الخميس، 17 أكتوبر 2024

ج8. https://dorar.net/history?&page=8

 https://dorar.net/history?&page=8

ج7.

ج6. https://dorar.net/history?&page=6

 https://dorar.net/history?&page=6

ج5.نُزولُ آيةِ الحِجابِ . العام الهجري : 5 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي

 

نُزولُ آيةِ الحِجابِ . العام الهجري : 5 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 627 هـ

--------------

تفاصيل الحدث: وكان سببُ نُزولِها أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كان يَقولُ لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: لو أَمرتَ نِساءَك أن يَحْتَجِبْنَ، فإنَّه يُكلِّمُهُنَّ البَرُّ والفاجرُ، فنزَل قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ... إلى قوله تعالى:..وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ". غَزوةُ يَهودِ بني قُرَيْظَةَ . العام الهجري : 5 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: وقعَت هذه الغَزوةُ بعدَ غَزوةِ الأحزابِ مُباشرةً، وكان سببُها نقضَ بني قُريظةَ العهدَ الذي بينهم وبين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بتَحريضٍ مِن حُيَيِّ بنِ أَخطبَ النَّضْريِّ. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَرسلَ الزُّبيرَ لِمعرفةِ نِيَّتِهم، ثمَّ أَتبَعهُ بالسَّعدَيْنِ سَعدِ بنِ عُبادةَ وسَعدِ بنِ مُعاذٍ- وابنِ رَواحةَ، وخَوَّاتِ بنِ جُبيرٍ لِذاتِ الهدفِ ليَتأكَّدَ مِن غَدرِهم. وقد أمَر الله تعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، بقِتالِهم بعدَ عَودتِه مِنَ الخَندقِ ووَضْعِهِ السِّلاحَ، فأَوْصى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أصحابَهُ أن يَتوجَّهوا إلى بني قُريظةَ، وقال لهم: (لا يُصَلِّيَنَّ أَحدُكم العَصرَ إلَّا في بني قُريظةَ). كما في رِوايةِ البُخاريِّ، أو (الظُّهرَ) كما في رِوايةِ مُسلمٍ. فضرَب الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم الحِصارَ على بني قُريظةَ لمُدَّةِ خمسٍ وعِشرين ليلةً على الأرجحِ، حتَّى نزلوا على حُكمِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فأَحَبَّ أن يَكِلَ الحُكمَ عليهم إلى واحدٍ مِن رُؤساءِ الأَوْسِ؛ لأنَّهم كانوا حُلفاءَ بني قُريظةَ، فجعل الحُكمَ فيهم إلى سعدِ بنِ مُعاذٍ، فلمَّا دَنا مِنَ المسلمين قال الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم للأنصارِ: قوموا إلى سَيِّدِكُم -أو خَيرِكُم- ثمَّ قال: إنَّ هؤلاءِ نزلوا على حُكمِك. قال -أي سعدُ بنُ مُعاذٍ-: تُقْتَلُ مُقاتِلَتُهم، وتُسْبى ذَرارِيُّهُم، وتُقْسَمُ أَموالُهم. فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: قَضيتَ بحُكمِ الله تعالى. ونَفَّذَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الحُكمَ فيهم، وكانوا أَربعمائةٍ على الأرجحِ. ولم يَنْجُ إلَّا بعضُهم، ثمَّ قَسَّمَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم أَموالَهم وذَراريَّهُم بين المسلمين. مَقتلُ سَلَّامِ بنِ أبي الحُقَيْقِ اليَهوديِّ . العام الهجري : 6 العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: هو أبو رافعٍ سَلَّامُ بنُ أبي الحُقَيْقِ شاعرٌ وفارسٌ يَهوديٌّ، أحدُ الذين حَزَّبوا الأحزابَ ضِدَ المسلمين في غزوةِ الأحزابِ، وأَعانَهُم بالمُؤَنِ والأَموالِ الكَثيرةِ، ولمَّا قتَل الله كعبَ بنَ الأشرفِ على يدِ رجالٍ مِنَ الأَوسِ بعدَ وقعةَ بدرٍ كان أبو رافعٍ سَلَّامُ بنُ أبي الحُقيقِ ممَّن أَلَّبَ الأحزابَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يُقتلْ مع بني قُريظةَ كما قُتِلَ صاحبُه حُيَيُّ بنُ أَخطبِ، رَغِبتِ الخَزرجُ في قتلِه طلبًا لِمُساواةِ الأَوسِ في الأَجرِ. وكان الله سُبحانه قد جعَل هذين الحَيَّيْنِ يَتَصاولانِ بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الخيراتِ، فاسْتأذَنوا رسولَ الله في قتلِه فأَذِن لهم، فعنِ البَراءِ بنِ عازبٍ قال: بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافعٍ اليَهوديِّ رِجالًا مِنَ الأنصارِ، فأَمَّرَ عليهم عبدَ الله بنَ عَتيكٍ، وكان أبو رافعٍ يُؤذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويُعينُ عليه، وكان في حِصنٍ له بأرضِ الحجازِ، فلمَّا دَنَوْا منه وقد غَربتِ الشَّمسُ، وراح النَّاسُ بِسَرْحِهِم، فقال عبدُ الله لأصحابِه: اجْلِسوا مَكانَكُم، فإنِّي مُنطلِقٌ، ومُتَلَطِّفٌ للبَوَّابِ، لَعلِّي أن أَدخُلَ، فأقبل حتَّى دَنا مِنَ البابِ، ثمَّ تَقَنَّعَ بِثَوبهِ كأنَّه يَقْضي حاجةً، وقد دخل النَّاسُ، فهتَف به البَوَّابُ: يا عبدَ الله، إن كُنتَ تُريدُ أن تَدخُلَ فادخُلْ، فإنِّي أُريدُ أن أُغلقَ البابَ، فدخلتُ فكَمَنْتُ، فلمَّا دخَل النَّاسُ أَغلقَ البابَ، ثمَّ عَلَّقَ الأَغاليقَ على وَتَدٍ، قال: فقمتُ إلى الأقاليدِ فأَخذتُها، ففتحتُ البابَ، وكان أبو رافعٍ يُسْمَرُ عنده، وكان في عَلالِيَّ له، فلمَّا ذهَب عنه أهلُ سَمَرِهِ صَعدتُ إليه، فجعلتُ كلمَّا فتحتُ بابًا أَغلقتُ عليَّ مِن داخلٍ، قلتُ: إن القومَ نَذِروا بي لم يَخْلُصوا إليَّ حتَّى أَقتُلَه، فانتهيتُ إليه، فإذا هو في بيتٍ مُظلمٍ وسطَ عِيالهِ، لا أَدري أين هو مِنَ البيتِ، فقلتُ: يا أبا رافعٍ، قال: مَن هذا؟ فأَهويتُ نحوَ الصَّوتِ فأَضرِبُه ضَربةً بالسَّيفِ وأنا دَهِشٌ، فما أَغنيتُ شيئًا، وصاح، فخرجتُ مِنَ البيتِ، فأَمكثُ غيرَ بَعيدٍ، ثمَّ دَخلتُ إليه، فقلتُ: ما هذا الصَّوتُ يا أبا رافعٍ؟ فقال: لِأُمِّكَ الوَيْلُ، إنَّ رجلًا في البيتِ ضَربَني قبلُ بالسَّيفِ. قال: فأَضرِبُه ضَربةً أَثْخَنَتْهُ ولم أَقتُلْه، ثمَّ وَضعتُ ظِبَةَ السَّيفِ في بَطنِه حتَّى أخَذ في ظَهرهِ، فعَرفتُ أنِّي قَتلتُه، فَجعلتُ أَفتحُ الأبوابَ بابًا بابًا، حتَّى انْتهَيتُ إلى دَرجةٍ له، فوَضعتُ رِجلي، وأنا أَرى أنِّي قد انْتهَيتُ إلى الأرضِ، فوقعتُ في ليلةٍ مُقْمِرَةٍ، فانكَسرتْ ساقي، فعَصَبْتُها بِعِمامةٍ، ثمَّ انطَلقتُ حتَّى جَلستُ على البابِ، فقلتُ: لا أخرجُ اللَّيلةَ حتَّى أَعلمَ: أَقتلتُه؟ فلمَّا صاح الدِّيكُ قام النَّاعي على السُّورِ فقال: أَنْعى أبا رافعٍ تاجرَ أهلِ الحِجازِ. فانطَلقتُ إلى أصحابي، فقلتُ: النَّجاءَ، فقد قتَل الله أبا رافعٍ، فانتهَيتُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فحَدَّثتُه، فقال: «ابْسُطْ رِجْلَكَ». فبَسطتُ رِجلي فمسَحها فكأنَّها لم أَشْتَكِها قَطُّ. غَزوةُ ذي قَرَدٍ . العام الهجري : 6 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: أَغار عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ -في بني عبدِ الله بنِ غَطَفانَ- على لِقاحِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم التي بالغابةِ، فاسْتاقَها وقتَل راعيَها، وهو رجلٌ مِن غِفارٍ، وأخذوا امْرأتَهُ، فكان أوَّلَ مَن نذَر بهم سَلمةُ بنُ عَمرِو بنِ الأَكْوَعِ الأَسلميُّ رضي الله عنه، يقول سَلمةُ: خَرجتُ قبلَ أن يُؤذَّنَ بالأولى، وكانت لِقاحُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَرعى بِذي قَرَدٍ، قال: فلَقِيَني غُلامٌ لِعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ فقال: أُخِذَتْ لِقاحُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقُلتُ: مَن أخَذها؟ قال: غَطَفانُ. قال: فصَرختُ ثلاثَ صَرخاتٍ، يا صَباحاهُ. قال: فأَسمَعتُ ما بين لابَتَيِ المدينةِ، ثمَّ اندَفعتُ على وجهي حتَّى أدركتُهم بِذي قَرَدٍ، وقد أخَذوا يَسقون مِنَ الماءِ، فجَعلتُ أَرميهِم بِنَبْلي، وكنتُ راميًا، وأقولُ: أنا ابنُ الأكوعِ... واليومُ يومُ الرُّضَّعِ، فأَرتَجِز حتَّى اسْتنقَذتُ اللِّقاحَ منهم، واسْتلَبتُ منهم ثلاثين بُردةً، قال: وجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والنَّاسُ، فقلتُ: يا نَبيَّ الله، إنِّي قد حَمَيْتُ القومَ الماءَ وهُم عِطاشٌ، فابعثْ إليهم السَّاعةَ. فقال: «يا ابنَ الأَكوعِ مَلَكْتَ فأَسْجِحْ». ثمَّ قال: «إنَّهم الآنَ ليُقْرَوْنَ في غَطَفانَ». وذهَب الصَّريخُ بالمدينةِ إلى بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، فَجاءتِ الأَمدادُ ولم تَزلْ الخيلُ تأتي، والرِّجالُ على أَقدامِهم وعلى الإبلِ حتَّى انْتَهَوْا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بِذي قَرَدٍ. وبلغ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ماءً يُقالُ له: ذو قَرَدٍ. فنحَر لِقْحَةً ممَّا اسْتَرجَع، وأقام هناك يومًا وليلةً، ثمَّ رجَع إلى المدينةِ. وقُتِلَ في هذه الغَزوةِ الأَخْرَمُ، وهو مُحْرِزُ بنُ نَضْلَةَ رضي الله عنه، قتَلهُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عُيينةَ، وتَحوَّل على فَرسِه، فحمَل عليه أبو قَتادةَ فقَتلهُ، واسْتَرجَع الفَرسَ، وكانت لِمحمودِ بنِ مَسلمةَ، وأَقبلتِ المرأةُ المَأسورةُ على ناقةٍ لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد نَذرتْ: إنِ الله أَنجاها عليها لَتَنْحَرَنَّها، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بِئسَ ما جَزَتْها، لا نذرَ لابنِ آدمَ فيما لا يَملِك، ولا في مَعصيةٍ. وأخَذ ناقتَهُ. وقد رَوى مُسلمٌ في صَحيحِه عن سَلمةَ بنِ الأَكوعِ في هذه القِصَّةِ قال: فرجَعنا إلى المدينةِ، فلم نَلبثْ إلَّا ثلاثَ ليالٍ، حتَّى خرَجنا إلى خَيبرَ. سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى القرطاء . العام الهجري : 6 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَعَثَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحمَّدَ بن مَسلَمةَ رَضي اللهُ عنه في ثلاثين راكِبًا إلى القُرْطاءِ -بينها وبين المدينةِ سَبعُ ليالٍ-، وهم بَطنٌ من بني بَكرٍ، واسمُه: عُبَيدُ بنُ كِلابٍ. فخَرَج محمدُ بنُ مَسلَمةَ رَضي اللهُ عنه وأصحابُه فسار اللَّيلَ واستَتَر النَّهارَ، فلمَّا أغار عليهم هَرَب سائِرُهم بعد أن قَتَل نَفَرًا منهم، واستاقَ المسلمون نَعَمًا وشاءً، وقَدِموا المدينةَ لِلَيلةٍ بَقيَت من المُحرَّمِ ومعهم ثُمامةُ بنُ أُثالٍ الحَنفيُّ سيِّدُ بني حَنيفةَ، كان قد خَرَج مُتنَكِّرًا لاغتيالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمرِ مُسيلِمةَ الكَذَّابِ، فأخَذَه المسلمون، فلمَّا جاؤوا به رَبَطوه بساريةٍ من سَواري المَسجِدِ، فخَرَج إليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "ما عِندَكَ يا ثُمامةُ؟" فقال: عِندي خَيرٌ يا مُحمَّدُ، إنْ تَقتُلْ تَقتُلْ ذا دَمٍ، وإنْ تُنعِمْ تُنعِمْ على شاكِرٍ، وإنْ كُنتَ تُريدُ المالَ فسَلْ تُعطَ منه ما شِئتَ، فتَرَكَه. ثم مرَّ به مرَّةً أُخرَى، فقالَ له مِثلَ ذلك، فرَدَّ عليه كما ردَّ عليه أولًا، ثم مرَّ مرَّةً ثالِثةً فقال بعدما دار بينهما الكَلامُ السَّابِقُ: "أطلِقوا ثُمامةَ"، فأطلَقوه، فذَهَب إلى نَخلٍ قَريبٍ من المسجِدِ، فاغتَسَل، ثم جاءه فأسلَمَ، وقال: "واللهِ ما كان على وَجهِ الأرضِ وَجهٌ أبغَضَ إليَّ من وَجهِك، فقد أصبَحَ وَجهُك أحبَّ الوُجوهِ إليّ، وواللهِ ما كان على وَجهِ الأرضِ دينٌ أبغَضَ إلَيَّ من دِينِك، فقد أصبَحَ دينُك أحَبَّ الأديانِ إليَّ، وإنَّ خَيلَك أخذَتْني وأنا أُريدُ العُمرةَ، فبَشَّرَه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَره أن يَعتَمِرَ؛ فلمَّا قَدِم على قُرَيشٍ قالوا: صَبَأتَ يا ثُمامةُ، قال: لا واللهِ، ولكنِّي أسلَمتُ مع مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا واللهِ لا يأتيكُم من اليَمامةِ حَبَّةُ حِنطةٍ حتى يأذنَ فيها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم". وكانت يَمامةُ ريفُ مكةَ؛ فانصَرَف إلى بلادِه، ومَنَع الحَمْلَ إلى مكةَ، حتى جَهِدَت قُريشٌ، وكَتَبوا إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألونه بأرحامِهِم