 ) . وأخبرنا ابن الواسطى فيما قرأت

عليه قال أنا ابن ملاعب قال أنا الارموى قال أنا ابن المأمون ثنا الدارقطنى ثنا

أبوبكر محمد بن احمد بن صالح الازدى ثنا الزبير بن بكار قال حدثنى أبويحيى

هارون بن بكر بن عبد الله الزهرى عن عبدالله بن سلمة عن عبدالله بن عروة بن

الزبير عن أبيه عن جده عن عروة ( 2 ) بن الزبير قال حدثنى عمرو بن عثمان بن عفان

عن أبيه عثمان بن عفان قال أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم انى رأيت

يوما قال عمرو فرأيت عينى عثمان بن عفان زرفتا من تذكر ذلك قال عثمان بن عفان

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبى بكر وفى الحجر ثلاثة نفر جلوس

عقبة بن أبى معيط وأبوجهل بن هشام وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله

عليه وسلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره فعرف ذلك في وجه النبى صلى الله

عليه وسلم فدنوت منه حتى وسطته فكان بينى وبين أبى بكر وأدخل اصابعه في

اصابعى حتى طفنا جميعا فلما حاذاهم قالابو جهل والله لا نصالحك ما بل بحر صوفة

وأنت تنهى أن نعبد ما يعبد آباؤنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى ذلك

ثم مضى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك حتى اذا كان في الشوط الرابع

ناهضوه ووثب أبوجهل يريد ان يأخذ بمجامع ثوبه فدفعت في صدره فوقع على

استه ودفع أبوبكر أمية بن خلف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن

أبى معيط ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف ثم قال أما والله

لا تنتهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا قال عثمان فوالله ما منهم رجل إلا أخذه أفكل ( 3 )

وهو يرتعد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بئس القوم أنتم لنبيكم ثم

انصرف إلى بيته وتبعناه خلفه حتى انتهى إلى باب بيته ووقف على السدة ثم أقبل

* ( هامش ) * ( 1 ) أى البئر ( 2 ) هذا خطأ صريح ، والصواب " عن جده عروة "

( 3 ) بسكون الفاء وفتح الكاف اى الرعدة . ( * )

ـ138ـ

علينا بوجهه فقال أبشروا فان الله عزوجل مظهر دينه ومتم كلمته وناصر نبيه ان

هؤلاء الدين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا ثم انصرفنا إلى بيوتنا فوالله لقد

رأيتم قد ذبحهم الله بأيدينا . ومن ذلك خبر إسلام حمزة بن عبد المطلبب رضى الله

عنه : روينا عن ابن إسحق قال حدثنى رجل من أسلم وكان واعية ان أبا جهل مر

برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره

من العيب لدينه والتضعيف لامره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة

لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى نادى

قريش فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن ع بدالمطلب أن أقبل متوشحا سيفه راجعا

من قنص ( 1 ) له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان اذا رجع من قنصه لم يصل

إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادى قريش إلا وقف .

وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة فلما مر بالمولاة وقد رجع

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك

محمد آنفا من أبى الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره

ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله بن من كرامته

فخرج يسعى ولم يقف على أحد معدا لابى جهل إذا لقيه أن يقع به فلما دخل المسجد

نظر اليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها

فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول فرد على ذلك إن

استطعت فقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبوجهل دعوا

أبا عمارة فانى والله قد سببت ابن أخيك سبا قبيحا . وتم حمزة على إسلامه وعلى

ما تبايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فلما أسلم حمزة علمت قريش

ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا

* ( هامش ) * ( 1 ) اى صيد . ( * )

ـ139ـ

عن بعض ما كانوا ينالون منه . وروينا عن ابن إسحق قال حدثنى يزيد بن أبى

زياد عن محمد بن كعب القرظى قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال

يوما وهو جالس في نادى قريش والنبى صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده

يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بضعها فنعطيه

أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون

ويزيدون فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم اليه فكلمه فقام اليه عتبة حتى جلس إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخى إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة

والمكان في النسب وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت

به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع منى

أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها قال فقال له رسول الله صلى

الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أسمع قال يا ابن أخى إن كنت إنما تريد بما جئت

به من هذا الامر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وان كنت

تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا

ملكناك علينا وان كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك

طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فانه ربما غلب التابع على الرجل

حتى يداوى منه أو كما قال له حتى اذا فرغ منه عتبة ورسول الله الله صلى الله عليه

وسلم يسمع منه قال أقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع منى قال افعل قال

( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا

عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ) ثم مضى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرأها عليه فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف

ظهره معتمدا عليها يسمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد

ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال

ـ140ـ

بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبوالوليد بغير الوجه الذى ذهب به فلما جلس

اليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائى أنى سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط

والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها بى

خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذى سمعت منه

نبأ فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب فملكه ملككم

وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا

رأيى فيه فاصنعوا ما بدالكم . وروينا عن الطبرانى ثنا القاسم بن عياش بن حماد

أبومحمد الجهنى الحذاء الموصلى ثنا محمد بن موسى الحرشى ثنا أبوخلف عبدالله بن

عيسى الخراز ثنا داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا دعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من

النساء فقالوا هذا لك عندنا يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء فان لم

تفعل فانا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح قال ما هى قالوا تعبد آلهتنا

سنة اللات والعزى ( 1 ) ونعبد إلهك سنة قال حتى أنظر ما يأتينى من ربى فجاء الوحى

من عند الله عزوجل من اللوح المحفوظ ( قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون )

السورة وأنزل الله عزوجل ( قل افغير الله تأمرونى أعبد أيها الجاهلون بل الله

فاعبد وكن من الشاكرين ) . وروينا من طريق الترمذى ثنا عبد بن حميد قال

أنا عبدالرزاق عن معمر عن عبدالكريم الجزرى عن ابن عباس ( سندع الزبانية )

قال قال أبوجهل لئن رأيت محمدا يصلى لاطمأن على عنقه فقال رسول الله صلى

الله عليه وسلم لو فعل لاخذته الملائكة عيانا . قال ثنا ابوسعد الاشج ثنا ابو

خالد عن داود بن ابى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى

فجاء ابوجهل فقال ألم انهك عن هذا ألم انهك عن هذا فانصرف النبى صلى الله عليه وسلم فزبره

فقال أبوجهل إنك لتعلم ما بها ناد أكثر منى فانزل الله تعالى ( فليدع ناديه

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل : " بلغ " . ( * )

ـ141ـ

سندع الزبانية ) قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله . وروينا عن

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 141 سطر 1 الى ص 149 سطر 19

سندع الزبانية ) قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله . وروينا عن

ابن عباس من طريق محمد بن إسحق اجتماع قريش وعرضهم على النبى صلى الله عليه وسلم

ما عرضوا عليه من الاموال وغير ذلك وقوله عليه السلام ما جئت بما جئتكم به أطلب

أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثنى اليكم رسولا وأنزل على

كتابا وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم

فان تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وان تردوه على أصبر لامر

الله حتى يحكم الله بينى وبينكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقالوا له فسل ربك

أن يسير عنا هذه الجبال التى قد ضيقت علينا وليبسط علينا بلادنا وليخرق فيها

أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث

لنا منهم قصى بن كلاب فانه كان شيخ صدق فنسألهم عن ما تقول أحق هو أم باطل .

وفيه وقالوا له سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك

واسئله فليجعل لنا جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغى

فانك تقوم بالاسواق وتلتمس المعاش وذكر قولهم فأسقط السماء علينا كسفا كما

زعمت أن ربك إن شاء يفعل وقال قائلهم نحن نعبد الملائكة وهى بنات الله

وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتى بالله والملائكة قبيلا وقال انه قد بلغنا أنك

إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لن نؤمن بالرحمن أبدا فلما

قالوا له ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ومعه عبدالله بن أبى أمية المخزومى

وهو ابن عمته عاتكة بنت ع بدالمطلب فقال والله لا نؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى

السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتى معك بملك معه أربعة من

الملائكة يشهدون لك كما تقول وايم الله إن لو فعلت ذلك ما ظننت أنى أصدقك .

وقال أبوجهل يا معشر قريش إنى أعاهد الله لاجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله

أو كما قال فاذا سجد في صلاته فضخت ( 1 ) به رأسه فأسلمونى عند ذلك أو امنعونى

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : شدخت ( * )

ـ142ـ

فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدالهم قالوا والله لا نسلمك لشئ أبدا فامض

لما تريد فلما أصبح أبوجهل أخذ حجرا كماوصف ثم جلس لرسول الله صلى الله

عليه وسلم ينتظره وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو فلما

سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبوجهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى

إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف

الحجر من يده وقامت اليه رجال قريش فقالوا ما لك يا أبا الحكم قال قمت اليه لافعل

ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الابل لا والله ما رأيت

مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه بفحل قط فهم بى أن يأكلنى . قال ابن إسحق

فذكر لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جبريل لو دنا لاخذه ( 1 ) . وذكر

في الخبر بعث قريش النضر بن الحارث بن كلدة وبعثوا معه عقبة بن أبى معيط

إلى أحبار يهود وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فانهم أهل

الكتاب الاول وعندهم علم ليس عندنا من علم الانبياء فخرجا حتى قدما المدينة

وسألا أحبار يهود فقالت لهما سلوه عن ثلاث فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل وإن

لم يفعل فالرجل متقول سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول ما كان من أمرهم فانه

قد كان لهم حديث عجيب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الارض ومغاربها

ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو وإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فانه نبى وان لم

يفعل فهو رجل متقول فأقبل النضر وعقبة فقالا قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين

محمد فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون فقال عليه السلام أخبركم

غدا ولم يستثن فانصرفوا ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس

عشرة ليلة لا يحدث الله اليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة

وقالوا وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشئ مما

 

سألناه عنه حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه وشق عليه ما يتكلم به

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ143ـ

أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف ، قال ابن إسحق فذكر

لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد إحتبست عنى يا جبريل فقال ( وما

نتنزل إلا بأمر ربك ) الآية وافتتح السورة بحمده وبذكر نبوة رسوله عليه السلام

وفيها ذكر الفتية الذين ذهبوا وهم أصحاب الكهف وذكر الرجل الطواف وهو

ذو القرنين وقال فيما سألوه عنه من الروح ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر

ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الحديث بطوله وأنا اختصرته . قال وحدثت عن

ابن عباس أنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالت أحبار

يهود يا محمد أرأيت قولك ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) إيانا تريد أم قومك قال

كلا قالوا فانك تتلو فيما جاءنا إنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شئ فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه

قال فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه من ذلك ( ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام

والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) أى إن

التوراة في هذا من علم الله قليل قال وأنزل الله فيما سأله قومه لانفسهم من تسيير

الجبال وتقطيع الارض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى ( ولو أن قرآنا سيرت

به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا ) أى لا اصنع

من ذلك الامر إلا ما شئت وأنزل الله عليه فيما سألوه أن يأخذ لنفسه ( وقالوا ما لهذا

الرسول يأكل الطعام ويمشى في الاسواق لولا انزل اليك ملك فيكون معه نذيرا

أو يلقى اليه كنز ) إلى ( وكان ربك بصيرا ) وأنزل الله فيما قال عبدالله بن ابى أمية

( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تكون لك جنة من نخيل

وعنب ) إلى قوله ( قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا ) وأنزل عليه في

قولهم إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن ( كذلك ارسلناك في أمة قد خلت

من قبلها أمم لتتلو عليهم الذى اوحينا اليك وهم يكفرون بالرحمن ) وأنزل

ـ144ـ

عليه فيما قال ابوجهل وما هم به ( أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى ) حتى آخر السورة

وأنزل عليه فيما عرضوا من أموالهم ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى

إلا على الله وهو على كل شئ شهيد ) فلماجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

بما عرفوا من الحق حال الحسد بينهم وبين أتباعه فقال قائلهم لا تسمعوا لهذا

القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون أى جعلوه لغوا وباطلا واتخذوه هزوا لعلكم

تغلبونه بذلك فانكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه غلبكم . فقال أبوجهل يوما وهو

يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد

انما جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر وأنتم الناس

كثرة وعددا أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم فأنزل الله عزوجل في

ذلك من قوله ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة

للذين كفروا ) إلى آخر القصة فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول

الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن وهو يصلى يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له

فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض

ما يتلو من القرآن وهو يصلى استرق السمع دونهم فرقا منهم فان رأى أنهم قد

عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع وإن خفض رسول الله صلى

الله عليه وسلم صوته فظن الذى يسمع أنهم لا يسمعون شيئا من قراءته وسمع هو

شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه . وروى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن

عباس إنما نزلت هذه الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) يعنى في ذلك قال

أبوعمر وكان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به

من بنى هاشم عمه أبا لهب وابن عمه أبا سفيان بن الحرث ومن بنى عبد شمس

عتبة وشيبة ابنى ربيعة وعقبة بن أبى معيط وأبا سفيان بن حرب وابنه حنظلة

والحكم بن أبى العاص بن أمية ومعاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية ومن بنى

ـ145ـ

عبد الدار النضر بن الحرث ومن بنى عبد شمس أسد بن عبدالعزى الاسود بن

ع بدالمطلب بن أسد بن عبدالعزى وابنه زمعة وأبا البخترى العاص بن هشام

ومن بنى زهرة الاسود بن عبد يغوث ومن بنى مخزوم أبا جهل بن هشام وأخاه

العاص بن هشام وعمهما الوليد بن المغيرة وابنه أبا قيس بن الوليد بن المغيرة

وابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة وزهير بن أبى أمية بن المغيرة أخو

أم سلمة وأخاه عبدالله بن أبى أمية والاسود بن عبدالاسد أخا أبى سلمة

وصيفى بن السائب ومن بنى سهم العاص بن وائل وابنه عمرا وابن عمه الحارث بن

قيس بن عدى ونبيها ومنبها ابنى الحجاج ومن بنى جمح أمية وأبيا ابنى خلف بن

وهب بن حذافة بن جمح وأنيس بن معير أخا أبى محذورة والحرث بن الطلاطلة

الخزاعى وعدى بن الحمراء الثقفى فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالاذى

ومعهم سائر قريش فمنهم من يعذبون ممن لا منعة له ولا جوار من قومه ومنهم من

يؤذون . ولقى المسلمون من كفار قريش وحلفائهم من الاذى والعذاب والبلاء عظيما

ورزقهم الله من الصبر على ذلك عظيما ليدخر لهم ذلك في الآخرة ويرفع به درجاتهم

في الجنة . والاسلام في كل ذلك يفشوا في ذلك ويظهر في الرجال والنساء . وأسلم

الوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام أخو أبى جهل وأبوحذيفة بن عتبة بن

ربيعة وجماعة أراد الله هداهم . وأسرف بنو جمح على بلال بالاذى والعذاب

فاشتراه أبوبكر الصديق منهم واشترى أمه حمامة فأعتقهما وأعتق عامر بن فهيرة .

وروى أن أبا قحافة قال لابنه أبى بكر يا بنى أراك تعتق قوما ضعفاء فلو أعتقت قوما

جلداء يمنعوك فقال يا أبت إنى أريد ما أريد فقيل فيه نزلت ( وسيجنبها الاتقى

الذى يؤتى ماله يتزكى وما لاحد ) إلى آخر السورة .

وذكر الزهرى أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والاخنس بن شريق

خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى من الليل في

ـ146ـ

بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون

له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا

فلو رآكم بعض سفهائكم لاوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى اذا كانت الليلة

الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى اذا طلع الفجر تفرقوا

فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا

كانت الليلة الثالثة أخد كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع

الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود

فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الاخنس بن شريق أخذ عصاه ثم ذهب

حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد

فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء

ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الاخنس وأنا والذى حلفت به ثم خرج من عنده

حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد

قال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا

وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجازينا على الراكب وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى

يأتيه الوحى من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه فقام

عنه الاخنس وتركه .

وذكر ابن إسحق حديث الاراشى الذى ابتاع منه أبوجهل الابل ومطله بأثمانها

ودلالة قريش إياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينصفه من أبى جهل استهزاء

لما يعلمون من العداوة بينهما قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه

بابه فقال من هذا فقال محمد فخرج اليه وما في وجهه من رائحة قد انتفع لونه فقال

اعط هذا حقه قال نعم لا تبرح حتى أعطيه الذى له فدفعه اليه فذكر لهم الاراشى

ـ147ـ

ذلك فقالوا لابى جهل ويلك ما رأينا مثل ما صنعت قال ويحكم والله ما هو إلا ان

ضرب على بابى وسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت اليه وان فوق رأسه لفحلا

من الابل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا انيابه لفحل قط والله لو أبيت لاكلنى .

وذكر الواقدى عن يزيد بن رومان قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد

معه رجال من اصحابه اقبل رجل من بنى زبيد يقول يا معشر قريش كيف تدخل

عليكم المادة او يجلب اليكم جلب او يحل تاجر بساحتكم وأنتم تظلمون من دخل

عليكم في حرمكم يقف على الحلق حلقة حلقة حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله

عليه وسلم في صحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ظلمك فذكر أنه قدم

بثلاثة أجيال كانت خيرة ابله فسامه بها أبوجهل ثلث أثمانها ثم لم يسمه بها لاجله

سائم قال فأكسد على سلعتى وظلمنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين أجمالك قال هى

هذه بالحزورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام أصحابه فنظر إلى الجمل فرأى جمالا

فرها فساوم الزبيدى حتى ألحقه برضاه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع جملين منها

بالثمن وأفضل بعيرا باعه وأعطى أرامل بنى ع بدالمطلب ثمنه ، وأبوجهل جالس

في ناحية من السوق لا يتكلم ثم أقبل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو إياك أن

تعود لمثل ما صنعت بهذا الاعرابى فترى منى ما تكره فجعل يقول لا أعود يا محمد لا أعود

يا محمد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليه أمية بن خلف ومن حضر من القوم فقالوا

ذللت في يدى محمد فاما ان تكون تريد أن تتبعه وإما رعب دخلك منه قال لا أتبعه أبدا

إن الذى رأيتم منى لما رأيت معه لقد رأيت رجالا عن يمينه وشماله معهم رماح

يشرعونها إلى لو خالفته لكانت إياها أى لاتوا على نفسى . قال ابوعمر وكان

ا لمستهزئون الذين قال الله فيهم ( إنا كفيناك ا لمستهزئين ) عمه أبا لهب وعقبة بن

أبى معيط والحكم بن أبى العاصى والاسود بن المطلب بن أسد أبا زمعة والاسود

ابن عبد يغوث والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والحارث بن الغيطلة السهمى

ـ148ـ

فكان جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بهما من ا لمستهزئين الوليد بن المغيرة

والاسود بن المطلب والاسود بن عبد يغوث والحارث بن الغيطلة والعاص بن وائل

واحدا بعد واحد فشكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فقال كفيتكهم فهلكوا

بضروب من البلاء والعمى قبل الهجرة ، وفيما لقى بلال وعمار والمقداد وخباب وسعد

ابن أبى وقاص وغيرهم ممن لم تكن له منعة من قومه من البلاء والاذى ما يطول

ذكره : قرأت على أبى النور إسمعيل بن نور بن قمر الهيتى بالصالحية أخبركم أبو

نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلى قراءة عليه قال أنا أبوالقاسم سعيد بن

احمد بن البناء قال أنا أبونصر الزينبى قال انا ابوبكر محمد بن عمر بن

على بن خلف قال انا ابوبكر بن أبى داود ثنا أبوموسى عيسى بن حماد زغبة عن

الليث بن سعد عن هشام عن أبيه أنه قال مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب

يلصق ظهره برمضاء البطحاء في الحر وهو يقول أحد أحد فقال يا بلال صبرا يا بلال

لم تعذبونه فوالذى نفسى بيده إن قلتموه لاتخذنه حنانا يقول لاتمسحن به .

ـ149ـ

( ذكر انشقاق القمر )

قال الله تعالى ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . وروينا من طريق البخارى

ثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الاعمش عن ابراهيم عن أبى معمر عن

ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل

وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا . وذكر القاضى عياض

رحمه الله قال ورواه عنه مسروق انه كان بمكة ، وزاد فقال كفار قريش سحركم

ابن ابى كبشة فقال رجل منهم إن محمدا إن كان سحر القمر فانه لا يبلغ من سحره

ان يسحر الارض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فسألوا فأخبروهم

انهم رأوا مثل ذلك . وحكى السمرقندى عن الضحاك نحوه وقال فقال ابوجهل

هذا سحر فابعثوا إلى اهل الآفاق حتى ينظروا ارأوا ذلك ام لا فأخبر أهل الآفاق

انهم رأوه منشقا فقالوا يعنى الكفار هذا سحر مستمر . وروينا من طريق الترمذى

ثنا عبد بن حميد قال انا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال سأل

أهل مكة النبى صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت ( اقتربت

الساعة وانشق القمر ) إلى قوله ( سحر مستمر ) يقول ذاهب . قال الترمذى ثنا

عبد بن حميد ثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير

ابن مطعم عن ابيه قال انشق القمر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا

الجبل وعلى هذا الجبل فقالوا سحرنا محمد فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع

ان يسحر الناس كلهم . وروى عن ابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلى رضى الله عنهم .

ـ151ـ

( ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 151 سطر 1 الى ص 160 سطر 23

( ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة )

وكانت الهجرة إلى أرض الحبشة مرتين فكان عدد المهاجرين في المرة الاولى

اثنى عشر رجلا واربع نسوة ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قراءة سورة ( والنجم ) وسيأتى ذكر ذلك فلقوا

من المشركين اشد مما عهدوا فهاجروا ثانية وكانوا ثلاثة وثمانين رجلا ان كان فيهم

عمار ففيه خلاف بين اهل النقل وثمانى عشرة امرأة احدى عشرة قرشيات وسبعا

غرباء وبعثت قريشا في شأنهم إلى النجاشى مرتين الاولى عند هجرتهم والثانية

عقيب وقعة بدر وكان عمرو بن العاص رسولا في المرتين ومعه في احداهما عمارة بن

الوليد وفى الاخرى عبدالله بن ابى ربيعة ا لمخزوميان . وروى عبدالرزاق عن

معمر عن الزهرى قال فلما كثر المسلمون وظهر الايمان اقبل كفار قريش على

من آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم قال فبلغنا ان رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال لمن آمن به تفرقوا في الارض فان الله تعالى سيجمعكم

قالوا إلى أين نذهب قال إلى هاهنا واشار بيده إلى ارض الحبشة فهاجر اليها

ناس ذوو عدد منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة

فكان اول من خرج عثمان بن عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه

وسلم . وقد قيل إن اول من هاجر إلى ارض الحبشة حاطب بن عمرو بن عبد شمس

ابن عبد ود أخو سهيل بن عمرو وقيل هو سليط بن عمرو وأبوحذيفة بن عتبة بن ربيعة

هاربا عن ابيه بدينه ومعه امرأته سهلة بنت سهيل مسلمة مراغمة لابيها فارة عنه

ـ152ـ

بدينها فولدت له بأرض الحبشة محمد بن ابى حذيفة ومصعب بن عمير و عبدالرحمن

ابن عوف وأبوسلمة بن عبدالاسد ومعه امرأته أم سلمة بنت أبى أمية وعثمان بن

مظعون وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه امرأته ليلى بنت ابى خيثمة بن

غانم العدوية وابوسبرة بن أبى رهم العامرى وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو

- ولم يذكرها ابن إسحق فهى خامسة لهن - وسهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب

ابن ربيعة الفهرى و عبدالله بن مسعود الهذلى فخرجوا متسللين سرا حتى انتهوا إلى

الشعيبة منهم الراكب ومنهم الماشى فوفق الله لهم سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف

دينار وكان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من النبوة فخرجت قريش في

آثارهم حتى جاءوا البحر من حيث ركبوا فلم يجدوا أحدا منهم ثم خرج جعفر بن

أبى طالب في المرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك بنيه محمدا

و عبدالله وعونا وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان

ابن أمية بن محرث الكنانى وأخوه خالد بن سعيد معه امرأته أمينة بنت خلف

ابن أسيد بن عامر بن بياضة الخزاعية فولدت له هناك ابنه سعيدا وابنته أم خالد

واسمها أمة وعبيد الله بن جحش معه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان فتنصر هناك

ثم توفى على النصرانية وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة كما سيأتى

إن شاء الله تعالى وأخوه عبدالله بن جحش وقيس بن عبدالله حليف لبنى أمية

ابن أمية بن عبد شمس معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبى سفيان بن حرب

ومعيقيب بن أبى فاطمة الدوسى حليف لبنى العاص بن أمية وعتبة بن غزوان بن

جابر المازنى حليف بنى نوفل ويزيد بن زمعة بن الاسود وعمرو بن أمية بن الحرث

ابن أسد والاسود بن نوفل بن خويلد بن أسد وكليب بن عمير بن وهب بن أبى

كثير بن عبد قصى وسويبط بن سعد بن حرملة ويقال حريملة بن مالك

العبدرى وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار

ـ153ـ

العبدرى معه امرأته أم حرملة بنت عبد الاسود بن جزيمة من خزاعة وابناه عمرو

ابن جهم وخزيمة بنت جهم وأبوالروم بن عمير أخو مصعب بن عمير وفراس بن

النضر بن الحارث بن كلدة وعامر بن أبى وقاص أخو سعد والمطلب بن أزهر بن

عبد عوف معه امرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة السهمية ولدت له هناك

عبدالله بن المطلب و عبدالله بن مسعود الهذلى وأخوه عتبة بن مسعود والمقداد

ابن الاسود تبناه الاسود بن عبد يغوث الزهرى وهو حليف له فنسب اليه وهو

المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهرانى والحرث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب

ابن سعد بن تيم بن مرة ومعه امرأته ريطة بنت الحارث التيمية فولدت له هناك

موسى وزينب وعائشة وفاطمة وعمرو بن عثمان بن عمرو التيمى عم طلحة وشماس

ابن عثمان بن الشريد المخزومى واسمه عثمان بن عثمان وهبار بن سفيان بن عبد

الاسد بن هلال المخزومى وأخوه عبدالله بن سفيان وهشام بن أبى حذيفة بن

المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى

ومعتب بن عوف بن عامر الخزاعى وبعض الناس يقول معتب حليف بنى مخزوم

والسائب بن عثمان بن مظعون وعماه قدامة و عبدالله ابنا مظعون وحاطب وحطاب

ابنا الحرث بن معمر الجمحى ومع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامرى وولدت

له هناك محمدا والحرث ابنى حاطب ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار وسفيان

ابن معمر بن حبيب الجمحى ومعه ابناه جابر وجنادة وأمهما حسنة وأخوهما لامهما

شرحبيل بن حسنة وهو شرحبيل بن عبدالله بن المطاع الكندى وقيل إنه من

بنى الغوث بن مر أخى تميم بن مر وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة

ابن جمح وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدى السهمى وسهم بن عمرو بن هصيص

وأخواه عبدالله وقيس ابنا حذافة ورجل من بنى تميم اسمه سعيد بن عمر وكان

أخا بشر بن الحرث بن قيس بن عدى لامه وهشام بن العاص أخو عمرو وعمير

ـ154ـ

ابن رئاب بن حذيفة السهمى وأبوقيس بن الحرث بن قيس بن عدى السهمى

واخوته الحارث ومعمر وسعيد والسائب وبشر وأخ لهم من أمهم من تميم يقال له

سعيد بن عمرو ومحمئة بن جزء الزبيدى حليف بنى سهم ومعمر بن عبدالله بن

نضلة ويقال ابن عبدالله بن نافع بن نضلة العدوى وعروة بن عبدالعزى بن حرثان

العدوى وعن مصعب الزبيرى عروة بن أبى أثاثة بن عبدالعزى أو عمرو بن أثاثة

وعدى بن نضلة بن عبدالعزى العدوى وابنه النعمان ومالك بن ربيعة بن قيس

العامرى وامرأته عمرة بنت أسعد ( 1 ) بن وقدان بن عبد شمس العامرية وسعد بن

خولة من أهل اليمن حليف لبنى عامر بن لؤى و عبدالله بن مخرمة بن عبدالعزى

و عبدالله بن سهيل بن عمرو وعماه سليط والسكران ابنا عمرو العامريون وامرأته

سودة بنت زمعة وأبوعبيدة بن الجراح وعمرو بن أبى سرح بن ربيعة وعياض بن

زهير بن أبى شداد وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبى شداد وسعد بن عبد قيس

ابن لقيط بن عامر الفهريون وعمار بن ياسر وفيه خلاف بين أهل السير . وقال بعض

أهل السير إن أبا موسى الاشعرى كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة وليس كذلك

ولكنه خرج في طائفة من قومه من أرضهم باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم

الريح إلى أرض الحبشة فأقام هناك حتى قدم مع جعفر بن أبى طالب فلما نزل

هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم وأقاموا بخير دار عند خير جار وطلبتهم قريش

عنده فكان ذلك سبب إسلامه . قرأت على الامام الزاهد أبى إسحق إبراهيم بن

على الحنبلى بالصالحية اخبركم أبوالحسن على بن النفيس بن بورنداز ( 2 ) قال أنا أبوالقاسم

محمود بن عبدالكريم قال أنا أبوبكر بن ماجه قال انا ابوجعفر عن أبى جعفر

عن أبى جعفر احمد بن محمد بن المرزبان عن محمد بن ابراهيم بن يحيى بن الحكم

* ( هامش ) * ( 1 ) وعند ابن الجوزى والذهبى " بنت السعدى " .

( 2 ) بضم الباء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون وفتح الدال وآخره زاى . ( * )

ـ155ـ

الحزورى ( 1 ) عن محمد بن سليمان لوين ( 2 ) ثنا حديج ( 3 ) بن معاوية عن أبى إسحق عن

عبدالله بن عتبة عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

النجاشى ثمانين رجلا منهم عبدالله بن مسعود وجعفر و عبدالله بن عرفطة وعثمان

ابن مظعون رضى الله عنهم ، وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد

بهدية فقدما على النجاشى فدخلا عليه وسجدا له وابتداره فقعد واحد عن يمينه

والآخر عن شماله فقالا إن نفرا من بنى عمنا نزلوا أرضك فرغبوا عنا وعن ملتنا

قال وأين هم قالوا بأرضك فأرسل في طلبهم فقال جعفر رضى الله عنه أنا خطيبكم

اليوم فاتبعوه فدخل فسلم فقال ما لك لا تسجد للملك قال إنا لا نسجد إلا لله عز

وجل قالوا ولم ذاك قال إن الله تعالى أرسل فينا رسولا وأمرنا ان لا نسجد إلا لله

عزوجل وأمرنا بالصلاة والزكاة ، قال عمرو بن العاص فانهم يخالفونك في ابن مريم

وأمه قال فما تقولون في ابن مريم وأمه قال كما قال الله عزوجل روح الله وكلمته

ألقاها إلى مريم العذراء البتول التى لم يمسها بشر ولم يفرضها ( 4 ) ولد قال فرفع النجاشى

عودا من الارض فقال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقولون

اشهد أنه رسول الله وانه الذى بشر به عيسى في الانجيل والله لولا ما انا فيه من

الملك لاتيته فأكون أنا الذى أحمل نعليه وأوضئه وقال انزلوا حيث شئتم وأمر

بهدية الآخرين فردت عليهما قال وتعجل عبدالله بن مسعود فشهد بدرا وقال انه

لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موته استغفر له ولعمارة بن الوليد مع عمرو

ابن العاص في هذا الوجه خبر مشهور ذكره أبوالفرج على بن الحسين الاصبهانى

وغيره . وقال عمرو يخاطب عمارة :

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الحاء المهملة وفتح الزاى والواو المشددة . ( 2 ) بضم اللام وفتح الواو

وسكون الياء . ( 3 ) بالتصغير . وفى الاصل بالخاء المعجمة .

( 4 ) بكسر الراء وسكون الضاد أى : لم يؤثر فيها . ( * )

ـ156ـ

إذا المرء لم يترك طعاما يحبه * ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما

قضى وطرا منه وغادر سبة * إذا ذكرت أمثالها تملا الفما

ولم يذكر ابن إسحق مع عمرو إلا عبدالله بن أبى ربيعة في رواية زياد . وفى

رواية ابن بكير لعمارة بن الوليد ذكر فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشى

في أحسن جوار فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع

منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثمانى نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس

بمكة سبعة نفر ، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا فلما كان شهر ربيع الاول

وقيل المحرم سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كتب

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى كتابا يدعوه فيه إلى الاسلام وبعث

به مع عمرو بن أمية الضمرى فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال لو قدرت أن آتيه

لاتيته وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة بنت أبى

سفيان ففعل وأصدق عنه تسعمائة دينار وكان الذى تولى التزويج خالد بن سعيد

ابن العاص بن أمية وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث اليه من

بقى عنده من أصحابه ويحملهم ففعل فجاءوا حتى قدموا المدينة فيجدون رسول الله

صلى الله عليه وسلم في خيبر فشخصوا اليه فوجدوه قد فتح خيبر فكلم رسول الله

صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم ففعلوا . وكان سبب رجوع

الاولين الاثنى عشر رجلا ومن ذكر معهم من النساء فيما روى أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم قرأ يوما على المشركين ( والنجم اذا هوى ) حتى بلغ ( أفرأيتم

اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) ألقى الشيطان كلمتين على لسانه " تلك الغرانيق

العلى وإن شفاعتهن لترجى " فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ثم مضى

فقرأ السورة كلها فسجد وسجد القوم جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته

فسجد عليه وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ويقال إن أبا احيحة سعيد بن

ـ157ـ

العاص أخذ ترابا فسجد عليه ويقال كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول

الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق ولكن

آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذ جعلت لها نصيبا فنحن معك فكبر ذلك على

رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت فلما أمسى أتاه

جبريل فعرض عليه السورة فقال جبريل ما جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم قلت على الله مالم يقل فأوحى الله اليه ( وإن كادوا ليفتنونك

عن الذى أوحينا اليك لتفترى علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ) إلى قوله

( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) قالوا ففشت تلك السجدة في الناس حتى بلغت

أرض الحبشة فقال القوم عشائرنا أحب الينا فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون

مكة بساعة من نهار لقوا ركبانا من كنانة فسألوهم عن قريش فقال الركب ذكر

محمد آلهتهم بخير فتابعه الملا ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر فتركناهم

على ذلك فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة ثم قالوا قد بلغنا مكة ( 1 ) فندخل

فننظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله ثم يرجع فدخلوا مكة ولم يدخل

أحد فيهم إلا بجوار إلا ابن مسعود فانه مكث يسيرا ثم رجع إلى أرض الحبشة .

قال الواقدى وكانوا خرجوا في رجب سنة خمس فأقاموا شعبان وشهر رمضان وكانت

السجدة في شهر رمضان فقدموا في شوال سنة خمس . قال السهيلى ذكر هذا الخبر

يعنى خبر هذه السجدة موسى بن عقبة وابن إسحق من غير طريق البكائى وأهل

الاصول يدفعون هذا الحديث بالحجة ومن صححه قال فيه أقوالا : منها أن الشيطان

قال ذلك وأشاعه والرسول لم ينطق به وهذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل

قال لمحمد ما أتيتك بهذا ، ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قالها من قبل نفسه

* ( هامش ) * ( 1 ) " مكة " ساقطة من الاصل ، والتصحيح من النسخة الظاهرية التى يؤيدها السياق . ( * )

ـ158ـ

وعنى بها الملائكة أن شفاعتهم ترتجى ، ومنها ان النبى صلى الله عليه وسلم قالها حاكيا عن

الكفرة وأنهم يقولون ذلك فقالها متعجبا من كفرهم قال والحديث على ما خيلت

غير مقطوع بصحته . قلت بلغنى عن الحافظ عبدالعظيم المنذرى رحمه الله أنه

كان يرد هذا الحديث من جهة الرواة بالكلية وكان شيخنا الحافظ عبدالمؤمن

الدمياطى يخالفه في ذلك . والذى عندى في هذا الخبر أنه جار مجرى ما يذكر من

أخبار هذا الباب من المغازى والسير . والذى ذهب اليه كثير من أهل العلم الترخص

في الرقائق ومالا حكم فيه من أخبار المغازى وما يجرى مجرى ذلك وأنه يقبل فيها

من لا يقبل في الحلال والحرام لعدم تعلق الاحكام بها ، وأما هذا الخبر فينبغى بهذا

الاعتبار أن يرد إلى ما يتعلق به إلا أن يثبت بسند لا مطعن فيه بوجه ولا سبيل

إلى ذلك فيرجع إلى تأويله .

ـ159ـ

( ذكر اسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه )

قرأت على عبدالرحيم بن يوسف المزى أخبركم أبوحفص بن طبرزد قال أنا

أبوبكر بن عبدالباقي قال أنا أبوعلى الحسن بن غالب الحربى ثنا أبو عبدالله

محمد بن احمد المالكى القاضى ثنا الحسين بن إسحق ثنا أبوعلقمة عبدالله بن

عيسى الفروى ثنا عبد المالك بن الماجشون عن الزنجى بن خالد عن هشام بن عروة

عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز

 

الاسلام بعمر بن الخطاب . وقرأت على أبى الفداء إسمعيل بن عبدالرحمن بن

عمرو الفراء بسفح قاسيون أخبركم أبوالقاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن

صصرى ( 1 ) التغلبى فأقر به قال أنا الشيخان الشريف أبوطالب على بن حيدرة بن جعفر

الحسينى و أبوالقاسم الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الاسدى قالا أنا ابوالقاسم على بن

محمد بن أبى العلاء قال أنا أبومحمد عبدالرحمن بن عثمان بن أبى نصر التميمى قال

أنا أبوخيثمة بن سليمان ثنا محمد بن عوف ثنا سفيان الطائى قال قرأت على إسحق

ابن ابراهيم الحنينى قال ذكره أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال قال لنا

عمر بن الخطاب أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامى قلنا نعم قال كنت

من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحر

بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقينى رجل من بعض قريش فقال لى أين تذهب

يا ابن الخطاب أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الامر في بيتك قال

قلت وما ذاك قال أختك قد صبت قال فرجعت مغضبا وقد كان رسول الله صلى

* ( هامش ) * ( 1 ) بصادين مهملتين الاولى مفتوحة والثانية ساكنة على وزن سكرى . ( * )

ـ160ـ

الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلم عند الرجل به قوة فيكونان معه

ويصيبان من طعامه قال وقد ضم إلى زوج أختى رجلين قال فجئت حتى قرعت

الباب فقيل من هذا قلت ابن الخطاب قال وكان القوم جلوسا يقرءون صحيفة معهم

قال فلما سمعوا صوتى تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم قال

فقامت المرأة ففتحت لى قال فقلت لها يا عدوة نفسها قد بلغنى انك قد صبوت

قال فأرفع شيئا في يدى فأضربها به قال فسال الدم قال فلما رأت المرأة الدم بكت

ثم قالت يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت قال فدخلت وأنا مغضب