أن يَكتُبَ إلى ثُمامةَ يُخلِّي إليهِم حَمْلَ الطَّعامِ؛ ففَعَل رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. سرية عُكَّاشة بن مِحصَن رضي الله عنه إلى الغَمر (ماء بني أسد) . العام الهجري : 6 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُكَّاشةَ بنَ مِحصَنٍ رَضي اللهُ عنه إلى الغَمْرِ -ماءٍ لبني أسَدٍ- في أربعين رَجلًا، فيهم: ثابِتُ بنُ أقرَمَ، وشُجاعُ بنُ وَهبٍ؛ فخَرَج سَريعًا ونَذِرَ به القَومُ فهَرَبوا فنَزَلوا عَلياءَ بلادِهِم، ووَجَد ديارَهم خُلوفًا -أي: أهلُها غائِبون-، فبَعَث شُجاعَ بنَ وَهبٍ طَليعةً؛ فرَأى أثَرَ النَّعَمِ، فتَحمَّلوا فأصابوا مَن دَلَّهم على بَعضِ ماشيَتِهِم، فأمَّنوه، فدَلَّهم على نَعَمٍ لبني عمٍّ له، فأغاروا عليها، فاستاقوا مِائتَي بَعيرٍ؛ فأرسَلوا الرَّجلَ، وساقوا النَّعَمَ إلى المدينةِ، وقَدِموا على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يَلقَوا كَيدًا. سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى بني ثعلبة وبني عوال بذي القَصَّةِ . العام الهجري : 6 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحمَّدَ بنَ مَسلَمةَ رَضي اللهُ عنه، ومعه عَشَرةُ نَفَرٍ إلى بني ثَعلَبةَ من غَطَفانَ وبني عَوالٍ من ثَعلَبةَ، وهم بذي القَصَّةِ، فوَرَدوا عليهم ليلًا، فأحدَق به القومُ، وهم مئةُ رجلٍ، فتَرامَوا ساعةً من اللَّيلِ، ثم حَمَلتِ الأعرابُ عليهم بالرِّماحِ فقَتَلوهم جميعًا، ووَقَع محمدُ بنُ مَسلَمةَ جَريحًا، فضَرَبوا كعبَه فلم يتحرَّك فظَنُّوا مَوتَه، فجَرَّدوه من الثيابَ وانطَلَقوا، ومر بمُحمَّدٍ وأصحابِه رجلٌ من المسلمين فاستَرجَعَ، فلمَّا سَمِعه مُحمَّدٌ يَستَرجِعُ تَحرَّك له، فأخَذه وحَمَله إلى المدينةِ؛ فعند ذلك بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ في أربعين رجُلًا إلى مَصارِعِهم فلم يَجِدوا أحدًا، ووَجَدوا نَعَمًا وشاءً فانحدَروا بها إلى المَدينةِ. سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة . العام الهجري : 6 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: أرسل رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُبَيدةَ بنَ الجَرَّاحِ رَضي اللهُ عنه إلى ذي القَصَّةِ -موضِعٍ قريبٍ من المدينةِ- على إثرِ مَقتَلِ أصحابِ مُحمَّدِ بنِ مَسلمةَ رَضي اللهُ عنه في أربعين رجلًا من المسلمين حين صَلَّوُا المَغرِبَ، فسار إليهم مُشاةً حتى وافَوا ذي القَصَّةِ مع عَمايةِ الصُّبحِ -بقيَّةِ ظُلمةِ اللَّيلِ- فأغاروا عليهم، فأعجَزوهم هَرَبًا في الجبالِ، وأصابوا رجلًا فأسلم فتَرَكوه، وغَنِموا نَعَمًا من نَعَمِهِم فاستاقوه، ورِثَّةً -السَّقَطَ من مَتاعِ البَيتِ- من مَتاعِهم، وقَدِموا بذلك المدينةَ، فخَمَّسَه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقسَّم ما بَقيَ عليهم. وعند ابنِ سعدٍ في طَبَقاتِه: أنَّ سببَ بَعثِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا عُبيدةَ رَضي اللهُ عنه إلى ذي القَصَّةِ: هو ما بَلَغه مِن أنَّ بني مُحارِبِ بنِ خَصَفةَ، وثَعلبةَ وأنمارٍ -وهما من غَطَفانَ- أجمَعوا أن يُغيروا على سَرحِ المَدينةِ، وهو يَرعَى بهَيفا -موضِعٍ على سَبعةِ أميالٍ من المدينةِ-، فلَعلَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بَعَث أبا عُبيدةَ رَضي اللهُ عنه مرَّتَين إلى ذي القَصَّةِ، أو أن يَكونَ البَعثُ مرَّةً واحِدةً، ولكنْ له سَبَبانِ: الأخذُ بثَأرِ أصحابِ مُحمَّدِ بن مَسلَمةَ رَضي اللهُ عنه المَقتولين، ودَفْعُ مَن أراد الإغارةَ على سَرحِ المَدينةِ. سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الجموم (ماءٌ على طَريقِ مكةَ) . العام الهجري : 6 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زيدَ بنَ حارِثةَ رَضي اللهُ عنه إلى بني سُلَيمٍ؛ فسار حتى وَرَد الجَمومَ -وهو ماءٌ على طَريقِ مكةَ- ناحيةَ بَطنِ نَخلٍ عن يَسارِها، فأصابوا عليه امرَأةً من مُزَينةَ يقال لها: حَليمةُ، فدَلَّتهم على مَحَلَّةٍ من مَحالِّ بني سُلَيمٍ؛ فأصابوا في تلك المَحَلَّةِ نَعَمًا وشاءً وأسرى، فكان فيهم زوجُ حَليمةَ المُزنيَّةِ، فلمَّا قَفَل زيدُ بنُ حارِثةَ رَضي اللهُ عنه إلى المَدينةِ بما أصاب، وَهَب رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمُزَنيَّةِ نَفسَها وزَوجَها. غزوة بني لحيان (الذين غدروا يوم الرجيع) . العام الهجري : 6 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بنو لِحيانَ: هم الذين غدروا بخُبَيبِ بنِ عَديٍّ رَضي اللهُ عنه وأصحابِه يومَ الرَّجيعِ، ولمَّا كانت ديارُهم مُتوغِّلةً في بلاد الحِجازِ إلى حدودِ مكةَ، ولوُجودِ ثاراتٍ بين المسلمين من جهةٍ، وقُريشٍ والأعرابِ من جهة أُخرَى، رأى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ألَّا يَتوغَّلَ في البلادِ القريبةِ من العَدوِّ الأكبَرِ والرَّئيسيِّ قُريشٍ، فلمَّا تَخاذَلَتِ الأحزابُ، وانكَسَرَت عزائِمُهم، رأى أنَّ الوقتَ قد حان لغَزوِ بني لِحيانَ وأخذِ الثَّأرِ لأصحابِ الرَّجيعِ؛ فخَرَج إليهمُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طالِبًا بدِماءِ أصحابِه في مِائَتين من أصحابِه، ومعهم عِشرون فَرَسًا، واستَخلَف على المدينةِ عبدَ اللهِ بنَ أُمِّ مَكتومٍ رَضي اللهُ عنه، وأظهَر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه يُريدُ الشَّامَ ليُصيبَ بني لِحيانَ غِرَّةً، ثم أسرَع السَّيرَ حتى انتَهَى إلى وادي غُرانَ بين أمَجَّ -مَوضِعٍ بين مكةَ والمدينةِ- وعُسفانَ -قريةٍ بين مكةَ والمدينةِ-، وهي منازِلُ بني لِحيانَ، وفيها كان مُصابُ أصحابِه، فتَرَحَّم عليهم ودعا لهم. وسَمِعت به بنو لِحيانَ، فهَرَبوا واحتَمَوا في رؤوسِ الجِبالِ؛ فلم يَقدِر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أحدٍ منهم؛ فأقام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأرضِهم يَومًا أو يومَين، وبَعَث السَّرايا في كلِّ ناحيةٍ فلم يَقدِروا على أحدٍ. ثم سار رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه إلى عُسفانَ لتَسمَعَ به قُرَيشٌ فيُداخِلَهمُ الرُّعبُ، وليُريَهم من نَفسِه قُوَّةً؛ فبَعَث أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رَضي اللهُ عنه في عَشَرةِ فَوارِسَ إلى كُراعِ الغَميمِ -مَوضِعٍ بين مكةَ والمدينةَ-، ثم رَجَع أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضي اللهُ عنه ولم يَلْقَ أحدًا. سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى العيص . العام الهجري : 6 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَعَث رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زيدَ بنَ حارِثةَ رَضي اللهُ عنه في سَريَّةٍ في سبعين ومئةِ راكِبٍ إلى العيصِ -اسمِ مَوضِعٍ قُربَ المدينةِ على ساحِلِ البحرِ- بهَدفِ اعتِراضِ عيرٍ لقُريشٍ أقبلَت مِن الشامِ بقيادةِ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ، فأدرَكوها، فأخَذوها وما فيها، وأخَذوا يومئذٍ فِضَّةً كَثيرةً لصَفوانَ بنِ أُميَّةَ، وأسَروا ناسًا ممَّن كان في العيرِ، منهم: أبو العاصِ بنُ الرَّبيعِ، وقَدِموا بهم إلى المدينةِ. وكان أبو العاصِ من رجالِ مكة المعدودين تِجارةً ومالًا وأمانةً، وهو زوجُ زَينبَ بنتِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمُّه هالةُ بِنتُ خويلدٍ أُختِ خَديجةَ رَضي اللهُ عنها. فأتى أبو العاصِ زينبَ رَضي اللهُ عنها في اللَّيلِ، وكانت زينبُ هاجَرَت قَبلَه وتَرَكَته على شِركِه فاستَجارَ بها فأجارَته، وأجازَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جِوارَها. سرية زيد بن حارثة إلى بني ثعلبة بالطَّرف (ماء قرب المدينة) . العام الهجري : 6 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زيدَ بنَ حارِثةَ رَضي اللهُ عنه إلى الطَّرَفِ -هو ماءٌ على ستَّةٍ وثلاثين ميلًا من المدينةِ-، فخَرَج إلى بني ثَعلبةَ في خَمسةَ عَشَرَ رَجُلًا، فهَرَبتِ الأعرابُ وخافوا أن يكونَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سار إليهم، وأنَّ هؤلاءِ مُقدِّمةٌ؛ فأصابَ مِن نَعَمِهم عِشرين بَعيرًا، ورَجَع إلى المدينةِ، ولم يَلْقَ كيدًا، وغابَ أربَعَ لَيالٍ. وكان شِعارُهم: "أمِتْ أمِتْ". سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل . العام الهجري : 6 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: دعا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ رَضي اللهُ عنه، فقال له: "تَجهَّزْ؛ فإنِّي باعِثُك في سَريَّةٍ مِن يَومِك هذا، أو مِن الغَدِ إن شاءَ اللهُ تعالى"، فأصبَحَ عبدُ الرَّحمنِ فغَدا إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأقعَدَه بين يَدَيه وعمَّمَه بيَدِهِ، ثمَّ عَقَد له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللواءَ بيَدِه، أو أمرَ بلالًا يَدفَعُه إليه، ثم قال له: "خُذه باسمِ اللهِ وبَرَكَتِه"، ثم حَمِد الله تعالى، ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اغزُ باسمِ الله، وفي سَبيلِ الله، فقاتِل مَن كَفَر بالله! ولا تَغُلَّ -الغُلولُ: هو الخيانةُ في المَغنَمِ والسَّرِقةُ من الغَنيمةِ قَبْلَ القِسمةِ-، ولا تَغدِرْ، ولا تَقتُلْ وَليدًا"، ثم أمَرَه رسولُ الله أن يَسيرَ إلى بني كَلْبٍ بدُومةِ الجَندَلِ، فيَدعوَهم إلى الإسلامِ، وقال له: "إنِ استَجابوا لَكَ فتَزَوَّجِ ابنةَ مَلِكِهِم". فسار عبدُ الرَّحمنِ رَضي اللهُ عنه بأصحابِه وكانوا سَبعَمِئةِ رَجلٍ، حتى قَدِمَ دُومةَ الجَندَلِ؛ فمَكَث ثلاثةَ أيَّامٍ يَدعوهم إلى الإسلامِ؛ فلمَّا كان اليومُ الثالِثُ أسلَمَ رأسُهم ومَلِكُهمُ الأصبَغُ بنُ عَمرٍو الكَلبيُّ، وكان نَصرانيًّا، وأسلَمَ معه ناسٌ كَثيرٌ من قَومِه؛ فبَعَث عبدُ الرحمنِ رافِعَ بنَ مَكيثٍ بَشيرًا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخبِرُه بما فَتَح الله عليه وكَتَب له بذلك، وتزوَّجَ عبدُ الرحمنِ تُماضِرَ بِنتَ الأصبَغِ وقَدِمَ بها المدينةَ، فوَلَدَت له بعد ذلك أبا سَلَمةَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ. سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني فزارة بوادي القرى . العام الهجري : 6 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: كان بَطنُ فَزارةَ يُريدُ اغتيالَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فبَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَريَّةً على رَأسِها: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضي اللهُ عنه فأغار عليهم، وقَتَل وأسَر وسَبَى، وكان مِن شَياطينِهم أُمُّ قِرْفةَ التي جهَّزَت ثلاثين فارِسًا من أهلِ بَيتِها لاغتيالِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُتِلوا وسُبيَتِ ابنَتُها، ففَدَى بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ أُسارَى المسلمين في مكةَ. أخرج الإمامُ مسلمٌ في «صَحيحِه» عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضي اللهُ عنه قال: غَزَونا فَزارةَ، وعلينا أبو بَكرٍ؛ أمَّرَه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علينا؛ فلمَّا كان بيننا وبين الماءِ ساعةٌ أمَرَنا أبو بَكرٍ فعَرَّسنا ثم شنَّ الغارةَ، فوَرَدَ الماء، فقَتَل مَن قَتَل عليه، وسَبَى، وأنظُرُ إلى عُنُقٍ من النَّاسِ، فيهِمُ الذَّراري فخَشيتُ أن يَسبِقوني إلى الجبلِ، فرَمَيتُ بسهمٍ بينهم وبين الجبلِ. فلمَّا رَأوُا السَّهمَ وَقَفوا، فجِئتُ بهم أسوقُهم. وفيهمُ امرَأةٌ من بني فَزارةَ عليها قَشْعٌ من أدَمٍ -أي: ثَوبٌ من الجِلدِ-، معها ابنةٌ من أحسَنِ العَرَبِ، فسُقتُهم حتى أتيتُ بهم أبا بَكرٍ، فنَفَلَني أبو بكرٍ ابنَتَها. فقَدِمنا المدينةَ، وما كَشَفتُ لها ثَوبًا، فلَقيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّوقِ، فقال: "يا سَلَمةُ، هَبْ لي المَرأةَ". فقلتُ: "يا رسولَ الله، والله لقد أعجَبَتني، وما كَشَفتُ لها ثَوبًا"، ثم لَقيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الغَدِ في السُّوقِ، فقال لي: "يا سَلَمةُ، هَبْ لي المَرأةَ للهِ أبوكَ!" فقلتُ: هي لك يا رسولَ الله، فوالله ما كَشَفتُ لها ثَوبًا. فبَعَث بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أهلِ مكةَ، ففَدَى بها ناسًا من المسلمين، كانوا أُسِروا بمكةَ. سرية كُرز بن جابر الفهري إلى العرنيين . العام الهجري : 6 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: في هذا العام كانت سَريَّةُ كُرْزِ بنِ جابِرٍ الفِهريِّ إلى العُرَنيِّين، الذين قَتَلوا راعيَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واستاقوا النَّعَمَ؛ فبَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في آثارِهِم كُرْزَ بنَ جابِرٍ رَضي اللهُ عنه في عِشرين فارِسًا. عن أنس رَضي اللهُ عنه: أنَّ رهطًا من عُكلٍ وعُرَينةَ أتَوا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: إنَّا أُناسٌ من أهل ضَرعٍ، ولم نَكُن أهلَ ريفٍ، فاستَوخَمنا المَدينةَ -لم يُوافِقهم جَوُّها- فأمَر لهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذَودٍ -إبلٍ- وراعٍ، وأمَرَهم أن يَخرُجوا فيها فيَشرَبوا من أبوالِها وألبانِها؛ فانطَلَقوا حتى إذا كانوا في ناحيةِ الحَرَّةِ قَتَلوا راعيَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستاقوا الذَّودَ، وكَفَروا بعد إسلامِهِم؛ فبَعَث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في طَلَبِهم، فأمر فقَطَع أيديَهم وأرجُلَهم وسَمَرَ أعيُنَهم -كَحَلَها بمَساميرَ مَحميَّةٍ-، وتَرَكَهم في ناحيةِ الحَرَّةِ حتى ماتوا وهم كذلك. وإنَّما سَمَرَ أعينهم لأنهم سمروا أعين الرعاء. بَيعةُ الرِّضْوانِ . العام الهجري : 6 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ عَقْدِ صُلحِ الحُديبيةِ بعَث خِراشَ بنَ أُميَّةَ الخُزاعيَّ إلى مكَّةَ، وحمَلهُ على جَملٍ له يُقالُ له: الثَّعلبُ. فلمَّا دخَل مكَّةَ عَقَرَتْ به قُريشٌ وأرادوا قَتْلَ خِراشٍ فمنَعهُم الأَحابيشُ (هم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة) حتَّى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فدَعا عُمَرَ لِيَبعثَهُ إلى مكَّةَ، فقال: يا رسولَ الله إنِّي أَخافُ قُريشًا على نَفْسي، وليس بها مِن بني عَدِيٍّ أحدٌ يَمنعُني، وقد عَرفتْ قُريشٌ عَداوتي إيَّاها وغِلْظَتي عليها؛ ولكنْ أَدلُّك على رجلٍ هو أَعزُّ مِنِّي عُثمانَ بنِ عفَّانَ. فدَعاهُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبعَثهُ إلى قُريشٍ يُخبِرُهم أنَّه لم يأتِ لحربٍ، وأنَّه جاء زائرًا لهذا البيتِ مُعَظِّمًا لِحُرمَتِه، فخرج عُثمانُ حتَّى أتى مكَّةَ ولَقِيَهُ أَبانُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ، فنزَل عن دَابَّتِه وحمَله بين يَديه ورَدِف خلفَه وأَجارهُ حتَّى بلَّغَ رِسالةَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فانطلق عُثمانُ حتَّى أتى أبا سُفيانَ وعُظماءَ قُريشٍ فبَلَّغهُم عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما أَرسلهُ به، فقالوا لِعُثمانَ: إن شِئتَ أن تَطوفَ بالبيتِ فَطُفْ به. فقال: ما كنتُ لأفعلَ حتَّى يَطوفَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فاحْتبسَتهُ قُريشٌ عندها، فبلَغ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين أنَّ عُثمانَ قد قُتِلَ).قال ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما:كانت بَيعةُ الرِّضوانِ بعدَ ما ذهَب عُثمانُ إلى مكَّةَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِه اليُمنى: «هذه يدُ عُثمانَ». فضرَب بها على يدِه، فقال: «هذه لِعُثمانَ». وقال جابرُ بنُ عبدِ الله: كُنَّا يومَ الحُديبيةِ ألفًا وأربعَ مائةٍ، فبايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعُمَرُ آخِذٌ بيدِه تحت الشَّجرةِ، وهي سَمُرَةٌ. وقال لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليومَ خيرُ أهلِ الأرضِ». ثم قال جابرٌ: لو كنتُ أُبصِرُ لأَرَيْتُكُم مَوضِعَ الشَّجرةِ. وعن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ قال: لقد رَأيتُني يومَ الشَّجرةِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبايِعُ النَّاسَ، وأنا رافعٌ غُصنًا مِن أَغصانِها عن رَأسِه، ونحن أربعَ عشرةَ مائةً. وقدِ اخْتلفتِ الرِّواياتُ في عَددِهم، فقال ابنُ حَجَرٍ: (والجمعُ بين هذا الاختلافِ أنَّهم كانوا أكثرَ مِن ألفٍ وأربعمائةٍ، فمَن قال: ألفًا وخمسمائةٍ جبَر الكَسرَ، ومَن قال: ألفًا وأربعمائةٍ أَلغاهُ). صُلْحُ الحُدَيبيةِ . العام الهجري : 6 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: خرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومعه قُرابةُ ألفٍ وأربعمائةٍ مِن أصحابِه يُريدون العُمرةَ فلمَّا وصلوا إلى الحُديبيةِ - وهي تَبعُد عن مكَّةَ قُرابةَ 22 كم - وَصلَهُ الخبرُ أنَّ هناك مَن يُريدُ أن يُقاتِلَهُ، فقال: إنَّه لم يَجِئْ لقِتالٍ؛ بل جاء مُعتمِرًا. وأَرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُثمانَ بنَ عفَّانَ إلى مكَّةَ لِيُخبِرَهم بذلك، ثمَّ شاع الخبرُ أنَّ عُثمانَ قُتِلَ، فأمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّحابةَ رضي الله عنهم أن يُبايِعوه على القِتالِ، فبايَعوهُ وهي بَيعةُ الرِّضوانِ، ثمَّ جاء المشركون إلى الحُديبيةِ وحَصَلت عِدَّةُ مُفاوضاتٍ بين رُؤساءٍ مِنَ المشركين وبين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حتَّى جاء سُهيلُ بنُ عَمرٍو فصالَحهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على أن تُوضَعَ الحربُ عشرَ سنين يأمنُ فيها النَّاسُ، ويَكُفُّ بعضُهم عن بعضٍ، وعلى أنَّ مَن أتى رسولَ الله مِن أصحابِه مِن غيرِ إذنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ رسولُ الله عليهم، ومَن أتى قُريشًا مِن أصحابِه لم يَردُّوه، وأنَّ بينهم عَيْبَةً مَكفوفَةً، أي: لا غِشَّ فيها، وأنَّه لا إسْلالَ -يعني لا سَرِقةَ- ولا إغْلالَ -يعني لا خِيانةَ- وأن يَرجِعَ في عامِه هذا دون أن يَدخُلَ مكَّةَ وله ذلك في العامِ القابلِ، يَدخلُها ثلاثةَ أيَّامٍ معه سِلاحُ الرَّاكبِ لا يَدخلُها بغيرِ السُّيوف في القُرُبِ... ثمَّ أمَر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه أن يَنحَروا ويَحلِقوا؛ ولكنَّهم لم يفعلوا حتَّى أَشارت عليه أمُّ سَلمةَ رضي الله عنها أن يَقومَ هو بذلك دون أن يُكلِّمَ أحدًا فلمَّا رَأَوْهُ نَحَرَ تَواثَبوا إلى الهَدْيِ وفعلوا مِثلَ ما فعَل, ثم عاد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دون عُمرةٍ ودون قِتالٍ. غَزوةُ خَيبرَ . العام الهجري : 7 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: اختلَف أهلُ السِّيَرِ في وقتِها على قولين، فقِيلَ: في السَّنةِ السَّابعةِ. وهو قولُ ابنِ إسحاقَ وغيرِه، وقِيلَ: في السَّنةِ السَّادسةِ. وهو قولُ مالكٍ وغيرِه. قال ابنُ القَيِّمِ: والجُمهورُ على أنَّها في السَّابعةِ. وقال ابنُ حَجَرٍ: وهذه الأقوالُ مُتقاربةٌ، والرَّاجحُ منها ما ذكَرهُ ابنُ إسحاقَ، ويُمكنُ الجمعُ بينهما بأنَّ مَن أطلق سَنَةَ سِتٍّ بِناءً على أنَّ ابتداءَ السَّنةِ مِن شهرِ الهِجرةِ الحقيقيِّ وهو ربيعٌ الأوَّلُ. عن أنسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم غَزا خَيبرَ، قال: فصلَّينا عندها صلاةَ الغَداةِ بِغَلَسٍ، فرَكِبَ نَبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورَكِبَ أبو طلحةَ، وأنا رَديفُ أبي طلحةَ، فأَجرى نَبيُّ الله صلى الله عليه وسلم في زُقاقِ خَيبرَ، وإنَّ رُكبتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، وانْحسَر الإزارُ عن فَخِذِ نَبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فإنِّي لأَرى بَياضَ فَخِذِ نَبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا دخَل القريةَ قال: «الله أكبرُ خَرِبتْ خَيبرُ، إنَّا إذا نزَلنا بِساحةِ قومٍ فَساءَ صباحُ المُنذَرين». قالها ثلاثَ مرَّاتٍ، قال: وقد خرَج القومُ إلى أعمالِهم، فقالوا: محمَّدٌ، والله -قال عبدُ العَزيزِ: وقال بعضُ أصحابِنا: محمَّدٌ، والخَميسُ- قال: وأَصَبناها عَنْوَةً، وجُمِعَ السَّبْيُ، فجاءَهُ دِحْيَةُ فقال: يا رسولَ الله، أَعطِني جاريةً مِنَ السَّبْيِ. فقال: «اذهَبْ فخُذْ جاريةً». فأخَذ صَفِيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ، فجاء رجلٌ إلى نَبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نَبيَّ الله، أَعطيتَ دِحيةَ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُريظةَ والنَّضيرِ! ما تَصلُحُ إلَّا لك، قال: «ادْعوهُ بها». قال: فجاء بها، فلمَّا نظَر إليها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، قال: «خُذْ جاريةً مِنَ السَّبْيِ غيرَها». قال: وأَعتقَها وتَزوَّجَها..." عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرَج إلى خَيبرَ، فجاءَها ليلًا، وكان إذا جاء قومًا بِليلٍ لا يُغيرُ عليهم حتَّى يُصبِحَ، فلمَّا أَصبح خرجَت يَهودُ بمَساحيهِم ومَكاتِلهِم، فلمَّا رَأَوْهُ قالوا: محمَّدٌ والله، محمد والخَميسُ. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الله أَكبرُ، خَرِبَتْ خَيبرُ إنَّا إذا نزلنا بِساحةِ قومٍ، فَساءَ صَباحُ المُنذَرين». وقد جعَل الله تعالى فتحَ خَيبرَ على يَدِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وعن عبدِ الله بنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما قال: أَعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيبرَ اليَهودَ: أن يَعمَلوها ويَزرَعوها، ولهم شَطْرُ ما يَخرُجُ منها". فأَبقاهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في أَرضِهم ولهم النِّصفُ. تَحريمُ لُحومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ومُتعةِ النِّساءِ يوم خيبر . العام الهجري : 7 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: في أثناءِ غَزوةِ خَيبرَ حَرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لُحومَ الحُمُرِ الأَهلِيَّةِ، وأَخبرَ أنَّها رِجْسٌ، وأمَر بالقُدورِ فأُلقِيتْ وهي تَفورُ بِلُحومِها، وأمَر بغَسلِ القُدورِ بعدُ، وأَحَلَّ حِينئذٍ لُحومَ الخَيْلِ وأَطعَمهُم إيَّاها, كما نَهى صلى الله عليه وسلم عن مُتعةِ النِّساءِ. هجرة أبي موسى الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم إلى المدينة مروراً بالحَبشةِ . العام الهجري : 7 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 628 تفاصيل الحدث: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: بلغَنا مَخرجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ونحن باليَمنِ، فخرَجْنا مُهاجرين إليه، أنا وأَخَوانِ لي أنا أَصغرُهم، أَحدُهما أبو بُردةَ، والآخرُ أبو رُهْمٍ -إمَّا قال: في بِضْعٍ، وإمَّا قال: في ثلاثةٍ وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلًا مِن قومي- فرَكِبْنا سَفينةً، فأَلقَتْنا سَفينتُنا إلى النَّجاشيِّ بالحَبشةِ، ووافَقْنا جَعفرَ بنَ أبي طالبٍ وأصحابَه عنده، فقال جَعفرٌ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعَثنا هاهنا، وأمَرنا بالإقامةِ، فأقيموا معنا. فأَقمنا معه حتَّى قَدِمنا جميعا، فوافَقْنا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حين افتَتَح خَيبرَ، فأَسهَم لنا -أو قال: فأعطانا منها- وما قَسَمَ لأحدٍ غاب عن فَتحِ خَيبرَ منها شيئًا، إلَّا لمن شَهِدَ معه، إلَّا أصحابَ سَفينتِنا مع جَعفرٍ وأصحابِه، قَسَمَ لهم معهم.