قال فجلست على السرير فنظرت فاذا بكتاب في ناحية البيت فقلت ما هذا

الكتاب اعطنيه فقالت لا أعطيكه لست من أهله أنت لا تغتسل من الجنابة ولا

تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون قال فلم أزل بها حتى أعطتنيه فاذا فيه ( بسم الله

الرحمن الرحيم ) فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت الصحيفة من يدى قال ثم

رجعت إلى نفسى فاذا فيها ( سبح لله ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم )

قال فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عزوجل ذعرت ثم ترجع إلى نفسى حتى

بلغت ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) حتى بلغ إلى قوله

( إن كنتم مؤمنين ) قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فخرج

القوم يتبادرون بالتكبير إستبشارا بما سمعوا منى وحمدوا لله عزوجل ثم قالوا يا ابن

الخطاب أبشر فان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال اللهم أعز الاسلام

بأحد الرجلين إما أبوجهل بن هشام وإما عمر بن الخطاب وإنا نرجو أن تكون

دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فأبشر قال فلما أن عرفوا منى الصدق قلت لهم أخبرونى

بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا هو في بيت في أسفل الصفا وصفوه قال

فخرجت حتى قرعت الباب قيل من هذا قلت ابن الخطاب قال وعرفوا شدتى

على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا إسلامى قال فما اجترأ أحد أن يفتح الباب قال

ـ161ـ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فان يرد الله به خيرا يهده قال ففتحوا لى وأخذ

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 161 سطر 1 الى ص 169 سطر 18

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فان يرد الله به خيرا يهده قال ففتحوا لى وأخذ

رجلان بعضدى حتى دنوت من النبى صلى الله عليه وسلم فقال ارسلوه قال فأرسلونى فجلست

بين يديه قال فأخذ بمجمع قميصى فجبذنى اليه ثم قال أسلم يا ابن الخطاب اللهم

اهده قال قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال فكبر المسلمون تكبيرة

سمعت بطرق مكة قال وقد كان الرجل إذا أسلم استخفى ثم خرجت فكنت لا أشاء

أن أرى رجلا إذا أسلم ضرب إلا رأيته قال فلما رأيت ذلك قلت لا أحب أن

لا يصيبنى ما يصيب المسلمين قال فذهبت إلى خالى وكان شريفا فيهم فقرعت

الباب عليه فقال من هذا قلت ابن الخطاب قال فخرج إلى فقلت له أشعرت أنى

قد صبوت قال نعم فقلت نعم قال لا تفعل قال قلت بلى قد فعلت قال لا تفعل

فأجاف الباب دونى وتركنى قال قلت ما هذا بشئ قال فخرجت حتى جئت رجلا

من عظماء قريش فقرعت عليه الباب قال من هذا قلت عمر بن الخطاب قال فخرج

إلى فقلت له هل شعرت أنى قد صبوت فقال أو فعلت قلت نعم قال فلا تفعل

قلت قد فعلت قال لا تفعل ثم قام فدخل فأجاف الباب دونى قال فلما رأيت ذلك

انصرفت فقال لى رجل تحب أن يعلم اسلامك قال قلت نعم قال فاذا جلس

الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلانا لرجل لم يكن يكتم السر فاصغ اليه فقل له

فيما بينك وبينه انى قد صبوت فانه سوف يظهر عليك ذلك ويصيح ويعلنه قال

فلما اجتمع الناس في الحجر جئت إلى الرجل فدنوت منه فأصغيت اليه فيما بينى

وبينه فقلت أعلمت أنى قد صبوت قال فقال أصبوت قلت نعم قال فرفع صوته

بأعلاه قال ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال فما زال الناس يضربونى وضربتهم

قال فقال خالى ما هذا قال فقيل ابن الخطاب قال فقام على في الحجر فاشار بكمه

فقال ألا انى قد أجرت ابن أختى قال فانكشف الناس عنى قال وكنت لا أشاء

أن أرى أحدا من المسلمين يضرب الا رأيته وأنا لا أضرب قال فقلت ما هذا

ـ162ـ

بشئ حتى يصيبنى مثل ما يصيب المسلمين قال فأمهلت حتى اذا جلس الناس

في الحجر وصلت إلى خالى فقلت اسمع فقال ما أسمع قال قلت جوارك عليك رد

قال فقال لا تفعل يا ابن أختى قال قلت بلى هو ذاك فقال ما شئت قال فما زلت

أضرب وأضرب حتى أعز الله الاسلام . وروينا هذا الخبر من طريق ابن إسحق

وفيه قال وكان إسلام عمر فيما بلغنى أن أخته فاطمة وكانت عند سعيد بن زيد كانت

قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد وهم مستخفون باسلامهم من عمر وكان نعيم النحام

رجل من قومه قد أسلم وفيه أن عمر خرج متوشحا سيفه يقصد رسول الله صلى الله

عليه وسلم ومن معه وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء وأن الذى قال له ما قال

نعيم وأن خبابا كان في بيت اخته يقرئهم القرآن وأن الذى كان في الصحيفة سورة

( طه ) وأن الذى أذن في دخوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن ع بدالمطلب

والرجل الذى صرح باسلام عمر عند ما قاله جميل بن معمر الجمحى الذى يقال له

ذو القلبين وفيه نزلت ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) على أحد

الاقوال وفيه يقول الشاعر :

وكيف ثوائى بالمدينة بعد ما * قضى وطرا منها جميل بن معمر

ورويناه من طريق ابن عائذ قال أخبرنى الوليد بن مسلم قال حدثنى عمر بن

محمد قال حدثنى أبى محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر فذكر القصة وفيها فأتيته

بصحيفة فيها ( طه ) فقرأ فيها ما شاء الله قال عمر فلما بلغ ( فلا يصدنك عنها من

لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله

وفيها قالوا يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب يستفتح فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم ائذنوا له فان يرد الله به خيرا يهده وإلا كفيتموه ( 1 ) باذن الله قال محمد يعنى

ابن عائذ وهذا وهم وإنما الذى قال إن يرد الله به خيرا وإلا كفيتموه حمزة وفى

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " كفيتكموه " . ( * )

ـ163ـ

الخبر عن ابن عائذ قال عمر فحدثنى أبى محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر أن أباه

زيد بن عبدالله بن عمر حدثه عن عبيد الله بن عمر قال فبينا هو خائف على نفسه

إذ جاءه العاص بن وائل عليه حلة وقميص مكفف بالحرير فقال مالك يا ابن الخطاب

قال زعم قومك أنهم سيقتلوننى إذا أسلمت قال العاص لا سبيل اليك فما عدا أن

قالها العاص فأمنت عليه قال عبدالله بن عمر فخرج عمر والعاص فاذا الوادى

قد سال بالناس فقال لهم أين تريدون قالوا هذا الذى قد خالف دين قومه قال

لا سبيل اليه فارجعوا فرجعوا . وذكر محمد بن عبدالله بن سنجر الحافظ فيما رأيته

عنه باسناده إلى شريح بن عبيد قال قال عمر بن الخطاب خرجت أتعرض رسول

الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقنى إلى المسجد فقمت خلفه

فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن فقلت هذا والله شاعر

كما قالت قريش فقرأ ( انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون )

قال قلت كاهن علم ما في نفسى فقرأ ( ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) إلى آخر

السورة قال فوقع الاسلام في قلبى كل موقع . وقد ذكر غير هذا في خبر إسلام

عمر رضى الله عنه أيضا فالله أعلم أى ذلك كان . أخبرنا الامام أبو عبدالله محمد

ابن ابراهيم المقدسى وأبوالعز عبد العزيز بن عبد المنعم الحرانى قراءة عليهما

وأنا حاضر في الرابعة قال الاول أنا أبواليمن الكندى قراءة عليه وأنا أسمع وقال

الثانى أنا أبوعلى بن الخريف قراءة عليه وأنا حاضر أسمع في الخامسة قالا أنا ابو

بكر محمد بن عبدالباقي الانصارى قال أنا أبوالحسين محمد بن احمد بن حسنون

قال أنا معافى بن ابراهيم بن زكريا بن طراز قال أنا عبدالله يعنى البغوى ثنا عبيد

الله بن عمر ثنا عبدالله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن

عباس قال لما أسلم عمر رضى الله عنه نزل جبريل عليه السلام على النبى صلى الله عليه وسلم

 

فقال يا محمد لقد إستبشر أهل السماء باسلام عمر رضى الله عنه .

ـ165ـ

( ذكر الخبر عن دخول بنى هاشم وبنى المطلب )

ابنى عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك

قال أبوعمر أنا عبدالله بن محمد ثنا محمد بن بكر ثنا أبوداود ثنا محمد بن سلمة

المرادى قال أنا ابن وهب قال أخبرنى ابن لهيعة عن محمد بن عبدالرحمن أبى

الاسود وأنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف بن عبدالرحمن

ابن قيس ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وانا عبدالله بن محمد ثنا محمد بن بكر

ثنا ابوداود ثنا محمد بن اسحق المسيبى قالا ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة

عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض قال ثم ان كفار قريش اجمعوا

امرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد افسد ابناءنا

ونساءنا فقالوا لقومه خذوا منادية مضاعفة ويقتله رجل من غير قريش وتريحوننا

وتريحون انفسكم فأبى قومه بنو هاشم من ذلك فظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف

فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم واخراجهم من مكة إلى الشعب فلما دخلوا

إلى الشعب امر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين ان

يخرجوا إلى ارض الحبشة وكان متجرا لقريش فكان يثنى على النجاشى بأنه لا يظلم

عنده احد فانطلق اليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل بنو هاشم وبنو المطلب

شعبهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمن دينا والكافر حمية فلما عرفت قريش ان رسول

الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه اجمعوا على ان لا يبايعوهم ولا يدخلوا اليهم

شيئا من الرفق وقطعوا عنهم الاسواق ولم يتركوا طعاما ولا اداما ولا بيعا الا بادروا

اليه واشتروه دونهم ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحا ابدا ولا تأخذهم بهم رأفة

حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها

ـ166ـ

في الكعبة وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بنى

هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من قصى

ممن ولدتهم بنو هاشم ومن سواهم فأجمعوا امرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من

الغدر والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الارضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة

من ميثاق وعهد وكان ابوطالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى

الله عليه وسلم فيأتى فراشه كل ليلة حتى يراه من اراد به شرا او غائلة فاذا نام

الناس امر احد بنيه او اخوته او بنى عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأتى بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على

ذلك إلى تمام ثلاث سنين ولم تترك الارضة في الصحيفة اسما لله عزوجل الا لحسته

وبقى ما كان فيها من شرك او ظلم او قطيعة رحم فأطلع الله رسوله على ذلك فذكر

 

ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى طالب فقال ابوطالب لا والثواقب

ما كذبتنى فانطلق في عصابة من بنى عبد المطلب حتى اتوا المسجد وهم خائفون

لقريش فلما رأتهم قريش في جماعة انكروا ذلك وظنوا انهم خرجوا من شدة البلاء

ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم برمته إلى قريش فتكلم ابوطالب فقال

قد جرت امور بيننا وبينكم نذكرها لكم فائتوا بصحيفتكم التى فيها مواثيقكم فلعله

ان يكون بيننا وبينكم صلح وانما قال ذلك ابوطالب خشية ان ينظروا في الصحيفة

قبل ان يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين لا يشكون ان رسول الله صلى الله عليه

وسلم يدفع اليهم فوضعوها بينهم وقالوا لابى طالب قد آن لكم ان ترجعوا عما

احدثتم علينا وعلى انفسكم فقال ابوطالب انما اتيتكم في امر هو نصف بيننا

وبينكم ان ابن اخى اخبرنى ولم يكذبنى ان هذه الصحيفة التى في ايديكم قد بعث

الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما له الا لحسته وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا

بالظلم فان كان الحديث كما بقول فأفيقوا فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا

ـ167ـ

وان كان الذى يقول باطلا دفعنا اليكم صاحبنا فقتلتم او استحييتم فقالوا قد رضينا

بالذى تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد

اخبر بخبرها قبل ان تفتح فلما رأت قريش صدق ما جاء به ابوطالب عن النبى

صلى الله عليه وسلم قالوا هذا سحر ابن اخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا . وقال

ابن هشام وذكر بعض اهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابى طالب يا عم ان

ربى قد سلط الارضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما لله الا اثبتته ونفت

منها القطيعة والظلم والبهتان قال أربك اخبرك بهذا قال نعم قال فوالله ما يدخل

عليك احد ثم خرج إلى قريش فقال يا معشر قريش ان ابن اخى اخبرنى وساق الخبر

بمعنى ما ذكرناه . وقال ابن اسحق وابن عقبة وغيرهما : وندم منهم قوم فقالوا هذا

بغى منا على اخواننا وظلم لهم فكان اول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن

عمرو بن الحارث العامرى وهو كان كاتب الصحيفة وا بوالبخترى العاص بن هشام

ابن الحارث بن اسد بن عبدالعزى والمطعم بن عدى . إلى هنا انتهى خبر ان

لهيعة عن ابى الاسود يتيم عروة وموسى بن عقبة عن ابن شهاب . وذكر ابن

اسحق فيهم زهير بن ابى امية بن المغيرة المخزومى وزمعة بن الاسود بن المطلب .

وذكر ابن اسحق في اول هذا الخبر قال وقد كان ابوجهل فيما يذكرون لقى حكيم

ابن حزام ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة وهى مع رسول الله صلى الله

عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال اتذهب بالطعام إلى بنى هاشم فقال له ابو

البخترى طعام كان لعمته عنده افتمنعه ان يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى

ابوجهل حتى نال احدهما من صاحبه فأخذ ا بوالبخترى لحى بعير فضربه به فشجه

ووطئه وطئا شديدا . وذكر ابو عبدالله محمد بن سعد هشام بن عمرو العامرى

المذكور وقال كان اوصل قريش لبنى هاشم حين حصروا في الشعب ادخل عليهم

في ليلة ثلاثة احمال طعاما فعلمت بذلك قريش فمشوا اليه حين اصبح فكلموه

ـ168ـ

في ذلك فقال انى غير عائد لشئ خالفكم فانصرفوا عنه ثم عاد الثانية فأدخل

عليهم ليلا حملا او حملين فغالظته قريش وهمت به فقال ابوسفيان بن حرب

دعوه رجل وصل اهل رحمه اما انى احلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان احسن بنا .

وعن ابن سعد وكان الذى كتب الصحيفة بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف

ابن عبد الدار بن قصى فشلت يده وحصروا بنى هاشم في شعب ابى طالب ليلة

هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خروجهم في السنة العاشرة

وقيل مكثوا في الشعب سنتين .

ـ169ـ

( ذكر خبر أهل نجران )

قال ابن إسحق ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون

رجلا أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في

المسجد فجلسوا اليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما

فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى

الله عليه وسلم ( 1 ) وتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فلما سمعوه

فاضت عينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوا وعرفوا منه ما كان

يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا عنه اعترضهم أبوجهل بن هشام في نفر

من قريش فقال لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون ( 2 )

لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما

قال ما نعلم راكبا أحمق منكم أو كما قالوا فقال لهم سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن

عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل من أنفسنا خيرا . ويقال إن النفر من النصارى

من أهل نجران ويقال فيهم نزلت ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون

وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ) إلى قوله ( لا نبتغى الجاهلين ) وقال الزهرى

ما زلت أسمع من علمائنا انهن نزلن في النجاشى وأصحابه .

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية زيادة " إلى الله " . ( 2 ) في نسخة " ترادون " وفى نسخة

أخرى " تردادون " . ( * )

ـ171ـ

( ذكر وفاة خديجة وأبى طالب )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 171 سطر 1 الى ص 179 سطر 24

( ذكر وفاة خديجة وأبى طالب )

روينا عن الدولابى ثنا ابوالاشعث أحمد بن المقدام العجلى ثنا زهير بن العلاء

ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث

سنين وهى أول من آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم ، قال وثنا احمد بن عبدالجبار

قال حدثنى يونس بن بكير عن ابن إسحق قال ثم ان خديجة بنت خويلد وأبا

طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان

هلاك خديجة وأبى طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الاسلام وكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم يسكن اليها قال وقال زياد البكائى عن ابن إسحق إن خديجة

وأبا طالب هلكا في عام واحد وكان هلاكهما بعد عشر سنين مضين من مبعث

رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل مهاجره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين .

وذكر ابن قتيبة أن خديجة توفيت بعد أبى طالب بثلاثة أيام . وذكر البيهقى

نحوه . وعن الواقدى توفيت خديجة قبل أبى طالب بخمس وثلاثين ليلة وقيل غير

ذلك فلما هلك أبوطالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من

الاذى مالم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش

فنثر على رأسه ترابا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه

فقامت اليه احدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهى تبكى ورسول الله صلى

الله عليه وسلم يقول لا تبكى يا بنية فان الله مانع أباك ويقول بين ذلك ما نالت منى

قريش شيئا أكرهه حتى مات أبوطالب . قال ولما اشتكى أبوطالب وبلغ قريشا

ـ172ـ

ثقله قال بعضهم لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش

كلها فانطلقوا بنا إلى أبى طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا فانا والله

ما نأمن أن ينتبزونا أمرنا فمشوا إلى أبى طالب وكلموه وهم أشراف قومه عتبة

وشيبة ابنا ربيعة وأبوجهل بن هشام وأمية بن خلف وأبوسفيان بن حرب في

رجال من أشرافهم فقالوا يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى

وتخوفنا عليك وقد علمت الذى بيننا وبين ابن أخيك فادعه وخذ له منا وخذ

لنا منه ليكف عنا ونكف عنه وليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث اليه أبوطالب

فجاءه فقال يا ابن أخى هؤلاء أشراف قومك وقد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا

منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كلمة واحدة تعطونيها وتملكون بها

وأبى ان يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لاستغفرن

لك مالم انه عنك فأنزل الله عزوجل ( ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا

للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأنزل

الله في أبى طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنك لا تهدى من أحببت

ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ورواه مسلم من حديث أبى

هريرة أيضا وفيه لولا أن تعيرنى قريش يقولون إنما حمله على ذلك الخرع ( 1 ) لاقررت بها

عينك . وفى الصحيح من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ان رسول الله

صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبوطالب فقال لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة

فيجعل في ضحضاح ( 2 ) من النار . وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهون

* ( هامش ) * ( 1 ) اى الضعف . وفى الاصل " الخزع " وهو خطأ ، وفى نسخة " الجزع "

قال في النهاية : قال ثعلب إنما هو بالخاء والراء . وفى الاقتباس : واختاره جماعة

وصوبه القاضى عياض وغيره . ( 2 ) الضحضاح في الاصل مارق من الماء على وجه

الارض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار . وقيل الضحضاح هو ما قرب من القعر . ( * )

ـ173ـ

اهل النار في النار عذابا ابوطالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه .

وأخبرنا عبدالرحيم ( 1 ) بقراءة والدى عليه اخبركم أبوعلى حنبل بن عبدالله بن الفرج

قال انا أبوالقاسم بن الحصين قال أنا أبوعلى بن المذهب قال انا أبوبكر القطيعى

قال انا عبدالله بن احمد ثنا أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبى إسحق قال

سمعت ناجية بن كعب يحدث عن على انه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال إن أبا طالب

مات فقال له النبى صلى الله عليه وسلم اذهب فواره فقال انه مات مشركا قال

اذهب فواره فلما واريته رجعت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى اغتسل .

واخبرنا أبوالفضل بن الموصلى قال اخبرنا أبوعلى بن سعادة الرصافى قال انا هبة

الله بن محمد الشيبانى قال انا الحسن بن على التميمى أنا احمد بن جعفر بن حمدان

قال أنا عبدالله بن احمد ثنا أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء

عن وكيع بن عدس عن أبى رزين عمه قال قلت يا رسول الله أين أمى قال أمك

في النار قال قلت أين من مضى من اهلك قال أما ترضى ان تكون أمك مع أمى

قال عبدالله قال أبى الصواب حدس . وذكر بعض اهل العلم في الجمع بين هذه

الروايات ما حاصله ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في

الدرجات العلية إلى ان قبض الله روحه الطاهرة اليه وأزلفه بما خصه به لديه من

الكرامة حين القدوم عليه فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله

عليه وسلم بعد أن لم تكن وأن يكون الاحياء والايمان متأخرا عن تلك

الاحاديث فلا تعارض . وقال السهيلى شهادة العباس لابى طالب لو أداها

بعد ما أسلم كانت مقبولة لان العدل إذا قال سمعت وقال من هو أعدل منه لم

اسمع أخذ بقول من أثبت السماع ولكن العباس شهد بذلك قبل ان يسلم .

قلت قد أسلم العباس بعد ذلك وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية " عبدالرحيم المزى " . ( * )

ـ174ـ

عن حال أبى طالب فيما أخبرنا عبدالرحيم بن يوسف بقراءة أبى عليه وقرأت

على أبى الهيجاء غازى بن أبى الفضل قال أنا أبوحفص بن طبرزد قال انا ابن

الحسين قال انا أبوطالب بن غيلان قال انا أبوبكر الشافعى ثنا بشر بن موسى

ثنا الحميدى ثنا سفيان ثنا عبدالملك بن عمير قال سمعت عبدالله بن الحرث بن

نوفل قال سمعت العباس يقول قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحفظك

وينصرك فهل نفعه ذاك قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ( 1 ) .

صحيح الاسناد مشهور متفق عليه من حديث العباس في الصحيحين ولو كانت

هذه الشهادة عنده لاداها بعد إسلامه وعلم حال أبى طالب ولم يسأل ، والمعتبر

حالة الاداء دون التحمل . وفيما ذكره السهيلى ان الحرث بن عبدالعزى أبا رسول

الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم

مكة فأسلم وحسن اسلامه في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير عن ابن

إسحق عن أبيه عن رجال من بنى سعد بن بكر .

* ( هامش ) * ( 1 ) الضحضاح مارق من الماء على وجه الارض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار . ( * )

ـ175ـ

( ذكر خروج النبى صلى الله عليه وسلم إلى الطائف )

وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة قال ابن إسحق ولما هلك

أبوطالب ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم تكن تنال منه

في حياته خرج إلى الطائف وحده - وقال ابن سعد ومعه زيد بن حارثة - يلتمس

النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله

فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم

وهم اخوة ثلاثة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة

ابن غيرة بن عوف بن ثقيف وعند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح فجلس

اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمهم ما جاءهم له من نصرته على الاسلام والقيام معه على

من خالف من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك

وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا

لئن كنت رسولا من الله كما تقول لانت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام

ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى ( 1 ) أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من

عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقد قال لهم فيما ذكر لى إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا

على وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فلم يفعلوا أغروا به سفهاءهم وعبيدهم

يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس . قال موسى بن عقبة قعدوا له صفين

على طريقه فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما

إلا رضخوهما ( 2 ) بالحجارة حتى أدموا رجليه . زاد سليمان التيمى انه صلى الله عليه وسلم كان إذا أذلقته

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية " ما ينبغى لى ان اكلمك " . ( 2 ) الرضخ هو الدق والكسر ( * )

ـ176ـ

الحجارة ( 1 ) قعد إلى الارض فيأخذون بعضديه فيقيمونه فاذا مشى رجموه وهم يضحكون

وقال ابن سعد : وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجا قال ابن عقبة

فخلص منهم ورجلاه تسيلان دما فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة ( 2 )

يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان ، وقد تقدم أنه البراء بن معرور . فلما انتهت

البيعة صرخ الشيطان من رأس العقبة يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم

والصباة معه قد أجمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا

أزب العقبة ( 3 ) أتسمع أى عدو الله أما والله لافرغن لك فاستأذنه العباس

ابن عبادة في القتال فقال لم نؤمر بذلك وتطلب المشركون خبرهم فلم يعرفوه

ثم شعروا به حين انصرفوا فاقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة

والمنذر بن عمرو فأما سعد فكان ممن عذب في الله وأما المنذر فأعجزهم

وأفلت . ونمى خبر سعد بن عبادة إلى جبير بن مطعم والحرث بن حرب

ابن أمية على يدى أبى البخترى بن هشام فأنفذه الله بهما . وقال ضرار

ابن الخطاب الفهرى :

تداركت سعدا عنوة فأخذته * وكان شفاء لو تداركت منذرا

ولو نلته طلت هناك جراحة * وكان حريا أن يهان ويهدرا

فأجابها حسان بأبيات ذكرها ابن إسحق . فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام

وكان عمرو بن الجموح ممن بقى على شركه وكان له صنم يعظمه فكان فتيان ممن

أسلم من بنى سلمة يدلجون بالليل على صنمه فيطرحونه في بعض حفر بنى سلمة منكسا

رأسه في عذر الناس فاذا أصبح عمرو قال ويحكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة

* ( هامش ) * ( 1 ) اى بلغت منه الجهد حتى قلق . ( 2 ) الحائط هاهنا البستان من النخيل اذا

كان عليه جدار ، والحبلة هى الاصل او القضيب من شجر الاعناب .

( 3 ) " الجباجب " مكان سيأتى الكلام عليه ، و " ازب العقبة " اسم شيطان ( * )

ـ177ـ

ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه فاذا أمسى عدوا عليه ففعلوا

به مثل ذلك إلى أن غسله مرة وطهره ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال له ما أعلم

من يصنع بك ما أرى فان كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك فلما أمسى

ونام عمرو غدوا عليه وأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل

ثم ألقوه في بئر من آبار بنى سلمة فيها عذر ( 1 ) من عذر الناس وغدا عمرو بن الجموح

فلم يجده في مكانه فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب

ميت فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم رضى الله عنه وحسن إسلامه ( 2 )

( وهذه تسمية من شهد العقبة )

وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين ، هذا هو العدد المعروف وإن زاد في التفصيل

على ذلك فليس ذلك بزيادة في الجملة وإنما هو لمحل الخلاف فيمن شهد فبعض الرواة

يثبته وبعضهم يثبت غيره بدله وقد وقع ذلك في غير موضع في أهل بدر وشهداء

أحد وغير ذلك . وهم من الاوس ثم من بنى عبد الاشهل أسيد بن حضير أبوالهيثم

مالك بن التيهان سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الاشهل

وسعد بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج وبنو جشم

عدادهم في بنى عبد الاشهل شهداء العقبة في قول الواقدى وحده وهو معدود في

البدريين عند غيره . وقد اختلف في نسبه وهو عند ابن اسحق سعد بن زيد

ابن مالك بن عبيد بن كعب بن عبد الاشهل . ومن بنى حارثة بن الحرث بن

* ( هامش ) * ( 1 ) اى غائط

( 2 ) هنا في هامش الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد ( * )

ـ178ـ

الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس ظهير بن رافع بن عدى بن زيد بن جشم

ابن حارثة أبوبردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم

ابن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هنى بن بلى بن عمرو بن الحاف بن

قضاعة حليف لهم بهيز بن الهيثم بن نامى بن مجدعة بن حارثه بن الحرث بن

الخزرج - وبهيز بالباء الموحدة عند بعضهم وبالنون عند آخرين . ومن بنى عمرو

ابن عوف سعد بن خيثمة رفاعة بن عبدالمنذر عبدالله بن جبير بن النعمان بن

أمية بن البرك امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو معن بن عدى بن الجد بن

العجلان بن ضبيعة عويم بن ساعدة . ومن الخزرج ثم من بنى النجار أبوأيوب

خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار

ومعاذ بن عفراء وأخواه معوذ وعوف وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو

ابن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أسعد بن زرارة النعيمان بن عمرو بن

رفاعة بن الحرث بن سواد بن غنم عند الواقدى وحده . ومن بنى مبذول عامر بن

منه وهو مكروب موجع وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلما رآهما

كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله . قال فلما رآه ابنا ربيعة وما لقى

تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ

قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له

يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه

وسلم ثم قال له كل فما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال بسم الله ثم

أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أى البلاد أنت يا عداس وما دينك

قال نصرانى وأنا من أهل نينوى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل

قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى

ـ179ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخى كان نبيا وأنا نبى فأكب عداس على رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه فلما جاءهما عداس قالا له ويلك

ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما في الارض شئ خير من

هذا لقد أعلمنى بأمر لا يعلمه إلا نبى قالا ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك

فان دينك خير من دينه . وروينا في الصحيح من حديث عائشة رضى الله عنها

أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد فقال

لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسى على

ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت فانطلقت على وجهى وأنا مهموم

فلم أستفق إلا وأنا بقرن التعالب فرفعت رأسى فاذا أنا بسحابة قد أظلتنى فنظرت

فاذا فيها جبريل فنادانى فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد

بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فنادانى ملك الجبال فسلم على فقال

يا محمد ذلك لك فما شئت وان شئت أن أطبق عليهم الاخشبين فقال النبى صلى الله عليه وسلم

بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا . وذكر ابن

هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه

لما دعاهم اليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى الاخنس بن شريق

ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال إن بنى

عامر لا تجير على بنى كعب فبعث إلى المطعم بن عدى فأجابه إلى ذلك ثم تسلح

المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف

إلى منزله . ولاجل هذه السابقة التى سلفت للمطعم بن عدى قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في

هؤلاء النتنى لتركتهم له ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم الاخشبان وهما جبلا مكة . ( * )

ـ181ـ

( ذكر اسلام الجن )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 181 سطر 1 الى ص 190 سطر 15

( ذكر اسلام الجن )

وفى انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعا إلى مكة حين

يئس من خير ثقيف مر به النفر من الجن وهو بنخلة كما سيأتى إن شاء الله تعالى

وهم فيما ذكر ابن اسحق سبعة من جن نصيبين وكان رسول الله صلى الله عليه

 

وسلم قد قام من جوف الليل وهو يصلى . والخبر بذلك ثابت من طريق عبدالله

ابن مسعود رضى الله عنه : قرأت على أبى عبدالله بن أبى الفتح الصورى بمرج

دمشق أخبركم أبوالقاسم بن الحرستانى سماعا عليه فأقر به قال أنا أبومحمد طاهر

ابن سهل قال أنا أبوالحسين مكى قال أنا القاضى أبوالحسن الحلبى قال حدثنى

إسحق بن محمد بن يزيد ثنا أبوداود يعنى سليمان بن سيف ثنا أيوب بن خالد

ثنا الاوزاعى قال حدثنى ابراهيم بن طريف قال حدثنى يحيى بن سعيد الانصارى

قال حدثنى عبدالرحمن بن أبى ليلى قال حدثنى عبدالله بن مسعود قال كنت

مع النبى صلى الله عليه وسلم ليلة صرف الله النفر من الجن الحديث . ورويناه من حديث أبى

المعلى عن عبد الله بن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة

إلى نواحى مكة فخط لى خطا وقال لاتحدثن شيئا حتى آتيك ثم قال لا يروعنك أو

لا يهولنك شئ تراه ثم جلس فاذا رجال سود كأنهم رجال الزط ( 1 ) قال وكانوا كما

قال الله ( كادوا يكونون عليه لبدا ) فأردت أن أقوم فأذب عنه بالغا ما بلغت ثم

ذكرت عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثت ثم انهم تفرقوا عنه فسمعتهم يقولون

يا رسول الله ان شقتنا بعيدة ونحن منطلقون فزودنا الحديث . وفيه فلما ولوا قلت

* ( هامش ) * ( 1 ) الزط : جيل من الناس . ( * )

ـ182ـ

من هؤلاء قال هؤلاء جن نصيبين . وروينا من حديث أبى عبدالله الجدلى عن

عبدالله وفيه قال ثم شبك أصابعه في أصابعى وقال ابى وعدت ان تؤمن بى الجن

والانس فأما الانس فقد آمنت بى وأما الجن فقد رأيت . وروى أبوعمر من طريق

أبى داود ثنا محمد بن المثنى ثنا ابومعاوية عن الاعمش عن ابى ظبيان عن ابى

عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال لما كانت ليلة الجن أتت النبى صلى الله عليه وسلم سمرة

فآذنته بهم فخرج اليهم . قال أبوداود ثنا هارون بن معروف ثنا سفيان عن مسعر

عن عمرو بن مرة عن ابى عبيدة ان مسروقا قال قال له أبوك انا ان شجرة أنذرت النبى

صلى الله عليه وسلم بالجن . وروينا حديث ابى فزارة عن ابى زيد مولى عمرو بن

حريث ثنا عبدالله بن مسعود قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انى قد أمرت أن

أقرأ على اخوانكم من الجن فليقم معى رجل منكم ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة

خردل من كبر فقمت معه وأخذت اداوة فيها نبيذ فانطلقت معه فلما برز خط لى

خطا وقال لى لا تخرج منه فانك إن خرجت لم ترنى ولم أرك إلى يوم القيامة قال

ثم انطلق فتوارى عنى حتى لم أره فلما سطع الفجر أقبل فقال لى أراك قائما فقلت

ما قعدت فقال ما عليك لو فعلت قلت خشيت أن اخرج منه فقال أما انك لو

خرجت منه لم ترنى ولم أرك إلى يوم القيامة هل معك وضوء قلت لا فقال ما هذه

الاداوة قلت فيها نبيذ قال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ وأقام الصلاة فلما قضى

الصلاة قام اليه رجلان من الجن فسألاه المتاع فقال ألم آمر لكما ولقومكما بما يصلحكما

قالا بلى ولكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة فقال ممن أنتما قالا من أهل

نصيبين فقال أفلح هذان وأفلح قومهما وأمر لهما بالروث والعظم طعاما ولحما ونهى

النبى صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روثة . رويناه من حديث قيس

ابن الربيع وهذا لفظه . ومن حديث الثورى واسرائيل وشريك والجراح بن

مليح وأبى عميس كلهم عن أبى فزارة وغير طريق أبى فزارة عن أبى زيد لهذا

ـ183ـ

الحديث أقوى منها للجهالة الواقعة في أبى زيد ولكن أصل الحديث مشهور عن

ابن مسعود من طرق حسان متظافرة يشهد بعضها لبعض ويشد بعضها بعضا ولم

يتفرد طريق أبى زيد إلا بما فيها من التوضؤ بنبيذ التمر وليس ذلك مقصودنا

الآن ويكفى من أمر الجن ما في سورة الرحمن وسورة قل أوحى إلى وسورة الاحقاف

( وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) الآيات . وذكر ابن سعد

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بالجن وهم يستمعون له يقرأ حتى نزلت

عليه ( وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن ) الآية . وروينا عن ابن هشام قال حدثنى

خلاد بن قرة بن خالد السدوسى وغيره من مشائخ بكر بن وائل من أهل العلم

أن أعشى بنى قيس بن ثعلبة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد

الاسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليم مسهدا

ألا أيها ذا السائلى أين يممت * فان لها في أهل يثرب موعدا

وآليت لا آوى لها من كلالة * ولا من حفا حتى تلاقى محمدا

متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ( 1 ) * تراخى وتلقى من فواضله ندى

نبيا يرى مالا يرون وذكره * أغار لعمرى في البلاد وأنجدا

له صدقات ما تغب ونائل * وليس عطاء اليوم مانعه غدا

أجدك لم تسمع وصاة محمد * نبى الاله حين أوصى وأشهدا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للموت الذى كان أرصدا ( 2 )

فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن

أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير

* ( هامش ) * ( 1 ) " ما " ساقطة . ( 2 ) في نسخة " فترصد للمرء الذى كان أرصدا " وهو غلط ظاهر . ( * )

ـ184ـ

فانه يحرم الزنا فقال الاعشى والله إن ذلك لامر مالى فيه من أرب فقال يا أبا بصير

فانه يحرم الخمر قال الاعشى اما هذه فوالله ان في النفس لعلالات منها ولكنى

منصرف فأرتوى منها عامى هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم

يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله " لا آوى لها من كلالة " أى لا أرق . وفى

هذه الابيات عن غير ابن هشام بعد قوله * أغار لعمرى في البلاد وأنجدا ( 1 ) :

به أنقذ الله الانام من العمى * وما كان فيهم من يريع إلى هدى

وقوله فلما كان بمكة وهم ظاهر لان تحريم الخمر إنما كان بعد أحد وفى الابيات :

* فان لها في أهل يثرب موعدا * وهو أيضا مما يبين ذلك والله أعلم .

 

( خبر الطفيل بن عمرو الدوسى )

روينا عن محمد بن سعد قال انا محمد بن عمر قال حدثنى عبدالله بن جعفر عن

عبدالواحد بن أبى عون الدوسى وكان له حلف في قريش قال كان الطفيل شريفا

شاعرا نبيلا كثير الضيافة فقدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى

اليه رجال من قريش فقالوا يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذى بين

اظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين

الرجل وأبيه وبين الرجل وأخيه قال فوالله ما زالوا بى حتى أجمعت أن لا اسمع منه

شيئا ولا أكلمه فأبى الله إلا ان يسمعنى بعض قوله فمكثت حتى انصرف إلى

بيته فقلت يا محمد إن قومك قالوا لى كذا وكذا حتى سددت أذنى بكرسف ( 2 ) لئلا اسمع قولك فاعرض على أمرك فعرض عليه السلام وتلا عليه القرآن فقال لا

* ( هامش ) * ( 1 ) وفى معجم الشعراء " ص 401 " إختلاف ايضا . ( 2 ) الكرسف القطن . ( * )

ـ185ـ

والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا ولا أمرا أعدل منه فأسلمت فقلت يا نبى الله

انى امرؤ مطاع في قومى وأنا راجع اليهم فداعيهم إلى الاسلام فادع الله ان يكون

لى عونا عليهم قال اللهم اجعل له آية فخرجت حتى اذا كنت بثنية تطلعنى على

الحاضر وقع نور بين عينى مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهى فانى أخشى ان

يظنوا أنها مثلة فتحول في رأس سوطى فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور كالقنديل

المعلق قال فأتانى أبى فقلت له قال دينى دينك فأسلم ثم أتتنى صاحبتى فذكر مثل

ذلك فأسلمت ثم دعوت دوسا إلى الاسلام فابطئوا على ثم جئت رسول الله صلى

الله عليه وسلم بمكة فقلت يا رسول الله قد غلبتنى دوس فادع الله عليهم وقال

اللهم اهد دوسا فخرجت اليهم ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن

اسلم من قومى وهو بحيبر بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس فأسهم لنا مع المسلمين

وقلنا يا رسول الله اجعلنا ميمنتك واجعل شعارنا مبرور ففعل ثم قلت بعد فتح

مكة يا رسول الله ابعثنى إلى ذى الكفين صنم عمرو بن حممة ( 1 ) حتى احرقه

فبعثه . وجعل الطفيل يقول :