ج4.سرية سالم بن عمير رضي الله تعالى عنه إلى أبي عفك اليهودي

 

سرية سالم بن عمير رضي الله تعالى عنه إلى أبي عفك اليهودي .

  العام الهجري : 2 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: كانت سريَّةُ سالِمِ بنِ عُمَيرٍ رَضي اللهُ عنه إلى أبي عَفَكٍ اليَهوديِّ في شوَّالٍ على رأسِ عشرين شهرًا من مُهاجَرِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان أبو عَفَكٍ من بني عمرِو بن عوفٍ شَيخاً كبيرًا قد بلغ عشرين ومئةَ سنةٍ، وكان يَهوديًّا، عَظيمَ الكُفرِ، شديدَ الطَّعنِ على المسلمين، قد امتَلَأ قلبُه بالحقدِ والحسدِ للمسلمين، وهو يرى الْتِفافَ الأوسِ والخزرجِ على نُصرةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وازدادَ كيدُه بالإسلامِ وأهلِهِ بعد أنْ رَأى رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يزداد قوَّةً وتَمكينًا في المدينةِ وما حولَها بعد غزوةِ بدرٍ، فلم يُطِقْ لذلك صَبرًا، فأخذ يُنشِدُ الشِّعرَ يَهجو به رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُحرِّضُ على عداوَتِه، ويُسَفِّهُ رأيَ الأنصارِ لمُتابَعَتِهم رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومُناصَرَتِه. فقال سالِمُ بنُ عُمَيرٍ وهو أحدُ البَكَّائين -أي: في غَزوةِ تَبوكَ- ومِمَّن شَهِد بَدرًا: "عليَّ نَذرٌ أن أقتُلَ أبا عَفَكٍ أو أموتَ دُونَه"، فأمهَلَ يَطلُبُ له غِرَّةً، حتى كانت ليلةٌ صائِفةٌ، فنام أبو عَفَكٍ بالفِناءِ، وسَمِعَ به سالِمُ بنُ عُميرٍ، فأقبَلَ فوَضَعَ السَّيفَ على كَبِدِه، ثم اعتَمَدَ عليه حتى خَشَّ في الفراشِ، وصاح عدوُّ اللهِ، فثاب إليه ناسٌ مِمَّن هم على قَولِه، فأدخَلوه منزلَه وقَبَروه. وكان أبو عَفَكٍ مِمَّن نَجَم نِفاقُه حين قَتَلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحارِثَ بنُ سُويدِ بنِ الصَّامِتِ، وشَهِدَ سالِمٌ بَدرًا، وأُحدًا، والخَندَقَ، والمَشاهِدَ كُلَّها مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتوُفِّي في خِلافةِ مُعاويةَ بن أبي سُفيانَ رَضي اللهُ عنهما. غَزوةُ بني قَينُقاعٍ . العام الهجري : 2 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: ذكَر مُعظمُ أهلِ المَغازي والسِّيَرِ أنَّها وقعت بعدَ بدرٍ، ورجَّحهُ ابنُ حَجَرٍ، وقد كانت يومَ السَّبتِ للنِّصفِ مِن شَوَّالٍ. وخَبرُ إجلاءِ بني قَينُقاعٍ ثابتٌ في الصَّحيحينِ، فعنِ ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما قال: "حاربَتِ النَّضيرُ وقُرَيْظةُ، فأَجْلى بني النَّضيرِ، وأَقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَن عليهم، حتَّى حاربتْ قُرَيْظَةُ، فقَتَلَ رِجالَهم، وقَسَمَ نِساءَهُم وأَولادَهُم وأَموالَهُم بين المسلمين، إلَّا بعضَهُم لَحِقوا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فآمَنَهُم وأَسلَموا، وأَجْلى يَهودَ المدينةِ كُلَّهم: بني قَيْنُقاعٍ -وهُم رَهْطُ عبدِ الله بنِ سَلامٍ- ويَهودَ بني حارِثةَ، وكُلَّ يَهودِ المدينةِ" غزوة السويق أو غزوة بني سليم (قرقرة الكدر) . العام الهجري : 2 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: بعد هَزيمةِ المُشرِكين في بدْرٍ، نَذَر أبو سُفيانَ ألَّا يَمَسَّ رَأسَه ماءٌ من جَنابةٍ حتى يَغزوَ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه ويَنتقِمَ من المسلمين؛ فخَرَج في مِائتَي راكِبٍ من قُريشٍ، ليَبَرَّ بيَمينِه، ووَصَل إلى أطرافِ المَدينةِ لَيلًا، ولَجَأ إلى بني النَّضيرِ، فأتَى حُيَيَّ بنَ أخطَبَ، فضَرَب عليه بابِه، فأبَى أن يَفتَحَ له بابَه وخافَهُ؛ فانصَرَف عنه إلى سَلَّامِ بنِ مِشكَمٍ -وكان سيِّدَ بني النَّضيرِ في زَمانِه ذلك، وصاحِبُ كَنزِهِم- فاستَأذَنَ عليه؛ فأذِنَ له، فضيَّفَه وسَقاهُ خَمرًا، وأخبَرَه من أخبارِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم خَرَج أبو سُفيانَ في عَقِبِ لَيلَتِه حتى أتى أصحابَه، فبَعَث رجالًا من قُرَيشٍ، فأتَوا ناحيةً من المَدينةِ يُقالُ لها: العَريضُ -وادٍ بالمدينةِ-، فأشعَلوا النَّارَ في أشجارِ ونَخيلِ المُسلمين المُثمِرةِ، ووَجَدوا رجلًا من الأنصارِ وحَليفًا له في حَرثٍ لهما، فقَتَلوهما، ثمَّ وَلَّوا مُدبِرين. فبَلَغ ذلك رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخَرَج في أثَرِهِم يَطلُبُهم في مِائتَينِ من المُهاجِرين والأنصارِ، واستَعمَلَ على المدينةِ أبا لُبابةَ بَشيرَ بنَ عبدِ المُنذِرِ رَضي اللهُ عنه، فجَعَل أبو سُفيانَ وأصحابُه يُلْقون جِرَبَ -أوعيةَ- السَّويقِ -قَمحٍ أو شَعيرٍ يُقلَى ثمَّ يُطحَنُ، فيُتزَوَّدُ به، مَلْتوتًا بماءٍ أو سمنٍ أو عسلٍ-، وهي عامَّةُ أزوادِهِم، يتَخفَّفون منها للنَّجاءِ، حتى بَلغَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَرقَرةَ -القَرقَرُ: الأرضُ المُستَويةُ- الكَدْرِ -ماءٌ لبني سُلَيمٍ، وأصلُ الكُدْرِ: طَيرٌ في ألوانِها كُدْرةٌ، سُمِّيَ المَوضِعُ أو الماءُ به-، ثم انصَرَف راجِعًا إلى المدينةِ، وقد فاتَه أبو سُفيانَ وأصحابُه، وكانت غَيبةُ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خمسةَ أيَّامٍ، فقال المسلمون حينَ رَجَع بهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ الله، أتطمَعُ لنا أن تَكونَ غزوةً؟ قال: "نعم". وتُسمَّى هذه الغَزوةُ أيضًا بـ"غزوةِ السَّويقِ"؛ لأنَّ أكثَرَ ما طَرَح القَومُ مِن أزوادِهِمُ السَّويقُ، فرَجَع المسلمون بسَويقٍ كثيرٍ. وكان ذلك في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّانيةِ من الهجرةِ. مَقتَلُ كعبِ بنِ الأَشرفِ . العام الهجري : 3 العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: كعبُ بنُ الأَشرفِ رجلٌ مِن طَيِّءٍ وأمُّهُ مِن يَهودِ بني النَّضيرِ. كان شاعرًا يَهجو النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه ويُحرِّضُ عليهم ويُؤذيهِم، فلمَّا كانت وقعةُ بدرٍ كُبِتَ وذُلَّ وقال: بطنُ الأرضِ خيرٌ مِن ظَهرِها اليومَ. فخرج حتَّى قَدِمَ مكَّةَ فبَكى قَتلى قُريشٍ وحَرَّضهُم بالشِّعرِ، قال جابرُ بنُ عبدِ الله: قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن لِكعبِ بنِ الأَشرفِ؟ فإنَّه قد آذى الله ورسولَهُ». فقال محمَّدُ بنُ مَسلمةَ: يا رسولَ الله، أَتُحِبُّ أن أَقتُلَهُ؟ قال: «نعم». قال: ائْذَنْ لي فَلْأَقُلْ. قال: «قُلْ». فأَتاهُ فقال له، وذَكَر ما بينهما، وقال: إنَّ هذا الرَّجلَ قد أراد صَدقةً وقد عَنَّانا. فلمَّا سمِعَه قال: وأيضًا والله لَتَمَلُّنَّهُ. قال: إنَّا قد اتَّبعناهُ الآنَ، ونَكرهُ أن نَدعَهُ حتَّى ننظُرَ إلى أيِّ شيءٍ يَصيرُ أَمرُهُ. قال: وقد أردتُ أن تُسلِّفَني سَلفًا. قال: فما تَرْهَنُني؟ قال: ما تريدُ؟ قال: تَرهَنُني نِساءَكُم. قال: أنت أَجملُ العربِ، أَنَرهنُك نِساءَنا! قال له: تَرهَنُوني أولادَكُم. قال: يُسَبُّ ابنُ أَحدِنا، فيُقالُ: رُهِنَ في وَسَقَينِ مِن تمرٍ، ولكنْ نَرهَنُك اللَّأْمَةَ -يعني السِّلاحَ- قال: فنعم. وواعَدهُ أن يَأتِيَهُ بالحارثِ، وأبي عَبْسِ بنِ جَبْرٍ، وعبَّادِ بنِ بِشْرٍ، قال: فجاءوا فَدَعَوْهُ ليلًا فنزل إليهِم، قال سُفيانُ: قال غيرُ عَمرٍو: قالت له امرأتُه: إنِّي لأَسمَعُ صوتًا كأنَّه صوتُ دَمٍ. قال: إنَّما هذا محمَّدُ بنُ مَسلمةَ، ورَضيعُهُ، وأبو نائِلَةَ، إنَّ الكريمَ لو دُعِيَ إلى طَعنَةٍ ليلًا لأَجابَ. قال محمَّدٌ: إنِّي إذا جاء فسَوف أَمُدُّ يَدي إلى رأسِهِ، فإذا اسْتمكَنتُ منه فَدُونَكُم. قال: فلمَّا نزل نزل وهو مُتوَشِّحٌ، فقالوا: نَجِدُ منك ريحَ الطِّيبِ. قال: نعم تَحْتِي فُلانةُ هي أَعطرُ نِساءِ العربِ. قال: فتأذنُ لي أن أَشُمَّ منه، قال: نَعم فَشُمَّ. فتناوَل فَشَمَّ، ثمَّ قال: أَتأذنُ لي أن أَعودَ، قال: فاسْتمكَنَ مِن رأسِهِ، ثمَّ قال: دُونَكُم. قال: فقَتلوهُ". (....ثمَّ أَتَوْا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَخبَروهُ). غزوة غطفان إلى نجد (غزوة ذي أمرّ) . العام الهجري : 3 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: وهي غزوةُ ذي أمَرَّ بناحيةِ نَجدٍ. وسَبَبُها: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَلَغه أنَّ جَمعًا من بني ثَعلَبَة بنِ سَعيدِ بن ذُبْيانَ بن بَغيضٍ بنِ رَيثِ بن غَطَفانَ، وبني مُحارِبِ بن خَصَفةَ بن قَيسٍ بذي أمَرَّ قد تَجَمَّعوا يُريدون أن يُصيبوا مِن أطرافِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَمَعهم رجلٌ منهم يُقال له: دُعْثورُ بن الحارِثِ بن مُحارِبٍ، فنَدَب رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسلمين، وخرج في أربعِمِئةٍ وخَمسين، معهم عِدَّةُ أفراسٍ، واستَخلَف على المدينةِ عُثمانَ بنَ عفانَ، فأصابوا بالمدينةِ رجلًا منهم بذي القَصَّةِ يُقال له: جَبَّارٌ من بني ثَعلَبةَ، فقال له المسلمون: أين تُريد؟ فقال: أُريدُ يَثرِبَ لأرتاَد لنَفسي وأنظُرَ، فأُدخِلَ على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرَه مِن خَبَرِهم، قال: لن يُلاقوك ولو سَمِعوا بسَيرِك هَرَبوا في رؤوسِ الجبالِ وأنا سائِرٌ معك، فدعاه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الإسلامِ وأسلم، وضمَّه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى بلالٍ، فأخَذَ به جبَّارٌ طَريقًا، وهَبَط به عليهم، وسَمِع القومُ بمَسيرِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهَرَبوا في رؤوسِ الجِبالِ، فبَلَغ ماءً يقال له: ذو أمَرَّ، فعَسكرَ به، وأصاب رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه مطرٌ كثيرٌ، فابتَلَّت ثيابُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وثيابُ أصحابِهِ؛ فنزل رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تحتَ شجرةٍ ونَشَر ثيابَهُ لتَجِفَّ، واضطَجَع، وذلك بمَرأًى من المُشرِكين، واشتَغَل المسلمون في شؤونِهم. فبَعَث المشركون رَجلًا شُجاعًا منهم يقال له: دُعْثورُ بنُ الحارث، وكان سيِّدَها وأشجَعَها، ومعه سيفٌ متقلِّدٌ به، فبادَرَ دُعْثورٌ وأقبَلَ مُشتَمِلًا على السَّيفِ، حتى قام على رأسِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالسَّيفِ مشهورًا، فقال: يا مُحمَّدُ، مَن يَمنَعُك مِنِّي اليَومَ؟ فقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اللهُ". ودَفَع جِبريلُ في صدرِه، فوقَع السَّيفُ من يدِه؛ فأخَذه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال له: "مَن يَمنَعُك مِنِّي؟!" فقال: لا أحَدَ، وأنا أشهَدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ الله، والله لا أُكثِّرُ عليك جَمعًا أبدًا، فأعطاهُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سيفَه.ثم أتى قَومَه فقالوا: ما لك؟ وَيلَكَ! فقال: نَظرتُ إلى رجلٍ طَويلٍ، فدَفَع في صَدري، فوَقَعتُ لظَهري، فعَرَفتُ أنَّه مَلَك، وشَهِدتُ بأنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، واللهِ لا أُكثِّرُ عليه جَمعًا. وجَعَل يَدعو قومَه إلى الإسلامِ. وأنزل الله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [المائدة 11]. وعاد رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المدينةِ، ولم يَلْقَ كَيدًا، وكانت غَيبَتُه خمسَ عشرةَ ليلةً، وقيل: قام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنَجدٍ صَفَرَ كُلَّه. غزوة بحران بين الفُرْعِ والمدينة . العام الهجري : 3 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: غزا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُريدُ قُريشًا، واستَعمَلَ على المدينةِ عبدَ الله بنَ أُمِّ مَكتومٍ رَضي اللهُ عنه، حتى بَلَغ بُحرانَ مِن ناحيةِ الفُرْعِ. وسَبَبُها: أنَّه بَلَغَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ بها جَمعًا كثيرًا من بني سُلَيمِ بنِ مَنصورٍ؛ فخَرَج في ثَلاثِمئةِ رجلٍ من أصحابِه، ولم يُظهِر وَجهًا للسَّيرِ؛ حتى إذا كان دونَ بُحرانَ بليلةٍ لَقيَ رجلًا من بني سُلَيمٍ فأخبَرَهم أنَّ القَومَ افتَرَقوا فحَبَسَه مع رَجلٍ، وسار حتى وَرَد بُحرانَ وليس به أحدٌ، فأقام أيامًا ثم رَجَع ولم يَلْقَ كيدًا وأرسل الرَّجُلَ. ثم انصرف راجعًا إلى المدينةِ. سَرِيَّةُ زيدِ بنِ حارِثةَ . العام الهجري : 3 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 624 تفاصيل الحدث: أَصبحَ مُشرِكو مكَّةَ بعدَ هَزيمَتِهم في غَزوةِ بدرٍ، يَبحَثون عن طريقٍ أُخرى لِتِجارتِهم للشَّامِ، فأشارَ بعضُهم إلى طريقِ نَجْدِ العِراقِ، وقد سَلكوها بالفعلِ، وخرج منهم تُجَّارٌ، فيهم أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ، وصَفوانُ بنُ أُميَّةَ، وحُوَيْطِبُ بنُ عبدِ العُزَّى، ومعهم فِضَّةٌ وبضائعُ كثيرةٌ، بما قيمتُه مائةُ ألفِ دِرهمٍ؛ فبلغ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بواسطةِ سَليطِ بنِ النُّعمانِ رضي الله عنه، فبعَث زيدَ بنَ حارِثةَ في مائةِ راكبٍ لِاعتِراضِ القافلةِ، فلَقِيَها زيدٌ عند ماءٍ يُقالُ له: القَرَدَةُ، وهو ماءٌ مِن مِياهِ نَجْدٍ، فَفَرَّ رجالُها مَذعورين، وأصاب المسلمون العِيرَ وما عليها، وأَسَروا دَليلَها فُراتَ بنَ حيَّانَ الذي أَسلمَ بين يَدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعادوا إلى المدينةِ، فخَمَّسَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووَزَّعَ الباقيَ بين أَفرادِ السَّرِيَّةِ. غَزوةُ أُحُدٍ وسبب هزيمة المسلمين . العام الهجري : 3 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: كان سببُها أنَّ المشركين حين قُتِلَ مَن قُتِلَ مِن أَشرافِهِم يوْمَ بَدْرٍ، وسَلمَت العِيرُ بما فيها مِنَ التِّجارةِ التي كانت مع أبي سُفيانَ، فلمَّا رجع فَلُّهُم إلى مكَّةَ قال أبناءُ مَن قُتِلَ، ورُؤساءُ مَن بَقِيَ لأبي سُفيانَ: ارْصُدْ هذه الأموالَ لِقتالِ محمَّدٍ، فأَنفَقوها في ذلك، وجمعوا الجُموعَ والأَحابيشَ وأَقبلوا في قَريبٍ مِن ثلاثةِ آلافٍ، حتَّى نزلوا قريبًا مِن أُحُدٍ تِلْقاءَ المدينةِ، فصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ الجُمعةِ، فلمَّا فَرَغَ منها صلَّى على رجلٍ مِن بني النَّجَّارِ، يُقالُ له: مالكُ بنُ عَمرٍو، واسْتَشار النَّاسَ: أَيخرُجُ إليهِم، أمْ يَمكُثُ بالمدينةِ؟ فأشار عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ بالمقامِ بالمدينةِ، فإن أقاموا أقاموا بِشَرِّ مَحْبسٍ وإن دخلوها قاتلَهُم الرِّجالُ في وُجوهِهم، ورَماهم النِّساءُ والصِّبيانُ بالحِجارةِ مِن فوقِهم، وإن رجعوا رجعوا خائِبين. وأشار آخرون مِنَ الصَّحابةِ ممَّن لم يَشهدْ بدرًا بالخُروجِ إليهم، فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلَبِسَ لَأْمَتَهُ وخرج عليهم... فسار في ألفٍ مِن أصحابِهِ، فلمَّا كان بالشَّوطِ رجع عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ في ثُلُثِ الجيشِ مُغْضَبًا؛ لِكَونِه لم يُرجَعْ إلى قولِه، وقال هو وأصحابُه: لو نعلمُ اليومَ قِتالًا لاتَّبَعناكُم، ولكِنَّا لا نَراكُم تُقاتلون اليومَ. واستَمرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سائرًا حتَّى نزل الشِّعْبَ مِن أُحُدٍ في عَدْوَةِ الوادي. وجعل ظَهرَهُ وعَسكرَهُ إلى أُحُدٍ، وتَهيَّأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للقِتالِ وهو في سبعمائةٍ مِن أصحابِهِ، وأمَّرَ على الرُّماةِ عبدَ الله بنَ جُبَيْرٍ أخا بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، والرُّماةُ يَومئذٍ خمسون رجلًا. فقال: انْضَحْ الخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ، لا يَأتونا مِن خَلفِنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثْبُتْ مكانَك لا نُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ، وظاهَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين دِرعَينِ، وأَعطى اللِّواءَ مُصعبَ بنَ عُميرٍ أخا بني عبدِ الدَّارِ، وأجاز رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَ الغِلْمانَ يَومئذٍ وأَرجأَ آخرين، وتَعبَّأتْ قُريشٌ وهُم ثلاثةُ آلافٍ، ومعهم مائتا فَرَسٍ قد جَنَبُوها، فجعلوا على مَيْمَنةِ الخَيْلِ خالدَ بنَ الوليدِ، وعلى المَيسَرةِ عِكْرِمةَ بنَ أبي جَهْلٍ، ودفعوا إلى بني عبدِ الدَّارِ اللِّواءَ... ثمَّ كان بين الفَريقين ما كان، وكانت بَوادرُ النَّصرِ تَلوحُ لِصالحِ المسلمين، فلمَّا رَأى المسلمون تَقَهْقُرَ المشركين أَهملَ الرُّماةُ وَصِيَّةَ نَبِيِّهِم لهم ونزلوا يَحصُدون الغَنائمَ، فانْتهَز خالدُ بنُ الوليدِ الفُرصةَ فالْتَفَّ خَلفَهم وأَعملَ الحربَ فيهم، ممَّا أَدَّى لِقَلْبِ الموازينِ وانْجَلَتِ المعركةُ عن مَقْتَلِ سبعين رجلًا مِن المسلمين مِنهم حمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلبِ، ومُصعبُ بنُ عُميرٍ، وعبدُ الله بنُ حَرامٍ والدُ جابرٍ، وعبدُ الله بنُ جُبيرٍ أَميرُ الرُّماةِ.... اسْتِشهادُ حَمزةَ رضِي الله عنه في غَزوةِ أُحُدٍ . العام الهجري : 3 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: عن عُبيدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيارِ أنَّه سألَ وَحْشِيًّا قاتلَ حَمزةَ، ألا تُخبِرُنا بِقتلِ حَمزةَ؟ قال: نعم، إنَّ حَمزةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بنَ عَدِيِّ بنِ الخِيارِ ببَدرٍ، فقال لي مولايَ جُبيرُ بنُ مُطْعِمٍ: إن قَتلتَ حَمزةَ بِعَمِّي فأنت حُرٌّ، قال: فلمَّا أن خرج النَّاسُ عامَ عَيْنَيْنِ، وعَيْنَيْنُ جبلٌ بِحِيالِ أُحُدٍ، بينه وبينه وادٍ، خرجتُ مع النَّاسِ إلى القِتالِ، فلمَّا أن اصْطَفُّوا للقِتالِ، خرج سِباعٌ فقال: هل مِن مُبارِزٍ؟ قال: فخرج إليه حَمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلبِ، فقال: يا سِباعُ، يا ابنَ أُمِّ أَنْمارٍ مُقَطِّعَةِ البُظورِ، أَتُحادُّ الله ورسولَهُ صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثمَّ شَدَّ عليه، فكان كأَمسِ الذَّاهبِ، قال: وكَمَنْتُ لِحَمزةَ تحتَ صَخرةٍ، فلمَّا دَنا مِنِّي رَميتُهُ بِحَربَتي، فأضعُها في ثُنَّتِهِ حتَّى خَرجتْ مِن بين وَرِكَيْهِ، قال: فكان ذاك العهدُ به، فلمَّا رجع النَّاسُ رجعتُ معهم، فأَقمتُ بمكَّةَ حتَّى فَشا فيها الإسلامُ، ثمَّ خَرجتُ إلى الطَّائفِ، فأَرسلوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رسولًا، فقِيلَ لي: إنَّه لا يَهيجُ الرُّسُلَ. قال: فخَرجتُ معهم حتَّى قَدِمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآني قال: «آنت وَحْشِيٌّ؟». قلتُ: نعم. قال: «أنت قَتلتَ حَمزةَ؟». قلتُ: قد كان مِنَ الأمرِ ما بَلغكَ. قال: «فهل تَستَطيعُ أن تُغَيِّبَ وَجهَك عَنِّي» قال: فَخرجتُ فلمَّا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فخرج مُسَيْلِمَةُ الكذَّابُ، قلتُ: لأَخرُجَنَّ إلى مُسَيْلِمَةَ، لَعَلِّي أقتُلُه فأُكافِئَ به حَمزةَ، قال: فخرجتُ مع النَّاسِ، فكان مِن أَمرهِ ما كان، قال: فإذا رجلٌ قائمٌ في ثَلْمَةِ جِدارٍ، كأنَّهُ جَمَلٌ أَوْرقُ ثائِرُ الرَّأسِ، قال: فَرمَيْتُه بِحَربَتي، فأَضعُها بين ثَدييهِ حتَّى خَرجتْ مِن بين كَتِفَيْهِ، قال: ووثبَ إليه رجلٌ مِنَ الأنصارِ فضَربهُ بالسَّيفِ على هامَتِهِ. غَزوةُ حَمراءِ الأَسدِ . العام الهجري : 3 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: قال ابنُ كَثيرٍ في تَفسيرِ قولِه تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} هذا كان يومَ حَمراءِ الأسدِ، وذلك أنَّ المشركين لمَّا أصابوا ما أصابوا مِن المسلمين -أي يومَ أُحُدٍ-كَرُّوا راجِعين إلى بلادِهم، فلمَّا استَمرُّوا في سَيْرهِم تَنَدَّمُوا لِمَ لا تَمَّموا على أهلِ المدينةِ وجعلوها الفَيْصلةَ. فلمَّا بلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَدَبَ المسلمين إلى الذِّهابِ وراءَهُم ليُرْعِبَهم ويُرِيَهُم أنَّ بهِم قُوَّةً وجَلَدًا، ولم يأذنْ لأَحَدٍ سِوَى مَن حضر الوَقعةَ يومَ أُحُدٍ، سِوَى جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه فانْتدبَ المسلمون على ما بهِم مِنَ الجِراحِ والإثْخانِ طاعةً لله عزَّ وجلَّ ولِرسولِه صلى الله عليه وسلم. عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت في قولِه تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لِعُروةَ: يا ابنَ أُختي، كان أَبَواكَ منهم: الزُّبيرُ، وأبو بكرٍ، لمَّا أصابَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما أصابَ يومَ أُحُدٍ، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يَرجِعوا، قال: «مَن يَذهبُ في إثْرِهِم» فانْتدَبَ منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكرٍ، والزُّبيرُ". قال ابنُ كُثيرٍ عَقِبَ ذِكرِ هذا الحديثِ: (وهذا السِّياقُ غريبٌ جِدًّا، فإنَّ المشهورَ عند أصحابِ المغازي أنَّ الذين خرجوا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى حَمراءِ الأسدِ كُلُّ مَن شَهِدَ أُحُدًا، وكانوا سبعمائةٍ، قُتِلَ منهم سبعون، وبَقِيَ الباقون). والظَّاهرُ أنَّه لا تَخالُف بين قولي عائشةَ وأصحابِ المغازي؛ لأنَّ معنى قولِها: فانْتدَبَ لها سبعون. أنَّهم سبَقوا غيرَهُم، ثمَّ تلاحَق الباقون. وموقعُ حمراءِ الأسدِ على بُعْدِ ثمانيةِ أَميالٍ مِنَ المدينةِ. سرية عبد الله بن عبد الأسد رضي الله عنه إلى قطن . العام الهجري : 4 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: كانت سَريَّةُ أبي سَلَمةَ عبدِ الله بنِ عبدِ الأسَدِ، وهو ابنُ عمَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَرَّةَ بنتِ عبد المطلب، وأخوه من الرَّضاعةِ، أرضَعَتهما ثُوَيبةُ. وقَطَنٌ: هو جبلٌ، وقيل: ماءٌ مِن مياهِ بني أسَدٍ. وسَبَبُها: أن رجلًا مِن طيِّئٍ اسمُه الوليدُ بن زُهَيرِ بن طَريفٍ قَدِم المدينةَ زائرًا ابنةَ أخيه زَينَبَ، وكانت تَحتَ طُلَيبِ بنِ عُمَيرِ بن وَهبٍ، فأُخبِرَ أنَّ طُليحةَ وسَلَمةَ ابنَي خوَيلِدٍ تَرَكَهما قد سارا في قَومِهِما ومَن أطاعَهما لحَربِ رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنَهاهم قَيسُ بن الحارِثِ فعَصَوه؛ فلمَّا بَلَغ ذلك رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا أبا سَلَمةَ رضي اللَّه تعالى عنه وقال: "اخرُج في هذه السَّريَّةِ فقدِ استَعمَلتُكَ عليها". وعَقَد له لِواءً وقال: "سِر حتَّى تَرِدَ أرضَ بَني أسَدِ بنِ خُزَيمةَ، فأغِرْ عليهم قبلَ أن يَتلاقَى عليك جُموعُهم". وأوصاه بتقوى اللَّه تعالى وبمَن معه من المسلمين خيرًا. فخَرَج معه في تلك السَّريَّةِ خمسون ومئةُ رجلٍ، ومعه الرَّجلُ الطَّائيُّ دَليلًا، فأسرَعَ السَّيرَ وعَدَل بهم عن سَيفِ الطَّريقِ، وسار بهم ليلًا ونهارًا، فسَبَقوا الأخبارَ وانتَهَوا إلى ذي قَطَنٍ -ماءٍ من مياهِ بني أسَدٍ وهو الذي كان عليه جَمعُهم-، فأغاروا على سَرحٍ لهم، وأسَروا ثلاثةً من الرُّعاةِ وأفلَتَ سائِرُهم، فجاؤوا جَمْعَهم فأخبَروهم الخَبَرَ وحَذَّروهم جَمْعَ أبي سَلَمةَ، وكثَّروه عندهم، فتَفرَّق الجمعُ في كُلِّ وَجهٍ، ووَرَدَ أبو سَلَمةَ الماءَ، فوَجَد الجَمْعَ قد تَفرَّق. فعَسكَرَ وفرَّق أصحابَه في طَلَبِ النَّعَمِ والشَّاءِ؛ فجَعَلهم ثلاثَ فِرَقٍ: فِرقةٌ أقامت معه، وفِرقَتان أغارَتا في ناحيَتينِ شتَّى، وأوعَزَ إليهما ألا يُمعِنوا في الطلب، وألَّا يَبيتوا إلَّا عنده إن سَلِموا، وأمَرَهم ألَّا يَفتَرِقوا، واستَعمَل على كلِّ فِرقةٍ عامِلًا منهم فآبوا إليه جَميعًا سالِمين قد أصابوا إبِلًا وشاءً، ولم يَلْقَوا أحدًا، فانحَدَر أبو سَلَمةَ بذلك كُلِّه راجعًا إلى المدينةِ ورَجَع معه الطَّائيُّ. فلمَّا ساروا ليلةً قسَّمَ أبو سَلَمةَ الغنائِمَ، وأخرَجَ صَفيَّ رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عبدًا وأخرَجَ الخُمُسَ وأعطَى الطائيَّ الدليلَ رِضاهُ من المَغنَمِ، ثم قَسَّم ما بَقي بين أصحابِه فأصاب كلُّ إنسانٍ سبعةَ أبعِرةٍ، وقَدِم بذلك إلى المدينةِ ولم يَلْقَ كَيدًا. سرية عبد الله بن أنيس الجهني إلى سفيان بن خالد ببطن عُرْنة . العام الهجري : 4 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: خَرَج عبدُ اللَّه بنُ أُنيسٍ رَضي اللهُ عنه من المدينةِ يومَ الإثنَينِ لخمسٍ خَلَونَ من المُحرَّمِ على رأس خمسةٍ وثلاثين شهرًا من مُهاجَرِ رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَلَغَ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ سُفيانَ بنَ خالِدِ بن نُبَيحٍ الهُذليَّ ثم اللِّحيانيَّ -وكان يَنزِل عُرْنةَ وما والاها في أُناسٍ من قومِه وغيرِهم- يُريد أن يَجمَعَ الجُموعَ إلى رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضَوَى إليه بَشَرٌ كثيرٌ من أفناءِ الناسِ. قال عبدُ اللَّه بنُ أُنيسٍ رضي اللَّه تعالى عنه: دَعاني رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "إنَّه بَلَغني أنَّ سفيانَ بنَ خالدِ بنِ نُبَيحٍ يَجمَع لي الناسَ ليَغزوَني وهو بنَخلةَ أو بعُرْنةَ فأْتِه فاقْتُلْه". فقلتُ: يا رسول اللَّه، صِفْهُ لي حتى أعرِفَه. فقال: "آيةُ ما بَينَك وبَينَه أنَّك إذا رَأيتَه هِبتَه وفَرِقْتَ منه، ووَجَدْتَ له قُشَعْريرةً، وذَكَرْتَ الشَّيطانَ". قال عبد اللَّه: كنتُ لا أهابُ الرِّجالَ، فقلت: يا رسول اللَّه، ما فَرِقتُ من شيءٍ قطُّ. فقال: "بَلَى؛ آيةُ ما بَينَك وبَينَه ذلك: أن تَجِدَ له قُشَعْريرةً إذا رَأيتَه". قال: واستَأذَنتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أقولَ. فقال: "قُلْ ما بَدا لَكَ". وقال: "انتَسِبْ لخُزاعةَ". فأخَذتُ سَيفي ولم أزِدْ عليه وخرجتُ أعتَزي لخُزاعةَ حتى إذا كنتُ ببَطنِ عُرْنةَ لَقيتُه يمشي ووراءه الأحابيشُ. فلمَّا رَأيتُه هِبتُه وعَرَفتُه بالنَّعتِ الذي نَعَت لي رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقلتُ: صَدَقَ اللَّهُ ورسولُه، وقد دخل وقتُ العَصرِ حين رَأيتُه، فصَلَّيتُ وأنا أمشي أُومي برَأسي إيماءً. فلمَّا دَنَوتُ منه قال: "مَنِ الرَّجلُ؟". فقلتُ: "رجلٌ من خُزاعةَ سَمِعتُ بجَمعِكَ لمُحمَّدٍ فجِئتُكَ لأكونَ مَعَك عليه". قال: "أجلْ؛ إنِّي لَفي الجَمعِ له". فمَشَيتُ معه وحدَّثتُه فاستَحلَى حديثي وأنشَدتُه وقلتُ: "عَجَبًا لِمَا أحدَثَ مُحمَّدٌ مِن هذا الدِّينِ المُحدَثِ، فارَقَ الآباءَ وسَفَّه أحلامَهم". قال: "لم ألْقَ أحَدًا يُشبِهُني ولا يُحسِنُ قِتالَه". وهو يتوكَّأُ على عصًا يَهُدُّ الأرضَ، حتى انتَهَى إلى خِبائِه وتفرَّق عنه أصحابُه إلى منازِلَ قَريبةٍ منه، وهم يُطيفون به. فقال: هَلُمَّ يا أخا خُزاعةَ. فدَنَوتُ منه. فقال: اجلِسْ. فجَلَستُ معه حتى إذا هَدَأ الناسُ ونامَ اغتَرَرْتُه. وفي أكثرِ الرِّواياتِ أنه قال: فمَشَيتُ معه حتَّى إذا أمكَنني حَمَلتُ عليه السَّيفَ فقَتَلتُه وأخذتُ رأسَه. ثم أقبلتُ فصَعِدتُ جَبَلًا، فدَخَلتُ غارًا وأقبَلَ الطلبُ من الخيلِ والرجالِ تَمعَجُ في كلِّ وجهٍ وأنا مُكتَمِنٌ في الغارِ، وأقبل رجلٌ معه إداوَتُه ونعلُه في يدِهِ وكنتُ خائفًا، فوضع إداوَتَه ونعلَه وجلس يَبولُ قَريبًا من فَمِ الغارِ، ثم قال لأصحابِه: ليس في الغارِ أحدٌ، فانصَرَفوا راجِعين، وخرجتُ إلى الإداوةِ فشَرِبتُ ما فيها وأخذتُ النَّعلَين فلَبِستُهما. فكنتُ أسير الليلَ وأكمُنُ النهارَ حتى جِئتُ المدينة، فوَجَدتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المسجد، فلمَّا رآني قال: "أفلَحَ الوَجهُ". فقلت: وأفلَحَ وَجهُكَ يا رسول اللَّه". فوَضَعتُ الرَّأسَ بين يَدَيه وأخبَرتُه خَبَري، فدَفَع إليَّ عصًا وقال: "تَخَصَّرْ بِها في الجَنَّةِ؛ فإنَّ المُتخَصِّرين في الجَنَّةِ قَليلٌ". فكانتِ العصا عند عبدِ اللَّه بن أُنَيسٍ حتى إذا حضَرَته الوفاةُ أوصى أهلَه أن يُدرِجوا العصا في أكفانِه. ففَعَلوا ذلك. قال ابنُ عُقبةَ: "فيَزعُمون أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ بقتلِ عبدِ اللَّه بنِ أُنيسٍ سُفيانَ بنَ خالِدٍ قبلَ قُدومِ عبدِ اللَّه بنِ أُنَيسٍ رضي اللَّه تعالى عنه". سرية يَوم الرَّجيعِ . العام الهجري : 4 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: «بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عشرةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عينًا، وأَمَّرَ عليهم عاصمَ بنَ ثابتٍ الأَنصاريَّ، جَدَّ عاصمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخطاَّبِ، فانطلقوا حتَّى إذا كانوا بالهَدَأَةِ، وهو بين عُسْفانَ ومكَّةَ، ذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذيلٍ يُقالُ لهم: بنو لَحْيانَ، فنَفَروا لهم قريبًا مِن مائتي رجلٍ كُلُّهم رامٍ، فاقْتَصُّوا آثارَهُم حتَّى وجدوا مَأكلَهُم تمرًا تَزوَّدوهُ مِنَ المدينةِ، فقالوا: هذا تمرُ يَثْرِبَ. فاقْتَصُّوا آثارَهُم، فلمَّا رآهُم عاصمٌ وأصحابُه لَجَئُوا إلى فَدْفَدٍ وأحاط بهم القومُ، فقالوا لهم: انزلوا وأَعْطونا بِأَيديكُم، ولكم العهدُ والميثاقُ، ولا نقتُل منكم أحدًا، قال عاصمُ بنُ ثابتٍ أَميرُ السَّرِيَّةِ: أمَّا أنا فَوَالله لا أنزِلُ اليومَ في ذِمَّةِ كافرٍ، اللَّهمَّ أَخبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فرَمَوْهُم بالنَّبْلِ فقَتلوا عاصمًا في سَبعةٍ، فنزل إليهِم ثلاثةُ رَهْطٍ بالعهدِ والميثاقِ، منهم خُبَيْبٌ الأَنصاريُّ، وابنُ دَثِنَةَ، ورجلٌ آخرُ، فلمَّا اسْتمكَنوا منهم أطلقوا أَوتارَ قِسِيِّهِم فأَوثَقوهُم، فقال الرجلُ الثَّالثُ: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، والله لا أَصحَبُكُم، إنَّ لي في هؤلاءِ لِأُسْوَةً يُريدُ القَتلى، فجَرَّروهُ وعالَجوهُ على أن يَصحبَهُم فأَبى فقَتلوهُ، فانطلقوا بخُبَيْبٍ، وابنِ دَثِنَةَ حتَّى باعوهُما بمكَّةَ بعدَ وَقعةِ بدرٍ، فابتاع خُبَيْبًا بنو الحارثِ بنِ عامرِ بنِ نَوفلِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وكان خُبَيْبٌ هو قَتَلَ الحارثَ بنَ عامرٍ يومَ بدرٍ، فلَبِثَ خُبَيْبٌ عندهم أَسيرًا، فأخبرني عُبيدُ الله بنُ عِياضٍ، أنَّ بنتَ الحارثِ أخبرتْهُ: أنَّهم حين اجتمعوا اسْتَعار منها موسى يَسْتَحِدُّ بها، فأعارتْهُ، فأخذ ابنًا لي وأنا غافلةٌ حين أتاهُ قالت: فوجدتُه مُجْلِسَهُ على فَخِذِهِ والموسى بيدِه، ففَزِعْتُ فَزْعَةً عرَفها خُبَيْبٌ في وجهي، فقال: تَخْشَيْنَ أن أَقتُلَهُ؟ ما كنتُ لأَفعلَ ذلك. والله ما رأيتُ أَسيرًا قَطُّ خيرًا مِن خُبَيْبٍ، والله لقد وجدتُهُ يومًا يأكلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ في يدِه، وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحديدِ، وما بمكَّةَ مِن ثَمَرٍ، وكانت تقولُ: إنَّه لَرزقٌ مِنَ الله رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فلمَّا خرجوا مِنَ الحَرَمِ لِيقتُلوه في الحِلِّ، قال لهم خُبَيْبٌ: ذَروني أَركعُ رَكعتينِ. فتركوه، فركَع رَكعتينِ، ثمَّ قال: لولا أن تَظنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُها، اللَّهمَّ أَحْصِهم عددًا، ثمَّ ارْتَجز يقولُه: لا أُبالي حين أُقتَلُ مُسلمًا... على أيِّ شِقٍّ كان لله مَصرعي، وذلك في ذاتِ الإلهِ وإن يشأْ... يُبارِك على أَوصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ. فقتَله ابنُ الحارثِ، فكان خُبَيْبٌ هو سَنَّ الرَّكعتينِ لِكُلِّ امرئٍ مُسلمٍ قُتِلَ صَبرًا، فاستجاب الله لعاصمِ بنِ ثابتٍ يومَ أُصيبَ، فأَخبرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه خبرَهُم، وما أُصيبوا، وبعَث ناسٌ مِن كُفَّارِ قُريشٍ إلى عاصمٍ حين حُدِّثوا أنَّه قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بشيءٍ منه يُعرفُ، وكان قد قتَل رجلًا مِن عُظمائهِم يومَ بدرٍ، فبُعِثَ على عاصمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فحَمَتْهُ مِن رسولهِم، فلم يَقدِروا على أن يَقطعَ مِن لَحمِه شيئًا. سرية بِئر مَعونةَ . العام الهجري : 4 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: أنَّ رِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، وبني لَحْيانَ، اسْتمَدُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على عَدُوٍّ، فأَمدَّهُم بسبعين مِنَ الأنصارِ، كُنَّا نُسمِّيهم القُرَّاءَ في زمانِهم، كانوا يَحْتَطِبون بالنَّهارِ، ويُصلُّون باللَّيلِ، حتَّى كانوا ببِئرِ مَعونةَ قَتلوهُم وغَدَروا بهم، فبلَغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقَنَتَ شهرًا يَدعو في الصُّبحِ على أَحياءٍ مِن أَحياءِ العربِ، على رِعْلٍ، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، وبني لَحْيانَ. قال أنسٌ: فقَرأنا فيهم قُرآنًا، ثمَّ إنَّ ذلك رُفِعَ: بَلِّغوا عَنَّا قَومَنا أَنَّا لَقِينا رَبَّنا فَرَضِيَ عَنَّا وأَرضانا. وجاء في ِروايةٍ عند البُخاريِّ: أنَّ أولئك السَّبعين مِنَ الأنصارِ قُتِلوا ببِئرِ مَعونةَ. وعن أنسِ بنِ مالكٍ، قال: جاء ناسٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أَنِ ابْعَثْ معنا رجالًا يُعلِّمونا القُرآنَ والسُّنَّةَ، فبعَث إليهم سبعين رجلًا مِنَ الأنصارِ، يُقالُ لهم: القُرَّاءُ، فيهم خالي حَرامٌ، يَقرءون القُرآنَ، ويَتدارَسون باللَّيلِ يَتعلَّمون، وكانوا بالنَّهارِ يَجيئون بالماءِ فيضَعونَهُ في المسجدِ، ويَحْتَطِبون فَيَبيعونَهُ ويَشْتَرون به الطَّعامَ لأَهلِ الصُّفَّةِ وللفُقراءِ، فبعثَهُم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم، فعَرَضوا لهم فقَتَلوهُم قبلَ أن يَبلُغوا المكانَ، فقالوا: اللَّهمَّ، بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنا أَنَّا قد لَقِيناك فَرَضينا عنك، ورَضيتَ عَنَّا. قال: وأَتى رجلٌ حَرامًا -خالَ أنسٍ- مِن خَلفِه، فطَعنَهُ برُمحٍ حتَّى أَنْفَذَهُ، فقال حَرامٌ: فُزْتُ ورَبِّ الكعبةِ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: إنَّ إخوانَكُم قد قُتِلوا، وإنَّهم قالوا: اللَّهمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنا أَنَّا قد لَقِيناك فَرَضينا عنك، ورَضيت عَنَّا. غَزوةُ بني النَّضيرِ . العام الهجري : 4 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 625 تفاصيل الحدث: كان سببُها أنَّه لمَّا قُتِلَ أصحابُ بِئرِ مَعونةَ مِن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين، وأَفْلَتَ منهم عَمرُو بنُ أُميَّةَ الضَّمريُّ، فلمَّا كان في أَثناءِ الطَّريقِ راجعًا إلى المدينةِ قَتَلَ رجُلينِ مِن بني عامرٍ، وكان معهما عهدٌ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأَمانٌ لم يَعلَمْ به عَمرٌو، فلمَّا رجَع أَخبرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم... فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النَّضيرِ يَستَعينُهم في دِيَةِ ذَيْنِكَ الرَّجلينِ، وكانت مَنازِلُ بني النَّضيرِ ظاهِرَ المدينةِ على أَميالٍ منها شَرقِيَّها. قال محمَّدُ بنُ إسحاقَ بنِ يَسارٍ في كتابِه السِّيرة: ثمَّ خرج رسولُ الله إلى بني النَّضيرِ، يَستَعينُهم في دِيَةِ ذَيْنِكَ القَتيلَينِ مِن بني عامرٍ، اللَّذينِ قَتَلَ عَمرُو بنُ أُميَّةَ الضَّمريُّ؛ للجِوارِ الذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عقَد لهما.... فلمَّا أتاهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَستَعينُهم في دِيَةِ ذَيْنِكَ القَتيلينِ قالوا: نعم، يا أبا القاسمِ، نُعينُك على ما أَحببتَ، ممَّا اسْتعَنتَ بِنا عليه. ثمَّ خلا بعضُهم ببعضٍ فقالوا: إنَّكم لن تَجِدوا الرَّجلَ على مِثلِ حالِه هذه -ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى جَنبِ جِدارٍ مِن بُيوتِهم- فَمَن رجلٌ يَعلو على هذا البيتِ، فيُلقي عليه صَخرةً، فيُريحُنا منه؟ فانْتدَب لذلك عَمرُو بنُ جَحَّاشِ بنِ كعبٍ أحدُهم، فقال: أنا لذلك. فصعَدَ ليُلقِيَ عليه صَخرةً كما قال، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نَفَرٍ مِن أصحابِه، فيهم أبو بكرٍ وعُمَرُ وعليٌّ رضي الله عنهم. فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ مِن السَّماءِ بما أراد القومُ، فقام وخرج راجعًا إلى المدينةِ، فلمَّا اسْتَلْبَثَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أصحابُه قاموا في طَلبِه فلَقوا رجلًا مُقبِلًا مِنَ المدينةِ، فسألوهُ عنه، فقال: رأيتُه داخلًا المدينةَ. فأقبل أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى انتهوا إليه، فأخبرَهُم الخبرَ بما كانت يَهودُ أرادت مِنَ الغَدْرِ به، وأمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالتَّهَيُّؤِ لِحربِهم والمَسيرِ إليهم. ثمَّ سار حتَّى نزل بهم فتَحصَّنوا منه في الحُصون، فأمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقطعِ النَّخلِ والتَّحريقِ فيها. فنادوهُ: أن يا محمَّدُ، قد كنتَ تَنهى عن الفسادِ وتَعيبُه على مَن صنَعه، فما بالُ قطعِ النَّخلِ وتَحريقِها؟! وقد كان رَهْطٌ مِن بني عَوفِ بنِ الخَزرجِ، منهم عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ بن ابنُ سَلولَ، ووَديعَةُ، ومالكُ بنُ أبي قَوْقَلٍ، وسُوَيدٌ، وداعِسٌ، قد بعثوا إلى بني النَّضيرِ: أنِ اثْبُتوا وتَمَنَّعوا فإنَّا لن نُسْلِمَكُم، إن قوتِلْتُم قاتلنا معكم، وإن أُخرِجتُم خَرَجنا معكم فتَرَبَّصوا ذلك مِن نَصرِهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرُّعبَ، فسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجْلِيَهم ويَكُفَّ عن دِمائهِم، على أنَّ لهم ما حمَلتِ الإبلُ مِن أموالهِم، إلَّا الحَلَقَةَ، ففعَل، فاحتملوا مِن أموالهم ما اسْتقلَّتْ به الإبلُ، فكان الرَّجلُ منهم يَهدِم بيتَه عن نِجافِ بابِه، فيضَعُه على ظهرِ بَعيرهِ فينطلِقُ به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم مَن سار إلى الشَّامِ، وخَلَّوْا الأموالَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكانت لِرسولِ الله خاصَّةً)، وقد ثبَت في البُخاريِّ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قد أَجلى بني النَّضيرِ. وفيهم نزلت سورةُ الحَشْرِ. غزوة بدر الموعد (بدر الثانية) . العام الهجري : 4 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 626 تفاصيل الحدث: تُسمَّى هذه الغزوةُ ببدرٍ الآخِرةِ، وبَدرٍ الصُّغرى، وبدرٍ الثانيةِ، وبدرٍ المَوعِدِ؛ للمواعَدةِ عليها مع أبي سُفيانَ بنِ حربٍ يومَ أُحدٍ؛ وذلك أن أبا سفيان لمَّا انصَرَف منِ أُحدٍ نادى: "إنَّ مَوعِدَكم بَدرٌ، العامَ المُقبِلَ". فلمَّا كانتِ السَّنةُ الرابِعةُ من الهِجرةِ، خَرَج الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بألفٍ وخَمسِمئةٍ من أصحابِه إلى بدرٍ ومعه عَشَرةُ أفراسٍ، وحَمَل لِواءَه عليُّ بن أبي طالِبٍ رَضي اللهُ عنه، وذلك في انتِظارِ قُدومِ قُرَيشٍ حَسَبَ المَوعِدِ المُحدَّدِ منذ وَقعةِ أُحُدٍ مع أبي سُفيانَ زعيمِ قُريشٍ. وانتَظَرَ المسلمون ثمانيةَ أيَّامٍ دونَ أن تَقدَمَ قُرَيشٌ، وكان أبو سُفيانَ قد خَرَج بألفينِ ومعهم خمسون فرسًا، فلمَّا وَصَلوا مرَّ الظَّهرانِ على أربعينَ كَيلًا مِن مكةَ عادوا بحُجَّةِ أنَّ العامَ عامُ جَدبٍ، وكان لإخلافِهِمُ المَوعِدَ أثرٌ في تقويةِ مكانةِ المسلمين وإعادةِ هَيبَتِهم. وقد واصَلَ المسلمون إرسالَ سَراياهم إلى الأنحاءِ المُختَلِفةِ من نَجدٍ والحِجازِ لتَأديبِ الأعرابِ، فقاد أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ سَريَّةً إلى طيِّئٍ وأسَدٍ بنَجدٍ، فتَفَرَّقوا في الجبالِ دونَ أن يقعَ قتالٌ. وقاد الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَيشًا من ألفِ مُقاتِلٍ في شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ من سنةِ خَمسٍ باتِّجاهِ دُومةِ الجَندَلِ، وقد بَلَغه وُجودُ تَجمُّعٍ للمُشرِكين بها، ولكِنَّ الجَمعَ تفرَّق عندما عَلِموا بقُدومِ المسلمين الذين أقاموا أيَّامًا في المِنطَقةِ بَثُّوا خِلالَها السَّرايا، فلم يَلقَوا مُقاومةً ورَجَعوا إلى المدينةِ بعد أن وادَعَ في العَودةِ عُيينةَ بنَ حِصنٍ الفَزاريَّ. حادِثةُ الإفْكِ . العام الهجري : 5 العام الميلادي : 626 تفاصيل الحدث: لمَّا خرَج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بني المُصطلِقِ لِغَزوِهِم أَقرعَ بين نِسائِه مَن يَخرُج معه، فكانت القُرعَةُ على عائشةَ الطَّاهرةِ رضي الله عنها وأَرضاها، وفي طريقِ العَودةِ كانت تُحمَلُ على هَودجٍ، فقدَّرَ الله في ذلك اليومِ أن تكونَ خارجَ هَودَجِها لِتبحثَ عن عِقْدٍ سقَط منها، فلمَّا أرادوا الرَّحيلَ لم يَشعُروا بعدمِ وُجودِها ورَحلوا؛ فقد كانت صَغيرةً خَفيفةَ الوَزنِ، فلمَّا رجعت لم تَرَهُم. قالت عائشةُ رضِي الله عنها: (فتَيَمَّمْتُ مَنزلي الذي كنتُ فيه، وظَننتُ أنَّ القومَ سَيفْقِدوني فيَرجِعون إليَّ، فبينا أنا جالسةٌ في مَنزلي غَلبتْني عَيني فنِمْتُ، وكان صَفوانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلميُّ ثمَّ الذَّكْوانيُّ قد عَرَّسَ مِن وَراءِ الجيشِ فأَدْلَجَ، فأصبحَ عند مَنزلي فرَأى سَوادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني فعَرفَني حين رآني، وقد كان يَراني قبلَ أن يُضرَبَ الحِجابُ عَليَّ، فاسْتيقَظتُ بِاسْتِرجاعِه حين عَرفَني، فخَمَّرتُ وجهي بِجِلبابي، ووالله ما يُكلِّمُني كَلمةً، ولا سمِعتُ منه كَلمةً غيرَ اسْتِرجاعِه، حتَّى أناخ راحلتَه، فوَطِئَ على يَدِها فرَكِبتُها، فانطلق يَقود بي الرَّاحلةَ، حتَّى أَتينا الجيشَ، بعدما نزلوا مُوغِرين في نَحْرِ الظَّهيرةِ، فهلَك مَن هلَك في شأني، وكان الذي تَولَّى كِبْرَهُ عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ بن ابنُ سَلولَ،...) فاتَّهموها مع صَفوانَ وبدَأ هذا الإفكُ المُبينُ يَنتشِرُ في المدينةِ، وبَقِيتْ عائشةُ شهرًا لا تعلمُ شيئًا عن ذلك، حتَّى عَلِمتْ بذلك صَراحةً مِن أمِّ مِسْطَحٍ، وكُلُّ ذلك ولم تَتَبيَّنْ الحقيقةُ، ثمَّ نزلت آياتٌ تُتْلى إلى يومِ القيامةِ مِن قولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11] إلى قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] آياتٌ تُبرِّئُ الطَّاهرةَ المُطَهَّرةَ ممَّا افْتَراهُ المُفتَرون. غزوة دومة الجندل . العام الهجري : 5 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 626 تفاصيل الحدث: كانت غزوةُ دُومةِ الجَندلِ -موضِعٍ على طَرَفِ الشَّامِ بينها وبين دمشقَ خمسَ لَيالٍ، وبينها وبين المدينةِ خمسَ عشرةَ أو سِتَّ عشرةَ لَيلةً- في ربيعٍ الأوَّلِ من السَّنةِ الخامسةِ للهِجرةِ. وسَبَبُها: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَلَغه أنَّ بدُومةِ الجَندَلِ جَمعًا كثيرًا من القبائِلِ، وأنَّهم يَظلِمون مَن مرَّ بِهِم، ويَنهَبون ما معهم، وأنَّهم يُريدون أن يَدْنوا من المدينةِ لمُهاجَمَتِها؛ فنَدَب رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ، واستَخلَف على المدينةِ سِباعَ بنَ عُرفُطةَ الغِفاريَّ، وخَرَج رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ألفٍ مِن المسلمين، فكانوا يَسيرون اللَّيلَ، ويَكمُنون -يَستَتِرون- النَّهارَ، ومعه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دليلٌ له من بني عُذْرةَ يقال له: (مَذكورٌ)؛ فلمَّا دَنَوا من دُومةِ الجَندلِ، هَجَموا على ماشيَتِهِم ورُعاتِهم، فأصابوا ما أصابوا منهم، وهَرَب مَن هَرَب في كلِّ وَجهٍ؛ فلمَّا عَلِمَ أهلُ دُومةِ الجَندَلِ تَفرَّقوا، ونَزَل رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بساحَتِهِم فلم يَجِد بها أحدًا؛ فأقام بها أيامًا وبثَّ السَّرايا وفَرَّقَها، فرَجَعَت ولم تُصِب منهم أحدًا، وأُخِذ منهم رجلٌ؛ فسَأله رسولُ الله عنهم، فقال: هَرَبوا حين سَمِعوا أنَّك أخذْتَ نَعَمَهم؛ فعَرَض عليه الإسلامَ فأسلَمَ، ثم رَجَع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المَدينةِ، ولم يَلْقَ كَيدًا. غزوة بني المصطلق (المريسيع) . العام الهجري : 5 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: بَلَغ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن بني المُصطَلِقِ -وهم بَطنٌ من قَبيلةِ خُزاعةَ الأزديَّةِ اليَمانيَّةِ- يَجمَعون لقِتالِه، وقائِدُهمُ الحارِثُ بن أبي ضِرارٍ؛ فلمَّا سَمِع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهم خَرَج إليهم حتَّى لَقيَهم على ماءٍ لهم يُقال له: (المُرَيسيعُ)، ولذلك تُسَمَّى هذه الغَزوةُ أيضًا: بغَزوةِ المُرَيسيعِ. فتَزاحَفَ النَّاسُ واقتَتَلوا، فهَزَمَ اللهُ بني المُصطَلِقِ وقُتِلَ مَن قُتِلَ منهم، ونَفَلَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبناءَهم ونِساءَهم وأموالَهم فأفاءَهم عليه، وكان فيمَن سُبي جُوَيريةُ رَضي اللهُ عنها بنتُ الحارِثِ بنِ أبي ضِرارٍ سيِّدِ بني المُصطَلِقِ، التي تزوَّجَها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين جاءَته تَستَعينُه في كِتابَتِها، وجَعَل صَداقَها رَضي اللهُ عنها أربَعينَ أسيرًا مِن قَومِها، فأعتَقَ النَّاسُ ما بأيديهِم من الأسرَى؛ لمَكانِ جُويريةَ رَضي اللهُ عنها. وأثناءَ الرُّجوعِ من هذه الغَزوةِ تكلَّم أهلُ الإفكِ بما تَكَلَّموا به في حقِّ أُمِّ المؤمنين عائِشةَ رَضي اللهُ عنها، الصِّدِّيقةِ بنتِ الصِّدِّيقِ المُبَرَّأةِ من فَوقِ سَبعِ سمواتٍ. وفيها أيضًا قال ابنُ أبيٍّ ابنُ سَلولَ قَوْلَتَه: "لَئِن رَجَعنا إلى المَدينةِ ليُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ!"، فسَمِعَه زيدُ بن أرقَمَ، ونَزَلت سورةُ "المنافقون". غَزوةُ الخَندَقِ (الأَحزابِ) . العام الهجري : 5 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 627 تفاصيل الحدث: كان سببُ هذه الغَزوةِ هو إجلاءُ يَهودِ بني النَّضيرِ مِنَ المدينةِ؛ حيثُ إنَّ الحسدَ والحِقدَ قد تَمكَّنا مِن قُلوبهِم، ممَّا جعَلهم يُضمِرون العَداءَ ويَتَحَيَّنون الفُرصَ للتَّشفِّي ممَّن طَردَهم مِنَ المدينةِ وما حولها. ولمَّا لم يَستطِعْ يَهودُ خَيبرَ وخاصَّةً بني النَّضيرِ مَجابهةَ المسلمين لَجأوا إلى أُسلوبِ المكرِ والتَّحريشِ. وقد ذكَر ابنُ إسحاقَ بِسَندِهِ عن جماعةٍ: أنَّ الذين حَزَّبوا الأحزابَ نفرٌ مِنَ اليَهودِ، وكان منهم: سَلَّامُ بنُ أبي الحُقَيْقِ، وحُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ النَّضْريُّ، وكِنانةُ بنُ أبي الحُقَيْقِ النَّضْريُّ، وهَوْذَةُ بنُ قَيسٍ الوائليُّ، وأبو عَمَّارٍ الوائليُّ، في نَفرٍ مِن بني النَّضيرِ، فلمَّا قَدِموا على قُريشٍ، دَعَوْهُم إلى حربِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنَّا سَنَكون معكم عليه حتَّى نَسْتَأْصِلَهُ، فقالت لهم قُريشٌ: يا مَعشرَ يَهودَ، إنَّكم أهلُ الكتابِ الأوَّلِ والعِلْمِ بما أصبحنا نَختلِفُ فيه نحن ومحمَّدٌ، أَفَدينُنا خيرٌ أم دينُه، قالوا: بل دينُكم خيرٌ مِن دينِه، وأنتم أَولى بالحقِّ منه !!! واختلف العُلماءُ في زمنِ وُقوعِ هذه الغَزوةِ، فمال البُخاريُّ إلى قولِ موسى بنِ عُقبةَ: إنَّها كانت في شوَّالٍ سنةَ أَربعٍ، بينما ذَهبتْ الكثرةُ الكاثرةُ إلى أنَّها كانت في سنةِ خمسٍ، قال الذَّهبيُّ: وهو المقطوعُ به. وقال ابنُ القَيِّمِ: وهو الأصحُّ. قام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله عنهم بِحَفرِ خَندقٍ في المنطقةِ المكشوفةِ أمامَ الغُزاةِ، وذكَر ابنُ عُقبةَ: أنَّ حَفرَ الخندقِ استغرقَ قريبًا مِن عِشرين ليلةً. وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: خرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندقِ، فإذا المهاجرون والأنصارُ يَحفُرون في غَداةٍ باردةٍ، فلم يكنْ لهم عَبيدٌ يعملون ذلك لهم، فلمَّا رأى ما بهم مِنَ النَّصَبِ والجوعِ قال: اللَّهمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشَ الآخِرهْ، فاغْفِرْ للأنصارِ والمُهاجِرهْ، فقالوا مُجِيبينَ له: نحن الذين بايَعوا محمَّدًا... على الجِهادِ ما بَقِينا أبدًا. وعن البَراءِ رضي الله عنه قال: لمَّا كان يومُ الأحزابِ، وخَنْدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، رأيتُه يَنقُلُ مِن تُرابِ الخَندقِ، حتَّى وارى عَنِّي الغُبارُ جِلدةَ بَطنِه، وكان كَثيرَ الشَّعرِ، فسَمِعتُه يَرتجِزُ بِكلماتِ ابنِ رَواحةَ، وهو يَنقُلُ مِنَ التُّرابِ يقولُ: اللَّهمَّ لولا أنت ما اهْتَدَيْنا... ولا تَصدَّقْنا ولا صَلَّيْنا، فأَنْزِلَنْ سَكينةً علينا... وثَبِّتِ الأَقدامَ إن لاقَيْنا، إنَّ الأُلى قد بَغَوْا علينا... وإن أرادوا فِتنةً أَبَيْنا. قال: ثمَّ يَمُدُّ صوتَهُ بآخِرها. وعن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت في قوله تعالى: {إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} كان ذاك يومَ الخَندقِ. وعندما وصلتِ الأَحزابُ المدينةَ فوجِئوا بوُجودِ الخَندقِ، فقاموا بِعدَّةِ مُحاولاتٍ لاقْتِحامهِ، ولكنَّهم فَشلوا. واسْتمرَّ الحِصارُ أربعًا وعِشرين ليلةً. وثَقُلَ الأمرُ على قُريشٍ بسببِ الرِّيحِ التي أَكْفَأَتْ قُدورَهُم وخِيامَهُم، كما قام المسلمون بالتَّخْذيلِ بين اليَهودِ والمشركين، فأُرْغِموا على الرَّحيلِ وهَزمهُم الله تعالى، وكف شَرَّهُم عنِ المدينةِ.