يا ذا الكفين لست من عبادكا * ميلادنا اكبر من ميلادكا

أنا حشوت النار في فؤادكا

 

قال فلما احرقته اسلموا جميعا ثم قتل الطفيل باليمامة شهيدا . والخبر عند

ابن سعد طويل وأنا اختصرته ( 2 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " حميمة " وعليها علامة " صح " ، وفى نسخة " حممة " قال

البرهان الحلبى والذى نحفظ حممة بغير ياء بين الميمين ، وقد ذكره المصنف فيما

بعد كذلك وكذلك هو في الاستيعاب . ( 2 ) هنا في هامش الاصل " بلغ المقابلة " ( * )

ـ187ـ

( ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم )

ومعراجه وفرض الصلاة

قرأت على أبى عبدالله بن أبى الفتح الصورى أخبركم الشيخان أبومسلم المؤيد

ابن عبدالرحيم بن احمد بن محمد بن الاخوة وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر

القرشية اجازة قالا أنا ابوالفرج سعيد بن أبى الرجاء الصيرفى قراءة عليه

ونحن نسمع بأصبهان قال أنا أبونصر ابراهيم بن محمد بن على الاصبهانى

الكسائى قال أنا أبوبكر محمد بن ابراهيم بن المقرئ قال أنا أبويعلى احمد بن

على بن المثنى ثنا محمد بن اسمعيل بن على الوساوسى ثنا ضمرة بن ربيعة عن يحيى

ابن أبى عمرو الشيبانى عن أبى صالح مولى أم هانئ قالت دخل على رسول الله

صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشى فقال شعرت أنى نمت الليلة في المسجد

 

الحرام فأتانى جبريل عليه السلام فذهب بى إلى باب المسجد فاذا دابة أبيض

فوق الحمار ودون البغل مضطرب الاذنين فركبته فكان يضع حافره مد بصره

إذا أخذ في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه

وقصرت يداه وجبريل عليه السلام لا يفوتنى حتى انتهينا إلى بيت المقدس فأوثقته

بالحلقة التى كانت الانبياء توثق بها فنشر لى رهط من الانبياء فيهم ابراهيم

وموسى وعيسى عليهم السلام فصليت بهم وكلمتهم وأتيت باناءين أحمر وأبيض

فشربت الابيض فقال لى جبريل عليه السلام شربت اللبن وتركت الخمر لو شربت

الخمر لارتدت أمتك ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة فتعلقت

بردائه وقلت أنشدك الله ابن عم أن تحدث بها ( 1 ) قريشا فيكذبك من صدقك

فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدى فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه ( 2 ) فوق

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " بهذا الخبر " . ( 2 ) اى : ماتننى من لحم البطن . ( * )

ـ188ـ

ردائه وكأنه طى القراطيس واذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصرى فخررت

ساجدة فلما رفعت رأسى إذا هو قد خرج فقلت لجاريتى نبعة ويحك اتبعيه فانظرى

ماذا يقول وماذا يقال له فلما رجعت نبعة أخبرتنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدى بن نوفل وعمرو بن هشام

والوليد بن المغيرة فقال إنى صليت الليلة العشاء في هذا المسجد وصليت به الغداة

وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس فنشر لى رهط من الانبياء منهم ابراهيم وموسى

وعيسى عليهم السلام فصليت بهم وكلمتهم فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ صفهم

لى فقال أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل عريض الصدر ظاهر الدم جعد

الشعر يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفى ، وأما موسى عليه السلام فضخم

آدم طويل كأنه من رجال شنوءة كثير الشعر غائر العينين متراكب الاسنان

مقلص الشفتين خارج اللثة عابس ، وأما ابراهيم عليه السلام فوالله لاشبه الناس

بى خلقا وخلقا فضجوا وأعظموا ذلك فقال المطعم بن عدى بن نوفل كل أمرك

قبل اليوم كان امما غير قولك اليوم أشهد أنك كاذب نحن نضرب أكباد الابل

إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا تزعم أنك أتيته في ليلة واللات

والعزى لا أصدقك وما كان هذا الذى تقول قط . وكان للمطعم بن عدى حوض

على زمزم أعطاه إياه ع بدالمطلب فهدمه فأقسم باللات والعزى لا يسقى منه قطرة

أبدا فقال أبوبكر رضى الله عنه يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته ( 1 ) وكذبته

أنا اشهد أنه صادق فقال يا محمد صف لنا بيت المقدس قال دخلته ليلا وخرجت

منه ليلا فاتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه فجعل يقول باب منه كذا في

موضع كذا وأبوبكر رضى الله عنه يقول صدقت

صدقت قالت نبعة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ يا أبا بكر

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : استقبلته بالمكروه ( * )

ـ189ـ

إن الله عزوجل قد سماك الصديق قالوا يا مطعم دعنا نسئله عما هو أغنى لنا من

بيت المقدس يا محمد أخبرنا عن عيرنا فقال أتيت على عير بنى فلان بالروحاء قد

أضلوا ناقة لهم وانطلقوا في طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح

ماء فشربت منه فسلوهم عن ذلك فقالوا هذه واللات والعزى آية ثم انتهيت إلى

عير بنى فلان فنفرت منى الابل وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض

لا أدرى أكسر البعير أم لا فسألوهم عن ذلك فقالوا هذه والاله آية ثم انتهيت إلى عير

بنى فلان بالابواء يقدمها جمل أورق ( 1 ) ها هى تطلع عليكم من الثنية فقال الوليد بن

المغيرة ساحر فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال فرموه بالسحر وقالوا صدق الوليد

ابن المغيرة فيما قال وأنزل الله تبارك وتعالى ( وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا

فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) قلت يا أم هانئ ما الشجرة الملعونة في

القرآن قالت الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا كبيرا . وروينا من

طريق البخارى حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال

حدثنى أبوسلمة بن عبدالرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله انه سمع النبى صلى الله عليه وسلم

يقول لما كذبتنى قريش قمت في الحجر فجلى الله لى بيت المقدس فطفقت أخبرهم

عن آياته وانا انظر اليه . وقرأت على أبى حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس

بعربيل بغوطة دمشق أخبركم أبوالقاسم بن الحرستانى في الرابعة فأقر به قال انا

جمال الاسلام أبوالحسن على بن المسلم السلمى قال انا ابونصر الحسين بن محمد

ابن احمد بن طلاب الخطيب سماعا قال انا ابوالحسين محمد بن احمد بن جميع

ثنا محمد بن صالح بن زكريا بن يحيى بن داود بن زكريا العثمانى ثنا احمد بن

العلاء ثنا زيد بن أسامة عن سفيان عن مسعر عن قتادة عن أنس عن النبى

صلى الله عليه وسلم أتى بداية فوق الحمار ودون البغل خطوه مد البصر فلما دنا منه

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : اسمر ( * )

ـ190ـ

اشمأز فقال جبريل اسكن فما ركبك احد أكرم على الله من محمد . وعن عائشة

وأم سلمة وأم هانئ وابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم قالوا أسرى برسول الله

صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الاول قبل الهجرة بسنة من

شعب أبى طالب إلى بيت المقدس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حملت على

دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل وفى فخذيها جناحان تحفز بهما رجليها فلما دنوت

لاركبها شمست ( 1 ) فوضع جبريل يده على معرفتها ( 2 ) ثم قال ألا تستحيين يا براق فما

تصنعين والله ما ركب عليك احد قبل محمد أكرم على الله منه فاستحيت حتى

ارفضت عرقا ثم قرت حتى ركبتها الحديث . وفى رواية يونس بن بكير عن ابن

إسحق في هذا الخبر أنه عليه السلام وعد قريشا بقدوم العير الذين أرشدهم إلى

البعير وشرب إناءهم أن يقدموا يوم الاربعاء فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى

كربت الشمس ان تغرب فدعا الله فحبس حتى قدموا كما وصف قال ولم تحبس

الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع بن نون .

* ( هامش ) * ( 1 ) اى منعت ظهرها .

( 2 ) أى : منبت عرفها من رقبتها ( * )

ـ191ـ

( حديث المعراج )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 191 سطر 1 الى ص 200 سطر 11

( حديث المعراج )

روينا من طريق مسلم حدثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت

البنانى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق

وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال

فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التى تربط بها الانبياء قال ثم

دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءنى جبريل عليه السلام باناء

من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة ثم عرج

بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن

معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بآدم

فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل قيل من

أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه

قال ففتح لنا فاذا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما

فرحبا بى ودعوا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل

من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه

ففتح لنا فاذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطى شطر الحسن قال فرحب بى

ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال

جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وبعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا

أنا بادريس فرحب بى ودعا لى بخير قال الله عزوجل ( ورفعناه مكانا عليا )

ـ192ـ

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل

ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بهارون

صلى الله عليه وسلم فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة

فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث

اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب بى ودعا لى بخير

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل

ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بابراهيم

صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون

ألف ملك لا يعودون اليه ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى فاذا ورقها كآذان الفيلة

واذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق

الله يستطيع ان ينعتها من حسنها فأوحى الله إلى ما أوحى ففرض على خمسين صلاة

في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين

صلاة قال ارجع إلى ربك فسله التخفيف فان أمتك لا تطيق ذلك فانى قد بلوت

بنى اسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتى فحط

عنى خمسا فرجع إلى موسى فقلت حط عنى خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك

فارجع إلى ربك فسله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربى تبارك وتعالى وبين

موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات في كل يوم وليلة لكل صلاة عشر

فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت

له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه شيئا فان عملها كتبت سيئة

واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسله

التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه .

قال الشيخ أبواحمد ثنا أ بوالعباس الماسرجسى ثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن

ـ193ـ

سلمة بهذا الحديث . وقد روينا من طريق ابن شهاب عن أنس بن مالك قال

كان أبوذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل

جبريل عليه السلام ففرج صدرى ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب

ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدرى ثم أطبقه ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء

الحديث . قال ابن شهاب وأخبرنى ابن حزم ان ابن عباس وأبا حبة الانصارى

يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرج بى حتى ظهرت بمستوى أسمع

فيه صريف الاقلام وفيه ثم أدخلت الجنة فاذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك .

وفى حديث مالك بن صعصعة فلما جاوزته يعنى موسى بكى فنودى ما يبكيك قال

يا رب هذا غلام بعثته بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتى وفيه

ثم رفع لى البيت المعمور فقلت يا جبريل ما هذا قال هذا البيت المعمور يدخله كل

يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا اليه آخر ما زين عليهم . وفى

حديث أبى هريرة وقد رأيتنى في جماعة من الانبياء فحانت الصلاة فأممتهم فقال

قائل يا محمد هذا ملك خازن النار فسلم عليه والتفت فبدأنى بالسلام . وكلها في الصحيح

وحديث ثابت عن أنس أحسنها مساقا . وروينا من طريق الترمذى حدثنا

يعقوب بن ابراهيم الدورقى ثنا أبوتميلة عن الزبير بن جنادة عن ابى بريدة عن

أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه

فخرق بها الحجر وشد به البراق . وذكر ابن إسحق في حديث أبى سعيد الخدرى

عن النبى صلى الله عليه وسلم رؤيته آدم في سماء الدنيا تعرض عليه أرواح بنيه

فيسر بمؤمنيها ويعبس بوجهه عند رؤية كافريها ثم قال رأيت رجالا لهم مشافر ( 1 )

كمشافر الابل في أيديهم قطع من نار كالافهار ( 2 ) يقذفونها في أفواههم فتخرج من

أدبارهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما قال ثم رأيت

* ( هامش ) * ( 1 ) المشافر جمع مشفر وهو شفة البعير . ( 2 ) جمع فهر وهو الحجر . ( * )

ـ194ـ

رجالا لهم بطون لم ار مثلها قط بسبيل ال فرعون يمرون عليهم كالابل المهيومة ( 1 )

حين يعرضون على النار بطونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك قال

قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا قال ثم رأيت رجالا بين أيديهم

لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون

السمين الطيب قال قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يتركون ما أحل

الله لهم من النساء ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن قال ثم رأيت نساء

معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء اللاتى أدخلن على

الرجال ما ليس من أولادهم .

وقد اختلف العلماء في المعراج والاسراء هل كانا في ليلة واحدة أم لا وأيهما

كان قبل الآخر وهل كان ذلك كله في اليقظة أو في المنام او بعضه في اليقظة وبعضه

في المنام وهل كان المعراج مرة أو مرات واختلفوا في تاريخ ذلك : والذى روينا عن

ابن سعد في المعراج عن محمد بن عمر عن أبى بكر بن عبدالله بن أبى سبرة وغيره

من رجاله قالوا كان عليه السلام يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كانت ليلة

السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ورسول

الله صلى الله عليه وسلم في بيته نائم ظهرا أتاه جبريل ومكائيل فقالا انطلق إلى

ما سألت الله فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم فأتى بالمعراج فاذا هو أحسن شئ

منظرا فعرجا به إلى السموات سماء سماء الحديث . وذكر السهيلى رحمه الله خلاف

السلف في الاسراء هل كان يقظة أو مناما وحكى القولين وما يحتج به لكل

قول منهما ثم قال وذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا أبوبكر بن العربى إلى تصديق

المقالتين وتصحيح المذهبين وأن الاسراء كان مرتين احداهما في نومه توطئة له

وتيسيرا عليه كما كان بدء بنوته الرؤيا الصالحة ليسهل عليه أمر النبوة فانه عظيم

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : التى أصابها الهيام وهو داء يكسبها العطش فتشرب فلا تروى . وقيل

الهائم المخالف للقصد في كل شئ . ( * )

ـ195ـ

تضعف عنه القوى البشرية وكذلك الاسراء سهلة عليه بالرؤيا لان هوله عظيم

فجاء في اليقظة على توطئة وتقدمة رفقا من الله بعبده وتسهيلا عليه . ورجح هذا

القول أيضا للجمع بين الاحاديث الواردة في ذلك فان في ألفاظها اختلافها وتعدد

الواقعة أقرب لوقوع جميعها . وحكى قولا رابعا قال كان الاسراء بجسده إلى بيت

المقدس في اليقظة ثم أسرى بروحه عليه السلام إلى فوق سبع سموات ولذلك شنع

الكفار قوله أتيت بين المقدس في ليلتى هذه ولم يشنعوا قوله فيما سوى ذلك .

قال وقد تكلم العلماء في رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الاسراء فروى عن مسروق

عن عائشة أنها أنكرت أن يكون رآه قالت ومن زعم أن محمدا رأى به فقد

أعظم الفرية على الله ، واحتجت بقوله سبحانه ( لا تدركه الابصار وهو يدرك

الابصار ) . وروينا من طريق الترمذى حدثنا ابن أبى عمر ثنا سفيان عن مجالد

عن الشعبى قال لقى ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شئ فكبر حتى جاوبته

الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه فقال كعب إن الله

قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين . وروينا

من طريق مسلم عن أبى ذر قلت يا رسول الله هل رأيت ربك قال رأيت نورا .

وفى حديث آخر عند مسلم قال نورا انى أراه . وفى تفسير النقاش عن ابن

عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه فقال رآه رآه حتى انقطع صوته . وفى تفسير

عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى وذكر إنكار عائشة أنه رآه فقال الزهرى

ليست عائشة أعلم عندنا من ابن عباس . وفى تفسير ابن سلام عن عروة أنه

كان إذا ذكر إنكار عائشة يشتد ذلك عليه . وقول أبى هريرة في هذه المسألة

كقول ابن عباس أنه رآه . قال أبوالقاسم والمتحصل من هذه الاقوال أنه رآه

لا على أكمل ما تكون الرؤية على نحو ما يراه في حظيرة القدس عند الكرامة العظمى

والنعيم الاكبر ولكن دون ذلك والى هذا يومئ قوله رأيت نورا . قلت وقوله

ـ196ـ

تعالى ( لا تدركه الابصار ) لا يعارض هذه لانه لا يلزم من الرؤية الادراك . وأما

فرض الصلوات الخمس فكان ليلة المعراج وقد ذكرنا عن الواقدى من طريق

ابن سعد أنه كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية

عشر شهرا من مكة إلى السماء . ومن يرى أن المعراج من بيت المقدس وأنه هو

والاسراء في تاريخ واحد فقد ذكرنا في الاسراء أنه ليلة سبع عشرة من ربيع

الاول قبل الهجرة بسنة وبعد المبعث بتسع أو اثنى عشر على حسب اختلافهم

في ذلك وهذا هو المشهور : قال أبوعمر وقد روى الوقاصى عن الزهرى أن الاسراء

وفرض الصلاة كان بعد المبعث بخمس سنين . وأبعد من ذلك ما حكاه أبوعمر

أيضا قال وقال أبوبكر محمد بن على بن القاسم في تاريخه ثم أسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم

من مكة إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا قال

ولا أعلم أحدا من أهل السير قال ذلك ولا أسند قوله إلى أحد ممن يضاف اليه

هذا العلم . وفى صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل وامامته بالنبى صلى الله

عليه وسلم ليريه أوقات الصلوات الخمس كما هو مروى من حديث ابن عباس

وأبى هريرة وبريدة وأبى موسى وأبى مسعود وأبى سعيد وجابر وعمرو بن حزم

والبراء وغيرهم وكان ذلك عند البيت وأم به مرتين مرة أول الوقت ومرة آخره

ليعلمه بذلك كله . وأما عدد ركعاتها حين فرضت فمن الناس من ذهب إلى أنها

فرضت أول ما فرضت ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا وأقرت

صلاة السفر على ركعتين روى ذلك عن عائشة والشعبى وميمون بن مهران ومحمد

ابن اسحق وغيرهم . ومنهم من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت أربعا إلا

المغرب ففرضت ثلاثا والصبح ركعتين . كذلك قال الحسن البصرى ونافع بن جبير

ابن مطعم وابن جريج . ومنهم من ذهب إلى أنها فرضت في الحضر أربعا وفى السفر

ركعتين ويروى ذلك عن ابن عباس . وقال أبوإسحق الحربى أول ما فرضت

ـ197ـ

الصلاة بمكة فرضت ركعتين أول النهار وركعتين آخره وذكر في ذلك حديث

عائشة فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها

في الحضر . هكذا حدث به الحربى عن احمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن

عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة حكى ذلك أبوعمر قال وليس

في حديث عائشة دليل على صحة ما ذهب اليه الحربى ولا يوجد هذا في أثر صحيح

بل فيه دليل على أن الصلاة التى فرضت ركعتين ركعتين هى الصلوات الخمس لان

الاشارة بالالف واللام في الصلاة اشارة إلى معهود . روينا عن الطبرانى ثنا الحسن

ابن على بن الاشعث المصرى ثنا محمد بن يحيى بن سلام الافريقى قال حدثنى أبى

قال حدثنى عثمان بن مقسم عن يحيى بن سعيد الانصارى عن سعيد بن يسار عن

عمر بن عبدالعزيز قال حدثنى عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها قالت

فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة المقيم وأثبتت صلاة المسافر كما هى . وقد

روينا عن السائب بن يزيد مثل ذلك . روينا عن أبى العباس بن السراج ثنا

قتيبة ثنا عبدالعزيز عن سعيد بن سعيد عن السائب بن يزيد أنه قال فرضت

الصلاة ركعتين ثم زيد في صلاة المقيم وأقرت صلاة المسافر . قال أبوعمر قول

الشعبى في هذا أصله من حديث عائشة ويمكن أن يكون قد أخذه عن مسروق

أو الاسود عنها فأكثر ما عنده عن عائشة فهو عنهما . قلت قد وقع لنا ذلك من

حديثه عن مسروق كما ظن أبوعمر . روينا من طريق السراج ثنا احمد بن سعيد

الرباطى ثنا محبوب بن الحسن ثنا داود عن الشعبى عن مسروق عن عائشة قالت

فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما أقام رسول الله صلى الله عليه

وسلم بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة

وصلاة المغرب لانها وتر النهار . وأما ابن إسحق فخبر عائشة عنده عن صالح بن

 

كيسان عن عروة عنها فيمكن أن يكون أخذه من مناك . وأما ميمون بن مهران

ـ198ـ

فروى ذلك عنه من طريق سالم مولى أبى المهاجر وسالم غير سالم من الجرح ، ومن

قال بهذا من اهل السير قال ان الصلاة اتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر وعشرة

ايام وقيل بشهر . واما من قال فرضت اربعا ثم خفف عن المسافر فأخبرنا الامام

الزاهد ابواسحق ابراهيم بن على بن احمد الواسطى قراءة عليه وانا اسمع بسفح

قاسيون اخبركم الشيخان اب والبركات داود بن احمد بن محمد بن ملاعب قراءة

عليه وانت تسمع بدمشق وابوعلى الحسن بن اسحق بن موهوب بن احمد بن محمد

ابن الخضر الجواليقى سماعا عليه ببغداد قال الاول انا ابو عبدالله محمد بن سلامة

ابن الرطبى قراءة عليه وانا اسمع وقال الثانى اخبرنا ابوبكر محمد بن عبيد الله بن

الزاغونى قالا انا ابوالقاسم على بن احمد بن محمد بن البسرى قال انا ابوطاهر محمد

ابن عبدالرحمن المخلص ثنا يحيى يعنى ابن محمد بن صاعد ثنا لوين بن محمد بن

سليمان ثنا حماد بن زيد عن ايوب عن ابى قلابة عن رجل من بنى عامر قال

والرجل حى فاسمعوه منه يقال له انس بن مالك قال ابن صاعد هو القشيرى ان

النبى صلى الله عليه وسلم بعث خيلا فغارت على ابل جار لى فانطلق في ذلك ابى

وعمى او قرابة لى قريبة قال فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطعم

فقال هلم إلى الغداء قال انى صائم قال صلى الله عليه وسلم هلم احدثك عن ذلك ان الله وضع

عن المسافر شطر الصلاة والصيام وعن الحبلى والمرضع الحديث . خالف ايوب يحيى

ابن ابى كثير فرواه عن ابى قلابة عن جعفر بن عمرو بن امية الضمرى عن ابيه

عن النبى صلى الله عليه وسلم . وقد رويناه من طريق السراج ثنا داود بن رشيد

ثنا الوليد بن مسلم عن الاوزاعى عنه . ومع صحة الاسنادين فتصويب الاول اولى

من جعلهما حديثين عند ابى قلابة لاشتهار هذا الخبر من طريق انس القشيرى

وبعد تعدد هذه الواقعة والله اعلم قالوا ووضع لا يكون الا من فرض ثابت وبما

روينا من طريق ابى العباس الثقفى ثنا اسحق بن ابراهيم قال ثنا عبدالله بن

ـ199ـ

ادريس ثنا ابن جريج عن ابن ابى عمار عن عبدالله بن بابيه عن يعلى بن امية

قال قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم

فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه

وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته . رواه مسلم عن

اسحق بن ابراهيم فوقع لنا موافقة عالية له قالوا ولم يقصر رسول الله صلى الله عليه

وسلم آمنا الا بعد نزول آية القصر في صلاة الخوف وكان نزولها بالمدينة وفرض

الصلاة بمكة . فظاهر هذا يقتضى ان القصر طارئ على الاتمام . واما قول ابن عباس

انها فرضت في الحضر اربعا وفى السفر ركعتين وفى الخوف ركعة فقرأت على ابى

العباس احمد بن هبة الله بن عساكر بجامع دمشق اخبرتكم زينب بنت عبد

الرحمن الشعرى اجازة قالت انا الشيخان ابومحمد اسمعيل بن القاسم بن ابى بكر

القارئ سماعا وابو عبدالله الفراوى اجازة قالا انا عبد الغافر الفارسى قال انا

بشر بن احمد الاسفرائنى قال ثنا ابوسليمان داود بن الحسين البيهقى ثنا يحيى بن

يحيى ثنا ابوعوانة عن بكير بن الاخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض

الله عزوجل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر اربعا وفى السفر ركعتين وفى الخوف

ركعة . رواه مسلم عن يحيى فوافقناه بعلو . وقرأت على الشيخة الاصيلة مؤنسة خاتون

بنت الملك العادل سيف الدين ابى بكر بن ايوب اجازة اخبرتك ام هانئ عفيفة

بنت احمد بن عبد الله ا لفارقانية اجازة انا ابوطاهر عبدالواحد بن الصباغ قال

انا ابونعيم الحافظ قال انا ابن الصواف قال انا بشر بن موسى ثنا محمد بن سعيد

يعنى ابن الاصبهانى ثنا شريك وابووكيع عن زبيد عن عبدالرحمن بن ابى ليلى

عن عمر قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان وصلاة العيد ركعتان تمام

غير قصر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابووكيع على لسان نبيكم صلى الله

عليه وسلم . وروينا عن الطبرانى ثنا محمد بن سهل الرباطى ثنا سهل بن عثمان

ـ200ـ

ثنا شريك عن قيس بن وهب عن ابى الكنود قال سألت ابن عمر عن صلاة

السفر فقال ركعتان نزلت من السماء فان شئتم فردوها . واما قول الحربى فبعيد

غير انه قد قيل ان الصلاة قبل فرضها كانت كذلك وسيأتى . قال ابوعمر وقد

اجمع المسلمون ان فرض الصلاة في الحضر اربعا الا المغرب والصبح لا يعرفون

غير ذلك عملا ونقلا مستفيضا ولا يضرهم الاختلاف فيما كان اصل فرضها اذ

لا خلاف بينهم فيما آل اليه امرها واستقر عليه حالها ، واما الصلاة طرفى النهار

فروينا عن ابن الصواف بالسند المذكور آنفا ثنا ابراهيم بن اسحق الضبى ثنا محمد

ابن ابان عن ابى اسحق عن عمارة بن رويبة الثقفى قال سمع اذناى ووعى قلبى من

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وجبت له الجنة

ومن ذلك قوله تعالى ( وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار )  

 

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق