عيون الاثر مجلد:1. ـ 1 ـ السيرة النبوية المسمى عيون الاثر ـ 3 ـ السيرة النبوية المسمى عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير لمحمد بن عبد الله بن يحي ابن سيد الناس/671 ه - 734 ه
المجلد الاول
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
تنفيذا للعهد الذي قطعته مؤسستنا على نفسها ، وانسجاما مع الخط
الذي رسمته لمسيرتها في خدمة لغة الضاد وقراء العربية ، وتحقيقا لغايتها في
العمل على نشر امهات الكتب والذخائر العربية والاسلامية ، وخدمة
التراث الانساني .
وتحقيقا لهذه الاهداف فقد رأينا العمل على اصدار كتاب السيرة
النبوية الجليلة المسمى عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير . لما
لهذا السفر النفيس من قيمة علمية وتاريخية واسلامية كبيرة ، تتضح جلية
ويبرز من خلالها الجهد المضني والبحث الدقيق الذي قدمه مؤلفه الامام
الحافظ ابوالفتح محمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن يحيى المعروف بابن
سيد الناس المتوفى سنة 734 ه .
ويتضمن هذا الكتاب بحثا دقيقا وشاملا لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مبينا
شمائله ونسبه ومولده ورضاعته ومعجزاته منذ الصغر مرورا بدقائق حياته في
طفولته وشبابه وزواجه ودعوته حتى وفاته .
كما يتضمن الكثير من اخباره ومغازيه وبعوثه . كما يتطرق الحديث
إلى ذكر اعمامه وازواجه واولاده وحليته وغيرها كثير مما ذكره العلماء .
وقد عمدنا إلى طبع هذا الكتاب بطريقة التصوير الطباعي -
ـ 6 ـ
الاوفست - حرصا على قيمة الكتاب العلمية وتحاشيا للتصحيف والتحريف
والاغلاط والتشويه ، وحرصا على روح الطبعة التي اخذناها عنها ، سيما وانها
نسخة محققة ومقابلة على عدة نسخ بواسطة المشاهير ذوي الباع الطويل في هذا
الحقل ومنهم السيدان المبارك والتنوخي .
هذا ولم نألو جهدا او نقصر في العمل على اخراجه بطباعة انيقة فاخرة
بحلة قشيبة ممتازة .
ولا نجد بدا من التنويه بما لهذه السيرة من مزايا على ما سبقها من
مؤلفات تبحث في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهي تعتبر من امهات السير
المعتمدة على وثيق الاخبار ، وفيها وفي مقدمتها وشهرتها ما يغني عن التعريف
بها .
واذ تفخر مؤسستنا بنشر هذا السفر النفيس فانها تعد لتقديم المزيد من
كتب التراث ونفائس الحضارة العربية والاسلامية ، وتعاهد القراء الكرام
على المثابرة وبوضع الجهد وا لامكانيات في العمل على اغناء المكتبة العربية
بالمزيد من النفائس والذخائر خدمة للتراث الانساني .
والله من وراء القصد
مؤسسة عز الدين
للطباعة والنشر
ـ 7 ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ـ 9 ـ
( ترجمة المؤلف )
قال ابن العماد في كتابه " شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج 6 ص
108 " : وفيها " أى سنة 734 " توفى فتح الدين أبوالفتح محمد بن محمد بن محمد
ابن عبدالله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعى الامام الحافظ اليعمرى
الاندلسى الاشبيلى المصرى المعروف بابن سيد الناس . قال ابن قاضى شهبة :
ولد في ذى القعدة - وقيل في ذى الحجة - سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة ،
وسمع الكثير من الجم الغفير ، وتفقه على مذهب الشافعى ، وأخذ علم الحديث
عن والده وابن دقيق العيد ، ولازمه سنين كثيرة وتخرج عليه وقرأ عليه أصول
الفقه ، وقرأ النحو على ابن النحاس ، وولى دار الحديث بجامع الصالح ، وخطب
بجامع الخندق . وصنف كتبا نفيسة : منها السيرة الكبرى سماها ( عيون الاثر )
في مجلدين ، واختصره في كراريس وسماه نور العيون ، وشرح قطعة من كتاب
الترمذى إلى كتاب الصلاة في مجلدين ، وصنف في منع بيع أمهات الاولاد مجلدا
ضخما يدل على علم كثير .
وذكره الذهبى في معجمه المختص وقال : أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه
المليح كثيرا ، وخرج وصنف وصحح وعلل وفرع وأصل وقال الشعر البديع ،
وكان حلو النادرة حسن المحاضرة جالسته وسمعت قراءته وأجاز لى مروياته . . . .
وقال ابن كثير : اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث
والفقة والنحو وعلم السير والتاريخ وغير ذلك ، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين .
ـ 10 ـ
وقد حرر وحبر واجاد وافاد ولم يسلم من بعض الانتقاد ، وله الشعر والنثر الفائق
وحسن التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة
السلفية والاقتداء بالاحاديث النبوية . . ، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ
الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار و الحكايات . . .
وقال ابن ناصر الدين : كان اماما حافظا عجيبا مصنفا بارعا شاعرا اديبا دخل
عليه واحد من الاخوان يوم السبت حادى عشر شعبان فقام لدخوله ثم سقط
من قامته فلقف ثلاث ومات من ساعته . ودفن بالقرافة عند ابن ابي جمرة
رحمهما الله تعالى . انتهى ما ذكره صاحب الشذرات باختصار بعضه .
وقال الحسينى " في ذيل تذكرة الحفاظ ص 16 " : ابن سيد الناس الامام
العلامة المفيد الاديب البارع المتقن فتح الدين ابوالفتح محمد بن الامام الحجة ابي عمرو
محمد ابن حافظ المغرب ابى بكر محمد بن احمد بن عبدالله بن سيد الناس الاندلسى
اليعمرى المصرى الشافعى . ولد سنة احدى وسبعين وستمائة . واجاز له النجيب عبد
اللطيف وجماعة ، وسمع من العز الحرانى وغازى الحلاوى وابن الانماطى وخلق ، وقدم
دمشق ليالى وفاة ابن البخارى فلم يدركه ، وسمع ابن المجاور ومحمد بن مؤمن والتقى
الواسطى وخلق ، قال الذهبى : هو احد ائمة هذا الشأن كتب بخطه المليح كثيرا وخرج
وصنف وعلل وفرع واصل وقال الشعر البديع وكان حلو النادرة كيس المحاضرة
جالسته وسمعت بقراءته واجاز لى مروياته . مات فجأة في حادى عشر شعبان سنة
اربع وثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرافة ، وكان اثريا في المعتقد يحب الله تعالى ورسوله .
وقال السيوطى " في ذيل طبقات الحفاظ ص 350 " : الامام العلامة المحدث
الحافظ الاديب البارع ابوالفتح محمد بن محمد بن محمد بن احمد بن عبدالله بن
محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن ابى القاسم بن محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز
ابن سيد الناس بن ابي الوليد بن منذر بن عبدالجبار بن سليمان اليعمرى الاندلسى
ـ 11 ـ
الاصل المصرى . ولد في ذى القعدة سنة احدى وسبعين وستمائة ، وسمع من غازى
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 11 سطر 1 الى ص 20 سطر 23
الاصل المصرى . ولد في ذى القعدة سنة احدى وسبعين وستمائة ، وسمع من غازى
والعز وخلائق نحو الالف ، ولازم ابن دقيق العيد وتخرج عليه واعاد عنده وكان
يحبه ويثنى عليه ، واخذ العربية عن البهاء بن النحاس وكتب الخط المغربى والمصرى
فأتقنهما ، وكان احد الاعلام الحفاظ اماما في الحديث ناقدا في الفن خبيرا بالرجال
والعلل والاسانيد عالما بالصحيح والسقيم له حظ من العربية . حسن التصنيف صحيح
العقيدة اديبا شاعرا بارعا متفننا في البلاغة ناظما ناثرا مترسلا ، ولى درس الحديث
بالظاهرية وغيرها . وصنف السيرة الكبرى والصغرى وشرح الترمذى لم يكمله فأتمه الحافظ
ابوالفضل العراقى . مات في شعبان سنة اربع وثلاثين وسبعمائة ولم يخلف في مجموعه مثله .
ـ 12 ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله محلى محاسن السنة المحمدية بدرر اخبارها . ومجلى ميامن السيرة
النبوية عن غرر آثارها . ومؤيد من اقتبس نور هدايته من مشكاة انوارها .
ومسدد من التمس عز حمايته من ازرق سنانها وابيض بتارها . ومسهل طريق الجنة
لمن اتبع مستقيم صراطها واهتدى بضياء منارها . ومذلل سبيل الهداية لمن اقتفى
سرائر سيرها وسير اسرارها . احمده على ما اولى من نعم قعد لسان الشكر عن
القيام بمقدارها . واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغنا من
ميادين القبول غاية مضمارها وتسوغنا من مشارع الرحمة اصفى مواردها واعذب
انهارها واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذى ابتعثه وقد طمت ( 1 ) بحار الكفر بتيارها
وطغت شياطين الضلال بعنادها واصرارها . وعتت طائفة الاوثان وعبدة الاصنام
على خالقها وجبارها . فقام بأمره حتى تجلت غياهب ظلمها عن سنا ابدارها . وجاهد
في الله حق جهاده حتى اسفر ليل جهلها عن صباح نهارها . صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه الذين حازت نفوسهم الابية من مراضيه غاية اوطارها . وفازت من سماع مقاله
ورواية احواله ورؤية جلاله بملء مسامعها وافواهها وابصارها . وسلم تسليما كثيرا . * ( هامش ) * ( 1 ) اى ارتفعت وزادت ( * )
ـ 13 ـ
وبعد فلما وقفت على ما جمعه الناس قديما وحديثا من المجاميع في سير النبى صلى
الله عليه وسلم ومغازيه وايامه إلى غير ذلك مما يتصل به . لم ار الا مطيلا مملا او
مقصرا باكثر المقاصد مخلا . والمطيل اما معتن بالاسماء والانساب . والاشعار
والآداب او آخر يأخذ كل مأخذ في جمع الطرق و الروايات . ويصرف إلى ذلك
ما تصل اليه القدرة من العنايات . والمقصر لا يعدو المنهج الواحد . ومع ذلك فلا
بد وان يترك كثيرا مما فيه من الفوائد ، وان كانوا رحمهم الله هم القدوة في ذلك .
ومما جمعوه يستمد من اراد ما هنالك . فليس لى في هذا المجموع الا حسن الاختيار
من كلامهم . والتبرك بالدخول في نظامهم . غير ان التصنيف يكون في عشرة
انواع كما ذكره بعض العلماء فأحدها جمع ا لمتفرقات وهو ما نحن فيه فانى ارجو ان
الناظر في كتابى هذا لا يجد ما ضمنته اياه في مكان ولا مكانين ولا ثلاثة ولا اكثر
من ذلك الا بزيادة كثيرة تتعب القاصد وتتعذر بها على اكثر الناس المقاصد
فاقتضى ذلك ان جمعت هذه الاوراق وضمنتها كثيرا مما انتهى إلى من نسب سيدنا
ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومولده . ورضاعه . وفصاله . واقامته في
بنى سعد . وما عرض له هنالك من شق الصدر وغيره . ومنشائه وكفالة ع بدالمطلب
جده اياه إلى ان مات . وانتقاله إلى كفالة عمه ابى طالب بعد ذلك . وسفره إلى
الشام . ورجوعه منه . وما وقع له في ذلك السفر من اظلال الغمامة اياه واخبار
الكهان والرهبان عن نبوته . وتزويجه خديجة عليها السلام . ومبدأ البعث والنبوة
ونزول الوحى . وذكر قوم من السابقين الاولين في الدخول في الاسلام . وما كان
من الهجرتين إلى ارض الحبشة ، وانشقاق القمر ، وما عرض له بمكة من الحصار
بالشعب . وامر الصحيفة وخروجه إلى الطائف . ورجوعه بعد ذلك إلى مكة وذكر
ـ 14 ـ
العقبة . وبدء اسلام الانضار . والاسراء . والمعراج . وفرض الصلاة واخبار الهجرة
إلى المدينة ودخوله عليه السلام المدينة . ونزوله حيث نزل . وبناء المسجد واتخاذ
المنبر . وحنين الجذع . ومغازيه وسيره وبعوثه . وما نزل من الوحى في ذلك . وعمره
وكتبه إلى الملوك . واسلام الوفود . وحجة الوداع . ووفاته صلى الله عليه وسلم وغير
ذلك . ثم اتبعت ذلك بذكر اعمامه وعماته وازواجه واولاده وحليته وشمائله وعبيده
وامائه ومواليه وخيله وسلاحه وما يتصل بذلك مما ذكره العلماء في ذلك على سبيل
الاختصار والايجاز سالكا في ذلك ما اقتضاه التاريخ من ايراد واقعة بعد اخرى
لا ما اقتضاه الترتيب من ضم الشئ إلى شكله ومثله حاشا ذكر ازواجه واولاده
عليه السلام فانى لم اسق ذكرهم على ما اقتضاه التاريخ بل دخل ذلك كله فيما اتبعت
به باب المغازى والسير من باب الحلى والشمائل ولم استثن من ذلك الا ذكر تزويجه
عليه السلام خديجة عليها السلام لما وقع في امرها من اعلام النبوة .
وقد اتحفت الناظر في هذا الكتاب من طرف الاشعار بما يقف الاختيار
عنده . ومن نتف الانساب بما لا يعدو التعريف حده ومن عوالى الاسانيد بما
يستعذب الناهل ورده . ويستنجح الناقل قصده . وارحته من الاطالة بتكرار
ما يتكرر منها وذلك انى عمدت إلى ما يتكرر النقل منه من كتب الاحاديث
والسنن و المصنفات على الابواب والمسانيد وكتب المغازى والسير وغير ذلك مما
يتكرر ذكره فاذكر ما اذكره من ذلك باسانيدهم إلى منتهى ما في مواضعه واذكر
اسانيدى إلى مصنفى تلك الكتب في مكان واحد عند انتهاء الغرض من هذا
المجموع . واما ما لا يتكرر النقل منه الا قليلا او ما لا يتكرر منه نقل فما حصل من
الفوائد الملتقطة والاجزاء المتفرقة فانى اذكر تلك الاسانيد عند ذكر ما اورده بها
ليحصل بذلك الغرض من الاختصار وذكر الاسانيد مع عدم التكرار . فاما
الانساب فمن ذكرته استوعبت نسبه إلى ان يصل إلى فخذه او بطنه المشهور
ـ 15 ـ
او ابعد من ذلك من شعبه او قبيلته بحسب ما يقتضيه الحال ان وجدته فان تكرر
ذكره لم ارفع في نسبه واكتفيت بما سلف من ذلك غير انى انبه على المكان
الذى سبق فيه نسبه مرفوعا بعلامة ارسمها بالحمرة فمن ذكر في السابقين الاولين
اعلمت له " 3 " و للمهاجرين الاولين إلى ارض الحبشة " ها " وللثانية " هب "
ولمهاجرة المدينة " ه " ولاهل العقبة الاولى " عا " والثانية " عب " و للمذكورين في
النقباء " ق " ولاهل العقبة الثالثة " عج " وللبدريين " ب " ولاهل احد " ا " .
وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن اسحق اذ هو العمدة في هذا الباب
لنا ولغيرنا غير انى قد اجد الخبر عنده مرسلا وهو عند غيره غير مسندا فاذكره من
حيث هو مسند ترجيحا لمحل الاسناد . وان كانت في مرسل ابن اسحق زيادة
اتبعته بها ولم اتتبع اسناد مراسيله وانما كتبت ذلك بحسب ما وقع لى ، وكثيرا
ما انقل عن الواقدى من طريق محمد بن سعد وغيره اخبارا ولعل كثيرا منها
لا يوجد عند غيره فالى محمد بن عمر انتهى علم ذلك ايضا في زمانه ، وان كان قد
وقع لاهل العلم كلام في محمد بن اسحق وكلام في محمد بن عمر الواقدى اشد منه
فسنذكر نبذة مما انتهى إلى من الكلام فيهما جرحا وتعديلا فاذا انتهى ما انقله
من ذلك اخذت في الاجوبة عن الجرح فصلا فصلا بحسب ما يقتضيه النظر ويؤدى
اليه الاجتهاد والله الموفق : فأما ابن اسحق فهو محمد بن اسحق بن يسار بن خيار
ويقال ابن يسار بن كوثان ( 1 ) المدينى مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ابو
بكر وقيل ابو عبدالله رأى انس بن ملك وسعيد بن المسيب وسمع القاسم بن محمد
ابن ابى بكر الصديق وابان بن عثمان بن عفان ومحمد بن على بن الحسن بن على بن
ابى طالب وابا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف و عبدالرحمن بن هرمز الاعرج ونافعا
مولى ابن عمر والزهرى وغيرهم ، وحدث عنه ائمة العلماء منهم يحيى بن سعيد الانصارى
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الكاف وثاء مثلثة وآخره نون ( * )
ـ 16 ـ
وسفيان الثورى وابن جريج وشعبة والحمادان وابراهيم بن سعد وشريك
ابن عبدالله النخعى وسفيان بن عيينة ومن بعدهم . ذكر ابن المدينى عن سفيان
ابن عيينة انه سمع ابن شهاب يقول لا يزال بالمدينة علم ما بقى هذا يعنى ابن اسحق
وروى ابن ابى ذئب عن الزهرى انه رآه مقبلا فقال لا يزال بالحجاز علم كثير
ما بقى هذا الاحول بين اظهرهم ، وقال ابن علية : سمعت شعبة يقول محمد
ابن اسحق صدوق في الحديث ، من رواية يونس بن بكير عن شعبة : محمد بن اسحق
امير المحدثين وقيل له لم قال لحفظه ، وقال ابن ابي خيثمة حدثنا ابن المنذر عن
ابن عيينة انه قال ما يقول اصحابك في محمد بن اسحق قال قلت يقولون انه كذاب
قال لا تقل ذلك قال ابن المدينى سمعت سفيان بن عيينة سئل عن محمد بن اسحق
فقيل له ولم يرو اهل المدينة عنه قال جالسته منذ بضع وسبعين سنة وما يتهمه احد
من اهل المدينة ولا يقولون فيه شيئا ، وسئل ابوزرعة عنه فقال من تكلم في محمد بن
اسحق هو صدوق . وقال ابوحاتم يكتب حديثه وقال ابن المدينى مدار حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة فذكرهم ثم قال وصار علم الستة عند اثنى
عشر احدهم ابن اسحق . وسئل ابن شهاب عن المغازى فقال هذا اعلم الناس بها
يعنى ابن اسحق . وقال الشافعى من اراد ان يتبحر في المغازى فهو عيال على
ابن اسحق ، وقال احمد بن زهير سألت يحيى بن معين عنه فقال قال عاصم بن عمر
ابن قتادة لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن اسحق ، وقال ابن ابي خيثمة حدثنا
هرون بن معروف قال سمعت ابا معوية يقول كان ابن اسحق من احفظ الناس
فكان اذا كان عند الرجل خمسة احاديث او اكثر جاء فاستودعها محمد بن اسحق
فقال احفظها على فان نسيتها كنت قد حفظتها على . وروى الخطيب باسناد له إلى
ابن نفيل ثنا عبدالله بن فائد قال كنا اذا جلسنا إلى محمد بن اسحق فأخذ في
ـ 17 ـ
فن من العلم قضى مجلسه في ذلك الفن . وقال ابوزرعة عبدالرحمن بن عمر والنصرى ( 1 ) .
محمد بن اسحق قد اجمع الكبراء من اهل العلم على الاخذ عنه منهم سفيان
وشعبة وابن عيينة والحمادان وابن المبارك وابراهيم بن سعد وروى عنه من
الاكابر يزيد بن ابى حبيب . وقد اختبره اهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا
مع مدحة ابن شهاب له . وقد ذاكرت دحيما قول ملك يعنى فيه فرأى ان ذلك
ليس للحديث انما هو لانه اتهمه بالقدر ، وقال ابراهيم بن يعقوب الجوزجانى الناس
يشتهون حديثه وكان يرمى بغير نوع من البدع . وقال ابن نمير كان يرمى بالقدر
وكان ابعد الناس منه ، وقال البخارى ينبغى ان يكون له الف حديث ينفرد بها
لا يشاركه فيها احد وقال على بن المدينى عن سفيان ما رأيت احدا يتهم محمد بن اسحق
وقال ابوسعيد الجعفى كان ابن ادريس معجبا بابن اسحق كثير الذكر له ينسبه
إلى العلم والمعرفة والحفظ ، وقال ابراهيم الحربى حدثنى مصعب قال كانوا يطعنون
عليه بشئ من غير جنس الحديث ، وقال يزيد بن هارون ولو سود احد في الحديث
لسود محمد بن اسحق . وقال شعبة فيه امير المؤمنين في الحديث . وروى يحيى بن
آدم ثنا ابوشهاب قال قال لى شعبة بن الحجاج عليك بالحجاج بن ارطاة ( 2 ) وبمحمد بن
اسحق ، وقال ابن علية قال شعبة اما محمد بن اسحق وجابر الجعفى فصدوقان وقال يعقوب
ابن شيبة سألت ابن المدينى كيف حديث محمد بن اسحق صحيح ؟ قال نعم
حديثه عندى صحيح قلت له فكلام مالك فيه قال لم يجالسه ولم يعرفه ثم قال على
ابن اسحق اى شئ حدث بالمدينة قلت له فهشام بن عروة قد تكلم فيه قال على
الذى قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها وسمعت عليا
يقول ان حديث محمد بن اسحق ليتبين فيه الصدق يروى مرة حدثنى ابوالزناد ومرة ذكر
* ( هامش ) * ( 1 ) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة .
( 2 ) في الاصل " ارطاط " وهو غلط ظاهر . ( * )
ـ 18 ـ
أبوالزناد وروى عن رجل عن من سمع منه يقول حدثنى سفيان بن سعيد عن سالم أبى
النضر عن عمر " صوم يوم عرفة " وهو من أروى الناس عن أبى النضر ويقول حدثنى الحسن
ابن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في " سلف وبيع " وهو من أروى الناس عن
عمرو بن شعيب وقال على لم أجد لابن إسحق الا حديثين منكرين نافع عن ابن
عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة " والزهرى عن عروة
عن زيد بن خالد " إذا مس أحدكم فرجه " هذين لم يروهما عن أحد والباقون يقول ذكر
فلان ولكن هذا فيه ثنا ، وقال مرة وقع إلى من حديثه شئ فما انكرت منه إلا أربعة
أحاديث ظننت ان بعضه منه وبعضه ليس منه ، وقال البخارى رأيت على بن المدينى
يحتج بحديثه وقال لى نظرت في كتابه فما وجدت عليه الا حديثين ويمكن ان يكونا
صحيحين ، وقال العجلى ثقة ، وروى المفضل بن غسان عن يحيى بن معين ثبت في
الحديث ، وقال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معين عنه في نفسك شئ من
صدقه قال لا هو صدوق . وروى ابن أبى خيثمة عن يحيى ليس به بأس وقال ابن
المدينى قلت لسفيان كان ابن إسحق جالس فاطمة بنت المنذر فقال أخبرنى أنها
حدثته وأنه دخل عليها ، فاطمة هذه هى زوج هشام بن عروة وكان هشام ينكر على
ابن إسحق روايته عنها ويقول لقد دخلت بها وهى بنت تسع سنين وما رآها
مخلوق حتى لحقت بالله ، وقال الاثرم سألت أحمد بن حنبل عنه فقال هو حسن الحديث .
ـ 19 ـ
( ذكر الكلام في محمد بن إسحق والطعن عليه )
روينا عن يعقوب بن شيبة قال سمعت محمد بن عبدالله بن نميرو ذكر ابن إسحق
فقال إذ حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتى
من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة ، وقال أبوموسى محمد بن المثنى ما سمعت
يحيى القطان يحدث عن ابن إسحق شيئا قط ، وقال الميمونى ثنا ابوعبد الله
احمد بن حنبل بحديث استحسنه عن محمد بن إسحق وقلت له يا أبا عبدالله
ما أحسن هذه القصص التى يجئ بها ابن إسحق فتبسم إلى متعجبا ، وروى
ابن معين عن يحيى بن القطان أنه كان لا يرضى محمد بن إسحق ولا يحدث
عنه ، وقال عبد الله بن أحمد وسأله رجل عن محمد بن أسحق فقال كان أبى يتتبع
حديثه ويكتبه كثيرا بالعلو والنزول ويخرجه في المسند وما رأيته اتقى حديثه
قط قيل له يحتج به قال لم يكن يحتج به في السنن ، وقيل لاحمد يا أبا عبدالله :
اذا تفرد بحديث تقبله قال لا والله إنى رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد
ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا وقال ابن المدينى مرة هو صالح وسط وروى الميمونى
عن ابن معين ضعيف . وروى عنه غيره ليس كذلك وروى الدورى عنه ثقة
ولكنه ليس بحجة ، وقال ابوزرعة عبدالرحمن بن عمرو قلت ليحيى بن معين
وذكرت له الحجة فقلت محمد بن اسحق منهم فقال كان ثقة إنما الحجة عبيد الله
ابن عمر وملك بن أنس وذكر قوما آخرين ، وقال أحمد بن زهير سئل يحيى عنه مرة
فقال ليس بذاك ضعيف قال وسمعته مرة اخرى يقول هو عندى سقيم ليس بالقوى وقال
النسائى ليس بالقوى وقال البرقانى سألت الدارقطنى عن محمد بن إسحق بن يسار
ـ 20 ـ
عن أبيه فقال جميعا لا يحتج بهما وإنما يعتبر بهما ، وقال على قلت ليحيى بن سعيد
كان ابن إسحق بالكوفة وأنت بها قال نعم قلت تركته متعمدا قال نعم ولم أكتب
عنه حديثا قط ، وروى ابوداود عن حماد بن سلمة قال لولا الاضطرار ما حدثت
عن محمد بن اسحق وقال احمد قال ملك وذكره فقال دجال من الدجاجلة ، وروى الهيثم
ابن خلف الدورى ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا ابوداود صاحب الطيالسة قال حدثني
من سمع هشام بن عروة وقيل له إن ابن إسحق يحدث بكذا وكذا عن فاطمة
فقال كذب الخبيث ، وروى القطان عن هشام أنه ذكره فقال العدو لله الكذاب
يروى عن امرأتى من أين رآها وقال عبدالله بن أحمد فحدثت أبى بذلك
فقال وما ينكر لعله جاء فاستأذن عليها فأذنت له احسبه قال
ولم يعلم ، وقال مالك كذاب وقال ابن ادريس قلت لمالك وذكر المغازى
فقلت له قال ابن إسحق أنا بيطارها فقال نحن نفيناه عن المدينة ، وقال
مكى بن ابراهيم جلست إلى محمد بن اسحق وكان يخضب بالسواد فذكر
أحاديث في الصفة فنفرت منها فلم أعد اليه وقال مرة تركت حديثه وقد سمعت
منه بالرى عشرين مجلسا . وروى الساجى عن المفضل بن غسان حضرت يزيد
ابن هرون وهو يحدث بالبقيع وعنده ناس من أهل المدينة يسمعون منه حتى حدثهم
عن محمد بن إسحق فأمسكوا وقالوا لا تحدثنا عنه نحن أعلم به فذهب يزيد
يحاولهم فلم يقبلوا فأمسك يزيد ، وقال أبوداود سمعت أحمد بن حنبل ذكره فقال
كان رجلا يشتهى الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه ، وسئل أبو عبدالله
ايما أحب اليك موسى بن عبيدة الربذى أو محمد بن إسحق قال لا محمد بن إسحق
وقال أحمد كان يدلس إلا ان كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعا قال حدثنى
وإذا لم يكن قال قال ، وقال ابو عبدالله قدم محمد بن إسحق إلى بغداد فكان
لا يبالى عمن يحكى عن الكلبى وغيره وقال ليس بحجة ، وقال الفلاس كنا عند
ـ 21 ـ
وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال أين كنتم فقلنا كنا
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 21 سطر 1 الى ص 30 سطر 23
وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال أين كنتم فقلنا كنا
عند وهب بن جرير يعنى نقرأ عليه كتاب المغازى عن أبيه عن ابن إسحق فقال
تنصرفون من عنده بكذب كثير ، وقال عباس الدورى سمعت أحمد بن حنبل
وذكر محمد بن إسحق فقال أما في المغازى وأشباهه فيكتب وأما في الحلال والحرام
فيحتاج إلى مثل هذا ومديده وضم أصابعه ، وروى الاثرم عن أحمد كثير التدليس جدا
أحسن حديثه عندى ما قال أخبرنى وسمعت ، وعن ابن معين ما أحب ان أحتج به في
الفرائض . وقال ابن أبى حاتم ليس بالقوى ضعيف الحديث وهو أحب إلى من افلح
ابن سعيد يكتب حديثه ، وقال سليمان التيمى كذاب وقال يحيى القطان ما تركت حديثه
إلا لله أشهد أنه كذاب وقد قال يحيى بن سعيد قال لى وهيب بن خالد أنه كذاب
قلت لوهيب ما يدريك قال قال لى مالك أشهد أنه كذاب قلت لمالك ما يدريك
قال قال لى هشام بن عروة أشهد أنه كذاب قلت لهشام ما يدريك قال حدث
عن امرأتى فاطمة الحديث . قلت والكلام فيه كثير جدا وقد قال أبوبكر
الخطيب قد احتج بروايته في الاحكام قوم من أهل العلم وصدف عنها آخرون
وقال في موضع آخر قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحق غير واحد من
العلماء لاسباب منها أنه كان يتشيع وينسب إلى القدر ويدلس وأما الصدق
فليس بمدفوع عنه إنتهى كلام الخطيب . وقد استشهد به البخارى . وأخرج له
مسلم متابعة واختار أبوالحسن بن القطان أن يكون حديثه من باب الحسن لاختلاف
الناس فيه . وأما روايته عن فاطمة فروينا عن أبى بكر الخطيب قال أنا القاضى
ابوبكر أحمد بن الحسن الحرشى ثنا ا بوالعباس محمد بن يعقوب الاصم ثنا أبو
زرعة عبدالرحمن بن عمرو بدمشق ثنا أحمد بن خالد الوهبى ثنا محمد بن إسحق
عن فاطمة بنت المنذر عن اسماء بنت أبى بكر قالت سمعت امرأة وهى تسأل
النبى صلى الله عليه وسلم فقالت ان لى ضرة وأنى اتشبع من زوجى بمالم يعطنيه
ـ 22 ـ
لتغيظها بذلك قال " المتشبع بمالم يعط كلابس ثوبى زور " وقال ابوالحسن بن القطان
الحديث الذى من أجله وقع الكلام في ابن إسحق من روايته عن فاطمة حتى قال
هشام إنه كذاب وتبعه في ذلك مالك وتبعه يحيى بن سعيد وتابعوا بعدهم تقليدا لهم
حديث " فلتقرصه ولتنضح ( 1 ) مالم ترو لتصل فيه " وقد روينا من حديثه عنها غير ذلك .
( ذكر الاجوبة عما رمى به )
قلت أما ما رمى به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب رد روايته ولا يوقع
فيها كبير وهن وأما التدليس فمنه القادح في العدالة وغيره ولا يحمل ما وقع هاهنا
من مطلق التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة ، وكذلك القدر والتشيع
لا يقتضى الرد إلا بضميمة أخرى ولم نجدها هاهنا . وأما قول مكى بن ابراهيم
أنه ترك حديثه ولم يعد اليه فقد علل ذلك بأنه سمعه يحدث أحاديث في الصفات
فنفر منه وليس في ذلك كبير أمر فقد ترخص قوم من السلف في رواية المشكل
من ذلك وما يحتاج إلى تأويله لا سيما إذا تضمن الحديث حكما أو أمرا آخرا وقد تكون
هذه الاحاديث من هذا القبيل . وأما الخبر عن يزيد بن هرون أنه حدث أهل
المدينة عن قوم فلما حدثهم عنه أمسكوا فليس فيه ذكر لمقتضى الامساك واذا لم
يذكر لم يبق إلا ان يحول الظن فيه وليس لنا ان نعارض عدالة مقبولة بما قد تظنه
جرحا ، وأما ترك يحيى القطان حديثه فقد ذكرنا السبب في ذلك وتكذيبه إياه رواية
عن وهيب بن خالد عن مالك عن هشام فهو ومن فوقه في هذا الاسناد تبع
لهشام وليس ببعيد من ان يكون ذلك هو المنفر لاهل المدينة عنه في الخبر السابق
* ( هامش ) * ( 1 ) النضح : الرش ، ويأتى بمعنى الغسل . ( * )
ـ 23 ـ
عن يزيد بن هارون وقد تقدم الجواب عن قول هشام فيه عن احمد بن حنبل
وعلى بن المدينى بما فيه مغنى . وأما قول ابن نمير انه يحدث عن المجهولين أحاديث
باطلة فلو لم ينقل توثيقه وتعديله لتردد الامر في التهمة بما بينه وبين من نقلها عنه
وأما مع التوثيق والتعديل فالحمل فيها على المجهولين المشار اليهم لا عليه ، وأما الطعن
على العالم بروايته عن المجهولين فغريب قد حكى ذلك عن سفيان الثورى وغيره
وأكثر ما فيه التفرقة بين بعض حديثه وبعض فيرد ما رواه عن المجهولين ويقبل
ما حمله على المعروفين . وقد روينا عن أبى عيسى الترمذى قال سمعت محمد بن
بشار يقول سمعت عبدالرحمن بن مهدى يقول ألا تعجبون من سفيان بن عيينة
لقد تركت لجابر الجعفى لما حكى عنه أكثر من الف حديث ثم هو يحدث عنه قال
الترمذى وقد حدث شعبة عن جابر الجعفى وإبراهيم الهجرى ومحمد بن عبيد الله
العرزمى وغير واحد ممن يضعف في الحديث وأما قول أحمد يحدث عن جماعة
بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا وقد تتحد الفاظ الجماعة وان
تعددت اشخاصهم وعلى تقدير أن لا يتحد اللفظ فقد يتحد المعنى روينا عن واثلة
ابن الاسقع قال إذا حدثتكم على المعنى فحسبكم . وروينا عن محمد بن سيرين قال
كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد ، وقد تقدم من كلام ابن
المدينى أن حديثه ليتبين فيه الصدق يروى مرة حدثنى أبوالزناد ومرة ذكر أبوالزناد
الفصل إلى آخره ما يصلح لمعارضة هذا الكلام ، واختصاص ابن المدينى سفيان
معلوم كما علم اختصاص سفيان بمحمد بن إسحق . وأما قوله كان يشتهى الحديث
فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه فلا يتم الجرح بذلك حتى ينفى ان تكون
مسموعة له ويثبت أن يكون حدث بها ثم ينظر بعد ذلك في كيفية الاخبار فان
كان بألفاظ لا تقتضى السماع تصريحا فحكمه حكم المدلسين ولا يحسن الكلام معه
إلا بعد النظر في مدلول تلك الالفاظ وان كان يروى ذلك عنهم مصرحا بالسماع
ـ 24 ـ
ولم يسمع فهذا كذب صراح واختلاق محض لا يحسن الحمل عليه إلا إذا لم يجد
للكلام مخرجا غيره . وأما قوله لا يبالى عمن يحكى عن الكلبى وغيره فهو أيضا
إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء لمحل ابن الكلبى من التضعيف والراوى
عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلسه
فان صرح به فليس فيه كبير أمر روى عن شخص ولم يعلم حاله أو علم وصرح به
ليبرأ من العهدة . وان دلسه فاما ان يكون عالما بضعفه أولا فان لم يعلم فالامر في
ذلك قريب وان علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره واخفائه ترويج الخبر حتى
يظن أنه من أخبار أهل الصدق وليس كذلك فهذه جرجة من فاعلها وكبيرة من
مرتكبها وليس في اخبار أحمد عن ابن إسحق ما يقتضى روايته عن الضعيف
وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبنى على ذلك قدح أصلا . وجواب ثان محمد بن
إسحق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ فقد يميز من حديث الكلبى وغيره مما
يجرى مجراه ما يقبل مما يرد فيكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه وقد قال يعلى بن
عبيد قال لنا سفيان الثورى اتقوا الكلبى فقيل له فانك تروى عنه فقال أنا أعرف
صدقه من كذبه ثم غالب ما يروى عن الكلبى أنساب واخبار من أحوال الناس
وأيام العرب وسيرهم وما يجرى مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن
لا تحمل عنه الاحكام وممن حكى عنه الترخص في ذلك الامام أحمد وممن حكى
عنه التسوية في ذلك بين الاحكام وغيرها يحيى بن معين وفى ذلك بحث ليس
هذا موضعه . وأما قول عبدالله عن أبيه لم يكن يحتج به في السنن فقد يكون
لما أنس منه التسامح في غير السنن التى هى جل علمه من المغازى والسير طرد
الباب فيه وقاس مروياته من السنن على غيرها وطرد الباب في ذلك يعارضه تعديل
من عدله ، وأما قول يحيى ثقة وليس بحجة فيكفينا التوثيق ولو لم يكن يقبل الامثل
العمرى ومالك لقل المقبولون . وأما ما نقلناه عن يحيى بن سعيد من طريق ابن المدينى
ـ 25 ـ
ووهب بن جرير فلا يبعد ان يكون قلد مالكا لانه روى عنه قول هشام فيه وأما قول يحيى
ما أحب ان احتج به في الفرائض فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الامام
أحمد رحمهم الله على أن المعروف عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين
المرويات من أحكام وغيرها والقبول مطلقا أو عدمه من غير تفصيل
وأما ما عدا ذلك من الطعن فأمور غير مفسرة ومعارضة في الاكثر من
قائلها بما يقتضى التعديل وممن يصحح حديثه ويحتج به في الاحكام أبو عيسى
الترمذى رحمه الله وأبوحاتم بن حبان ولم نتكلف الرد عن طعن الطاعنين
فيه الا لما عارضه من تعديل العلماء له وثنائهم عليه ولولا ذلك لكان اليسير
من هذا الجرح كافيا في رده اخباره اذ اليسير من الجرح المفسر منه وغير
المفسر كاف في رد من جهلت حاله قبله ولم يعدله معدل وقد ذكره ابوحاتم
ابن حبان في كتاب الثقات له فاعرب عما في الضمير فقال تكلم فيه رجلان
هشام ومالك فاما هشام فأنكر سماعه من فاطمة ، والذى قاله ليس مما يجرح به
الانسان في الحديث وذلك ان التابعين كالاسود وعلقمة سمعوا من عائشة
من غير أن ينظروا اليها بل سمعوا صوتها وكذلك ابن اسحق كان يسمع
من فاطمة والستر بينهما مسبل قال وأما مالك فانه كان ذلك منه مرة واحدة
ثم عاد له إلى ما يحب وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس
وأيامهم من ابن اسحق وكان يزعم أن مالك من موالى ذى أصبح وكان مالك
يزعم أنه من أنفسها فوقع بينهما لذلك مفاوضة فلما صنف مالك الموطأ قال ابن
اسحق إئتونى به فأنا بيطاره فنقل ذلك إلى مالك فقال هذا دجال من الدجاجلة
يروى عن اليهود ، وكان بينهما ما يكون بين الناس حتى عزم محمد
على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ وأعطاه عند الوداع خمسين دينارا
ونصف ثمرته تلك السنة . ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث انما كان
ـ 26 ـ
ينكر عليه تتبعه غزوات النبى صلى الله عليه وسلم من اولاد اليهود الذين أسلموا
وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغرائب عن اسلافهم .
وكان بن اسحق يتتبع ذلك عنهم ليعلم ذلك من غير ان يحتج بهم وكان مالك
لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق . قلت ليس ابن اسحق أبا عذرة هذا القول في
نسب مالك فقد حكى شئ من ذلك عن الزهرى وغيره ، والرجل أعلم بنسبه
وتأبى له عدالته وامامته ان يخالف قوله علمه ، وأما قول ابن اسحق أنا جهبذها فقد
أتى أمرا إمرا وارتقى مرتقى وعرا ولم يدر ما هنالك من زعم أنه في الاتقان كمالك
وقد القته آماله في المهالك من انفه في الثرى وهو يطاول النجوم الشوابك .
وأما الواقدى فهو محمد بن عمر بن واقد أبو عبدالله المدينى سمع ابن أبى ذئب
ومعمر بن زاشد ومالك بن أنس ومحمد بن عبدالله ابن أخى الزهرى ومحمد بن عجلان
وربيعة بن عثمان وابن جريج وأسامة بن زين وعبد الحميد بن جعفر والثورى وأبا
معشر وجماعة ، روى عنه كاتبه محمد بن سعد وأبوحسان الزيادى ومحمد بن إسحق
الصاغانى وأحمد بن الخليل البرجلانى و عبدالله بن الحسين الهاشمى وأحمد بن
عبيد بن ناصح ومحمد بن شجاع الثلجى والحرث بن أبى أسامة وغيرهم . ذكره
الخطيب أبوبكر وقال هو ممن طبق شرق الارض وغربها ذكره ولم يخف على
احد عرف أخبار الناس أمره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازى
والسير والطبقات وأخبار النبى صلى الله عليه وسلم والاحداث التى كانت في وقته
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك
وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء ، وقال ابن سعد : محمد بن عمر بن واقد أبوعبد
الله مولى عبدالله بن بريدة الاسلمى كان من أهل المدينة قدم بغداد في سنة
ثمانين ومائة في دين لحقه فلم يزل بها وخرج إلى الشام والرقة ثم رجع إلى بغداد
فلم يزل بها إلى أن قدم المامون من خراسان فولاه القضاء بعسكر المهدى فلم يزل قاضيا
ـ 27 ـ
حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لاحدى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع
ومائتين ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة وذكر انه
ولد سنة ثلاثين ومائة في آخر خلافة مروان بن محمد . وكان عالما بالمغازى واختلاف
الناس واحاديثهم ، وقال محمد بن خلاد سمعت محمد بن سلام الجمحى يقول : محمد بن
عمر الواقدى عالم دهره . وقال ابراهيم الحربى : الواقدى آمن الناس على اهل الاسلام
وقال الحربى ايضا كان الواقدى اعلم الناس بأمر الاسلام فأما الجاهلية فلم يعمل
فيها شيئا ، وقال يعقوب بن شيبة لما انتقل الواقدى من الجانب الغربى إلى ها هنا
يقال انه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر وقيل كانت كتبه ستمائة قمطر ( 1 ) وقال
محمد بن جرير الطبرى قال ابن سعد كان الواقدى يقول ما من احد الا وكتبه
اكثر من حفظه وحفظى اكثر من كتبى . وروى غيره عنه قال ما ادركت
رجلا من ابناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته هل سمعت احدا من
أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل فاذا أعلمنى مضيت إلى الموضع فأعاينه
ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت اليها ، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى
الموضع حتى أعاينه او نحو هذا الكلام ، وقال ابن منيع سمعت هرون الفروى يقول
رأيت الواقدى بمكة ومعه ركوة فقلت اين تريد قال اريد أن أمضى إلى
حنين حتى أرى الموضع والوقعة ، وقال ابراهيم الحربى سمعت المسيبى يقول رأيت
الواقدى يوما جالسا إلى اسطوانة في مسجد المدينة وهو يدرس فقلنا له أى شئ
تدرس فقال حزبى من المغازى . وروينا عن أبى بكر الخطيب قال وأنا الازهرى
قال أنا محمد بن العباس قال أنا أبوأيوب قال سمعت ابراهيم الحربى يقول وأخبرنى
إبراهيم بن عمر البرمكى ثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبرى ثنا محمد
ابن أيوب بن المعافى قال قال ابراهيم الحربى سمعت المسيبى يقول قلنا للواقدى
* ( هامش ) * ( 1 ) الوقر بالكسر : الحمل النقيل ، والقمطر : ما تصان فيه الكتب . ( * )
ـ 28 ـ
هذا الذى تجمع الرجال تقول ثنا فلان وفلان وجئت بمتن واحد لو حدثتنا بحديث
كل رجل على حدة قال يطول فقلنا له قد رضينا قال فغاب عنا جمة ثم أتانا بغزوة
احد عشرين جلدا وفى حديث البرمكى مائة جلد فقلنا له ردنا إلى الامر الاول .
معنى اللفظين متقارب ، وعن يعقوب بن شيبة قال ومما ذكر لنا ان مالكا سئل عن
قتل الساحرة فقال أنظروا هل عند الواقدى في هذا شئ فذاكروه ذلك فذكر شيئا
عن الضحاك بن عثمان فذكروا أن مالكا قنع به . وروى أن مالكا سئل عن المرأة التى
سمت النبى صلى الله عليه وسلم بخيبر ما فعل بها فقال ليس عندى بها علم وسأسأل
أهل العلم قال فلقى الواقدى قال يا ابا عبدالله ما فعل النبى صلى الله عليه وسلم
بالمرأة التى سمته بخيبر فقال الدى عندنا انه قتلها فقال مالك قد سألت اهل العلم فأخبرونى
انه قتلها . وقال ابوبكر الصاغانى لولا انه عندى ثقة ما حدثت عنه ، حدث عنه
اربعة ائمة ابوبكر بن ابى شيبة وابوعبيد واحسبه ذكر ابا خيثمة ورجلا آخر . وقال
عمرو الناقد قلت للدراوردى الواقدى فقال ذلك امير المؤمنين في الحديث
وسئل ابوعامر العقدى عن الواقدى فقال نحن نسأل عن الواقدى انما يسأل هو ( 1 )
عنا ما كان يفيدنا الاحاديث والشيوخ بالمدينة الا الواقدى . وقال الواقدى لقد كانت
الواحى تضيع فأؤتى بها من شهرتها بالمدينة يقال هذه الواح ابن واقد . وقال مصعب
الزبيرى والله ما رأينا مثله قط قال مصعب وحدثنى من سمع عبدالله بن المبارك
يقول كنت اقدم المدينة فما يفيدنى ولا يدلنى على الشيوخ الا الواقدى . وقال
مجاهد بن موسى ما كتبت عن احد احفظ منه . وسئل عنه مصعب الزبيرى فقال
ثقة مأمون وكذلك قال المسيبى . وسئل عنه معن بن عيسى فقال انا اسأل عنه
هو يسأل عنى . وسئل عنه ابويحيى الزهرى فقال ثقة مأمون . وسئل عنه ابن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة دار الكتب " الواقدى " مكان " هو " . ( * )
ـ 29 ـ
نمير فقال اما حديثه عنا فمستو واما حديث اهل المدينة فهم اعلم به . وقال يزيد
ابن هارون ثقة . وقال عباس العنبرى هو احب إلى من عبدالرزاق . وقال ابوعبيد
القاسم بن سلام ثقة . وقال ابراهيم واما فقه ابى عبيد فمن كتاب محمد بن عمر
الواقدى الاختلاف والاجماع كان عنده . وقال ابراهيم الحربى من قال ان مسائل
مالك بن انس وابن ابى ذئب تؤخذ عمن هو اوثق من الواقدى فلا يصدق لانه يقول
سألت مالكا وسألت ابن ابى ذئب . وقال ابراهيم بن جابر : حدثنى عبدالله بن
احمد بن حنبل قال كتب ابى عن ابى يوسف ومحمد ثلاثة قماطر قلت له كان
ينظر فيها قال كان ربما نظر فيها وكان اكثر نظره في كتب الواقدى . وسئل
ابراهيم الحربى عما انكره احمد على الواقدى فقال انما انكر عليه جمعه الاسانيد
ومجيئه بالمتن واحدا . وقال ابراهيم وليس هذا عيبا فقد فعل هذا الزهرى وابن
اسحق . قال ابراهيم لم يزل احمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن اسحق إلى
محمد بن سعد فيأخذ له جزءين من حديث الواقدى فينظر فيهما ثم يردهما ويأخذ
غيرهما ، وكان احمد بن حنبل ينسبه لتقليب الاخبار كأنه يجعل ما لمعمر لابن
اخى الزهرى وما لابن اخى الزهرى لمعمر ، واما الكلام فيه فكثير جدا قد
ضعف ونسب إلى وضع الحديث وقال احمد هو كذاب وقال يحيى ليس بثقة .
وقال البخارى والرازى والنسائى متروك الحديث وللنسائى فيه كلام اشد
من هذا وقال الدارقطنى ضعيف ، وقال ابن عدى احاديثه غير محفوظة والبلاء منه .
قلت سعة العلم مظنة لكثرة الاغراب وكثرة الاغراب مظنة للتهمة والواقدى
غير مدفوع عن سعة العلم فكثرت بذلك غرائبه . وقد روينا عن على بن المديني
انه قال . للواقدى عشرون ألف حديث لم نسمع بها . وعن يحيى بن معين اغرب
الواقدى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين ألف حديث وقد روينا عنه من تتبعه
آثار مواضع الوقائع وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال
ـ 30 ـ
سلفهم ما يقتضى انفرادا بروايات وأخبار لا تدخل تحت الحصر وكثيرا ما يطعن في
الراوى برواية وقعت له من انكر تلك الرواية عليه واستغربها منه ثم يظهر له
أو لغيره بمتابعة متابع أو سبب من الاسباب براءته من مقتضى الطعن فيتخلص
بذلك من العهدة . وقد روينا عن الامام أحمد رحمه الله ورضى عنه أنه قال ما زلنا
ندافع أمر الواقدى حتى روى عن معمر عن الزهرى عن نبهان عن أم سلمة عن
النبى صلى الله عليه وسلم " افعمياوان انتما " فجاء بشئ لا حيلة فيه والحديث حديث يونس لم
يروه غيره . وروينا عن احمد بن منصور الرمادى قال قدم على بن المدينى بغداد سنة
سبع ومائتين والواقدى يومئذ قاض علينا وكنت أطوف مع على على الشيوخ
الذين يسمع منهم فقلت أتريد أن تسمع من الواقدى ثم قلت له بعد ذلك
لقد أردت ان اسمع منه فكتب إلى أحمد بن حنبل كيف تستحل الرواية عن رجل
روى عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة وهذا حديث يونس تفرد به قال
أحمد بن منصور الرمادى فقدمت مصر بعد ذلك فكان ابن أبى مريم يحدثنا به
عن نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن نبهان ، قود رواه أيضا يعقوب
ابن سفيان عن سعيد بن أبى مريم عن نافع بن يزيد كرواية الرمادى قال الرمادى
فلما فرغ ابن أبى مريم من هذا الحديث ضحكت فقال مم تضحك ؟ فأخبرته
بما قال على وكتب اليه أحمد فقال لى ابن ابى مريم إن شيوخنا المصريين
لهم عناية بحديث الزهرى وكان الرمادى يقول هذا مما ظلم فيه الواقدى : فقد ظهر
في هذا الخبر أن يونس لم ينفرد به وإذ قد تابعه عقيل فلا مانع من أن يتابعه
معمر وحتى لو لم يتابعه عقيل لكان ذلك محتملا وقد يكون فيما رمى به من تقليب
الاخبار ما ينحو هذا النحو . قد أثبتنا من كلام الناس في الواقدى ما يعرف به
حاله والله الموفق . وربما حصل إعلام في بعض الاحيان بغريبة توجد في الخبر وتنبيه على
مشكل يقع فيه متنا أو اسنادا على وجه الايماء والاشارة لا على سبيل التقصى وبسط العبارة .
ـ 31 ـ
وسميته بعيون الاثر في فنون المغازى والشمائل والسير . والله المسؤل أن يجعل
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 31 سطر 1 الى ص 40 سطر 23
وسميته بعيون الاثر في فنون المغازى والشمائل والسير . والله المسؤل أن يجعل
ذلك لوجهه الكريم خالصا وأن يؤوينا إلى ظله اذا الظل أضحى في القيامة قالصا
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى .
ـ 33 ـ
( ذكر نسب سيدنا ونبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم )
محمد بن عبدالله بن ع بدالمطلب ويدعى شيبة الحمد بن هاشم وهو عمرو العلى
ابن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصى ويسمى زيدا ويدعى مجمعا أيضا قال الشاعر :
أبوكم قصى كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر
ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
هذا هو الصحيح المجمع عليه في نسبه ، وما فوق ذلك مختلف فيه . ولا خلاف
ان عدنان من ولد اسماعيل نبى الله بن ابراهيم خليل الله عليهما السلام وانما الخلاف
في عدد من بين عدنان واسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذلك من ابراهيم إلى
آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله : روينا عن ابن سعد أخبرنا
هشام أخبرنى أبى أبوسلمة عن ابى صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى
صلى الله عليه وسلم كان اذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك ويقول كذب
النسابون قال الله عزوجل وقرونا بين ذلك كثيرا . وقال ابن عباس لو شاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لعلمه . وعن عائشة رضى الله عنها ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء
عدنان ولا قحطان إلا تخرصا . وقد روى نحو ذلك عن عمر وعكرمة وغير واحد .
والذى رجحه بعض النسابين في نسب عدنان انه ابن أد بن أدد بن اليسع بن
الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن الذبيح اسماعيل بن الخليل
ابراهيم بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ
ـ 34 ـ
ابن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبى
عليه السلام بن يارد بن مهلاييل بن قنيان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم
عليهما أفضل الصلاة والسلام .
أخبرنا أحمد بن ابراهيم القاروثى الامام بدمشق انبأ الحسين بن على العلوى
ببغداد انبأ ابن ناصر قراءة عليه وانا أسمع انبأ أبوطاهر بن أبى الصقر الانبارى
أنبأ القاضى أب والبركات احمد بن عبدالواحد بن الفضل الفراء انبأ الشريف
ابوجعفر محمد بن عبدالله بن ظاهر الحسينى ثنا ابوسليمان احمد بن محمد بن
المكى بالمدينة سنة تسع وتسعين ومائتين ثنا ابراهيم بن حمزة الزبيرى ثنا عبد
العزيز بن محمد الدراوردى عن ابن ابى ذئب عمن لا يتهم عن عمرو بن العاصى فذكر
حديثا وفيه قال يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اختار العرب على الناس واختارنى
على من انا منه ثم انا محمد بن عبدالله حتى بلغ النضر بن كنانة ثم قال فمن قال
غير هذا فقد كذب . وبه عن عبدالعزيز بن محمد عن ابن أبى ذئب عن جبير بن
أبى صالح عن ابن شهاب عن سعد بن ابى وقاص قال قيل يا رسول الله قتل فلان
لرجل من ثقيف فقال أبعده الله انه كان يبغض قريشا . وروينا من طريق مسلم
ثنا محمد بن مهران الرازى ومحمد بن عبدالرحيم بن سهم جميعا عن الوليد بن مسلم
ثنا ابن مهران ثنا الاوزاعى عن أبى عمار شداد أنه سمع واثلة بن الاسقع يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل
واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم .
والعرب على ست طبقات : شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة . وسميت
الشعوب لان القبائل تشعبت منها . وسميت القبائل لان العمائر تقابلت عليها
فالشعب تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن تجمع
ـ 35 ـ
الافخاذ ، والفخذ تجمع الفصائل : فيقال مضر شعب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنانة قبيلته
وقريش عمارته وقصى بطنه وهاشم فخذه وبنو العباس فصيلته . هذا قول الزبير ،
وقيل بنو ع بدالمطلب فصيلته وعبد مناف بطنه وسائر ذلك كما تقدم . وقيل بعد
الفصيلة العشيرة وليس بعد العشيرة شئ . وقيل الفصيلة هى العشيرة وقيل غير ذلك .
( ذكر تزويج عبد الله بن ع بدالمطلب )
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
وكانت في حجر عمها وهيب بن عبد مناف
قال الزبير : وكان عبدالله أحسن رجل رؤى في قريش قط وكان أبوه عبد
المطلب قد مر به فيما يزعمون على امرأة من بنى أسد بن عبدالعزى وهى أخت
ورقة بن نوفل وهى عند الكعبة فقالت له اين تذهب يا عبدالله قال مع ابى قالت
لك مثل الابل التى نحرت عنك وكانت مائة وقع على الآن قال أنا مع ابى ولا
استطيع خلافه ولا فراقه وانشد بعض اهل العلم في ذلك لعبد الله بن ع بدالمطلب ( 1 )
أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه
كيف بالامر الذى تبغينه
أخبرنا الامام العلامة أ بوالعباس احمد بن ابراهيم الواسطى سماعا بدمشق
انبأ الامير أبومحمد الحسن بن على العلوى ببغداد سماعا عليه قال أخبرنا الحافظ
* ( هامش ) * ( 1 ) هنا في هامش نسخة دار الكتب المصرية : بلغ . ( * )
ـ 36 ـ
أبوالفضل محمد بن ناصر بن محمد بن على السلامى قراءة عليه وانا اسمع قال أنبأ أبو
طاهر بن أبى الصقر أنبأ القاضى أب والبركات احمد بن ع بدالوهاب الفراء أنبأ
الشريف أبوجعفر محمد بن عبدالله الحسينى ثنا ابوبكر الخضر بن داود بمكة ثنا
الزبير بن بكار حدثنى سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال ( لقد
جاءكم رسول من أنفسكم ) قال أحدكم من أنفسكم لم يصبه شئ من ولادة الجاهلية
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خرجت من نكاح ولم أخرج من
سفاح " . وروينا عن ابن سعد قال انبأ هشام بن محمد بن السائب الكلبى عن ابيه
قال كتبت للنبى صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من
أمر الجاهلية . وروينا مرفوعا من حديث ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما ان
النبى صلى الله عليه وسلم قال " خرجت من نكاح غير سفاح " .
رجع إلى الاول : فخرج به ع بدالمطلب حتى أتى به وهيب بن عبد مناف
ابن زهرة وهو يومئذ سيد بنى زهرة سنا وشرفا فزوجه آمنة بنت وهب وهى يومئذ
أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه
ووقع عليها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها فأتى المرأة التى عرضت
عليه ما عرضت فقال لها مالك لا تعرضين على اليوم ما عرضت بالامس فقالت له
فارقك النور الذى كان معك بالامس فليس لى بك اليوم حاجة وقد كانت سمعت
من أخيها ورقة بن نوفل انه كائن في هذه الامة نبى . قال ابوعمر كان تزوجها
وعمره ثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وقيل بينهما ثمانية وعشرون عاما . وتزوج
ع بدالمطلب في ذلك المجلس هالة بنت وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة
والمقوم وحجلا وصفية أم الزبير . قال محمد بن السائب الكلبى : لما تزوج عبدالله
ابن ع بدالمطلب آمنة أقام عندها ثلاثا وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل
الرجل على امرأته في أهلها .
ـ 37 ـ
( ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم )
قال ابن اسحاق ويزعمون فيها يتحدث الناس والله أعلم أن أمه كانت تحدث أنها
أتيت حين حملت به فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الامة فاذا وقع إلى الارض
فقولى أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا . ومن طريق محمد بن عمر
عن على بن زيد عن عبدالله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت كنا نسمع
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول
ما شعرت بأنى حملت به ولا وجدت له ثقلة ( 1 ) كما يجد النساء إلا أنى أنكرت
رفع حيضتى ، وربما كانت تقول وأتانى آت وأنا بين النائم واليقظان فقال
هل شعرت أنك حملت فكأنى أقول ما أدرى فقال إنك قد حملت بسيد هذه
الامة ونبيها وذلك يوم الاثنين الحديث وأمهلنى حتى دنت ولادتى أتانى فقال
قولى أعيذه بالواحد . وعن الزهرى قال قالت آمنة لقد علقت به فما وجدت
له مشقة حتى وضعته .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " ثقلا " . ( * )
ـ 38 ـ
( ذكر وفاة عبدالله بن ع بدالمطلب )
قال ابن إسحق ثم لم يلبث عبدالله بن ع بدالمطلب أن هلك وأم رسول
الله صلى الله عليه وسلم حامل به . هذا قول ابن اسحق . وغيره يقول إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان في المهد حتى توفى أبوه ، رويناه عن الدولابى . وذكر ابن أبى
خيثمة انه كان ابن شهرين وقيل ابن ثمانية وعشرين شهرا . وقبره في المدينة
في دار من دور بنى عدى بن النجار كان خرج إلى المدينة يمتار تمرا وقيل بل خرج
به إلى أخواله زائرا وهو ابن سبعة أشهر . وفى خبر سيف بن ذى يزن : مات أبوه
فكفله جده وعمه . وروى ابن وهب عن يونس بن ابن شهاب قال بعث عبد
المطلب ابنه عبدالله يمتار له تمرا من يثرب فمات بها وهو شاب عند أخواله ولم
يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والذى رجحه الواقدى وقال هو أثبت الاقاويل عندنا في موت عبد الله
وسنه أنه كان خرج إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات
ففرغوا من تجاراتهم وانصرفوا فمروا بالمدينة و عبدالله بن ع بدالمطلب يومئذ مريض
فقال أنا أتخلف عند أخوالى بنى عدى بن النجار وأقام عندهم مريضا شهرا
ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم ع بدالمطلب عن عبدالله فقالوا خلفناه عند
أخواله بنى عدى بن النجار وهو مريض فبعث اليه ع بدالمطلب أكبر ولده
الحرث فوجده قد توفى ودفن في دار النابغة قيل كان بينه وبين ابنه عليه السلام
ثمانية عشر عاما . وقد تقدم في تزويج عبدالله آمنة ما حكى عن السلف في ذلك .
ـ 39 ـ
( ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وولد سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتى عشرة
ليلة مضت من شهر ربيع الاول عام الفيل قيل بعد الفيل بخمسين يوما . وقال الزبير
حملت به أمه صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق في شعب أبى طالب عند الجمرة
الوسطى . وولد صلى الله عليه وسلم في الدار التى تدعى لمحمد بن يوسف أخى
الحجاج يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وقيل بل يوم الاثنين
في ربيع الاول لليلتين خلتا منه . قال أبوعمر وقد قيل لثمان خلون منه وقيل إنه أول
اثنين من ربيع الاول وقيل لاثنتى عشرة ليلة خلت منه عام الفيل وقيل إنه ولد
في شعب بنى هاشم . وروى عن ابن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الفيل : أخبرناه أ بوالمعالى احمد بن إسحق فيما قرأت عليه قلت قال أخبركم
الشيخان أبوالفرج الفتح بن عبدالله بن محمد بن على بن عبدالسلام وأ بوالعباس
أحمد بن أبى الحسين بن أبى الفتح بن صرما " ح " ( 1 ) قال وقرأت على الامام أبى إسحق
ابراهيم بن على بن احمد الحنبلى الزاهد بسفح قاسيون قال قلت له أخبركم أب والبركات
داود بن احمد بن محمد البغدادى قالوا أنا أبوالفضل محمد بن عمر بن يوسف
الاموى سماعا عليه قال أنا أبوالحسين احمد بن محمد بن النقور قال أنا أبو
الحسين على بن عمر السكرى قال أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا يحيى بن
معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبى اسحق عن أبى اسحق عن سعيد بن جبير عن
* ( هامش ) * ( 1 ) هذه الحاء توضع لتحويل السند من راو إلى آخر . ( * )
ـ 40 ـ
ابن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل . وعن قيس بن مخرمة قال ولدت أنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل فنحن لدان . وقيل بعد الفيل بشهر وقيل
بأربعين يوما وقيل بخمسين يوما . وذكر ابوبكر محمد بن موسى الخوارزمى قال
كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم . وقد قال ذلك غير
الخوارزمى وزاد يوم الاحد قال وكان اول المحرم تلك السنة يوم الجمعة قال الخوارزمى
وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يوما يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع
الاول وذلك يوم عشرين من نيسان قال وبعث نبينا يوم الاثنين لثمان خلت
من ربيع الاول سنة احدى واربعين من عام الفيل فكان من مولده إلى ان بعثه
الله اربعون سنة ويوم ، ومن مبعثه إلى اول المحرم من السنة التى هاجر فيها اثنتا
عشرة سنة وتسعة اشهر وعشرون يوما وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام
الفيل . وذكر ابن السكن من حديث عثمان بن ابى العاص عن امه فاطمة بنت عبدالله
انها شهدت ولادة النبى صلى الله عليه وسلم ليلا قالت فما شئ انظر اليه من
البيت الا نور وانى لانظر إلى النجوم تدنو حتى انى لاقول لتقعن على . ويقال
وضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين فكان ذلك من مبادئ امارات النبوة
في نفسه . وذكر ابن ابى خيثمة عن ابى صالح السمان قال قال كعب انا لنجد في
كتاب الله عزوجل محمد مولده بمكة . وعن عبدالملك بن عمير قال قال كعب
انى اجد في التوراة عبدى احمد المختار مولده بمكة . وحكى ابوالربيع بن سالم ان
بقى بن مخلد ذكر في تفسيره ان ابليس لعنه الله رن اربع رنات رنة حين لعن
ورنة حين اهبط ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورنة حين نزلت
فاتحة الكتاب . اخبرنا الشيخ ابوالحسن على بن محمد الدمشقى بقراءتى عليه
قلت له اخبركم الشيخان ابو عبدالله محمد بن نصر بن عبدالرحمن بن محمد بن
محفوظ القرشى والامير سيف الدولة ابو عبدالله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد
ـ 41 ـ
الانصارى قراءة عليهما وانت حاضر في الرابعة قالا انا الفقيه ابوالقاسم على بن
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 41 سطر 1 الى ص 50 سطر 23
الانصارى قراءة عليهما وانت حاضر في الرابعة قالا انا الفقيه ابوالقاسم على بن
الحسن الحافظ قراءة عليه ونحن نسمع قال انا المشائخ ابوالحسن على بن المسلم
ابن محمد بن الفتح بن على الفقيه وابوالفرج غيث بن على بن عبدالسلام بن
محمد بن جعفر بن الارمنازى الصورى الخطيب وابومحمد عبدالكريم بن حمزة
ابن الخضر بن العباس الوكيل بدمشق قالوا انا ابوالحسن احمد بن عبدالواحد
ابن محمد بن احمد بن عثمان بن ابى الحديد السلمى قال انا جدى ابوبكر
محمد بن احمد قال انا ابوبكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل الخرائطى
ثنا على بن حرب ثنا ابوايوب يعلى بن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلى
قال حدثنى مخزوم بن هانئ المخزومى عن ابيه واتت له خمسون ومائة سنة قال
لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس ( 1 ) ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة
شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة
ورأى الموبذان ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها
فلما اصبح كسرى افزعه ذلك فصبر عليه تشجعا ثم رأى ان لا يدخر - وقال الفقيه انه
لا يدخر - ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث اليهم
فلما اجتمعوا عنده قال : تدرون فيما بعثت اليكم قالوا لا الا ان يخبرنا الملك فبينما
هم كذلك اذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران فازداد غما إلى غمه ثم اخبرهم
ما رأى وما هاله فقال الموبذان ( 2 ) وانا اصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة
رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الابل فقال اى شئ يكون هذا يا موبذان قال : حدث
يكون في ناحية العرب وكان اعلمهم في انفسهم فكتب عند ذلك : من كسرى
ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر اما بعد فوجه إلى برجل عالم بما اريد ان اسأله
عنه فوجه اليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بعيلة الغسانى فلما ورد عليه قال
* ( هامش ) * ( 1 ) اى اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت . ( 2 ) هو قاضى القضاة بالفرس . ( * )
ـ 42 ـ
له الك علم بما اريد ان اسألك عنه قال ليخبرنى الملك او ليسئلنى عما احب فان
كان عندى منه علم والا اخبرته بمن يعلمه فأخبره بالذى وجه اليه فيه قال علم ذلك
عند خال لى يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال فأته فاسأله عما سألتك عنه
ثم ائتنى بتفسيره فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد اشفى على الضريح
فسلم عليه وكلمه فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ يقول * أصم أم يسمع غطريف
اليمن * في ابيات ذكرها . قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول عبد المسيح على
جمل مشيح إلى سطيح وقد اشفى على الضريح بعثك ملك بنى ساسان لارتجاس
الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت
دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح اذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة
وفاض وادى السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح
شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى
سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول :
شمر فانك ماضى الهم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير -
ان يمس ملك بنى ساسان افرطهم * فان ذا الدهر اطوار دهارير -
فربما ربما اضحوا بمنزلة * تهاب صولهم الاسد المهاصير -
منهم اخو الصرح بهرام واخوته * والهرمزان وسابور وسابور -
والناس اولاد علات فمن علموا * ان قد اقل فمحقور ومهجور -
وهم بنو الام اما ان رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور -
والخير والشر مقرونان في قرن * فالخير متبع والشر محذور -
فلما قدم المسيح على كسرى اخبره بما قال له سطيح فقال كسرى إلى ان
يملك منا اربعة عشر ملكا كانت امور وامور فملك منهم عشرة في اربع سنين
وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضى الله عنه . قال ابن اسحق فلما وضعته امه
ـ 43 ـ
ارسلت إلى جده ع بدالمطلب انه قد ولد لك غلام فانظر اليه فأتاه ونظر اليه وحدثته
بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما امرت ان تسميه فيزعمون ان عبد
المطلب اخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله ويتشكر له ما اعطاه ثم خرج به
إلى امه فدفعه اليها . وولد صلى الله عليه وسلم معذورا مسرورا اى مختونا مقطوع السرة ووقع إلى
الارض مقبوضة اصابع يده مشيرا بالسباحة كالمسبح بها . حكاه السهيلى ( 1 ) . روينا
عن ابن جميع ثنا عمر بن موسى بالمصيصة ثنا جعفر بن عبدالواحد قال قال لنا صفوان
ابن هبيرة ومحمد بن البرسانى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ولد
النبى صلى الله عليه وسلم مختونا .
* ( هامش ) * ( 1 ) زاد في نسخة دار الكتب الظاهرية : اخبرنا ابوحفص عمر بن عبد المنعم
الدمشقى بقراءتى عليه بعربيل - قرية بغوطة دمشق - اخبركم ابوالقاسم بن الحرستانى
قراءة عليه وانت حاضر في الرابعة فأقر به . اخبرنا جمال الاسلام ابوالحسن
على بن مسلم السلمى اخبرنا اببو نصر الحسين بن محمد بن طلاب حدثنا ابن جميع . ( * )
ـ 45 ـ
( ذكر تسمية محمدا واحمد صلى الله عليه وسلم )
روينا عن ابى جعفر محمد بن على من طريق ابن سعد قال امرت آمنة وهى
حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم ان تسميه احمد . وروينا عن ابن اسحق فيما سلف انها
اتيت حين حملت به فقيل لها انك قد حملت بسيد هذه الامة وفيه ثم سميه محمدا .
وروينا من طريق الترمذى ثنا سعيد بن عبدالرحمن المخزومى ثنا سفيان عن
الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان لى اسماء انا محمد وانا احمد وانا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر وانا الحاشر
الذى يحشر الناس على قدمى وانا العاقب الذى ليس بعدى نبى ، وصححه وقال في
الباب عن حذيفة . وروى حديث جبير البخارى ومسلم والنسائى وسيأتى الكلام
على بقية الاسماء ان شاء الله تعالى . وذكر ابوالربيع بن سالم قال ويروى ان عبد
المطلب انما سماه محمدا لرؤيا رآها زعموا انه رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت
من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الارض وطرف في المشرق وطرف في
المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور واذا اهل المشرق والمغرب
يتعلقون بها فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه اهل المشرق والمغرب
ويحمده اهل السماء والارض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به امه . وروينا عن ابى
القاسم السهيلى رحمه الله قال لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه وسلم
الا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وبقرب زمانه وانه
يبعث بالحجاز ان يكون ولدا لهم ، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول وهم محمد
ـ 46 ـ
ابن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر والآخر محمد بن احيحة بن الجلاح بن
الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمر بن عوف بن مالك بن الاوس
والآخر محمد بن حمران وهو من ربيعة وذكر معهم محمدا رابعا انسيته وكان آباء هؤلاء
الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الاول وكان عنده علم بالكتاب الاول فأخبرهم
بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم وباسمه وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا فنذر كل
واحد منهم ان ولد له ولد ذكر ان يسميه محمدا ففعلوا ذلك . وروينا عن القاضى
ابى الفضل عياض رحمه الله في تسميته عليه السلام محمدا واحمد قال في هذين
الاسمين من بدائع آياته وعجائب خصائصه ان الله جل اسمه حمى ان يسمى بهما
احد قبل زمانه اما احمد الذى اتى في الكتب وبشرت به الانبياء فمنع الله تعالى
بحكمته ان يسمى به احد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على
ضعيف القلب او شك وكذلك محمد ايضا لم يسم به احد من العرب ولا غيرهم إلى
ان شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم وميلاده ان نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من
العرب ابناءهم بذلك رجاء ان يكون احدهم هو والله اعلم حيث يجعل رسالاته ،
وهم محمد بن احيحة بن الجلاح الاوسى ومحمد بن مسلمة الانصارى ومحمد بن براء
البكرى ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمران الجعفى ومحمد بن خزاعى السلمى
لا سابع لهم ويقال ان اول من سمى به محمد بن سفيان واليمن تقول محمد بن اليحمد
الازدى ثم حمى الله كل من سمى به ان يدعى النبوة او يدعيها احد له حتى تحققت
السمتان له ولم ينازع فيهما والله اعلم .
ـ 47 ـ
( ذكر الخبر عن رضاعه صلى الله عليه وسلم )
وما يتصل بذلك من شق الصدر
روينا عن ابن سعد قال انا محمد بن عمر بن واقد الاسلمى قال حدثنى موسى
( 1 ) ابن شيبة عن عميرة بنت عبدالله بن كعب بن مالك عن برة بنت ابى تجراة
قالت اول من ارضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح اياما
قبل ان تقدم حليمة وكانت قد ارضعت قبله حمزة بن ع بدالمطلب وبعده ابا
سلمة بن عبدالاسد . اخبرنا ا بوالعباس الساوى بقراءة والدى عليه قال انا ابو
روح المطهر بن ابى بكر البيهقى سماعا عليه قال انا ابوبكر الطوسى قال انا ابوعلى
الخشنامى قال انا احمد بن الحسن ا لنيسابورى قال انا محمد بن احمد قال انا محمد
ابن يحيى ثنا محمد بن عبيد ثنا الاعمش عن سعد بن عبيدة عن ابى عبدالرحمن
عن على قال قلت يا رسول الله مالك لا تنوق في قريش ولا تتزوج منهم قال وعندك
قلت نعم ابنة حمزة قال تلك ابنة اخى من الرضاعة . قرأت على ابى النور اسمعيل
ابن نور بن قمر الهيتى بسفح قاسيون اخبرك ابونصر موسى بن عبد القادر الجيلى
قراءة عليه وانت تسمع قال انا ابوالقاسم سعيد بن احمد بن البناء قال انا ابو
نصر محمد بن محمد الزينبى قال انا ابوبكر محمد بن عمر بن على الوراق ثنا ابوبكر
عبد الله بن سليمان بن الاشعث ثنا ابوموسى عيسى بن حماد زغبة قال انا الليث
عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت ابى سلمة عن ام حبيبة انها قالت
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل : بلغ المقابلة ولله الحمد . ( * )
ـ 48 ـ
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هل لك في اختى ابنة ابى سفيان ، وفيه قالت
فوالله لقد انبئت انك تخطب درة بنت ابى سلمة قال ابنة ابى سلمة قالت نعم
قال فوالله لو لم تكن ربيبتى في حجرى ما حلت لى انها لابنة اخى من الرضاعة
ارضعتنى واياها ثويبة فلا تعرضن على بناتكن ولا اخواتكن الحديث . وذكر
الزبير ان حمزة اسن من النبى صلى الله عليه وسلم بأربع سنين . وحكى ابوعمر نحوه وقال
وهذا لا يصلح عندى لان الحديث الثابت ان حمزة و عبدالله بن عبدالاسد ارضعتهما
ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان تكون ارضعتهما في زمانين . قلت واقرب من
هذا ما روينا عن ابن اسحق من طريق البكائى انه كان اسن من رسول الله
صلى الله عليه وسلم بسنتين والله اعلم . واسترضع له من بنى سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة
بنت ابى ذؤيب وكانت تحدث انها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها ترضعه
في نسوة من بنى سعد بن بكر قالت وفى سنة شهباء لم تبق لنا شيئا قالت فخرجت
على أتان لى قمراء معنا شارف لنا والله ما تبض ( 1 ) بقطرة لبن وما ننام ليلتنا اجمع مع
صبينا الذى معنا من بكائه من الجوع ما في ثديى ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه
ولكنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على اتانى تلك فلقد اذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة الا وقد
عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه اذا قيل لها انه يتيم وذلك انا انما كنا نرجو
المعروف من ابى الصبى فكنا نقول يتيم ما عسى ان تصنع امه وجده فكنا
نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معى الا اخذت رضيعا غيرى فلما اجمعنا
الانطلاق قلت لصاحبى والله انى لاكره ان ارجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا
والله لاذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك ان تفعلى عسى الله ان يجعل
لنا فيه بركة قالت فذهبت اليه فأخذته وما حملنى على اخذه الا انى لم اجد غيره
* ( هامش ) * ( 1 ) بض الماء يبض بضيضا اى سال قليلا قليلا . ( * )
ـ 49 ـ
فلما اخذته رجعت به إلى رحلى فلما وضعته في حجرى اقبل ثدياى بما شاء من لبن
وشرب حتى روى وشرب معه اخوه حتى روى ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك
فقام زوجى إلى شارفنا تلك فاذا انها الحافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى
انتهينا ريا وشبعا فبتنا بخير ليلة يقول صاحبى حين اصبحنا تعلمى والله يا حليمة
لقد اخذت نسمة مباركة قلت والله انى لارجو ذلك ، ثم خرجت وركبت
اتانى وحملته عليها معى فوالله لقطعت بالركب ما يقدر على شئ من حمرهم
حتى ان صواحبى ليقلن لى يا بنت ابى ذؤيب ويحك اربعى ( 2 ) علينا ألست
هذه أتانك التى كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله انها لهى فيقلن والله
ان لها لشأنا قالت ثم قدمنا منازلنا من بنى سعد ولا اعلم ارضا من ارض الله اجدب
منها فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما
يحلب انسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون
لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى بنت ابى ذؤيب فتروح اغنامهم
جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمى شباعا لبنا فلم يزل نتعرف من الله الزيادة
والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه
حتى كان غلاما جفرا ( 1 ) فقدمنا به على امه ونحن احرص شئ على مكثه فينا لما نرى من
بركته فكلمنا امه وقلت لها لو تركت بنى عندى حتى يغلظ فانى اخشى عليه
وباء مكة فلم نزل به حتى ردته معنا فرجعنا به فوالله انه بعد مقدمنا به بأشهر
مع اخيه لفى بهم لنا خلف بيوتنا اذ اتانا اخوه يشتد فقال لى ولابيه ذاك اخى
القرشى عبدالله قد اخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما
يسوطانه قالت فخرجت انا وابوه نحوه فوجدنا قائما منتقعا لوجهه قال فالتزمته
* ( هامش ) * ( 1 ) اى اقتصرى وارفقى .
( 2 ) استجفر الصبى اذا قوى على الاكل . ( * )
ـ 50 ـ
والتزمه ابوه فقلنا مالك يا بنى قال جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى
فشقا بطنى فالتمسا فيه شيئا لا ادرى ما هو قالت فرجعنا به إلى خيامنا وقال لى
ابوه يا حليمة لقد خشيت ان يكون هذا الغلام قد اصيب فألحقيه بأهله قبل ان
يظهر ذلك به قالت فاحتملناه فقدمنا به على امه فقالت ما أقدمك به يا ظئر ( 1 ) ولقد
كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك قلت قد بلغ الله بابنى وقضيت الذى على
وتخوفت الاحداث عليه فأديته عليك كما تحبين قالت ما هذا شأنك فأصدقينى
خبرك قالت فلم تدعنى حتى اخبرتها قالت أفتخوفت عليه الشيطان قلت نعم
قالت كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وان لبنى شأنا أفلا اخبرك خبره قلت بلى
قالت رأيت حين حملت به انه خرج منى نور اضاء له قصور بصرى من ارض
الشام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان اخف منه ولا ايسر منه ووقع
حين ولدته وانه لواضع يديه بالارض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقى
راشدة . قال السهيلى وذكر غير ابن اسحق في حديث الرضاع ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان لا يقبل الا على ثديها الواحد وتعرض عليه الآخر فيأباه كأنه
قد اشعر ان معه شريكا في لبانها وكان مفطورا على العدل مجبولا على جميل المشاركة
والفضل صلى الله عليه وسلم . ويروى ان نفرا من اصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا له يا رسول الله اخبرنا عن نفسك قال نعم انا دعوة ابى ابراهيم
وبشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام ورأت امى حين حملت بى انه
قد خرج منها نور اضاء له قصور الشام واسترضعت في بنى سعد بن بكر فبينا انا مع اخ
لى خلف بيوتنا نرعى بهما لنا اتانى رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة
ثلجا فأخذانى فشقا بطنى ثم استخرجا قلبى فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها
ثم غسلا قلبى وباطنى بذلك الثلج حتى انقياه ثم قال احدهما لصاحبه زنه بعشرة
* ( هامش ) * ( 1 ) الظئر : المرضع . ( * )
ـ 51 ـ
من امته فوزننى بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من امته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 51 سطر 1 الى ص 60 سطر 6
من امته فوزننى بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من امته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه
بألف من أمته فوزننى بهم فوزنتهم فقال دعه عنك فلو وزنته بأمة ( 1 ) لوزنها . وفى رواية
فاستخرجا منه مغمز الشيطان وعلق الدم . وفيها وجعل الخاتم بين كتفى كما هو الآن .
قوله في هذا الخبر وما في شارفنا ما يغديه قيل بالدال المهملة من الغداء وقيل بالمعجمة
وقال ابوالقاسم وهو اتم من الاقتصار على ذكر الغداء دون العشاء . وعند بعض الناس
يعذبه ومعناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه وينقطع عن الرضاع يقال منه عذبته واعذبته اذا
قطعته عن الشرب ونحوه والعذوب وجمعه عذوب بالضم ولا يعرف فعول جمع
على فعول غيره قاله ابوعبيد انتهى كلام السهيلى رحمه الله وانشدنى ابى رحمه
الله لبعض العرب يهجو قوما بات ضيفهم :
بتنا عذوبا وبات البق يلبسنا * نشوى القراح ( 2 ) كأن لاحى بالوادى -
وذكر في فعول غير عذوب وحكى ذلك عن " كتاب ليس " لابن خالويه .
وقوله أدمت بالركب حبستهم وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف . ويروى
أذمت اى الاتان اى جاءت بما تذم عليه او يكون من قولهم بئر ذمة اى قليلة الماء .
وقوله يسوطانه يقال سطت اللبن او الدم او غيرهما اسوطه اذا ضربت بعضه
ببعض والمسوط عود يضرب به . وقوله مغمز الشيطان هو الذى يغمزه الشيطان من
كل مولود الا عيسى بن مريم وامه لقول امها حنة انى اعيذها بك وذريتها من
الشيطان الرجيم ولانه لم يخلق من منى الرجال وانما خلق من نفخة روح القدس
قال السهيلى ولا يدل هذا على فضله عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لان محمدا عندما نزغ ذلك منه ملئ حكمة وايمانا بعد ان غسله روح القدس بالثلج والبرد . وقد
روى انه عليه السلام ليلة الاسراء أتى بطست من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا فأفرغ
في قلبه وانه غسل قلبه بماء زمزم فوهم بعض اهل العلم من روى ذلك ذاهبا في ذلك
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " بأمته " . ( 2 ) اى الماء الذى لا يخالطه شئ . ( * )
ـ 52 ـ
إلى انها واقعة متقدمة التاريخ على ليلة الاسراء بكثير . قال السهيلى وليس
الامر كذلك بل كان هذا التقديس وهذا التطهير مرتين الاولى في حال الطفولية لينقى
قلبه من مغمز الشيطان والثانية عندما اراد ان يرفعه إلى الحضرة المقدسة وليصلى
بملائكة السموات ومن شأن الصلاة الطهور فقدس باطنا وظاهرا وملئ قلبه حكمة وايمانا
وقد كان مؤمنا ولكن الله تعالى قال ( ليزداد الذين آمنوا ايمانا ) .
رجع إلى الاول : وانطلق به ابوطالب وكانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه ان
يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه حتى تجده مع اخته فقالت
في هذا الحر فقالت اخته يا أمه ما وجد اخى حرا رأيت غمامة تظل عليه اذا وقف
وقفت واذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع تقول امها أحقا يا بنية قالت
اى والله قال تقول حليمة اعوذ بالله من شر ما نحذر على ابنى فكان ابن عباس
يقول رجع إلى امه وهو ابن خمس سنين وكان غيره يقول رد اليها وهو ابن اربع
سنين وهذا كله عن الواقدى وقال ابوعمر ردته ظئره حليمة إلى امه بعد خمس
سنين ويومين من مولده وذلك سنة ست من عام الفيل واسلمت حليمة بنت ابى
ذؤيب وهو عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قبيصة
ابن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن . قال ابوعمر روى زيد بن اسلم عن عطاء
ابن يسار قال جاءت حليمة ابنة عبدالله ام النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبى
صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام اليها وبسط لها رداءه فجلست عليه . روت عن
النبى صلى الله عليه وسلم روى عنها ابنها عبدالله بن جعفر . قرئ على ابى العباس احمد
ابن يوسف الصوفى وانا اسمع سنة ست وسبعين قال انا ابوروح البيهقى سماعا
عليه سنة خمس وستمائة قال انا الامام ابوبكر محمد بن على الطوسى قراءة عليه
ونحن نسمع قال انا ابوعلى نصر الله بن احمد بن عثمان الخشنامى قال انا ابوبكر
احمد بن الحسن ا لنيسابورى قال انا ابوعلى محمد بن احمد الميدانى قال انا ابو
ـ 53 ـ
عبدالله محمد بن خالد بن فارس ثنا ابوعاصم النبيل عن جعفر بن يحيى بن ثوبان
عن عمه عمارة عن ابى الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة
وانا غلام شاب فأقبلت امرأة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها
رداءه فقعدت عليه فقال من هذه قال امه التى ارضعته . هكذا روينا في هذا الخبر
وكذا حكى ابوعمر بن عبدالبر عن حليمة بنت ابى ذؤيب انها اسلمت وروت
ومن الناس من ينكر ذلك . وحكى السهيلى انها كانت وفدت على النبى صلى الله عليه وسلم
قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو اليه السنة ( 1 ) وان قومها قد أسنتوا فكلم لها
خديجة فأعطتها عشرين رأسا من غنم وبكرات . وذكر ابواسحق بن الامين في
استدراكه على ابى عمر خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش التى ارضعت
النبى صلى الله عليه وسلم . وذكر غيره فيهن ايضا ام ايمن بركة حاضنته عليه السلام .
* ( هامش ) * ( 1 ) اى الجدب ، وأسنتوا اى اجدبوا . ( * )
ـ 55 ـ
( ذكر الخبر عن وفاة امه آمنة بنت وهب )
وحضانة ام ايمن له وكفالة ع بدالمطلب اياه
قال ابن اسحق فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع امه آمنة وجده
عبد المطلب في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت امه آمنة بالابواء بين
مكة والمدينة قال ابوعمر بن عبدالبر وقيل ابن سبع سنين قال وقال محمد بن حببب
في الخبر توفيت امه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقال وتوفى جده
ع بدالمطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهرا سنة تسع من عام الفيل وقيل انه توفى
جده ع بدالمطلب وهو ابن ثمان سنين . رجع إلى ابن اسحق قال وكانت قد قدمت به
على اخواله من بنى عدى بن النجار تزيره اياهم فماتت وهى راجعة إلى مكة فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده ع بدالمطلب وكان يوضع لعبد المطلب
فراش في ظل الكعبة فكان بنوه يجلسون حول ذلك الفراش حتى يخرج اليه
لا يجلس عليه احد من بنيه اجلالا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى وهو
غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه اعمامه ليؤخروه عنه فيقول ع بدالمطلب اذا
رأى ذلك منهم : دعوا بنى فوالله ان له لشأنا ثم يجلسه معه عليه ويمسح ظهره
بيده ويسره ما يراه يصنع . قرأت على احمد بن محمد المقدسى الزاهد اخبرك ابو
اسحق ابراهيم بن عثمان عن محمد بن عبدالباقي عن احمد بن الحسن قال ابواسحق
وانا احمد بن محمد بن على بن صالح قال انا ابوبكر احمد بن الحسين قالا انا ابو
على بن شاذان قال انا ابن درستويه قال انا يعقوب بن سفيان ثنا ابوالحسن مهدى
ابن عيسى قال انا خالد بن عبدالله الواسطى عن داود بن ابى هند عن العباس
ـ 56 ـ
ابن عبدالرحمن عن كندير ( 1 ) بن سعيد عن ابيه قال حججت في الجاهلية فبينا انا
اطوف بالبيت اذا رجل يقول :
رد إلى راكبى محمدا * اردده رب واصطنع عندى يدا -
قال قلت من هذا قال ع بدالمطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في ابل له ضلت
وما بعثه في شئ الا جاء به قال فما برحت حتى جاء بالابل معه قال فقال يا بنى حزنت
عليك حزنا لا يفارقنى بعده ابدا قالوا وكانت ام ايمن تحدث تقول كنت احضن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما فلم أدر الا بعبد المطلب قائما على
رأسى يقول يا بركة قلت لبيك قال اتدرى اين وجدت ابنى قلت لا ادرى قال
وجدته مع غلمان قريبا من السدرة لا تغفلى عن ابنى فان اهل الكتاب يزعمون
ان ابنى نبى هذه الامة وانا لا آمن عليه منهم وكان لا يأكل طعاما الا قال على
بابنى فيؤتى به اليه . وروينا عن ابن سعد قال انا هشام بن محمد بن السائب الكلبى
قال حدثنى الوليد بن عبدالله بن جميع الزهرى عن ابن لعبد الرحمن بن موهب
ابن رباح الاشعرى حليف بنى زهرة عن ابيه قال حدثنى مخرمة بن نوفل قال
الزهرى قال سمعت امى رقيقة ( 2 ) بنت صيفى بن هاشم بن عبد مناف تحدث
وكانت لدة ع بدالمطلب قال تتابعت على قريش سنون ذهبن بالاموال وأشفين
على الانفس قالت فسمعت قائلا يقول في المنام يا معشر قريش ان هذا النبى
المبعوث منكم وهذا ابان خروجه وبه يأتيكم بالحيا والخصب فانظروا رجلا من
اوسطكم نسبا طوالا عظاما ابيض مقرون الحاجبين اهدب الاشفار جعدا سهل
الخدين رقيق العرنين فليخرج هو وجميع ولده وليخرج منكم من كل بطن رجل فتطهروا
وتطيبوا ثم استلموا الركن ثم ارقوا إلى رأس ابى قبيس ثم يتقدم هذا الرجل
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الكاف وسكون النون وكسر الدال وآخره راء مهملة .
( 2 ) بضم الراء وسكون الياء وقافين مفتوحتين ( * )
ـ 57 ـ
فيستسقى وتؤمنون فانكم ستسقون فأصبحت فقصت رؤياها عليهم فنظروا فوجدوا
هذه الصفة صفة ع بدالمطلب فاجتمعوا اليه وخرج من كل بطن منهم رجل ففعلوا
ما امرتهم به ثم علوا على ابى قبيس ومعهم النبى صلى الله عله وسلم وهو غلام
فتقدم ع بدالمطلب وقال لاهم ( 1 ) هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك واماؤك وبنات امائك
وقد نزل بنا ما ترى وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف واشفت
على الانفس فأذهب عنا الجدب وائتنا بالحيا والخصب فما برحوا حتى سالت الاودية
وبرسول صلى الله عليه وسلم سقوا فقالت رقيقة بنت ابى صيفى بن هاشم بن عبد مناف :
بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا * وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر -
فجاد بالماء جونى له سبل * دان فعاشت به الانعام والشجر -
منا من الله بالميمون طائره * وخير من بشرت يوما به مضر -
مبارك الامر يستسقى الغمام به * ما في الانام له عدل ولا خطر -
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : اللهم ( * )
ـ 59 ـ
( ذكر وفاة ع بدالمطلب )
وكفالة ابى طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم ان ع بدالمطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها قال ابوالربيع
ابن سالم ادناها فيما انتهى إلى ووقفت عليه خمس وتسعون سنة ذكره الزبير واعلاها
فيما ذكره الزبير ايضا عن نوفل بن عمارة قال كان عبيد بن الابرص ترب ( 1 ) عبد
المطلب وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة وبقى ع بدالمطلب بعده عشرين سنة
وكانت وفاته سنة تسع من عام الفيل وللنبى صلى الله عليه وسلم يومئذ ثمان سنين
وقيل بل توفى ع بدالمطلب وهو ابن ثلاث سنين . حكاه ابوعمر . وبقى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد مهلك جده ع بدالمطلب مع عمه ابى طالب وكان ع بدالمطلب يوصيه
به فيما يزعمون وذلك ان عبدالله ابا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا طالب
اخوان لاب وام فكان ابوطالب هو الذى يلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد جده فكان اليه ومعه . وذكر الواقدى ان ابا طالب كان مقلا من المال وكانت
له قطعة من الابل تكون بعرنة فيبدو اليها فيكون فيها ويؤتى بلبنها اذا كان
حاضرا بمكة . فكان عيال ابى طالب اذا اكلوا جميعا وفرادى لم يشبعوا واذا
اكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا فكان ابوطالب اذا اراد ان
يغديهم او يعشيهم يقول كما انتم حتى يأتى ابنى فيأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل
معهم فيفضلون من طعامهم وان كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
اولهم ثم تناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد
* ( هامش ) * ( 1 ) اي : في سنه . ( * )
ـ 60 ـ
وان كان احدهم ليشرب قعبا وحده فيقول ابوطالب انك لمبارك . وكان الصبيان
يصبحون شعثا رمصا ( 1 ) ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا وقالت ام ايمن وكانت
تحضنه ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا جوعا قط ولا عطشا وكان
يغدو اذا اصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول انا شبعان .
* ( هامش ) * ( 1 ) الرمص : وسخ يجتمع في موق العين . ( * )
ـ 61 ـ
( ذكر سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه ابى طالب إلى الشام )
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 61 سطر 1 الى ص 70 سطر 23
( ذكر سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه ابى طالب إلى الشام )
وخبره مع بحيرا الراهب وذكر نبذة من حفظ الله تعالى لرسوله عليه السلام قبل النبوة
قال ابوعمر سنة ثلاث عشرة من الفيل وشهد بعد ذلك بثمان سنين
يوم الفجار سنة احدى وعشرين . وقال ابوالحسن الماوردى خرج به عليه السلام
عمه ابوطالب إلى الشام في تجارة له وهو ابن تسع سنين . وذكر ابن سعد باسناد
له عن داود بن الحصين انه كان ابن اثنتى عشرة سنة . قال ابن اسحق ثم ان ابا طالب
خرج في ركب إلى الشام فلما تهيأ للرحيل صب به ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما يزعمون فرق له ابوطالب وقال والله لاخرجن به معى ولا يفارقنى ولا افارقه
ابدا او كما قال فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من ارض الشام وبها
راهب يقال له بحيرا في صومعة له وكان اليه علم اهل النصرانية ولم يزل في تلك
الصومعة منذ ذط راهب اليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون
يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به
قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام فلما نزلوا به قريبا
من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا وذلك فيما يزعمون عن شئ رآه وهو في
صومعته يزعمون انه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركب حين اقبلوا
وغمامة تظله من بين القوم ثم اقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة
حتى اظلت الشجرة وتهصرت اغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع
* ( هامش ) * ( 1 ) اي : تعلق به . ( * )
ـ 62 ـ
ثم ارسل اليهم انى قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأحب ان تحضروا
كلكم صغيركم وكبيركم وعبيدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرا ان بك اليوم
لشانا ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا ما شأنك اليوم قال له بحيرا
صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت ان أكرمكم وأصنع لكم
طعاما فتأكلوا منه كلكم فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم
لحداثة سنه في رحال القوم فلما نزل بحيرا في القوم لم ير الصفة التى يعرف ويجد
عنده فقال يا معشر قريش لا يتخلفن احد منكم عن طعامى قالوا له يا بحيرا ما تخلف ( 1 )
أحد ينبغى له ان يأتيك الا غلام وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم قال
لا تفعلوا أدعوه فليحضر هذا الطعام معكم فقال رجل من قريش واللات والعزى ان
كان للؤما بنا ان يتخلف ابن عبد الله بن ع بدالمطلب عن طعام من بيننا ثم قام اليه فاحتضنه
واجلسه مع القوم فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى اشياء من
جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى اذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام
اليه بحيرا فقال له يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا ما أخبرتنى عما أسألك
عنه وانما قال له بحيرا ذلك لانه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لا تسألنى باللات والعزى شيئا فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما
فقال له بحيرا فبالله الا ما أخبرتنى عما أسألك عنه فقال له سلنى عما بدا لك فجعل
يسأله عن اشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره ويخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوافق
ذلك ما عند بحيرا من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على
موضعه من صفته التى عنده فلما فرغ اقبل على عمه ابى طالب فقال ما هذا الغلام
منك قال ابنى قال ما هو بابنك وما ينبغى لهذا الغلام ان يكون ابوه حيا قال فانه
ابن اخى قال فما فعل ابوه قال مات وأمه حبلى به قال صدقت فارجع بابن اخيك
إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فانه كائن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة دار الكتب الظاهرية زيادة " عن طعامك " . ( * )
ـ 63 ـ
لابن اخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه ابوطالب سريعا
حتى اقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا ان نفرا من اهل الكتاب
قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رأى بحيرا في ذلك السفر الذى كان فيه
مع عمه ابى طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرا في ذلك وذكرهم الله تعالى وما يجدون
في الكتاب من ذكره وصفاته وأنهم ان أجمعوا لما ارادوا لم يخلصوا اليه حتى
عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه . قوله فصب به رسول الله
صلى الله عليه وسلم الصبابة رقة الشوق وصببت أصب وعند بعض الرواة فضبث
به اى لزمه قاله السهيلى . وروينا من طريق الترمذى ثنا الفضل بن سهل ا بوالعباس
الاعرج البغوى ثنا عبد الرحمن بن غزوان ابونوح قال انا يونس بن ابى اسحق
عن ابى بكر بن ابى موسى عن ابيه قال خرج ابوطالب إلى الشام وخرج معه
النبى صلى الله عليه وسلم في اشياخ من قريش فلما اشرفوا على الراهب هبطوا
فحلوا رحالهم فخرج اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج اليهم ولا
يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين
فقال الاشياخ من قريش ما علمك فقال انكم حين اشرفتم على العقبة لم يبق
شجر ولا حجر الا خر ساجدا ولا يسجدان الا لنبى وانى لاعرفه بخاتم النبوة اسفل
من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في
رعية الابل قالوا ارسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد
سبقوه إلى فئ الشجرة فلما جلس مال فئ الشجرة عليه فقال انظروا إلى فئ
الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم ان لا يذهبوا به إلى الروم
فان الروم ان رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فاذا سبعة قد اقبلوا من الروم
فاستقبلهم فقال ما جاء بكم قالوا جئنا ان هذا النبى خارج في هذا الشهر فلم يبق
ـ 64 ـ
طريق الا بعث اليه بأناس وانا قد اخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال هل
خلفكم احد هو خير منكم قالوا انما اخبرنا خبره بعثنا لطريقك هذا قال افرأيتم امرا
اراد الله ان يقضيه هل يستطيع احد من الناس رده قالوا لا قال فبايعوه واقاموا
معه قال انشدكم بالله ايكم وليه قالوا ابوطالب فلم يزل يناشده حتى رده ابوطالب
وبعث معه ابوبكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت . قال ابوعيسى
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه . قلت ليس في اسناد هذا
الحديث الا من خرج له في الصحيح و عبدالرحمن بن غزوان ابو نوح لقبه فراد
انفرد به البخارى ويونس بن ابى اسحق انفرد به مسلم ومع ذلك ففى متنه نكارة
وهى ارسال ابى بكر مع النبى صلى الله عليه وسلم بلالا وكيف وابوبكر حينئذ
لم يبلغ العشر سنين فان النبى صلى الله عليه وسلم أسن من ابى بكر بأزيد من عامين وكانت
للنبى صلى الله عليه وسلم تسعة اعوام على ما قاله ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى
وغيره ، او اثنا عشر على ما قاله آخرون ، وايضا فان بلالا لم ينتقل لابى
بكر الا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما فانه كان لبنى خلف الجمحيين وعند
ما عذب في الله على الاسلام اشتراه ابوبكر رضى الله عنه رحمة له واستنقاذا له
من ايديهم وخبره بذلك مشهور . وقوله فبايعوه ان كان المراد فبايعوا بحيرا على
مسالمة النبى صلى الله عليه وسلم فقريب وان كان غير ذلك فلا ادرى ما هو .
رجع إلى خبر ابن اسحق وكان صلى الله عليه وسلم يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره انه قال
لقد رأيتنى في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد
تعرى وأخذ ازارا وجعله على رقبته يحمل عليها الحجارة فانى لاقبل معهم كذلك
وادبر اذ لكمنى لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك ازارك قال فأخذته فشددته
على ثم جعلت احمل الحجارة على رقبتى وازارى على من بين اصحابى . قال السهيلى
وهذه القصة انما وردت في الحديث الصحيح في بنيان الكعبة كان صلى الله عليه
ـ 65 ـ
وسلم يحمل الحجارة وازاره مشدود عليه فقال له العباس يابن اخى لو جعلت ازارك
على عاتقك ففعل فسقط مغشيا عليه ثم قال ازارى ازارى فشد عليه ازاره وقام يحمل
الحجارة . وفى حديث آخر انه لما سقط ضمه العباس إلى نفسه وسأله عن شأنه فأخبره
انه نودى من السماء ان اشدد عليك ازارك يا محمد قال وانه لاول ما نودى . قال
وحديث ابى اسحق ان صح محمول على ان هذا الامر كان مرتين في حال صغره
وعند بنيان الكعبة . وذكر البخارى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ما هممت
بسوء من امر الجاهلية الا مرتين . وقد قرأت على ابى عبدالله بن ابى الفتح الصورى
بمرج دمشق : اخبركم ابوالقاسم عبدالصمد بن محمد بن الحرستانى سماعا عليه قال انا
ابومحمد طاهر بن سهل بن بشر بن احمد الاسفراينى قال انا ابوالحسين محمد
ابن مكى بن عثمان الازدى قال انا القاضى ابوالحسن على بن محمد بن اسحق الحلبى
ثنا ابو عبدالله الحسين بن اسماعيل المحاملى ببغداد ثنا ابوالاشعث احمد بن المقدام ثنا
وهب بن جرير ثنا ابى عن محمد بن اسحق . وبه قال وحدثنى محمد بن عبدالله بن قيس
ابن مخرمة عن الحسن بن محمد بن على عن ابيه عن جده على بن ابى طالب رضى
الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما هممت بقبيح مما يهم
به اهل الجاهلية الا مرتين من الدهر كلتاهما عصمنى الله عزوجل منها قلت ليلة
لفتى كان معى من قريش بأعلى مكة في غنم لاهله يرعاها ابصر لى غنمى حتى
اسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال نعم فخرجت فلما جئت ادنى دار من
دور مكة سمعت غناء وصوت دفوف ومزامير فقلت ما هذا فقالوا فلان تزوج فلانة
لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت
حتى غلبتنى عينى فنمت فما أيقظنى الا مس الشمس فرجعت إلى صاحبى
فقال ما فعلت فأخبرته ثم فعلت الليلة الاخرى مثل ذلك فسمعت مثل ذلك
فقيل لى مثل ما قيل لى فسمعت كما سمعت حتى غلبتنى عينى فما أيقظنى الا مس الشمس
ـ 66 ـ
ثم رجعت إلى صاحبى فقال لى ما فعلت فقلت ما فعلت شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله ما هممت بغيرهما بسوء مما يعمله اهل الجاهلية حتى اكرمنى الله عزوجل
بنبوته . وذكر الواقدى عن ام ايمن قالت كانت بوانة صنما تحضره قريش وتعظمه
وتنسك له وتحلق عنده وتعكف عليه يوما إلى الليل في كل سنة فكان ابوطالب
يحضره مع قومه ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحضر ذلك العيد معهم
فيأبى ذلك قالت حتى رأيت ابا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن يومئذ
اشد الغضب وجعلن يقلن انا لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ويقلن ما تريد
يا محمد ان تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم
ما شاء الله ثم رجع مرعوبا فزعا فقلنا ما دهاك قال انى اخشى ان يكون بى لمم
فقلنا ما كان الله عزوجل ليببتليك بالشيطان وكان فيك من خصال الخير ما كان
فما الذى رأيت قال انى كلما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل ابيض طويل يصيح
بى وراءك يا محمد لا تمسه قالت فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلوات الله عليه وسلامه .
ـ 67 ـ
( ذكر رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم )
روينا عن محمد بن سعد قال انا سويد بن سعيد واحمد بن محمد الازرقى قالا ثنا عمرو
ابن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشى عن جده سعيد يعنى ابن
عمرو عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله نبيا الا
راعى غنم قال له اصحابه وانت يا رسول الله قال وانا رعيتها لاهل مكة بالقراريط .
وروينا عن ابن سعد قال أنا احمد بن عبدالله بن يونس ثنا زهير ثنا ابواسحاق
قال كان بين اصحاب الابل واصحاب الغنم تنازع فاستطال أصحاب الابل قال
فبلغنا والله أعلم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال بعث موسى وهو راعى غنم وبعث داود
وهو راعى غنم وبعثت وأنا راعى غنم أهلى بأجياد .
( شهوده صلى الله عليه وسلم يوم الفجار ثم حلف الفضول )
قال السهيلى والفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أنه
كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا فسمى الفجار وكانت للعرب فجارات
أربعة ذكرها المسعودى آخرها فجار البراض وهو هذا وكان لكنانة ولقيس فيه
أربعة أيام مذكورة يوم شمظة ويوم العيلاء ( 1 ) وهما عند عكاظ ويوم الشرب وهو
أعظمها يوما فيه قيد حرب بن أمية وسفيان وأبوسفيان ابنا أمية أنفسهم كى
لا يفروا فسموا العنابس ويوم الحريرة عند نخلة ويوم الشرب انهزمت قيس إلا
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " الفلاء " والتصحيح من النسخة الظاهرية والاقتباس . ( * )
ـ 68 ـ
بنى نصر منهم فانهم ثبتوا وكان انقضاء أمر الفجار على يدى عتبة بن ربيعة وذلك
أن هوازن تواعدوا مع كنانة للعام المقبل بعكاظ فجاءوا للوعد وكان حرب بن أمية
رئيس قريش وكنانة وكان عتبة بن ربيعة يتيما في حجره فضن به حرب وأشفق
من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا وهو على بعيره بين الصفين
ينادى يا معشر مضر علام تفانون فقالت له هوازن ما تدعو اليه قال الصلح على
أن ندفع لكم دية قتلاكم وتعفوا عن دمائنا قالوا وكيف قال ندفع لكم رهنا منا
قالوا ومن لنا بهذا قال أنا قالوا ومن انت قال انا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
فرضوا به رضيت به كنانة ودفعوا إلى هوازن اربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام
فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في ايديهم عفوا عن الدماء وأطلقوهم وانقضت
حرب الفجار وزعم أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقاتل فيها . وروينا عن ابن سعد أن النبى صلى الله
عليه وسلم شهدها وله عشرون سنة وقال قال عليه السلام قد حضرته مع عمومتى
ورميت فيه بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت . وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف
الفضول منصرف قريش من الفجار . قال محمد بن عمر وكان الفجار في شوال وهذا
الحلف في ذى القعدة وكان أشرف حلف كان قط وأول من دعا اليه الزبير بن
عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وبنو أسد بن عبدالعزى في دار ابن
جدعان فصنع لهم طعاما فتعاقدوا وتعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى
اليه حقه ما بل بحر صوفة وقال عليه السلام ما أحب أن لى بحلف حضرته في
دار ابن جدعان حمر النعم وأنى أغدر به بعينه . قال محمد بن عمر ولا نعلم أحدا
سبق بنى هاشم بهذا الحلف .
ـ 69 ـ
( ذكر سفره عليه السلام إلى الشام مرة ثانية )
وتزويجه خديجة عليها السلام بعد ذلك
قال ابن إسحق ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة
بنت خويلد فيما ذكره غير واحد من أهل العلم . وقال ابن عبدالبر وخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس وعشرين وتزوج
خديجة بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما في عقب صفر سنة ست وعشرين
وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل . وقال الزهرى
كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة قال أبوعمر
وقال أبوبكر بن عثمان وغيره كان يومئذ ابن ثلاثين سنة قالوا وخديجة يومئذ
بنت اربعين سنة . وروينا عن أبى بشر الدولابى قال وحدثنى ابن البرقى أبوبكر
عن ابن هشام عن غير واحد عن أبى عمرو بن العلاء قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة . وروينا عن أبى الربيع بن سالم قال وذكر
الواقدى باسناد له له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قال وقد رويناه ايضا
من طريق أبى على بن السكن وحديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب
اللفظ وربما زاد أحدهما الشئ اليسير على الآخر وكلاهما ينمى إلى نفيسة قالت
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا
الامين لما تكاملت فيه من خصال الخير قال له ابوطالب يا ابن أخى أنا رجل
لا مال لى وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليس لنا مادة ولا
تجارة وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث
ـ 70 ـ
رجالا من قومك في عيرانها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع فلو جئتها
فوضعت نفسك عليها لاسرعت اليك وفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من
طهارتك وان كنت لاكره أن تأتى الشام وأخاف عليك من يهود ولكن لا نجد من
ذلك بدا وكانت خديجة بنت خويلد إمرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة وتبعث
بها إلى الشام فتكون عيرها كعامة عير قريش وكانت تستأجر الرجال وتدفع
اليهم المال مضاربة وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا من قريش فليس
عندهم بشئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلها ترسل إلى في ذلك فقال
أبوطالب إنى أخاف أن تولى غيرك فتطلب أمرا مدبرا فترقا وبلغ خديجة ما كان
من محاورة عمه له وقبل ذلك ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه
فقالت ما علمت أنه يريد هذا ثم أرسلت اليه فقالت إنه دعانى إلى البعثة اليك
ما بلغنى من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف
ما أعطى رجلا من قومك ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقى أبا طالب
فذكر له ذلك فقال ان هذا لرزق ساقه الله اليك فخرج مع غلامها ميسرة حتى
قدم الشام وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى
في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له نسطورا فاطلع الراهب إلى ميسرة
وكان يعرفه فقال يا ميسرة من هذا الذى نزل تحت هذه الشجرة فقال ميسرة رجل
من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى ثم قال له
في عينيه حمرة قال ميسرة نعم لا تفارقه قال الراهب هو هو وهو آخر الانبياء
وياليت أنى أدركه حين يؤمر بالخروج فوعى ذلك ميسرة ثم حضر رسول الله صلى
الله عليه وسلم سوق بصرى فباع سلعته التى خرج بها واشترى فكان بينه
وبين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل أحلف باللات والعزى فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة
ـ 71 ـ
وخلا به يا ميسرة هذا نبى والذى نفسى بيده وإنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 71 سطر 1 الى ص 80 سطر 23
وخلا به يا ميسرة هذا نبى والذى نفسى بيده وإنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم
فوعى دلك ميسرة ثم انصرف أهل العير جميعا وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله
عليه وسلم اذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو
على بعيره قال وكان الله عزوجل قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة
من ميسرة فكان كأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا وكانوا بمر الظهران ( 1 )
تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة
في علية لها معها نساء فيهن نفيسة بنت منية فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك
ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك فلما
دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت فقال لها ميسرة قد رأيت هذا منذ خرجنا من
الشام وأخبرها بقول الراهب نسطورا وقول الآخر الذى خالفه في البيع قالوا وقدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها فربحت ضعف ما كانت تربح وأضعفت له
ما سمت له فلما استقر عندها هذا وكانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله
بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا
وأكثرهن مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو يقدر عليه فعرضت عليه
نفسها فقالت له فيما يزعمون يا ابن عم إنى قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في
قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك فلما قالت له ذلك ذكر ذلك لاعمامه
فخرج مع عمه حمزة بن ع بدالمطلب رضى الله عنه حتى دخل على خويلد بن أسد
فخطبها اليه فتزوجها فقال أبوالربيع هكذا ذكر ابن اسحق وذ كرالواقدى وغيره
من حديث نفيسة أن خديجة أرسلتها اليه دسيسا فدعته إلى تزويجها . قلت وقد
روينا ذلك عن ابن سعد قال : أنا محمد بن عمر بن واقد الاسلمى ثنا موسى
* ( هامش ) * ( 1 ) هو واد بن مكة وعسفان . ( * )
ـ 72 ـ
ابن شيبة عن عميرة بنت عبدالله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن
الربيع عن نفيسة بنت منية قالت كانت خديجة بنت خويلد إمرأة حازمة جلدة
شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أوسط نساء قريش نسبا
وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك
قد طلبوها وبذلوا لها الاموال فأرسلتنى دسيسا إلى محمد بعد ان رجع من عيرها
من الشام فقلت يا محمد ما يمنعك ان تزوج قال ما بيدى ما أتزوج به قلت فان كفيت
ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن هى قلت
خديجة قال فكيف لى بذلك قالت قلت على قال فأنا أفعل فذهبت فأخبرتها
فأرسلت اليه أن ائت لساعة كذا وكذا فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها
فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوجه أحدهم فقال عمرو بن
أسد هذا الفحل لا يقدع أنفه ( 1 ) وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين
سنة وهى يومئذ بنت أربعين سنة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة . وذكر ابن إسحق
ان أباها خويلد بن أسد هو الذى أنكحها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك وجدته عن الزهرى
وفيه وكان خويلد أبوها سكران من الخمر فلما كلم في ذلك أنكحها فألقت عليه خديجة
حلة وضمخته بخلوق ( 2 ) فلما صحا من سكره قال ما هذه الحلة والطيب فقيل له أنكحت
محمدا خديجة وقد ابتنى بها فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه . وقال محمد بن عمر : الثبت
عندنا المحفوظ من أهل العلم ان أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار وأن عمها
عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورأيت ذلك عن غير الواقدى .
وقد قيل إن أخاها عمرو بن خويلد هو الذى أنكحها منه والله أعلم . وروينا عن
أبى بشر الدولابى ثنا يونس بن عبد الاعلى عن عبدالله بن وهب قال
أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهرى قال فلما استوى رسول الله صلى الله
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : انه كفء كريم لا يرد . ( 2 ) أى : طيبته بطيب . ( * )
ـ 73 ـ
عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كبير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق
حباشة وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا آخر من قريش فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنها ما رأيت من صاحبة لاجير خيرا من خديجة
ما كنا نرجع أنا وصاحبى إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا . وروينا عن
أبى بشر محمد بن احمد بن حماد قال وحدثنى ابوأسامة الحلبى ثنا حجاج بن أبى
منيع ثنا جدى عن الزهرى قال تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلين الاول منهما عتيق بن عايذ بن عبدالله بن عمر
ابن مخزوم فولدت له جارية وهى أم محمد بن صيفى المخزومى ، ثم خلف على خديجة
بعد عتيق بن عايذ أبوهالة التميمى وهو من بنى أسيد بن عمرو فولدت له هند بن
هند . كذا وقع في هذه الرواية عتيق بن عايذ والصواب عابد بالباء قاله الزبير
وسمى الزبير الجارية التى ولدتها منه هندا واسم أبى هالة هند بن زرارة بن النباش
ابن غذى بن خبيب بن صرد بن سلامة بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فيما
رويناه عن الدولابى : حدثنا ابوالاشعث احمد بن المقدام العجلى ثنا زهير بن العلاء
ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة بن دعامة فذكره . قال ابن اسحق وكانت
خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن اسد بن عبدالعزى وكان ابن عمها وكان نصرانيا
قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب
وما كان يرى منه إذا كان الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة
إن محمدا لنبى هذه الامة قد عرفت انه كائن بهذه الامة نبى ينتظر هذا زمانه
أو كما قال فجعل ورقة يستبطئ الامر . وله في ذلك أشعار منها ما رواه يونس بن
بكير عن ابن اسحق :
أتبكر أم أنت العشية رائح * وفى الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم * كأنك عنهم بعد يومين نازح
ـ 74 ـ
واخبار صدق خبرت عن محمد * يخبرها عنه إذا غاب ناصح
بأن ابن عبد الله احمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الاباطح
وظنى به ان ( 1 ) سوف يبعث صادقا * كما ارسل العبدان نوح وصالح
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " عن " بدل " ان " والتصحيح من النسخة الظاهرية . ( * )
ـ 75 ـ
( ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى )
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة
قال موسى بن عقبة وانما حمل قريشا على بنائها ان السيل كان اتى من فوق الردم الذى
صنعوا فأخربه فخافوا ان يدخلها الماء وكان رجل يقال له مليح ( 1 ) سرق طيب
الكعبة فأرادوا ان يشيدوا بنيانها وان يرفعوا بابها حتى لا يدخل الا من شاءوا
وأعدوا لذلك نفقة وعمالا ثم عمدوا اليها ليهدموها على شفق وحذر من ان يمنعهم
الله الدى ارادوا . قال ابن اسحق ثم ان القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنيانها ( 2 )
كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل
قبيلة تريد ان ترفعه إلى موضعه دون الاخرى حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال
فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدى على الموت وأدخلوا
ايديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم فمكثت قريش على ذلك اربع
ليال او خمسا ثم انهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا فزعم بعض اهل
الرواية ان ابا امية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وكان يومئذ اسن
قريش كلها قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه اول من يدخل من
باب هذا المسجد يقضى بينكم ففعلوا فكان اول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه
قالوا هذا الامين رضينا هذا محمد فلما انتهى اليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله
عليه وسلم هلم إلى ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة
بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الميم وسكون الهاء المثناة من تحتها . ( 2 ) في نسخة " لبنائها " . ( * )
ـ 76 ـ
صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه . وحكى السهيلى انها كانت تسع اذرع من عهد
اسمعيل يعنى ارتفاعها ولم يكن لها سقف فلما بنتها قريش قبل الاسلام زادوا فيها
تسع اذرع فكانت ثمان عشرة ذراعا ورفعوا بابها عن الارض فكان لا يصعد
اليها الا في درج او سلم وأول من عمل لها غلقا تبع ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها
تسع اذرع فكانت سبعا وعشرين ذراعا وعلى هذا هى إلى الآن . وكان بناؤها في
الدهر خمس مرات الاولى حين بناها شيث بن آدم عليهما السلام والثانية حين
بناها إبراهيم على القواعد الاولى والثالثة حين بنتها قريش قبل الاسلام بخمسة
أعوام والرابعة حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبى قبيس
فوقعت في أستارها فاحترقت وقيل ان إمرأة أرادت أن تجمرها فطارت شرارة من
المجمرة فاحترقت فشاور ابن الزبير في هدمها من حضر فهابوا هدمها وقالوا نرى أن
تصلح ما وهى ولا تهدم فقال لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح
ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها فهدمها حتى انتهى إلى قواعد ابراهيم وأمرهم أن يزيدوا
في الحفر فحركوا حجرا منها فرأوا تحته نارا وهو لا أفزعهم فأمرهم أن يغروا القواعد وان
يبنوا من حيث انتهى الحفر . وفى الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد فطاف الناس
بتلك الاستار فلم تخل من طائف حتى لقد ذكر ان يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب
واشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها . فلما استتم بنيانها ألصق
بابها بالارض وعمل لها خالفا أى بابا آخر من ورائها وأدخل الحجر فيها وذلك لحديث
حدثته به خالته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألم ترى قومك حين بنوا الكعبة
اقتصروا على قواعد ابراهيم حين عجزت بهم النفقة . ثم قال عليه السلام لولا حدثان
قومك بالجاهلية لهدمتها وجعلت لها خلفا وألصقت بابها بالارض ولادخلت الحجر
فيها أو كما قال عليه السلام . قال ابن الزبير فليس بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها
على مقتضى حديث عائشة . فلما قام عبدالملك بن مروان قال لسنا من تخليط
ـ 77 ـ
أبى خبيب بشئ فهدمها وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
فرغ من بنائها جاءه الحارث بن أبى ربيعة المعروف بالقباع وهو أخو عمر بن أبى
ربيعة الشاعر ومعه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث
المتقدم فندم وجعل ينكث في الارض بمخصرة في يده ويقول وددت أنى تركت
أبا خبيب وما تحمل من ذلك . فهذه المرة الخامسة . فلما قام أبوجعفر المنصور أراد
أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير وشاور في ذلك فقال له مالك بن أنس أنشدك
الله يا أمير المؤمنين وأن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك لا يشاء أحد منهم أن
يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه . وقد قيل
إنه نبى في أيام جرهم مرة او مرتين لان السيل كان قد صدع حائطه ولم يكن ذلك
بنيانا وإنما كان صلاحا لما وهى منه وجدارا يبنى بينه وبين السيل بناه عامر
الجادر . وكانت الكعبة قبل ان يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء
يطوف بها آدم ويأنس بها لانها أنزلت اليه من الجنة وكان قد حج إلى موضعها
من الهند . وقد قيل أيضا إن آدم هو أول من بناها . ذكره ابن اسحق في غير
رواية البكائى . وفى الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل ان يخلق الله
السموات والارض فلما بدأ الله يخلق الاشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق
السماء وقضاهن سبع سموات دحى الارض أى بسطها وذلك قوله سبحانه وتعالى
( والارض بعد ذلك دحاها ) وإنما دحاها من تحت مكة ولذلك سميت أم القرى .
وفى التفسير أن الله سبحانه حين قال للسموات والارض ( ائتيا طوعا أو كرها قالتا
أتينا طائعين ) لم يجبه بهذه المقالة إلا أرض الحرم فلذلك حرمها . وفى الحديث أن
الله حرم مكة قبل أن يخلق السموات والارض الحديث .
ـ 79 ـ
( ذكر ما حفظ من الاحبار والرهبان والكهان )
وعبدة الاصنام من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما تقدم
قال ابن اسحق وكانت الاحبار من يهود والرهبان من النصارى والكهان من
العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه
أما الاحبار من يهود والرهبان من النصارى فعما وحدوا في كتبهم من صفته وصفة
زمانه وما كان من عهد أنبيائهم اليهم فيه . وأما الكهان من العرب فأتتهم به
الشياطين فيما تسترق من السمع إذ كانت لا تحجب عن ذلك وكان الكاهن والكاهنة
لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره ولا تلقى العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله
ووقعت تلك الامور التى كانوا يذكرون فعرفوها فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد
التى كانت تقعد فيها لاستراقه فرموا بالنجوم فعرف الجن أن ذلك لامر حدث من
أمر الله في العباد يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه يقص
عليه خبرهم إذ حجبوا ( قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا
قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا
ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن
تقول الانس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من
الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء
فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع
الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندرى أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم
ربهم رشدا ) . فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك
ـ 80 ـ
لئلا يشكل الوحى بشئ من خبر السماء فيلبس على أهل الارض ما جاءهم من الله
فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة فآمنوا به وصدقوا ثم ولوا إلى قومهم منذرين قالوا
يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق
وإلى طريق مستقيم . وقول الجن ( وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال
من الجن ) الآية هو ان الرجل من العرب من قريش وغيرهم كان إذا سافر فنزل
بطن واد من الارض ليبيت فيه قال إنى أعوذ بعزيز هذا الوادى من الجن
الليلة من شر ما فيه . وذكر أن أول العرب فزع للرمى بالنجوم حين رمى بها
ثقيف وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بنى علاج وكان
أدهى العرب وأنكرها رأيا فقالوا له يا عمرو ألم تر ما حدث في السماء من القذف
بهذه النجوم قال بلى فانظروا فان كانت معالم النجوم التى يهتدى بها في البر والبحر
ويعرف بها الانواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هى التى يرمى
بها فهو والله طى هذه الدنيا وهلاك هذا الخلق الذى فيها وان كانت نجوما غيرها
وهى ثابتة على حالها فهذا لامر أراد الله بهذا الخلق . وقد روى أبوعمر النمرى من
طريق أبى داوود ثنا وهب بن بقية عن خالد . وبه قال وحدثنا محمد بن العلاء
عن ابن إدريس كلاهما عن حصين عن عامر الشعبى قال لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم
رجمت الشياطين بنجوم لم يكن يرجم بها قبل فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفى فقالوا
إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم فقال
لهم وكان رجل أعمى لا تعجلوا وانظروا فان كانت النجوم التى تعرف فهى عند
فناء الناس وان كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فاذا هى نجوم لا تعرف
فقالوا هذا من حدث فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبى صلى الله عليه وسلم . وروينا
من طريق مسلم ثنا الحسن بن على الحلوانى وعبد بن حميد قال حسن ثنا
يعقوب وقال عبد حدثنى يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن صالح عن
ـ 81 ـ
ابن شهاب قال حدثنى على بن حسين ابن عبدالله بن عباس قال أخبرنى رجل
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 81 سطر 1 الى ص 90 سطر 23
ابن شهاب قال حدثنى على بن حسين ابن عبدالله بن عباس قال أخبرنى رجل
من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من الانصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم رمى بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون في
الجاهلية إذا رمى بمثل هذا عبد . حدثنى يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن
صالح عن ابن شهاب قال قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول ولد الليلة رجل
عليم ومات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته
ولكن ربنا تبارك اسمه اذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين
يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش
لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ماذا قال فيسخبر بعض أهل السموات
بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم
ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون . أخبرنا
أبومحمد بن اسماعيل المسكى قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا ابو عبدالله بن أبى المعالى
ابن محمد بن الحسين نزيل الاسكندرية سماعا قال أنا أحمد بن محمد الشافعى قراءة
عليه وأنا أسمع قال أنا أحمد بن على بن الحسين قال أنا الحسن بن أحمد قال أنا
عبدالله بن جعفر قال أنا يعقوب بن سفيان ثنا يوسف بن حماد المعنى ثنا عبد
الاعلى عن محمد بن اسحق . وروينا من طريق البكائى عن ابن اسحق ومعناهما
واحد وهذا اللفظ للبكائى عن ابن سحق . قال وحدثنى صالح بن ابراهيم عن
محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال كان لنا جار
من يهود من بنى عبد الاشهل فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار
فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا
له ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا ان الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة
ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذى يحلف به ولود أن له بحظه من تلك النار
ـ 82 ـ
أعظم تنور في داره يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بان ينجو من تلك النار
غدا فقالوا له ويحك يا فلان وما آية ذلك قال نبى مبعوث من نحو هذه البلاد
وأشار بيده إلى مكة واليمن قالوا ومتى نراه ؟ فنظر إلى وأنا من أحدثهم سنا فقال
ان يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث
الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له
ويحك يا فلان ألست الذى قلت لنا فيه ما قلت قال بلى ولكن ليس به . وروينا
عن محمد بن سعد قال أنا محمد بن عمر قال حدثنى الحجاج بن صفوان عن أبى حسين
عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عنبسة السلمى قال رغبت عن آلهة قومى في
الجاهلية وذلك أنها باطل فلقيت رجلا من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت إنى
امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحى ليس معهم إله فيخرج الرجل منهم فيأتى
بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلها يعبده ثم لعله يجد ما هو
أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلا سواه فرأيت أنه إله
باطل لا ينفع ولا يضر فدلنى على خير من هذا فقال يخرج من مكة رجل يرغب عن
آلهة قومه ويدعو إلى غيرها فاذا رأيت ذلك فاتبعه فانه يأتى بأفضل الدين فلم
يكن لى همة منذ قال لى ذلك إلا مكة فآتى فأسأل هل حدث فيها حدث فيقال لا
ثم قدمت مرة فسالت فقالوا حدث فيها رجل يرغب عن الهة قومه ويدعو إلى
غيرها فشددت راحلتى برحلها ثم قدمت منزلى الذى كنت أنزل بمكة فسألت عنه
فوجدته مستخفيا ووجدت قريشا عليه أشداء فتلطفت له حتى دخلت عليه فسألته
فقلت أى شئ أنت قال نبى فقلت ومن أرسلك قال الله قلت وبم أرسلك قال
بعبادة الله وحده لا شريك له وبحقن الدماء وبكسر الاوثان وصلة الرحم وأمان
السبيل فقلت نعم ما أرسلت به قد آمنت بك وصدقتك أتأمرنى أن أمكث
معك أو أنصرف فقال ألا ترى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث
ـ 83 ـ
كن في أهلك فاذا سمعت بى قد خرجت مخرجا فاتبعنى فمكثت في أهلى حتى إذا
خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة فقلت يا نبى الله أتعرفنى قال نعم أنت
السلمى الذى أتيتنى بمكة وذكر باقى الحديث . وروينا عن ابن اسحق قال حدثنى
عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا ان مما دعانا إلى الاسلام مع رحمة
الله لنا وهداه لما كنا نسمع من احبار يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا
أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكان لا تزال بيننا وبينهم شرور فاذا لنا منهم
بعض ما يكرهون قالوا لنا إنه قد تقارب زمان نبى يبعث الآن يقتلكم قتل عاد
وارم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أجبناه
حين دعانا إلى الله عزوجل وعرفنا ما كانوا ي تواعدوننا به فبادرناهم اليه فآمنا
به وكفروا ففى ذلك نزلت هذه الآيات في البقرة ( ولما جاءهم كتاب من عند الله
مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا
كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) . وذكر الواقدى عن عطاء بن يسار قال
لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في التوراة قال أجل والله انه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن
يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين أنت عبدى
ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الاسواق ولا يدفع السيئة
بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا
لا إله إلا الله يفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا . قال عطاء ثم لقيت
كعب الاحبار فسألته فما اختلفا في حرف . وروينا عن ابن اسحق قال حدثنى
عاصم بن عمر عن شيخ من بنى قريظة قال قال لى هل تدرى عم كان اسلام ثعلبة
ابن سعية واسيد بن سعية واسيد بن عبيد نفر من هدل ( 1 ) اخوة قريظة كانوا معهم
في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الاسلام قال قلت لا قال فان رجلا من يهود من
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة . وذكره السهيلى بفتح الهاء والدال . ( * )
ـ 84 ـ
أهل الشام يقال له ابن الهيبان ( 2 ) قدم عليناقبل الاسلام بسنين فحل بين أظهرنا
لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلى الخمس افضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط
المطر قلنا له اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدى
نجواكم صدقة فنقول له كم فيقول صاعا من تمر او مدين من شعير فنخرجها ثم يخرج
بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقى لنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى
قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف انه
ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجنى من أمر الخمر والخمير إلى ارض البؤس
والجوع فقلنا أنت أعلم قال فانما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبى قد أظل زمانه
وهذه البلدة مهاجرة فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه قد أظلكم زمانه فلا تسبقن
اليه يا معشر يهود فانه يبعث بسفك الدماء وسبى الذرارى والنساء ومن خالفه فلا
يمنعنكم ذلك منه فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وحاصر بنى قريظة قال هؤلاء
الفتية وكانوا اشبانا أحداثا يا بنى قريظة والله انه للنبى الذى عهد إليكم فيه ابن الهيبان
قالوا ليس به قال بلى والله انه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم
وأهليهم . وذكر الواقدى عن النعمان السبائى قال وكان من أحبار يهود باليمن
فلما سمع بذكر النبى صلى الله عليه وسلم قدم عليه فسأله عن أشياء ثم قال إن أبى كان يختم
على سفر يقول لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبى قد خرج بيثرب فاذا سمعت به
فافتحه قال نعمان فلما سمعت بك فتحت السفر فاذا فيه صفتك كما أراك الساعة
وإذا فيه ما تحل وما تحرم وإذا فيه أنك خير الانبياء وأمتك خير الامم واسمك
أحمد صلى الله عليك وسلم وأمتك الحمادون قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم
لا يحضرون قتالا إلا وجبريل معهم يتحنن الله إليهم كتحنن الطير على أفراخه ثم
قال لى إذا سمعت به فاخرج اليه وآمن به وصدق به فكان النبى صلى الله عليه
* ( هامش ) * ( 2 ) بفتح الهاء وكسر الياء المثناة من تحت المشددة وفتح الباء الموحدة وآخره نون . ( * )
ـ 85 ـ
وسلم يجب أن يسمع أصحابه حديثه فأتاه يوما فقال له النبى صلى الله عليه وسلم
يا نعمان حدثنا فابتدأ النعمان الحديث من أوله فرئى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم
ثم قال اشهد أنى رسول الله . ويقال ان النعمان هذا هو الذى قتله الاسود العنسى
وقطعه عضوا عضوا وهو يقول أشهد أن محمدا رسول الله وأنك كذاب مفتر على الله
عزوجل ثم حرقه بالنار . أخبرنا الشيخان أبوالفضل عبدالرحيم بن يوسف بن يحيى
الموصلى وأ بوالهيجاء غازى بن أبى الفضل بن ع بدالوهاب قراءة على الاول وأنا
أسمع وبقراءتى على الثانى قالا أنا أبوحفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد الدارقزى
قراءة عليه قال الاول وأنا في الخامسة وقال الثانى وأنا أسمع قال أنا أبوالقاسم
هبة الله بن محمد بن عبدالواحد بن الحصين الشيبانى قال أنا أبوطالب محمد بن
محمد بن ابراهيم بن غيلان البزار قال أنا أبوبكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشافعى
ثنا محمد بن يونس ثنا يعقوب بن محمد الزهرى ثنا عبدالعزيز بن عمران عن عبد
الله بن جعفر عن أبى عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس
ابن ع بدالمطلب قال قال لى أبى ع بدالمطلب بن هاشم خرجت إلى اليمن في رحلة
الشتاء والصيف فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور فقال يا ع بدالمطلب بن هشام
ائذن لى أنظر في بعض جسدك قال قلت فانظر مالم يكن عورة قال فنظر في منخرى
قال أجد في إحدى منخريك ملكا وفى الاخرى نبوة فهل لك من شاعة قال قلت
وما الشاعة قال الزوجة قال قلت أما اليوم فلا قال فاذا قدمت مكة فتزوج قال فقدم عبد
المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن زهرة فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبدالله آمنة
بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت قريش تقول فلج عبدالله على أبيه ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) الفلج : الظفر والفوز . هنا في هامش الاصل " بلغ مقايلة " ( * )
ـ 87 ـ
( خبر سلمان الفارسى رضى الله عنه )
روينا عن ابن إسحق قال حدثنى عاصم عن محمود عن ابن عباس قال
حدثنى سلمان الفارسى من فيه قال كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية
يقال لها جى وكان أبى دهقان قريته وكنت أحب خلق الله اليه لم يزل حبه إياى
حتى حبسنى في بيت كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن
النار الذى يوقدها لا يتركها تخبو ساعة وكانت لابى ضيعة عظيمة فشغل في بنيان
له يوما فقال لى يا بنى إنى قد شغلت في بنيانى هذا اليوم عن ضيعتى فاذهب اليها
فاطلعها وأمرنى فيها ببعض ما يريد ثم قال لى ولا تحتبس عنى فانك إن احتبست
عنى كنت أهم إلى من ضيعتى وشغلتنى عن كل أمر من أمرى فخرجت أريد
ضيعته التى بعثنى اليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم
فيها وهم يصلون وكنت لا أدرى ما أمر الناس لحبس أبى اياى في بيته فلما سمعت
أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتنى صلاتهم ورغبت في
أمرهم وقلت هذا والله خير من الذى نحن عليه فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس
وتركت ضيعة أبى فلم آتها ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فرجعت
إلى أبى وقد بعث في طلبى وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أى بنى أين كنت
ألم أكن عهدت اليك ما عهدت اليك قلت يا أبت مررت بالناس يصلون في
كنيسة لهم فأعجبنى ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس
قال أى بنى ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه فقلت له كلا
والله إنه لخير من ديننا قال فخافنى فجعل في رجلى قيدا ثم حبسنى في بيته وبعثت
ـ 88 ـ
إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبرونى بهم فقدم
عليهم تجار من النصارى فاخبرونى فقلت لهم اذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة
إلى بلادهم فآذنونى بهم قال فلما أرادوا الرجعة أخبرونى بهم فألقيت الحديد من
رجلى ثم قدمت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين
علما قالوا الاسقف في الكنيسة فجئته فقلت له إنى قد رغبت في هذا الدين وأحببت
أن أكون معك فأخدمك في كنيستك وأتعلم من علمك وأصلى معك قال أدخل
فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فاذا جمعوا اليه شيئا
منها إكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق
فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات واجتمعت النصارى ليدفنوه قلت
لهم ان هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فاذا جئتموه بها إكتنزها
لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا فقالوا لى وما علمك بذلك قلت أنا أدلكم
على كنزه فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا
والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ورموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت
رجلا لا يصلى الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا
أدأب ليلا ونهارا منه فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله فأقمت معه زمانا ثم حضرته
الوفاة فقلت له يا فلان إنى قد كنت معك وأحببتك حبا شديدا لم أحبه شيئا قبلك
وقد حضرك من الامر ما ترى فالى من توصى بى وبم تأمرنى فقال أى بنى والله
ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ولقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا
عليه إلا رجل بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فلما مات وغيب لحقت
بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانا أوصانى عند موته ان ألحق بك وأخبرنى
أنك على أمره فقال لى أقم عندى فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه
فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت يا فلان إن فلانا أوصى بى اليك وأمرنى
ـ 89 ـ
باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فالى من توصى بى وبم تأمرنى قال
يا بنى والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق
به فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبرى وما أمرنى به صاحبى
فقال أقم عندى فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه فأقمت مع خير رجل فوالله
ما لبث ان نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان ان فلانا كان أوصى بى إلى
فلان ثم أوصى بى فلان اليك فالى من توصى بى وبم تأمرنى قال يا بنى والله ما أعلم
بقى أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فأته فانه
على مثل ما نحن عليه فان أحببته فأته فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية
فأخبرته خبرى فقال أقم عندى فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه
وأمرهم واكتسبت حتى كانت لى بقرات وغنيمة ثم نزل به أمر الله فلما
حضر قلت له يا فلان إنى كنت مع فلان فأوصى بى إلى فلان ثم أوصى بى فلان
إلى فلان ثم أوصى بى فلان اليك فالى من توصى بى وبم تأمرنى قال أى بنى والله
ما أعلمه أصبح على مثل ماكنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أطل
زمان نبى مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره إلى أرض بين حرتين
بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم
النبوة فان استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات وغيب فمكثت
بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بى نفر من كلب تجار فقلت لهم إحملونى إلى
أرض العرب وأعطيكم بقراتى هذه وغنيمتى هذه فقالوا نعم ف أعطيتموها وحملونى
معهم حتى إذا بلغوا وادى القرى ظلمونى فباعونى من رجل يهودى فكنت عنده
فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلدة التى وصف لى صاحبى ولم يحق عندى
فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بنى قريظة من المدينة فابتاعنى منه
فحملنى إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبى فأقمت بها وبعث
ـ 90 ـ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم
هاجر إلى المدينة فوالله إنى لفى رأس عذق ( 1 ) لسيدى أعمل له فيه بعض العمل وسيدى
جالس تحتى إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه قال يا فلان قاتل الله بنى قيلة
والله إنهم الآن مجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبى
فلما سمعتها أخذتنى العرواء ( 2 ) حتى ظننت أنى ساقط على سيدى فنزلت عن النخلة
فجعلت أقول لابن عمه ذلك ما تقول فغضب سيدى ولكمنى لكمة شديدة ثم
قال مالك ولهذا أقبل على عملك فقلت لا شئ إنما أردت أن أستثبته عما قال ، وقد
كان عندى شئ جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له انه قد بلغنى انك رجل صالح ومعك
اصحاب لك غرباء ذووا حاجة وهذا شئ كان عندى للصدقة فرأيتكم أحق به
من غيركم فقربته اليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه كلوا وأمسك يده فلم
يأكل فقلت في نفسى هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته فقلت إنى رأيتك لا تأكل الصدقة
وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه فأكلوا معه فقلت
في نفسى هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد ( 3 )
قد تبع جنازة من اصحابه وعلى شملتان لى وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه
ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذى وصف لى صاحبى فلما رآنى رسول
الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أنى أستثبت في شئ وصف لى فألقى
الرداء عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكبت عليه أقبله وأبكى فقال لى
رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثى كما
حدثتك يابن عباس فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه
* ( هامش ) * ( 1 ) العذق بالفتح النخلة . ( 2 ) أى الرعدة . ( 3 ) مقبرة المدينة . ( * )
ـ 91 ـ
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 91 سطر 1 الى ص 100 سطر 20
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال
سلمان ثم قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبى
على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير ( 1 ) وأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أعينوا أخاكم فأعانونى بالنخل الرجل بثلاثين ودية ( 2 ) والرجل بعشرين ودية
والرجل بخمسة عشر والرجل بعشر والرجل ببقدر ما عنده حتى اجتمعت لى ثلاثمائة
ودية فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها فاذا فرغت فأتنى أكن
أنا أضعها بيدى ففقرت وأعاننى أصحابى حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج معى اليها
فجعلنا نقرب اليه الودى ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغت فوالذى نفس
سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل وبقى على المال فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال
ما فعل الفارسى المكاتب فدعيت له فقال خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان قلت
وأين تقع هذه يا رسول الله مما على قال خذها فان الله سيؤدى بها عنك فأخذتها
فوزنت لهم منها والذى نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم فشهدت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتنى معه مشهد . وذكر ابوعمر في
خبر سلمان من طريق يزيد بن الحباب قال حدثنى حسين بن واقد عن عبدالله
ابن بريدة عن أبيه أن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه فاشتراه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم من اليهود بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس
لهم كذا وكذا من النخل يعمل فيها سلمان حتى تدرك فغرس رسول الله صلى الله
عليه وسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة التى
غرسها عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غرسها قالوا : عمر فقلعها وغرسها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمت من عامها . وذكر البخارى رحمه الله
* ( هامش ) * ( 1 ) هو من الفقر وهو حفر البئر وقيل بئر لا ماء فيه أو ماؤه قليل . ( 2 ) أى نخلة صغيرة . ( * )
ـ 92 ـ
حديث سلمان كما ذكره ابن اسحق غير أنه ذكر ان سلمان غرس بيده ودية واحدة
وغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرها فعاشت كلها إلا التى غرس سلمان .
هذا معنى حديث البخارى رحمه الله . وعن سلمان أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أخبره خبره أن صاحب عمورية قال له إئت كذا وكذا من أرض الشام
فان بها رجلا بين غيضتين يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة
مستجيزا يعترضه ذوو الاسقام فلا يدعو لاحد منهم إلا شفى فسله عن هذا الدين
الذى تبتغى فهو يخبرك عنه قال سلمان فخرجت حتى جئت حيث وصف فوجدت
الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى
الغيضتين إلى الاخرى فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفى وغلبونى
عليه فلم أخلص اليه حتى دخل الغيضة التى يريد أن يدخل إلا منكبه فتناولته
فقال من هذا والتفت إلى فقلت يرحمك الله أخبرنى عن الحنيفية دين ابراهيم
قال إنك لتسأل عن شئ ما يسأل عنه الناس اليوم قد أظلك نبى يبعث بهذا
الدين من أهل الحرم فأته فهو يحملك عليه ثم دخل فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لئن كنت صدقتنى لقد لقيت عيسى بن مريم . رواه ابن اسحق عن داود
ابن الحصين قال حدثنى من لا أتهم عن عمر بن عبدالعزيز قال قال سلمان
فذكره . قيل ان الرجل المطوى الذكر في هذا الاسناد هو الحسن بن عمارة فان
يكنه فهو ضعيف عندهم قاله السهيلى . وقال وإن ضح هذا الحديث فلا نكارة
في متنه فقد ذكر الطبرى أن المسيح عليه السلام نزل بعد ما رفع وأمه وامرأة
أخرى عند الجذع الذى فيه الصليب يبكيان فكلمهما وأخبرهما أنه لم يقتل وأن
الله رفعه وأرسله إلى الحواريين ووجههم إلى البلاد واذا جاز ان ينزل مرة جاز أن
ينزل مرارا ولكن لا يعلم به انه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر الصليب
ويقتل الخنزير كما جاء في الصحيح والله أعلم . ويروى انه إذا نزل تزوج امرأة من
ـ 93 ـ
جذام ويدفن اذا مات في روضة النبى صلى الله عليه وسلم . وقوله فقر لثلثمائة ودية معناه حفر .
وقوله احييها له بالفقير قيل الوجه بالتفقير . وقطن النار خازن النار وخادمها . والعرواء
الرعدة . ورأيت بخط جدى رحمه الله فيما علقه على نسخته بكتاب السيرة الهشامية
من حواشى كتاب أبى الفضل عياض بن موسى وغيره قال الصدفى العرواء الحمى
النافض والبرحاء الحمى الصالب والرحضاء الحمى التى تأخذ بالعروق والمطواء التى
تأخذ بالتمطى والثوباء التى تأخذ بالتثاؤب . وذكر ابن إسحق في خبر زيد بن عمرو
ابن نفيل قال وكان زيد قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الارض يطلب
الحنيفية دين ابراهيم عليه السلام فكانت امرأته صفية بنت الحضرمى كلما رأته
تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل وكان الخطاب وكلها به فقال اذا
رأيتيه هم بأمر فآذنينى به ثم خرج يطلب دين ابراهيم عليه السلام ويسأل الرهبان
والاحبار حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل فجال الشام كلها حتى إذا انتهى إلى
راهب بميفعة ( 1 ) من الارض البلقاء كان ينتهى اليه علم النصرانية ( 2 ) فيما يزعمون فسأله
عن الحنيفية دين ابراهيم عليه السلام فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من
يحملك عليه اليوم ولكن قد أظلك زمان نبى يخرج من بلادك التى خرجت منها
يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق به فانه مبعوث الآن هذا زمانه . وقد كان زيد
شام اليهودية و النصرانية فلم يرض منها شيئا فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب
ما قال يريد مكة حتى اذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه . قال ابن اسحق وكان
فيما بلغنى عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله من الانجيل من صفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أثبت لهم يحنس ( 3 ) الحوارى حين نسخ لهم الانجيل من عهد
عيسى بن مريم اليهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أبغضنى فقد
* ( هامش ) * ( 1 ) الميفعة العالى من الارض . ( 2 ) في الظاهرية " علم أهل النصرانية " .
( 3 ) بضم الياء وفتح الحاء وتشديد النون ، ويجوز فيها الفتح والكسر معا . ( * )
ـ 94 ـ
بغض الرب ولولا انى صنعت بحضرتهم صنايع لم يصنعها أحد قبلى ما كانت لهم
خطيئة ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يغروننى وايضا للرب ولكن لابد أن
تتم الكلمة التى في الناموس انهم أبغضونى مجانا أى باطلا فلولا قد جاء المنحمنا
هذا الذى يرسله الله اليكم من عند الرب روح القسط هذا الذى من عند الرب
خرج فهو شهيد على وأنتم ايضا لانكم قديما كنتم معى على هذا قلت لكم لكى لا
تشكوا . والمنحمنا ب السريانية هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو بالرومية ا لبرقليطس .
قال ابن هشام وبلغنى أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم فكلما مات
رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التى
قبله ولم يكسرها فخرج الرئيس الذى كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يمشى فعثر فقال
ابنه تعس الابعد يريد النبى صلى الله عليه وسلم فقال له أبوه لا تفعل فانه نبى
واسمه في الوضائع يعنى الكتب فلما مات لم يكن له همة إلا أن شد فكسر الخواتم
فوجد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه فحج وهو الذى يقول :
إليك تغدو قلقا وضينها * معترضا في بطنها جنينها
مخالفا دين النصارى دينها
وقد روينا عن دحية بن خليفة الكلبى في توجهه بكتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملك
الروم وان ملك الروم قال لقومه هذا كتاب النبى الذى بشرنا به المسيح من ولد اسمعيل
ابن ابراهيم عليهما السلام . وسيأتى بسنده إن شاء الله تعالى عند ذكر كتب النبى
صلى الله عليه وسلم إلى الملوك . أخبرنا الامام أبو عبدالله محمد بن ابراهيم المقدسى حضورا
في الرابعة بقراءة والدى رحمة الله عليه بالقاهرة وأبوعبد الله محمد بن عبدالمؤمن
ابن أبى الفتح بقراءتى عليه بمرج دمشق قالا أنا أب والبركات داود بن أحمد بن
محمد بن ملاعب قال أنا أبوالفضل محمد بن عمر بن يوسف الارموى قال أنا أبو
القاسم يوسف بن أحمد بن محمد المهروانى بانتقاء أبى بكر الخطيب البغدادى الحافظ
ـ 95 ـ
عليه قال أنا أبوسهل محمود بن عمر العكبرى ثنا أبوصالح سهل بن اسمعيل الموسوى
ثنا ا بوالعباس عبدالله بن وهب الغزى بالرملة ثنا محمد بن أبى السرى العسقلانى
ثنا شيخ بن أبى خالد البصرى ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن
عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نقش خاتم سليمان بن داود
عليهما السلام لا إله إلا الله محمد رسول الله . وروينا عن محمد بن سعد قال أخبرنا
محمد بن عمر حدثنى العطاف بن خالد عن خالد بن سعيد قال قال تميم الدارى كنت
بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى بعض حاجتى فأدركنى الليل
فقلت أنا في جوار عظيم هذا الوادى فلما أخذت مضجعى إذا مناد ينادى لا أراه
عذ بالله فان الجن لا تجير أحدا على الله تعالى فقلت أيم تقول ؟ فقال قد خرج
رسول الاميين رسول الله وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه وذهب كيد
الجن ورميت بالشهب فانطلق إلى محمد فأسلم فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب
فسألت راهبا به وأخبرته الخبر فقال صدقوك نجده يخرج من الحرم ومهاجره الحرم
وهو خير الانبياء فلا تسبق اليه قال تميم فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأسلمت .
( خبر قس بن ساعدة الايادى )
قرئ على الشيخة الاصيلة أمة الحق شامية ابنة الامام الحافظ أبى على الحسن
ابن محمد بن محمد بن محمد البكرى وأنا أسمع بالقاهرة قالت أنا أبومحمد عبدالجليل
ابن أبى غالب بن أبى المعالى بن مندوية الاصبهانى قراءة عليه وأنا أسمع سنة عشر
وستمائة قال أنا أ بوالمحاسن نصر بن المظفر بن الحسين البرمكى الجرجانى سماعا
عليه سنة تسع وأربعين وخمسمائة قال أنا أبوالحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن
ـ 96 ـ
النقور قال أنا أبوالحسن على بن عمر بن محمد بن الحسن الحربى ثنا أبوالقاسم
عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوى ثنا محمد بن حسان بن خالد السمتى أبو
جعفر سنة ثمان وعشرين ومائتين وفيها توفى ثنا محمد بن الحجاج اللخمى عن
مجالد عن الشعبى عن ابن عباس قال قدم وفد عبد قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أيكم يعرف قس بن ساعدة الايادى قالوا كلنا يا رسول الله يعرفه قال فما فعل
قالوا هلك قال ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر وهو يقول أيها الناس اجتمعوا
واسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا
وإن في الارض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم
قس قسما حتما لئن كان في الامر رضى ليكونن سخطا إن لله لدينا هو أحب اليه
من دينكم الذى أنتم عليه مالى أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام
فأقاموا أم تركوا فناموا . ثم قال أيكم يروى شعره فأنشدوه :
في الذاهبين الاولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومى نحوها * تمضى الاصاغر والاكابر
لا يرجع الماضى إلى * ولا من الباقين غابر
أيقنت انى لا محالة * حيث صار القوم صائر
وقرأت على أبى الفتح يوسف بن يعقوب الشيبانى بدمشق أخبركم أبواليمن
زيد بن الحسن الكندى قراءة عليه وأنتم تسمعون قال أنا الحافظ أبوالقاسم
اسمعيل بن أحمد بن عمر بن السمرقندى قراءة عليه وأنا اسمع قال أنا ابوصالح
احمد بن عبدالملك المؤذن ثنا أبو عبدالرحمن محمد بن الحسين السلمى ثنا أ بوالعباس
الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطى بمكة من حفظه وزعم أن له خمسا
وتسعين سنة في ذى الحجة سنة ست وستين وثلثمائة على باب ابراهيم قال ثنا
ـ 97 ـ
محمد بن عيسى بن محمد الاخبارى ثنا أبى عيسى بن محمد بن سعيد القرشى ثنا على بن
سليمان عن سليمان بن على عن على بن عبدالله عن عبدالله بن عباس قال قدم الجارود
ابن عبدالله وكان سيدا في قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذى بعثك بالحق
لقد وجدت صفتك في الانجيل ولقد بشر بك ابن البتول فأنا أشهد أن لا إله إلا
الله وأنك محمد رسول الله قال فآمن الجارود وآمن من قومه كل سيد فسر النبى
صلى الله عليه وسلم بهم وقال يا جارود هل في جماعة وفد عبدالقيس من يعرف لنا قسا قالوا
كلنا نعرفه يا رسول الله وأنا من بين يدى القوم كنت أقفو أثره كان من أسباط
العرب فصيحا عمر سبعمائة سنة أردك من الحواريين سمعان فهو أول من تأله من
العرب كأنى أنظر اليه يقسم بالرب الذى هو له ليبلغن الكتاب اجله وليوفين
كل عامل عمله ثم أنشأ يقول :
هاج للقلب من جواه ادكار * وليال خلالهن نهار
في أبيات آخرها : والذى قد ذكرت دل على الله * نفوسا لها هدى واعتبار
فقال النبى صلى الله عليه وسلم على رسلك يا جارود فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق ( 1 )
وهو يتكلم بكلام ما أظن انى احفظه فقال أبوبكر يا رسول الله فانى أحفظه كنت
حاضرا ذلك اليوم بسوق عكاظ فقال في خطبته : يا أيها الناس اسمعوا وعوا
وإذا وعيتم فانتفعوا انه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت مطر
ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات وآيات بعد
آيات إن في السماء لخبرا وان في الارض لعبرا ليل ذاج وسماء ذات أبراج وأرض
ذات رتاج وبحار ذات أمواج مالى أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام
فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسما لا حانثا فيه ولا آثما ان لله دينا هو أحب
اليه من دينكم الذى أنتم عليه ونبيا قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى لمن آمن
* ( هامش ) * ( 1 ) هو ما في لونه بياض إلى سواد . ( * )
ـ 98 ـ
به فهداه وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال تبا لارباب الغفلة من الامم الخالية والقرون
الماضية يا معشر إياد أين الآباء والاجداد وأين المريض والعواد وأين الفراعنة الشداد
أين من بنى وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى
وقال انا ربكم الاعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالا وأطول منكم آجالا وأبعد منكم
آمالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها
الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود ثم أنشأ يقول
في الذاهبين الاولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومى نحوها * تمضى الاصاغر والاكابر
لا يرجع الماضى إلى * ولا من الباقين غابر
أيقنت أنى لامحا * لة حيث صار القوم ضائر
قام ثم جلس وقام رجل اشدق اجش ( 1 ) الصوت فقا لقد رأيت من قس عجبا خرجت
أطلب بعيرا لى حتى اذا عسعس الليل وكاد الصبح ان يتنفس هتف بى هاتف يقول
يأيها الراقد في الليل الاحم * قد بعث الله نبيا في الحرم
من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجنات الليالى والبهم ( 2 )
قال فأدرت طرفى فما رأيت شخصا فأنشأت أقول
يأيها الهاتف في داجى الظلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم * من ذا الذى تدعو اليه تغتنم
قال فاذا أنا بنحنحة وقائل يقول ظهر النور وبطل الزور وبعث الله محمدا
صلى الله عليه وسلم بالحبور صاحب النجيب الاحمر والتاج المغفر والوجه الازهر والحاجب
الاقمر والطرف الاحور صاحب قول شهادة أن لا إله الا الله فذلك محمد المبعوث
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : غليظ . ( 2 ) دجنات اى : ظلمات ، واليهم جمع ليهم وهى السود . ( * )
ـ 99 ـ
إلى الاسود والاحمر أهل المدر والوبر ثم أنشأ يقول
الحمد لله الذى لم يخلق الخلق عبث * ولم يخلنا سدا من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا احمدا خير نبى قد بعث * صلى عليه الله ما حج له ركب وحث
قال ولاح الصباح واذا بالفنيق ( 1 ) يشقشق ( 2 ) إلى النوق فملكت خطامه وعلوت سنامه
حتى اذا لغب فنزل في روضة خضرة فاذا انا بقس بن ساعدة في ظل شجرة وبيده
قضيب من أراك ينكث به في الارض وهو يقول :
يا ناعى الموت والملحود في جدث * عليهم من بقايا بزهم حرق
دعهم فان لهم يوما يصاح بهم * فهم اذا انتبهوا من نومهم فرقوا
حتى يعودوا بحال غير حالهم خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها المنهج الخلق
قال فدنوت منه فسلمت عليه فرد على السلام فاذا أنا بعين حرارة في ارض
خوارة ومسجد بين قبرين وأسدين عظيمين يلوذان به واذا بأحدهما قد سبق
الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء فضربه بالقضيب الذى في يده وقال له ارجع
ثكلتك أمك حتى يشرب الذى ورد قبلك فرجع ثم ورد بعده فقلت له ما هذان
القبران قال هذان قبرا أخوين كانا لى يعبدان الله عزوجل معى في هذا المكان
لا يشركان بالله شيئا فأدركهما الموت فقبرتهما وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما
ثم نظر اليهما وجعل يقول
خليلى هبا طالما قد رقدتما * أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أنى بسمعان مفردا * ومالى فيه من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالى أو يجيب صداكما
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الفاء وكسر النون وهو الجمل المكرم لا يركب ولا يهان لكرامته .
( 2 ) اى : يخرج شقشقته من جوفه فينفخها فتظهر من شقه عند هياجه . ( * )
ـ100ـ
أبكيكما طول الحياة وما الذى * يرد على ذى لوعة ان بكاكما
كأنكما والموت اقرب غائب * بروحى في قبريكما قد أتاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا * كأن الذى يسقى العقار ( 1 ) سقاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية * لجدت بنفسى ان تكون فداكما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله قسا إنى ارجو أن يبعثه الله عزوجل أمة وحده ( 2 )
( خبر سواد بن قارب )
وكان يتكهن في الجاهلية وكان شاعرا ثم اسلم
قرأت على أبى عبدالله بن ابى الفتح بن وثاب الصورى ب الزعيزعية ( 3 ) بمرج دمشق
قلت له أخبركم الشيخان المؤيد هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادى نزيل
أصبهان وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة قالا : أنا أبوالفرج سعيد
ابن أبى الرجاء الصيرفى قراءة عليه ونحن نسمع بأصبهان قال أنا ابونصر ابراهيم بن
محمد بن على الاصبهانى الكسائى قال انا ابوبكر محمد بن ابراهيم بن على بن عاصم بن
المقرئ قال أنا ابويعلى أحمد بن على بن المثنى الموصلى ثنا يحيى بن حجر بن النعمان السامى
ثنا على بن منصور الانبارى عن عثمان بن عبدالرحمن الوقاصى عن محمد بن كعب
القرظى قال بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذات يوم جالسا إذ مر به رجل
فقيل يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المار قال ومن هذا قالوا هذا سواد بن قارب
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : الخمر . ( 2 ) قال الحافظ ابن كثير قصة قس لها طرق كلها ضعيفة وهى
مع ضعفها ك المتعاضدة على اثبات اصل القصة .
( 3 ) بضم ففتح فسكون فكسر فكسر ففتح بتشديد من قرى مرج دمشق . ( * )
( غزوة بدر الاولى )
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 301 سطر 1 الى ص 310 سطر 23
( غزوة بدر الاولى )
قال ابن إسحق : فلم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من
غزوة العشيرة إلا ليالى قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهرى على
سرح ( 1 ) المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ واديا يقال
له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر فلم يدركه واستعمل على المدينة فيما قال
ابن هشام زيد بن حارثة ، وذكر ابن سعد أنها في ربيع الاول على رأس ثلاثة
عشر شهرا من الهجرة وحمل اللواء فيها على بن أبى طالب قال والسرح ما رعوا من نعمهم .
* ( هامش ) * ( 1 ) السرح : الابل والمواشى التى تسرح للرعى . ( * )
ـ302ـ
( سرية عبدالله بن جحش )
وبعث عبدالله بن جحش في رجب مقفله من بدر الاولى ومعه ثمانية رهط
من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد وكتب له كتابا وأمره ان لا ينظر فيه
حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره به ولا يستكره احدا من اصحابه
وكان اصحابه ابوحذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وعكاشة بن محصن
الاسدى وعتبة بن غزوان وسعد بن ابى وقاص وعامر بن ربيعة من عنز بن وائل
حليف بنى عدى وواقد بن عبدالله أحد بنى تميم حليف لهم وخالد بن البكير
وسهيل بن بيضاء فلما سار عبدالله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فاذا
فيه : اذا نظرت في كتابى هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من اخبارهم فلما نظر في الكتاب قال سمعا وطاعة ثم قال
ابن عمرو وبعثه في عشرين من المهاجرين .
ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الابواء ، وهى غزوة ودان وكلاهما قد ورد وبينهما
ستة اميال وكانت على رأس اثنى عشر شهرا من الهجرة وحمل اللواء حمزة بن ع بدالمطلب
فكانت الموادعة على ان بنى ضمرة لا يغزونه ولا يكثرون عليه جمعا ولا يعينون
عليه عدوا ثم انصرف عليه السلام إلى المدينة ، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " خمسة عشر " . ( * )
ـ303ـ
لا بأس عليكم منهم وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم
والله لئن تركتم القوم في هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم
لنقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم وهابوا الاقدام عليهم ثم شجعوا انفسهم
عليهم واجمعوا قتل من قدروا عليه منهم واخذ ما معه فرمى واقد بن عبدالله التميمى
عمرو بن الحضرمى بسهم فقتله واستأسر ( 1 ) عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان
وأفنت القوم نوفل بن عبدالله فأعجزهم وأقبل عبدالله بن جحش واصحابه بالعير
والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وقد ذكر بعض آل عبدالله
ابن جحش ان عبدالله قال لاصحابه ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا
الخمس وذلك قبل ان يفرض الله الخمس من المغانم فعزل لرسول الله صلى الله عليه
وسلم خمس العير وقسم سائرها بين اصحابه . قال ابن اسحق : فلما قدموا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما امرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير
والاسيرين وأبى ان يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في
ايدى القوم وظنوا انهم قد هلكوا وعنفهم اخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت
قريش اذا استحل محمد واصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم واخذوا فيه
الاموال وأسروا فيه الرجال . فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة انما
اصابوا ما اصابوا في شعبان وقالت يهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه
وسلم عمرو بن الحضرمى قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمى
حضرت الحرب وواقد بن عبدالله وقدت الحرب فجعل الله عليهم ذلك لا لهم
فلما اكثر الناس في ذلك انزل الله تعالى ( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه
قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه
اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل ) ففرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : كان اسيرا . ( * )
ـ304ـ
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والاسيرين وبعث اليه قريش في فداء عثمان بن
عبدالله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفديكما حتى
يقدم صاحبانا يعنى سعد بن ابى وقاص وعتبة بن غزوان فانا نخشاكم عليهما فان
تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
منهم فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن اسلامه واقام عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومات في بئر معونة شهيدا واما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات
بها كافرا . فلما تجلى عن عبدالله بن جحش واصحابه ما كانوا فيه حين نزل
القرآن طمعوا في الاجر فقالوا يا رسول الله أتطمع ان تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم ( ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله
اولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء .
والحديث في هذا عن الزهرى ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ثم قسم الفئ
بعد كذلك . قال ابن هشام وهى اول غنيمة غنمها المسلمون وعمرو بن الحضرمى
اول من قتل المسلمون وعثمان والحكم اول من أسر المسلمون فقال في ذلك
ابوبكر الصديق ، ويقال هى لعبد الله بن جحش :
تعدون قتلا في الحرام عظيمة * وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد * وكفر به والله راء وشاهد
شفينا ( 1 ) من ابن الحضرمى رماحنا * بنخلة لما أوقد الحرب واقد
وذكر موسى بن عقبة ومحمد بن عائذ نحو ذلك غير انهما ذكرا ان صفوان بن
بيضاء بدل سهيل اخيه ولم يذكرا خالدا ولا عكاشة . وذكر ابن عقبة فيهم عامر
* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية " سقينا " مكان " شفينا " . ( * )
ـ305ـ
ابن اياس وقال ابن سعد كان الذى اسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو
وذكر ان النبى صلى الله عليه وسلم بعث عبدالله بن جحش في اثنى عشر رجلا من المهاجرين
كل اثنين يعتقبان بعيرا إلى بطن نخلة وهو بستان ابن عامر وان سعد بن ابى
وقاص كان زميل عتبة بن غزوان فضل بهما بعيرهما فلم يشهدا الوقعة ، والذى
ذكره موسى بن عقبة ان ابن جحش لما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وخير اصحابه تخلف رجلان سعد وعتبة فقدما بحران ومضى سائرهم .
وقال ابن سعد ويقال ان عبدالله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم وقسم
بين اصحابه سائر المغانم فكان اول خمس خمس في الاسلام ويقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر
وأعطى كل قوم حقهم ، وفى هذه السرية سمى عبدالله بم جحش امير المؤمنين ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) لكونه كان مؤمرا على جماعة من المؤمنين . ( * )
ـ306ـ
( تحويل القبلة )
قرئ على الشيخ ابى عبدالله محمد بن ابراهيم المقدسى وانا حاضر في الرابعة
اخبركم ابوالحسن على بن النفيس بن بورنداز قراءة عليه ببغداد وأقر به قال انا
ابوالوقت عبد الاول بن عيسى قال انا ابوعطاء بن ابى عاصم قال انا حاتم بن
محمد بن يعقوب ثنا ا بوالعباس محمد بن محمد بن الحسن الفريزنى ( 1 ) ثنا ابوجعفر
وجابر بن عبدالله بن فورجة ثنا مالك بن سليمان الهروى عن يزيد بن عطاء عن
ابى اسحق عن البراء بن عازب قال لقد صلينا بعد قدوم النبى صلى الله عليه وسلم نحو بيت
المقدس ستة عشر شهرا او سبعه عشر شهرا وكان الله يعلم انه يحب ان يوجه نحو
الكعبة فلما وجه النبى صلى الله عليه وسلم اليها صلى رجل معه ثم اتى قوما من
الانصار وهم ركوع نحو بيت المقدس فقال لهم وهم ركوع اشهد ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد وجه نحو الكعبة فاستداروا وهم ركوع ف استقبلوها رواه البخارى
وغيره من حديث ابى اسحق عن البراء . ورويناه من طريق ابن سعد ثنا الحسن
ابن موسى ثنا زهير ثنا ابواسحق عن البراء الحديث وفيه وانه صلى اول صلاة
صلاها العصر وصلاها معه قوم فخرج رجل ممن صلاها معه فمر على اهل مسجد وهم
راكعون فقال اشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة
فداروا كما هم قبل البيت وكان يعجبه ان يحول قبل البيت وكانت اليهود قد اعجبهم
اذ كان يصلى قبل بيت المقدس واهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت انكروا
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الفاء والراى ( * )
ـ307ـ
ذلك وفيه انه مات على على القبلة قبل ان تحول قبل البيت رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول
فيهم فأنزل الله تعالى ( وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرءوف رحيم )
وقد اتفق العلماء على ان صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة كانت إلى بيت المقدس وان
تحويل القبلة إلى الكعبة كان بها واختلفوا كم اقام النبى صلى الله عليه وسلم يصلى
إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة وفى اى صلاة كان التحويل وفى صلاته عليه
السلام قبل ذلك بمكة كيف كانت . فأما مدة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم إلى
بيت المقدس بالمدينة فقد رويناه انه كان ستة عشر شهرا او سبعة عشر شهرا او
ثمانية عشر شهرا وروينا بضعة عشر شهرا . ( 1 )
قال الحربى ثم قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الاول فصلى إلى
بيت المقدس تمام السنة وصلى من سنة اثنتين ستة اشهر ثم حولت القبلة في رجب .
وكذلك روينا عن ابن اسحق قال ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة
وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة في خبر ذكره ، وسنذكره بعد تمام هذا الكلام ان شاء الله تعالى
وقال موسى بن عقبة وابراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبدالرحمن بن عبد
الله بن كعب بن مالك ان القبلة صرفت في جمادى . وقال الواقدى انما صرفت صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان . كذا وجدته عن ابى عمر بن
عبدالبر . والذى رويناه عن الواقدى من طريق ابن سعد ثنا ابراهيم بن اسمعيل
ابن ابى حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس . قال ابن سعد
وانا عبدالله بن جعفر الزهرى عن عثمان بن محمد الاخنسى وعن غيرهما ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر
شهرا وكان يحب ان يصرف إلى الكعبة فقال يا جبريل وددت ان الله صرف
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ308ـ
وجهى عن قبلة يهود فقال جبريل انما انا عبد فادع ربك وسله ، وجعل اذا صلى
إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء فنزلت ( قد نرى تقلب وجهك في السماء
فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) فوجه إلى الكعبة إلى
الميزاب . ويقال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من الظهر في مسجده
بالمسلمين ثم امر ان يوجه إلى المسجد الحرام فاستدار اليه ودار معه المسلمون ويقال
بل زار رسول الله صلى الله عليه وسلم ام بشر بن البراء بن معرور في بنى سلمة فصنعت له طعاما
وحانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ركعتين ثم امر ان يوجه
إلى الكعبة فاستقبل الميزاب فسمى المسجد مسجد القبلتين وذلك يوم الاثنين
النصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا . وفرض صوم شهر رمضان في شعبان
على رأس ثمانية عشر شهرا . قال محمد بن عمر وهذا الثبت عندنا . قال القرطبى
الصحيح سبعة عشر شهرا وهو قول مالك وابن المسيب وابن اسحق . وقد روى
ثمانيه عشر وروى بعد سنتين وروى بعد تسعة اشهر او عشرة اشهر والصحيح
ما ذكرناه اولا ، واما الصلاة التى وقع فيها تحويل القبلة ففى خبر الواقدى هذا انها
الظهر ، وقد ذكرنا في حديث البراء قبل هذا انها العصر . وقد روينا عن ابن
سعد قال انا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة قال انا ثابت عن انس بن مالك
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى نحو بيت المقدس فنزل ( قد نرى تقلب وجهك
في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) فمر رجل بقوم
من بنى سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر فنادى ألا ان القبلة قد حولت إلى الكعبة
فمالوا إلى الكعبة . وروينا عن ابن سعد قال انا الفضل بن دكين ثنا قيس بن
الربيع ثنا زياد بن علاقة عن عمارة بن اوس الانصارى قال صلينا احدى صلاتى
العشى فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة فنادى ان الصلاة قد وجهت
نحو الكعبة تحول او تحرف امامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان ، وليس في هذين
ـ309ـ
الخبرين ما يعارض ما قبلهما لان بلوغ التحويل غير التحويل . وقرئ على ابى
عبدالله بن ابى الفتح بن وثاب الصورى وانا اسمع اخبركم الشيخان ابومسلم المؤيد
ابن عبدالرحيم بن احمد بن محمد بن الاخوة البغدادى نزيل اصبهان وابوالمجد
زاهر بن ابى طاهر الثقفى الاصبهانى اجازة قال الاول اخبرنا ابوالفرج سعيد
ابن اببى رجاء الصيرفى وقال الثانى انا ابوالوفاء منصور بن محمد بن سليم قالا انا
ابوالطيب عبدالرزاق بن عمر بن موسى بن شمة قال انا ابوبكر محمد بن ابراهيم
ابن على بن عاصم قال انا على بن العباس المقانعى عن محمد بن مروان عن ابراهيم
ابن الحكم بن ظهير قال وثنا سفيان عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال كانوا
يصلون الصبح فأنحرفوا وهم ركوع .
واما كيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم قبل تحويل القبلة فمن الناس
من قال كانت صلاته صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس من حين فرضت
الصلاة بمكة إلى ان قدم المدينة ثم بالمدينة إلى وقت التحويل :
روينا من طريق ابى بكر محمد بن ابراهيم بن المقرئ بالسند المذكور آنفا قال ثنا
على بن العباس المقانعى عن محمد بن مروان عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير عن
ابيه عن السدى في كتاب الناسخ والمنسوخ له قال قوله تعالى ( سيقول السفهاء
من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها ) قال قال ابن عباس اول ما نسخ
الله تعالى من القرآن حديث القبلة . قال ابن عباس ان الله تبارك وتعالى فرض على
رسوله الصلاة ليلة اسرى به إلى بيت المقدس ركعتين ركعتين الظهر والعصر والعشاء
والغداة والمغرب ثلاثا فكان يصلى إلى الكعبة ووجهه إلى بيت المقدس قال ثم زيد في
الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين رجعتين الا المغرب فتركت كما هى
ـ310ـ
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يصلون إلى بيت المقدس وفيه قال فصلاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة قال وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعجبه ان يصلى قبل الكعبة لانها قبلة آبائه ابراهيم واسمعيل
قال وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة وبعد ما هاجر ستة عشر
شهرا إلى بيت المقدس قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى رفع رأسه
إلى السماء ينتظر لعل الله ان يصرفه إلى الكعبة قال وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لجبريل عليهما السلام وددت انك سألت الله ان يصرفنى إلى الكعبة فقال
جبريل لست استطيع ان ابتدئ الله جل وعلا بالمسألة ولكن ان سألنى اخبرته
قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبريل
ينزل عليه قال فنزل عليه جبريل وقد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس وهم
ركوع فصرف الله القبلة إلى الكعبة . الحديث ، وفيه فلما صرف الله القبلة اختلف
الناس في ذلك فقال المنافقون ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها وقال بعض
المؤمنين فكيف بصلاتنا التى صلينا نحو بيت المقدس فكيف بمن مات من اخواننا
وهم يصلون إلى بيت المقدس تقول قبل الله عزوجل منا ومنهم أم لا ، وقال ناس
من المؤمنين كان ذلك طاعة وهذا طاعة نفعل ما امرنا النبى صلى الله عليه وسلم وقالت اليهود
اشتاق إلى بلد ابيه وهو يريد ان يرضى قومه ولو ثبت على قبلتنا لرجونا ان يكون
هو النبى الذى كنا ننتظر ان يأتى ، وقال المشركون من قريش تحير على محمد دينه
فاستقبل قبلتكم وعلم انكم أهدى منه ويوشك ان يدخل في دينكم فأنزل
الله في جميع ذلك الفرق كلها فأنزل في المنافقين ( ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا
عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم - إلى دين الاسلام -
وكذلك جعلناكم امة وسطا ) إلى آخر الآية . وانزل في المؤمنين ( وما جعلنا
القبلة التى كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) يقول
ـ311ـ
الا لنبتلى بها وانما كان قبلتك التى تبعث بها إلى الكعبة ثم تلا ( وان كانت
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 311 سطر 1 الى ص 319 سطر 12
الا لنبتلى بها وانما كان قبلتك التى تبعث بها إلى الكعبة ثم تلا ( وان كانت
لكبيرة الا على الذين هدى الله ) قال من اليقين قال المؤمنون كانت القبلة الاولى
طاعة وهذه طاعة فقال الله عزوجل ( وما كان الله ليضيع ايمانكم ) قال صلاتكم
لانكم كنتم مطيعين في ذلك ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( قد نرى تقلب
وجهك في السماء - يقول تنتظر جبريل حتى ينزل عليك - فلنولينك قبلة ترضاها -
يقول تحبها - فول وجهك شطر المسجد الحرام - نحو الكعبة - وانه للحق من
ربك ) اى انك تبعث بالصلاة إلى الكعبة . وانزل الله في اليهود ( ولئن أتيت
الذين اوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) قال لئن جئتهم بكل آية انزلها الله في
التوراة في شأن القبلة انها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك ، قال وانزل الله في اهل الكتاب
( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون
الحق وهم يعلمون ) قال يعرفون ان قبلة النبى الذى يبعث من ولد اسمعيل عليهما
السلام قبل الكعبة كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة وهم يعرفونه بذلك كما
يعرفون ابناءهم وهم يكتمون ذلك وهم يعلمون ان ذلك هو الحق يقول الله تعالى
( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) يقول من الشاكين قال ثم انزل في
قريش وما قالوا فقال ( لئلا يكون للناس عليكم حجة - قال لكيلا يكون لاحد من
الناس حجة - الا الذين ظلموا منهم ) يعنى قريشا ، وذلك قول قريش قد عرف
محمد انكم اهدى منه فاستقبل قبلتكم ثم قال ( فلا تخشوهم ) قال فحين قالوا يوشك
ان يرجع إلى دينكم يقول ( لا تخشوا ان اردكم في دينهم ) قال ( ولاتم نعمتى عليكم )
اى أظهر دينكم على الاديان كلها . كل هذا عن السدى من كتابه في الناسخ
والمنسوخ وهو يروى لنا بالاسناد المذكور وهو يروى عن ابى مالك عن ابن عباس
ثم يتخلل سياق خبره فوائد عن بعض رواة الكتاب ثم يقول جامعه عند انقضائها
وعوده إلى الاول رجع إلى السدى ثم يقول عنه قال ابن عباس كذا قال ابن
ـ312ـ
عباس كذا في اخبار متعددة متغايرة فيحتمل ان يكون ذلك عنده عن ابى مالك
عن ابن عباس ويحتمل الانقطاع ولو كان ذلك في خبر واحد لكان اقرب إلى
الاتصال ، والسدى هذا هو الكبير اسمعيل بن عبدالرحمن يروى عن انس وعبد
خير روى عنه الثورى وشعبة وزائدة ، وكان يجلس بالمدينة في مكان يقال له السد
فنسب اليه ، احتج به مسلم ووثقه بعضهم وتكلم فيه آخرون . والسدى الصغير هو
محمد بن مروان المذكور في الاسناد اليه مضعف عندهم . وقال آخرون انه عليه
السلام صلى اول ما صلى إلى الكعبة ثم انه صرف إلى بيت المقدس .
قال ابوعمر : ذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال صلى النبى صلى الله عليه وسلم
اول ما صلى إلى الكعبة ثم انه صرف الى بيت المقدس فصلت الانصار نحو بيت
المقدس قبل قدومه عليه السلام بثلاث وصلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد قدومه
ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة . وقال ابن شهاب وزعم ناس والله
أعلم انه كان يسجد نحو بيت المقدس ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة ويزعم
ناس انه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها فلما قدم المدينة استقبل بيت
المقدس . قال ابوعمر وأحسن من ذلك قول من قال انه عليه السلام كان يصلى
بمكة مستقبل القبلتين يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس . وقد روينا ذلك
من طريق مجاهد عن ابن عباس . قرأت على الامام الزاهد ابى اسحق ابراهيم
ابن على بن احمد بن فضل بن الواسطى بسفح قاسيون اخبركم الشيخ اب والبركات
داود بن احمد بن محمد بن ملاعب البغدادى وابوالفضل عبدالسلام بن عبدالله
ابن احمد بن بكران بن الزاهرى سماعا عليهما الاول بالشام والثانى بالعراق لاقا
اخبرنا ابوبكر محمد بن عبيد الله بن زهير بن البسرى بن الزاغونى زاد ابن ملاعب
وابومنصور انوشتكين بن عبدالله الرضوانى قال انا ابوالقاسم على بن احمد بن
محمد بن البسرى وقال ابن الزاغونى انا الشريف ابونصر محمد بن محمد الزينبى
ـ313ـ
قالا انا ابوطاهر محمد بن عبدالرحمن ببت العباس المخلص ثنا يحيى ثنا الحسن بن
يحيى الارزى ابوعلى بالبصرة ثنا يحيى بن حماد ثنا ابوعوانة عن سليمان يعنى
الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى
وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر
شهرا ثم صرف إلى الكعبة . وروينا عن ابن سعد قال انا هاشم بن القاسم ثنا ابو
معشر عن محمد بن كعب القرظى قال ما خالف نبى نبيا قط في قبلة ولا في سنة
الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس من حين قدم المدينة
ستة عشر شهرا ثم قرأ ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) . وقد ذكرنا فيما
سلف حديث البراء بن معرور وتوجهه إلى الكعبة وفيه دليل على ان الصلاة كانت
يومئذ إلى بيت المقدس ولما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعا لم يتبين
توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة . قال السهيلى وكرر البارى
سبحانه وتعالى الامر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات لان المنكرين لتحويل
القبلة كانوا ثلاثة اصناف اليهود لانهم لا يقولون بالنسخ في اصل مذهبهم واهل
الريب والنفاق اشتد انكارهم له لانه كان اول نسخ نزل وكفار قريش لانهم
قالوا ندم محمد على فراق ديننا وكانوا يحتجون عليه فيقولون يزعم محمد انه يدعونا
إلى ملة ابراهيم واسمعيل وقد فارق قبلة ابراهيم واسمعيل وآثر عليها قبلة اليهود
فقال الله له حين امره بالصلاة إلى الكعبة ( لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين
ظلموا منهم ) على الاستثناء المنقطع اى لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا
يهتدون وذكر الآيات إلى قوله ( ليكتمون الحق وهم يعلمون ) اى يكتمون
ما علموا من ان الكعبة هى قبلة الانبياء . وروينا من طريق ابى داود في كتاب
الناسخ والمنسوخ له قال حدثنا احمد بن صالح ثنا عنبسة عن يونس عن ابن شهاب
قال كان سليمان بن عبدالملك لا يعظم ايلياء ( 1 ) كما يعظمها اهل البيت قال فسرت معه
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : بيت المقدس . ( * )
ـ314ـ
وهو ولى عهد قال ومعه خالد بن يزيد بن معاوية قال سليمان وهو جالس فيها والله
ان في هذه القبلة التى صلى اليها المسلمون والنصارى لعجبا قال خالد بن يزيد اما
والله انى لاقرأ الكتاب الذى انزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وأقرأ التوراة فلم تجدها
اليهو في الكتاب الذى انزل الله عليهم ولكن تابوت السكينة على الصخرة
فلما غضب الله على بنى اسرائيل رفعه فكانت صلاتهم إلى الصخرة على مشاورة
منهم . وروى ابوداود ايضا ان يهوديا خاصم ابا العالية في القبلة فقال ا بوالعالية
ان موسى عليه السلام كان يصلى عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام فكانت
الكعبة قبلته وكانت الصخرة بين يديه ، وقال اليهودى بينى وبينك مسجد صالح
النبى عليه السلام فقال ا بوالعالية فانى صليت في مسجد صالح وقبلته إلى الكعبة
واخبر ا بوالعالية انه صلى في مسجد ذى القرنين وقبلته إلى الكعبة .
قلت قد تقدم في حديث البراء ان رجلا صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم
يوم تحويل القبلة ثم أتى قوما من الانصار فأخبرهم وهم ركوع فاستداروا ، ولم يسم
المخبر في ذلك الخبر والرجل هو عباد بن نهيك بن اساف الشاعر بن عدى بن
زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك بن
الاوس عمر في الجاهلية زمانا واسلم وهو شيخ كبير فوضع النبى صلى الله عليه
وسلم عنه الغزو وهو الذى صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم القبلتين في الظهر ركعتين إلى بيت
المقدس وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة ثم أتى قومه بنى حارثة وهم ركوع
في صلاة العصر فأخبرهم بتحويل القبلة فاستداروا إلى الكعبة . وقد ذكر ابوعمر
هذا الرجل بذلك لكنه لم يرفع نسبه انما قال عباد بن نهيك فقط ونسبه الخطمى
فلم يصنع شيئا فخطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الاوس ليس هذا منه هذا
حارثى وبنو خطمة تأخر اسلامهم .
ـ315ـ
( ذكر فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر )
وسنة الاضحية
روينا عن ابن سعد قال انا محمد بن عمر ثنا عبدالله بن عبدالرحمن الجمحى
عن الزهرى عن عروة عن عائشة . قال الواقدى وانا عبدالله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر قال وانا عبدالعزيز بن محمد عن ربيح بن عبدالرحمن بن ابى سعيد
الخدرى عن ابيه عن جده قالوا نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى
الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر وذلك
قبل ان تفرض الزكاة في الاموال وان تخرج عن الصغير والكبير والحر والعبد
والذكر والانثى صاع من تمر او صاع من شعير او صاع من زبيب او مدان من
بر وكان يخطب صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيومين فيأمر باخراجها قبل ان يغدو إلى المصلى
وقال اغنوهم يعنى المساكين عن طواف هذا اليوم وكان يقسمها اذا رجع ، وصلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة ، وصلى
العيد يوم الاضحى وأمر بالاضحية واقام بالمدينة عشر سنين يضحى في كل عام
قالوا وكان يصلى العيدين قبل الخطبة بغير اذان ولا اقامة وكان يجعل العنزة ( 1 ) بين
يديه وكانت العنزة للزبير بن العوام قدم بها من ارض الحبشة فأخذها منه رسول
الله صلى الله عليه وسلم . قالوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى اشترى كبشين
* ( هامش ) * ( 1 ) العنزة مثل نصف الرمح او اكبر شيئا . ( * )
ـ316ـ
سمينين اقرنين املحين ( 1 ) فاذا صلى وخطب يؤتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فيذبحه
بيده بالمدية ثم يقول هذا عن امتى جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لى بالبلاغ
ثم يؤتى بالآخر فيذبحه هو عن نفسه ثم يقول هذا عن محمد وآل محمد فيأكل هو
واهله منه ويطعم المساكين فكان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية . قال
محمد بن عمر وكذلك تصنع الائمة عندنا بالمدينة .
* ( هامش ) * ( 1 ) الاملح هو الذى بياضه اكثر من سواده ، وقيل هو النقى البياض . ( * )
ـ317ـ
( ذكر المنبر وحنين الجذع )
قرأت على الشيخة الاصيلة ام محمد مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل
سيف الدين ابى بكر بن ايوب بالقاهرة قلت لها اخبرتك الشيخة ام هانئ عفيفة
بنت احمد بن عبدالله ا لفارقانية اجازة فأقرت به قالت انا ابوطاهر محمد بن
احمد بن عبدالواحد الصباغ قال انا ابونعيم احمد بن عبدالله الحافظ ثنا ابوعلى
ابن الصواف ثنا الحسين بن عمر ثنا ابى ثنا المعلى بن هلال عن عمار الدهنى ( 1 ) عن
ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ام سلمة انها قالت قال لى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان قوائم منبرى هذا رواتب في الجنة قال وكانت اساطين المسجد
من دوم وظلاله من جريد النخل وكانت الاسطوانة تلى المنبر عن يسار المنبر اذا
استقبلته دومة ، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسند ظهره اليها يوم الجمعة اذا خطب
الناس قبل ان يصنع منبر . فأول يوم وضع المنبر استوى عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم قاعدا في الساعة التى كان يستند فيها إلى الاسطوانة ففقدته الاسطوانة
فجارت جوار الثور او خارت خوار الثور والنبى صلى الله عليه وسلم على المنبر
فنزل النبى صلى الله عليه وسلم اليها فأتاها فوضع يده عليها وقال لها اسكنى او اسكتى
ثم رجع النبى صلى الله عليه وسلم إلى منبره . وقرأت على ابى الفتح يوسف بن يعقوب الشيبانى
بسفح قاسيون اخبركم ا بوالعباس الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع قراءة عليه
وانتم تسمعون سنة ست او سبع وستمائة وابو اليمن زيد بن الحسن الكندى اجازة
ان لم يكن سماعا قال الاول انا ابوالدر ياقوت بن عبدالله الرومى وقال الثانى انا
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الدال المهملة نسبة إلى دهن بن معاوية حى من بجيلة . ( * )
ـ318ـ
ابوالفتح محمد بن محمد بن البيضاوى قالا انا ابومحمد عبدالله بن محمد بن هزازمرد . " ح "
وقرأت على ابى النور اسمعيل بن نور بن قمر الهيتى اخبركم الشيخ ابونصر موسى
ابن الشيخ عبد القادر الجيلى قراءة عليه وانت تسمع فأقر به قال انا ابوالقاسم
سعيد بن احمد بن الحسن بن البناء قال انا ابوالقاسم على بن احمد بن محمد بن
البسرى قالا انا ابوطاهر محمد بن عبدالرحمن بن العباس المخلص ثنا عبدالله
يعنى البغوى ثنا شيبان بن فروخ ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن عن انس بن
مالك قال كان رسول الله صلى عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسندا ظهره
اليها فلما كثر الناس قال ابنوا لى منبرا قال فبنوا له عتبتان فلما قام على
المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انس وانا في
المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله فما زالت تحن حتى نزل اليها فاحتضنها
فسكنت فكان الحسن اذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال يا عباد الله الخشبة
تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا اليه لمكانه من الله عزوجل فأنتم احق ان تشتاقوا
إلى لقائه . قال القاضى عياض رواه من الصحابة بضعة عشر منهم ابى بن كعب
وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك و عبدالله بن عمر و عبدالله بن عباس وسهل
ابن سعد وابوسعيد الخدرى وبريدة وأم سلمة والمطلب بن ابى وداعة كلهم
يحدث بمعنى هذا الحديث ، قال الترمذى وحديث انس صحيح وفى حديث جابر
فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ، وفى رواية انس حتى
ارتج المسجد بخواره ، وفى رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا فيه ، وفى رواية
المطلب حتى تصدع وانشق حتى جاء النبى صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه
فسكت ، زاد غيره فقال النبى صلى الله عليه وسلم ان هذا بكى لما فقد من الذكر ،
وزاد غيره : والذى نفسى بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزنا
على النبى صلى الله عليه وسلم فأمر به فدفن تحت المنبر . وفى حديث ابى انه اخذه
ـ319ـ
ابى فكان عنده إلى ان اكلته الارض وعاد رفاتا ، وفى حديث بريدة فقال
يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ان شئت اردك إلى الحائط الذى كنت فيه تنبت لك عروقك
ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل اولياء
الله من ثمرك ثم اصغى له عليه السلام يستمع ما يقول فقال بل تغرسنى في الجنة
فسمعه من يليه فقال عليه السلام قد فعلت واخبرنا عبدالرحيم بن يوسف
الموصلى بقراءة والدى عليه قال انا ابن طبرزذ قال انا ابن عبدالباقي قال انا
الجوهرى قال انا ابن الشخير ثنا العباس بن احمد ثنا محمد بن ابان ثنا ابوالقاسم
ابن ابى الزناد عن سلمة بن وردان قال سمعت ابا سعيد بن المعلى يقول سمعت عليا
يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين قبرى ومنبرى روضة من
رياض الجنة ورويناه من حديث جابر وفيه وان منبرى على ترعة من ترع الجنة . ( 1 )
* ( هامش ) * في حاشية الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " ( * )
ـ321ـ
( غزوة بدر الكبرى )
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 321 سطر 1 الى ص 330 سطر 23
( غزوة بدر الكبرى )
وكانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان
قال ابن اسحق : ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان بن
حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها اموال لقريش وتجارة من تجارتهم
وفيها ثلاثون رجلا من قريش او اربعون منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص
وقال ابن عقبة وابن عائذ في اصحاب ابى سفيان هم سبعون رجلا وكانت عيرهم
الف بعير ولم يكن لحويطب بن عبدالعزى فيها شئ فلذلك لم يخرج معهم ، وقال
ابن سعد هى العير التى خرج لها حتى بلغ ذا العسيرة تحين قفولها من الشام فبعث
طلحة بن عبيد الله التيمى وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتجسسان خبر العير
قال ابن اسحق : فحدثنى محمد بن مسلم الزهرى وعاصم بن عمر بن قتادة و عبدالله
ابن ابى بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن
عباس كل قد حدثنى بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر
قالوا لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين اليهم
وقال هذه عير قريش فيها اموالهم فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها فانتدب
الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك انهم لم يظنوا ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يلقى حربا . وكان ابوسفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الاخبار
ويسأل من لقى من الركبان تخوفا من امر الناس حتى اصاب خبرا من بعض الركبان
ان محمدا قد استنفر اصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو
الغفارى فبعثه إلى مكة وأمره ان يأتى قريشا فيستنفرهم إلى اموالهم ويخبرهم ان
ـ322ـ
محمدا قد عرض لها في اصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة . وقال ابن
سعد فخرج المشركون من اهل مكة سراعا ومعهم القيان والدفوف واقبل ابو
سفيان بن حرب بالعير وقد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة واستبطئوا
ضمضما والنفير حتى وردوا بدرا وهو خائف فقال لمجدى بن عمرو هل احسست
احدا من عيون محمد . قال ابن اسحق فأخبرنى من لا أتهم عن عكرمة عن ابن
عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا وقد رأت عاتكة بنت عبد
المطلب فقالت له يا اخى والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد افظعتنى وتخوفت
ان يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عنى ما احدثك فقال لها وما رأيت
قالت رأيت راكبا اقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا
انفروا يا آل غدر ( 1 ) لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد
والناس يتبعونه فبينا هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا
انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس ابى قبيس فصرخ
بمثلها ثم اخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى اذا كانت بأسفل الجبل ارفضت
فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار الا دخلتها منه فلقة ، قال العباس والله ان
هذا لرؤيا وانت فاكتميها ولا تذكريها ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة
ابن ربيعة وكان صديقا له فذكرها له واستكتمه اياها فذكرها الوليد لابيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش ، قال العباس فغدوت لاطوف بالبيت وابو
جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآنى ابو
جهل قال يا ابا الفضل اذا فرغت من طوافك فأقبل الينا فلما فرغت اقبلت حتى
* ( هامش ) * ( 1 ) الغدر هو ترك الوفاء ، واكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم يقال يا غدر
ويقال في الجمع يا آل غدر . ( * )
ـ323ـ
جلست معهم فقال لى ابوجهل يا بنى ع بدالمطلب متى حدثت فيكم هذه النبية
قال قلت وما ذاك قال ذاك الرؤيا التى رأت عاتكة قال فقلت وما رأت قال
يا بنى ع بدالمطلب اما رضيتم ان تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة
في رؤياها انه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يك حقا ما تقول
فسيكون وان تقضى الثلاث ولم يكن من ذلك شئ نكتب عليكم كتابا انكم
اكذب اهل بيت في العرب ، قال العباس فوالله ما كان منى اليه كبير الا انى
جحدت ذلك وانكرت ان تكون رأت شيئا . وعند ابن عقبة في هذا الخبر ان
العباس قال لابى جهل هل انت منته فان الكذب فيك وفى اهل بيتك فقال
من حضرهما ما كنت يا ابا الفضل جهولا ولا خرفا . وكذلك قال ابن عائذ وزاد
فقال له العباس مهلا يا مصفر استه ، ولقى العباس من عاتكة اذى شديدا حين
افشى من حديثها .
رجع إلى خبر ابن اسحق : قال ثم تفرقنا فلما امسيت لم تبق امرأة من بنى
ع بدالمطلب الا اتتنى فقالت اقررتم لهذا الفاسق الخبيث ان يقع في رجالكم ثم
قد تناول النساء وانت تسمع ثم لم تكن عندك غير لشئ مما سمعت قال فقلت قد
والله فعلت ما كان منى اليه من كبير وايم الله لاتعرضن له فان عاد لاكفيكنه قال
فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وانا حديد مغضب أرى انى قد فاتنى
منه امر احب ان ادركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله انى لامشى نحوه
أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان
حديد النظر قال اذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت في نفسى ماله لعنه الله
أ كل هذا فرق منى ان أشاتمه قال فاذا هو قد سمع ما لم اسمع صوت ضمضم بن
عمرو الغفارى وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول
رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة اموالكم مع ابى سفيان قد
ـ324ـ
عرض لها محمد في اصحابه لا أرى ان تدركوها الغوث الغوث قال فشغلنى عنه وشغله
عنى ما جاء من الامر فتجهز الناس سراعا وقالوا يظن محمد واصحابه ان تكون
كعير ابن الحضرمى كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج واما
باعث مكانه رجلا وأوعبت قريش فلم يتخلف من اشرافها احد الا ان ابا لهب
ابن ع بدالمطلب قد تخلف وبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة وكان قد
لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على ان يجزى
عنه بعثه فخرج عنه وتخلف ابولهب . قال ابن عقبة وابن عائذ خرجوا في خمسين
وتسعمائة مقاتل وساقوا مائة فرس . وروينا عن ابن سعد قال انا عبيد الله بن
موسى عن شيبان عن ابى اسحق عن ابى عبيدة بن عبدالله عن ابيه قال لما
أسرنا القوم في بدر قلنا كم كنتم قال كنا ألفا . قال ابن اسحق وحدثنى عبد
الله بن ابى نجيح ان امية بن خلف كان اجمع القعود وكان شيخا جليلا جسيما
ثقيلا فأتاه عقبة بن ابى معيط وهو جالس في المسجد بين ظهرانى قومه بمجمر
يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا ابا على استجمر فانما انت
من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز وخرج مع الناس ، قيل
وكان سبب تثبطه ما ذكره البخارى في الصحيح من حديثه مع سعيد بن معاذ
وابى جهل بمكة وقول سعد له انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انه قاتلك
قلت المشهور عند ارباب السير ان النبى صلى الله عليه وسلم انما قال ذلك
لاخيه ابى بن خلف بمكة قبل الهجرة وهو الذى قتله النبى صلى الله عليه وسلم
بعد ذلك يوم احد بحربته وهذا ايضا لا ينافى خبر سعد والله اعلم .
قال ابن اسحق : ولما فرغوا من جهازهم واجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين
بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب فقالوا انا نخشى ان يأتونا من خلفنا
ـ325ـ
فتبدى لهم ابليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانى المدلجى وكان من
اشراف بنى كنانة فقال انا جار لكم من ان تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ
تكرهونه فخرجوا سراعا . وذكر ابن عقبة وابن عائذ في هذا الخبر واقبل
المشركون ومعهم ابليس لعنه الله في صورة سراقة يحدثهم ان بنى كنانة وراءه
وقد اقبلوا لنصرهم وان لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم . قال ابن
اسحق وعمير بن وهب او الحرث بن هشام كان الذى رآه حين نكص
على عقبيه عند نزول الملائكة وقال انى أرى ما لا ترون فلم يزل حتى اوردهم
ثم اسلمهم ففى ذلك يقول حسان :
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم * لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلاهم بغرور ثم اسلمهم * ان الخبيث لمن والاه غرار
في ابيات ذكرها .
قال ابن اسحق : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ليال
مضت من شهر رمضان في اصحابه ، قال ابن هشام لثمان ليال خلون منه ، وقال
ابن سعد يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت منه بعد ما وجه طلحة بن عبيد الله
وسعيد بن زيد بعشر ليال وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره بئر ابى عنبة وهى
على ميل من المدينة فعرض اصحابه ورد من استصغر وخرج في ثلاثمائة رجل
وخمسة نفر كان المهاجرون منهم اربعة وستين رجلا وسائرهم من الانصار وثمانية
تخلفوا لعذر ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم واجورهم ثلاثة من
المهاجرين عثمان بن عفان خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فأقام عليها حتى ماتت وطلحة وسعيد بن زيد
ـ326ـ
بعثهما يتجسسان خبر العير وخمسة من الانصار ابولبابة بن عبدالمنذر خلفه على
المدينة وعاصم بن عدى العجلانى خلفه على اهل العالية والحرث بن حاطب العمرى
رده من الروحاء إلى بنى عمرو بن عوف لشئ بلغه عنهم والحرث بن الصمة كسر
من الروحاء وخوات بن جبير كسر ايضا . قال ابن اسحق ودفع اللواء إلى مصعب
ابن عمير وكان ابيض وكان امام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان
احداهما مع على بن ابى طالب والاخرى مع بعض الانصار ، وقال ابن سعد كان
لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الاوس
مع سعد بن معاذ كذا قال ، والمعروف ان سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس
رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وان لواء المهاجرين كان بيد على . قرئ
على ابى حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبدالله بن غدير بعربيل بغوطة
دمشق وانا اسمع اخبركم ابوالقاسم عبدالصمد بن محمد بن ابى الفضل بن الحرستانى
قراءة عليه وانت حاضر في الرابعة فأقر به انا ابوالحسن على بن المسلم بن محمد
السلمى سماعا قال انا ابو عبدالله الحسن بن احمد بن ابى الحديد قال انا ابوالحسن
على بن موسى بن الحسين السمسار قال انا ابوالقاسم المظفر بن حاجب بن مالك
ابن الركين الفرغانى انا ابوالحسن محمد بن يزيد بن عبدالصمد الدمشقى ثنا احمد
يعنى ابن ابى احمد الجرجانى ثنا شبابة بن سوار الفزارى ثنا قيس بن الربيع عن
الحجاج بن ارطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ان النبى صلى الله عليه
وسلم اعطى عليا الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة . قال ابن اسحق وكانت
ابل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعلى بن ابى طالب ومرثد بن ابى مرثد يعتقبون بعيرا وكان
حمزة وزيد بن حارثة وابوكبشة وأنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون
بعيرا وكان ابوبكر وعمر و عبدالرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا . وروينا عن ابن
ـ327ـ
سعد قال انا يونس بن محمد المؤدب ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن
مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير وكان ابولبابة وعلى زميلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكان اذا كانت عقبة النبى صلى الله عليه وسلم قالا اركب حتى نمشى عنك
فيقول ما انتما بأقوى منى على المشى وما انا بأغنى عن الاجر منكما . انتهى ما رويناه
عن ابن سعد ، والمعروف ان ابا لبابة رجع من بئر ابى عنبة ولم يصحبهم إلى بدر
رده رسول الله صلى الله عليه وسلم واليا على المدينة وقد تقدم . قال ابن اسحق
وجعل على الساقة قيس بن ابى صعصعة أحد بنى مازن بن النجار فسلك طريقه
إلى المدينة حتى اذا كان بعرق الظبية لقوا رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس
فلم يجدوا عنده خبرا ثم ارتحل حتى أتى على واد يقال له زفران وجذع فيه ثم نزل
فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش
فقام ابوبكر الصديق فقال واحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال واحسن ثم قام
المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمر الله فنحن معك والله لا نقول لك
كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب انت ورببك فقاتلا انا ها هنا قاعدون ولكن
اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون فوالذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى
برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشيروا على ، فذكر ابن
عقبة وابن عائذ ان عمر قال يا رسول الله انها قريش وعزها والله ما ذلت منذ
عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لنقاتلنك فاتهب لذلك أهبته وأعدد لذلك عدته .
رجع إلى خبر ابن اسحق : قال وانما يريد الانصار وذلك انهم عدد الناس
وذلك انهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله انا برآء من ذمامك حتى تصل
إلى ديارنا فاذا وصلنا اليها فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه ابناءنا ونساءنا فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ان لا تكون الانصار ترى عليها نصره الا
ـ328ـ
ممن دعمه بالمدينة من عدوه وان ليس عليهم ان يسير بهم إلى عدو من بلادهم
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ لعلك تريدنا
يا رسول الله فقال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق
واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما
اردت فنحن معك والذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه
معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا غدا انا لنصبر في
الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله
تعالى . وقد روينا من طريق مسلم ان الذى قال ذلك سعد بن عبادة سيد الخزرج
وانما يعرف ذلك عن سعد بن معاذ . كذلك رواه ابن اسحق وابن عقبة وابن
سعد وابن عائذ وغيرهم . واختلف في شهود سعد بن عبادة بدرا لم يذكره ابن
عقبة ولا ابن اسحق في البدريين ، وذكره الواقدى والمدائنى وابن الكلبى فيهم .
وروينا عن ابن سعد انه كان يتهيأ للخروج إلى بدر ويأتى دور الانصار يحضهم
على الخزرج فنهش قبل ان يخرج فأقام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن كان سعد لم يشهدها
لقد كان عليها حريصا . قال وروى بعضهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ضرب له بسهمه وأجره وليس ذلك بمجمع عليه ولا ثبت ولم يذكره احد ممن يروى
المغازى في تسمية من شهد بدرا ولكنه قد شهد احدا والخندق والمشاهد كلها مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رجع إلى الاول : قال فسر النبى صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم
قال سيروا وابشروا فان الله قد وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر
إلى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران ثم نزل قريبا
من بدر فركب هو ورجل من اصحابه ، قال ابن هشام هو وابوبكر الصديق -
ـ329ـ
قال ابن اسحق كما حدثنى محمد بن يحيى بن حبان - حتى وقف على شيخ من العرب
فسأله عن قريش وعن محمد واصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا اخبركما حتى
تخبرانى من انتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اخبرتنا اخبرناك فقال الشيخ ذاك
بذاك قال نعم قال الشيخ فانه قد بلغنى ان محمدا واصحابه خرجوا يوم كذا وكذا
فان كان صدق الذى اخبرنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبلغنى ان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فان كان الذى
اخبرنى صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قريش فلما فرغ من
خبره قال ممن انتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف
عنه قال يقول الشيخ ما " من ماء " أمن العراق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اصحابه
فلما امسى بعث على بن ابى طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص في نفر
من اصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه فأصابوا راوية لقريش فيها اسلم
غلام بنى الحجاج وعريص ابويسار غلام بنى العاص بن سعيد فأتوهما فسألوهما
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره
القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابى
سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال
اذا صدقا كم ضربتوهما واذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبرانى
عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب الذى ترى بالغدوة القصوى والكثيب
العقنقل ( 1 ) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا
ما ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا قال صلى الله عليه وسلم القوم
ما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما فمن فيهم من اشراف قريش قالا عقبة بن ربيعة
* ( هامش ) * ( 1 ) العقنقل هو الكثيب العظيم المتداخل الرمل . ( * )
ـ330ـ
وشيبة بن ربيعة وا بوالبخترى بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحرث
ابن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدى بن نوفل والنضر بن الحرث وزمعة بن الاسود
وابوجهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو
وعمرو بن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد القت
عليكم افلاذ كبدها .
قال ابن عقبة وزعموا ان اول من نحر لهم حين خرجوا من مكة ابوجهل بن
هشام جزائر ( 1 ) ثم نحر لهم صفوان بن امية بعسفان تسع جزائر ونحر لهم سهيل
ابن عمرو بقديد عشر جزائر ومالوا من قديد إلى مناة من نحو البحر فظلوا فيها
فأقاموا فيها يوما فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر ثم اصبحوا بالجحفة فنحر
لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر ثم اصبحوا بالابواء فنحر لهم مقيس بن عمرو
الجمحى تسع جزائر ونحر لهم العباس بن ع بدالمطلب عشر جزائر ونحر لهم الحارث
ابن عامر بن نوفل تسعا ونحر لهم ا بوالبخترى على ماء بدر عشر جزائر ونحر
لهم مقيس الجمحى على ماء بدر تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من ازوادهم .
وقال ابن عائذ كان مسيرهم واقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال . قال ابن
اسحق وكان بسبس بن عمرو وعدى بن ابى الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا
فأناخا إلى تل قريب من الماء ثم اخذ شنا ( 2 ) لهما يستسقيان فيه ومجدى بن عمرو الجهنى
على الماء فسمع عدى وبسبس جاريتين من جوارى الحاضر وهما تلازمان على الماء
والملزومة تقول لصاحبتها انما تأتى العير غدا او بعد غد فأعمل لهم ثم اقضيك الذى
لك فقال مجدى صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك عدى وبسبس فجلسا على
بعيريهما ثم انطلقا حتى اتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا ثم اقبل ابوسفيان
* ( هامش ) * ( 1 ) جمع جزور وهو البعير ذكرا كان او انثى .
( 2 ) اى : قربة . ( * )
ـ331ـ
حتى تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدى بن عمرو هل أحسست احدا قال
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 331 سطر 1 الى ص 340 سطر 23
حتى تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدى بن عمرو هل أحسست احدا قال
ما رأيت احدا انكره الا انى قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا
في شن لهما ثم انطلقا فأتى ابوسفيان مناخهما فأخذ من ابعار بعيريهما ففته ثم شمه
فاذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع إلى اصحابه سريعا فضرب
وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار وانطلق حتى اسرع وأقبلت
قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن ابى الصلت بن مخرمة بن ع بدالمطلب بن
عبد مناف رؤيا فقال انى فيما يرى النائم وانى لبين النائم واليقظان اذ نظرت إلى
رجل اقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة وابوالحكم بن هشام وامية بن خلف وفلان وفلان فعدد رجالا ممن قتل
يوم بدر من اشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم ارسله في العسكر فما
بقى خباء من أخبية العسكر الا اصابه نضح ( 1 ) من دمه قال فبلغت ابا جهل فقال وهذا
ايضا نبى آخر من بنى المطلب سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا .
قال ابن اسحق ولما رأى ابوسفيان بن حرب انه قد احرز عيره ارسل إلى
قريش انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم وقد نجاها الله فارجعوا
فقال ابوجهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم
العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام
ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان ( 2 ) وتسمع بنا العرب وتحسيرنا وجمعنا فلا يزالون
يهابوننا اببدا بعدها ، وقال الاخنس بن شريق وكان حليفا لبنى زهرة يا بنى زهرة
قد نجى الله اموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله
فاجعلوا بى جبنها ( 3 ) وارجعوا فانه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : رشاش .
( 2 ) تعزف اى تضرب بالمعازف ، والقيان : المغنيات .
( 3 ) اى : جبن هذه الملاقاة او الخرجة التى خرجتم . ( * )
ـ332ـ
هذا فرجعوا فلم يشهدها زهرى ولا عدوى ايضا ومضى القوم وكان بين طالب بن
ابى طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد علمنا يا بنى
هاشم وان خرجتم معنا ان هواكم لمع محمد فرجع طالب إلى مكة مع من رجع
ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادى خلف العقنقل وبطن الوادى
وبعث الله السماء وكان الوادى دهسا ( 1 ) فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
واصحابه منها ما لبد لهم الارض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا
على ان يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء
ادنى ماء من بدر فنزل به . قال ابن اسحق فحدثت عن رجال من بنى سلمة انهم
ذكروا ان الحباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل
أنزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا ان نتأخر عنه أم هو الرأى والحرب والمكيدة
قال بل هو الرأى والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض
بالناس حتى نأتى ادنى ماء من القوم فننزله ثم تغور ما وراءه من القلب ( 2 ) ثم تبنى عليه
حوضا فتملاه ماء فتشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت
بالرأى فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى أتى
ادنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذى
نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية . وروينا عن ابن سعد في هذا الخبر فنزل
جبريل عليه السلام على النبى صلى الله عليه وسلم فقال ما اشار به الحباب .
قال ابن اسحق فحدثنى عبدالله بن ابى بكر انه حدث ان سعد بن معاذ قال يا نبى
الله ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فان اعزنا
الله واظهرنا على عدونا كان ذلك ما احببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك
* ( هامش ) * ( 1 ) اى لينا رخوا .
( 2 ) جمع قليب وهو البئر . ( * )
ـ333ـ
فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك اقوام يا نبى الله ما نحن بأشد لك حبا منهم
ولو ظنوا انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون
معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول
الله صلى الله عليه وسلم عريشا فكان فيه .
قال ابن اسحق وقد ارتحلت قريش حين اصبحت فأقبلت فلما رآها رسول
الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذى جاءوا منه إلى الوادى قال اللهم
هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك
الذى وعدتنى اللهم احنهم الغداة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى
عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له احمر ان يك في احد من القوم خير فعند صاحب
الجمل الاحمر ان يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاف بن ايماء بن رحضة او ابوه ايماء
ابن رحضة الغفارى بعث إلى قريش حين مروا به ابنا له بجزائر اهداها لهم وقال
ان احببتم ان نمدكم بسلاح ورجال فعلنا قال فأرسلوا اليه مع ابنه ان وصلتك رحم
قد قضيت الذى عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف ولئن
كنا انما نقاتل الله كما يزعم محمد ما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس اقبل
نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حكيم بن حزام فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ الا قتل الا ما كان
من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم اسلم بعد ذلك فحسن اسلامه فكان اذا اجتهد
في يمينه قال لا والذى نجانى من يوم بدر . قال وحدثنى ابى رحمه الله اسحق بن
يسار وغيره من اهل العلم عن اشياخ من الانصار قال لما اطمأن القوم بعثوا عمير
ابن وهب الجمحى فقالوا احزر لنا اصحاب محمد فاستجال بفرسه حول العسكر ثم
رجع اليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون ولكن امهلونى حتى انظر
أللقوم كمين او مدد قال فضرب في بطن الوادى حتى ابعد فلم ير شيئا فرجع اليهم
ـ334ـ
فقال ما رأيت سيئا ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح
يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما أرى ان
يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم فاذا اصابوا منكم عدادهم فما خير العيش
بعد ذلك فروا رأيكم . فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن
ربيعة فقال يا ابا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك إلى ان
لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر قال وما ذلك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل
امر حليفك عمرو بن الحضرمى قال قد فعلت انت على بذلك انما هو حليفى فعلى
عقله وما اصيب من ماله فائت ابن الحنطلية يعنى ابا جهل بن هشام . ثم قام عتبة
خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا صلى الله عليه
وسلم واصحابه شيئا والله لئن اصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر
اليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر
العرب فان اصابوه فذاك الذى اردتم وان كان غير ذلك الفاكم ولم تعرضوا منه
ما تريدون قال حكيم فانطلقت حتى جئت ابا جهل فوجدته قد نثل درعا له من
جرابها فقلت له يا ابا الحكم ان عتبة ارسلنى اليك بكذا وكذا للذى قال فقال
انتفخ والله سحره ( 1 ) حين رأى محمدا واصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا
وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى ان محمدا واصحابه اكلة جزور وفيهم
ابنه قد تخوف عليه ثم بعث إلى عامر الحضرمى فقال هذا حليفك يريد ان ترجع
بالناس وقد رأيت ثأرك بعينيك فقم فانشد خفرتك ومقتل اخيك فقام عامر بن
الحضرمى فاكتشف ثم صرخ واعمراه فحميت الحرب وحقب امر الناس واستوسقوا
على ما هم عليه من الشر وافسد على الناس الرأى الذى دعاهم اليه عتبة فلما بلغ
عتبة قول ابى جهل انتفخ والله سحره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره
* ( هامش ) * ( 1 ) السحر هو الرئة ، يقال للجبان قد انتفخ سحره . ( * )
ـ335ـ
انا ام هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه
من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له ( 1 ) . وقال ابن عائذ وقال
رجال من المشركين لما رأوا قلة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غر هؤلاء دينهم منهم
ا بوالبخترى بن هشام وعتبة بن ربيعة وابوجهل بن هشام وذكر غيرهم لما تقالوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في اعينهم فأنزل الله تعالى ( اذ يقول المنافقون والذين
في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) الآية حتى نزلوا وتعبؤا للقتال والشيطان معهم
لا يفاقهم . قال ابن اسحق وقد خرج الاسود بن عبدالاسد المخزومى وكان رجلا
شرسا سيئ الخلق فقال اعاهد الله لاشربن من حوضهم او لاهدمنه او لاموتن
دونه فلما خرج خرج اليه حمزة بن ع بدالمطلب فلما التقيا ضرببه حمزة فأطن ( 2 ) قدمه
بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو اصحابه ثم
حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد زعم ان تبر يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى
قتله في الحوض ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين اخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد
ابن عتبة حتى نصل من الصف دعا إلى المبارزة فخرج اليه فتية من الانصار وهم
عوف ومعوذ ابنا الحرث وامهما عفراء ورجل آخر يقال له عبدالله بن رواحة
فقالوا من انتم قالوا رهط من الانصار قالوا ما لنا بكم من حاجة . وقال ابن عقبة
وابن عائذ حين ذكرا خروج الانصار قال فاستحيا النبى صلى الله عليه وسلم من
ذلك لانه كان اول قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلى الله
عليه وسلم شاهد معهم فأحب النبى صلى الله عليه وسلم ان تكون الشوكة لبنى عمه فناداهم
النبى صلى الله عليه وسلم ان ارجعوا إلى مصافكم وليقم اليهم بنو عمهم .
رجع إلى ابن اسحق ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا
فقال النبى صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحرث وقم يا حمزة وقم يا على فلما قاموا ودنوا منهم
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : اعتم على رأسه بثوب . ( 2 ) اى : قطع . ( * )
ـ336ـ
قالوا من انتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال على على قالوا نعم اكفاء
كرام فبارز عبيدة وكان اسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة
وبارز على الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله واما على فلم يمهل
الوليد ان قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما اثبت صاحبه وكر
حمزة وعلى بأسيافهما على عتبة فدففا ( 1 ) عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى اصحابه .
قال وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة ان عتبة بن ربيعة قال للفتية من الانصار حين
انتسبوا اكفاء كرام انما نريد قومنا قال ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض
وقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه ان لا يحملوا حتى يأمرهم وقال ان اكتنفكم
القوم فانضخوهم عنكم بالنبل ( 2 ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه
ابوبكر الصديق . قال وحدثنى حبان بن واسع بن حبان عن اشياخ من قومه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف اصحابه يوم بدر وفى يده قدح
يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مسند مستنتل ( 3 )
من الصف ، قال ابن هشام فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول
الله اوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى قال فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بطنه وقال حضر ما ترى فأردت ان يكون آخر العهد بك ان يمس جلدى جلدك
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله له . قال ابن اسحق ثم عدل
رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه ابوبكر ليس معه فيه
غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده بالنصر ويقول فيما يقول
* ( هامش ) * ( 1 ) اى اجهزا .
( 2 ) اى ارموهم بالنشاب .
( 3 ) اى متقدم . ( * )
ـ337ـ
اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد وابوبكر يقول يا رسول الله بعض مناشدتك
ربك فان الله منجز لك ما وعدك وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة
وهو في العريش ثم انتبه فقال ابشر يا ابا بكر اتاك نصر الله هذا جبريل آخذ
بعنان فرسه يقوده على ثناياه - يريد الغبار . وقال ابن سعد في هذا الخبر
وجاءت ريح لم يروا مثلها شدة ثم ذهبت فجاءت ريح اخرى ثم ذهبت فجاءت
ريح اخرى فكانت الاولى جبريل في الف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثانية ميكائيل في الف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثالثة اسرافيل في الف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروينا من طريق مسلم حدثنا هناد بن السرى ثنا ابن المبارك عن عكرمة بن
عمار قال حدثنى سماك الحنفى قال سمعت ابن عباس يقول حدثنى عمر بن الخطاب
رضى الله عنه قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم الف
واصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل نبى الله صلى الله عليه وسلم القبلة
ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم انجز لى ما وعدتنى ، وفيه فأنزل الله عزوجل
عند ذلك ( اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بألف من الملائكة
مردفين ) فأمده الله بالملائكة . قال ابوزميل فحدثنى ابن عباس قال بينما رجل
من المسلمين يومئذ يشتد في اثر رجل من المشركين امامه اذ سمع صربة بالسوط
فوقه وصوت الفارس يقول اقدم حيزوم ( 1 ) فنظر إلى المشرك امامه فخر مستلقيا فنظر اليه
فاذا هو قد خطم انفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك اجمع فجاء الانصارى
فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا
يومئذ سبعين وأسروا سبعين الحديث . وروينا من طريق البخارى حدثنى ابراهيم
ابن موسى قال انا ع بدالوهاب ثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس ان النبى
* ( هامش ) * ( 1 ) سيأتى تفسيره من كلام المؤلف . ( * )
ـ338ـ
صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب
وروينا عن ابن سعد قال انا سليمان بن حرب ثنا حماد بن بدر ثنا ايوب ويزيد
ابن حازم انهما سمعا عكرمة يقرؤها فثبتوا الذين آمنوا قال حماد وزاد ايوب قال
قال عكرمة فاضربوا فوق الاعناق قال كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من
ضربه وتندر يد الرجل لا يدرى من ضربه . قال ابن اسحق وقد رمى مهجع مولى
عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان اول قتيل من المسلمين ثم رمى حارثة بن سراقة
احد بنى عدى بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال والذى نفس محمد
بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة
فقال عمير بن الحمام اخو بنى سلمة وفى يده تمرات يأكلهن بخ بخ أفما بينى وبين
ان ادخل الجنة الا ان يقتلنى هؤلاء قال ثم قذف التمرات من يده واخذ سيفه
فقاتل القوم حتى قتل ، وقال ابن عقبة اول قتيل من المسلمين يومئذ عمير بن الحمام .
وقال ابن سعد فكان اول من خرج من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب
فقتله عامر بن الحضرمى ، وكان اول قتيل من الانصار حارثة بن سراقة ويقال
قتله حبان بن العرقة ( 1 ) ويقال عمير بن الحمام قتله خالد بن الاعلم العقيلى . قال ابن
اسحق وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة ان عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال
يا رسول الله ما يضحك الربب من عبده قال غمسة يده في القوم حاسرا فنزع درعا
عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل . وحدثنى محمد بن مسلم عن عبد
الله بن ثعلبة بن صعير العذرى حليف بنى زهرة انه حدثه انه لما التقى الناس ودنا
بعضهم من بعض قال ابوجهل اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة
فكان هو المستفتح على نفسه قال ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ حفنة من الحصباء
* ( هامش ) * ( 1 ) " حبان " بكسر الحاء وتشديد الباء . و " العرقة " بفتح العين المهملة وكسر الراء . ( * )
ـ339ـ
فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفخهم بها وامر اصحابه فقال شدوا
فكانت الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش واسر من اسر من اشرافهم .
قال ابن عقبة وابن عائذ فكانت تلك الحصباء عظيما شأنها لم تترك من المشركين
رجلا الا ملات عينيه وجعل المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم وبادر النفر كل رجل
منهم منكبا على وجهه لا يدرى اين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه .
رجع إلى خبر ابن اسحق : فلما وضع القوم ايديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم
في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذى فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم متوشح السيف في نفر من الانصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لى في
وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت اول وقعة
اوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان في القتل احب إلى من استبقاء الرجال
قال وجدثنى العباس بن عبدالله بن معبد عن بعض اهله عن ابن عباس رضى
الله عنهما ان النببى صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يومئذ انى قد عرفت ان رجالا من بنى
هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم احدا من بنى هاشم
فلا يقتله ومن لقى ابا البخترى بن هشام فلا يقتله ومن لقى العباس بن عبد المطلب
فلا يقتله فانا خرج مستكرها . وذكر ابن عقبة فيهم عقيلا ونوفلا قال فقال ابو
حذيفة أنقتل آباءنا واخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لالجمنه
السيف قال فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا ابا حفص
فقال عمر والله انه لاول يوم كنانى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى حفص
أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعنى
فلاضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فكان ابوحذيفة يقول ما انا بآمن من
ـ340ـ
تلك الكلمة التى قلتها يومئذ ولا ازال منها خائفا الا ان تكفرها عنى الشهادة
فقتل يوم اليمامة شهيدا فلقى ابا البخترى المجذر بن ذياد البلوى فقال له ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك ، ومع ابى البخترى زميل له خرج معه من
مكة وهو جنادة بن مليحة قال وزميلى قال له المجذر لا ما نحن بتاركى زميلك
ما امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذن لاموتن انا وهو جميعا
لا تحدث عنى نساء مكة انى تركت زميلى حرصا على الحياة فقتله المجذر ثم أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال والذى بعثك بالحق لقد جهدت عليه ان يستأسر
فآتيك به فأبى الا ان يقاتلنى فقاتلنى فقتلته . قال ابن عقبة ويزعم ناس ان ابا
اليسر قتل ابا البخترى بن هشام ويأبى عظم الناس الا ان المجذر هو الذى قتله
بل قتله غير شك ابوداود المازنى وسلبه سيفه فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم
من بعض ولد ابى البخترى . قال ابن اسحق حدثنى يحيى بن عباد عن عبدالله
ابن الزبير عن ابيه قال وحدثنيه ايضا عبدالله بن ابى بكر وغيرهما ان عبدالرحمن
ابن عوف لقيه امية بن خلف ومعه ابنه على ومع عبدالرحمن ادراعا استلبها قال
هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التى معك قال قلت نعم فطرحت الادراع
من يدى فأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في
اللبن ثم خرجت امشى بهما . قال حدثنى عبدالواحد بن ابى عون عن سعد بن
ابراهيم عن ابيه عن عبدالرحمن بن عوف ان امية بن خلف قال له من الرجل
منكم المعلم بريشة نعامة في صدره قال قلت ذاك حمزة بن ع بدالمطلب قال ذاك
الذى فعل بنا الافاعيل قال عبدالرحمن فوالله انى لاقودهما اذ رآه بلال معى وكان
هو الذى يعذب بلالا بمكة على ترك الاسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة اذا حميت
فيضجعه على ظهره ثم يأمر بصخرة عظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا
او تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد قال فلما رآه قال رأس الكفر امية بن
ـ341ـ
خلف لا نجوت ان نجا قال ثم صرخ بأعلى صوته يا انصار الله رأس الكفر امية بن
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 341 سطر 1 الى ص 350 سطر 22
خلف لا نجوت ان نجا قال ثم صرخ بأعلى صوته يا انصار الله رأس الكفر امية بن
خلف لا نجوت ان نجا قال قلت اسمع يا ابن السوداء قال لا نجوت ان نجا قال ثم
صرخ بأعلى صوته يا انصار الله رأس الكفر امية بن خلف لا نجوت ان نجا قال
فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة ( 1 ) قال فأخلف رجل السيف فضرب رجل
ابنه فوقع وصاح امية بن خلف صيحة ما سمعت مثلها قط فقلت انج بنفسك
ولا نجا به فوالله ما أغنى عنك شيئا قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما قال
فكان عبدالرحمن يقول يرحم الله بلالا ذهبت ادراعى وفجعنى بأسيرى .
قال ابن اسحق وحدثنى عبدالله بن ابى بكر انه حدث عن ابن عباس قال
حدثنى رجل من بنى غفار قال أقبلت انا وابن عم لى حتى اصعدنا في جبل يشرف
بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة ( 2 ) فننتهب مع من ينتهب
قال فبينا نحن في الجبل اذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت
قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمى فانكشف قناع قلبه فمات مكانه واما انا
فكدت اهلك ثم تماسكت . قال وحدثنى عبدالله بن ابى بكر عن بعض بنى
ساعدة عن ابى اسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا قال بعد ان ذهب بصره
لو كنت اليوم ببدر ومعى بصرى لاريتكم الشعب الذى منه خرجت الملائكة
لا اشك ولا اتمارى قال وحدثنى ابى اسحق بن يسار عن رجال من بنى مازن بن
النجار عن ابى داود المازنى وكان شهد بدرا قال انى لاتبع رجلا من المشركين
يوم بدر لاضربه اذ وقع رأسه قبل ان يصل اليه سيفى فعرفت انه قد قتله غيرى .
وحدثنى من لا اتهم عن مقسم مولى عبدالله بن الحارث عن عبدالله بن عباس
قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد ارسلوها في ظهورهم ويوم حنين
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : جعلونا في حلقة كالسوار واحاطوا بنا .
( 2 ) بفتح الدال وهى الهزيمة . ( * )
ـ342ـ
عمائم عمائم حمرا . وروينا هذا الخبر من طريق مالك بن سليمان الهروى عن الهياج
عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس بمعناه ولم تقاتل
الملائكة في يوم سوى يوم بدر وكانوا يكونون فيما سواه من الايام عددا ومددا
لا يضربون . وذكر ابن هشام عن بعض اهل العلم ان جبريل عليه السلام كانت
عليه يوم بدر عمامة صفراء وكان شعارهم يوم بدر أحد أحد .
قال ابن اسحق فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه امر بأبى جهل
ان يلتمس في القتلى وكان اول ما لقى ابا جهل كما حدثنى ثور بن زيد عن عكرمة
عن ابن عباس و عبدالله بن ابى بكر ايضا قد حدثنى ذلك قال معاذ بن عمرو بن
الجموح اخو بنى سلمة سمعت القوم وابوجهل في مثل الحرجة ( 1 ) وهم يقولون ابوالحكم
لا يخلص اليه قال فلما سمعتها جعلته من شأنى فصمدت نحوه فلما أمكننى حملت
عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت الا
بالنواة تطيح من تحت مرضخة ( 2 ) النوى حين يضرب بها قال وضربنى ابنه عكرمة
على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جسمى وأجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت
عامة يومى وانى لاسحبها خلفى فلما آذتنى وضعت عليها قدمى ثم تمطيت بها عليها
حتى طرحتها . قال القاضى ابوالفضل عياض بن موسى : وزاد ابن وهب في روايته
فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلصقت . قال ابن
اسحق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مر بأبى جهل - وهو عقير -
معوذ بن عفراء فضربه حتى اثبته وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر عبدالله بن
مسعود بأبى جهل حين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يلتمس في القتلى وقد
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى انظروا ان خفى عليكم في القتلى
* ( هامش ) * ( 1 ) الحرجة بالتحريك شجر ملتف .
( 2 ) سيأتى تفسير الغريب . ( * )
ـ343ـ
إلى اثر جرح في ركبته فانى ازدحمت يوما انا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان
ونحن غلامان وكنت اشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش ( 1 ) على احدهما
جحشا لم يزل اثره به قال عبدالله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت
رجلى على عنقه قال وقد كان ضبث بى ( 2 ) مرة بمكة فآذانى ولكزنى ثم قلت له هل
اخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا اخزانى اعمد من رجل قتلتموه اخبرنى لمن الدبرة
قال قلت لله ولرسوله ( 3 ) . قال ابن هشام ويقال اعار على رجل قتلتموه اخبرنى لمن
الدائرة اليوم . قال ابن اسحق وزعم رجال من بنى مخزوم ان ابن مسعود كان
يقول قال لى لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقى صعبا قال ثم احتززت رأسه ثم جئت
به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابى جهل
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذى لا اله غيره قال وكانت يمين
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت نعم والله الذى لا اله غيره ثم القيت رأسه
بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى . اخبرنا عبدالرحيم بن
يوسف الموصلى بقراءة والدى عليه قال انا ابوعلى حنبل ببن عبد الله الرصافى ان
ابا القاسم بن الحصين اخبره قال انا ابوعلى بن المذهب قال انا ابوبكر القطيعى
قال انا عبدالله بن احمد بن حنبل ثنا ابى ثنا يوسف بن الماجشون عن صالح بن
ابراهيم بن عبدالرحمن بن قوف عن ابيه عن عبدالرحمن بن عوف انه قال انى
لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يمينى وعن شمالى فاذا انا بين غلامين من
الانصار حديثة اسنانهما تمنيت لو كنت بين اضلع منهما فغمزنى احدهما فقال
يا عم هل تعرف ابا جهل بن هشام قال قلت نعم وما حاجتك يا ابن اخى قال بلغنى
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : خدش .
( 2 ) اى : قبض عليه .
( 3 ) في الهامش " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ344ـ
انه كان بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق
سوادى سواده حتى يموت الاعجل منا قال فغمزنى الآخر فقال مثلها قال فعجبت
لذلك قال فلم انشب ان نظرت إلى ابى جهل يزول في الناس فقلت لهما ألا تريان
هذا صاحبكما الذى تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال ايكما قتله فقال كل واحد منهما
انا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلا كما قتله وقضى
بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء .
رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون فوقع لنا عاليا . وروينا عن
ابن عقبة ان عبدالله بن مسعود وجده مقنعا في الحديد وهو منكب لا يتحول فظن
انه قد أثبت فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة
عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه فلما نظر اليه اذا هو ليس به جراح
وابصر في عنقه خدرا وفى يديه وكتفيه كهيئة آثار السياط فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره
فقال ذاك ضرب الملائكة . وروينا عن ابن عائذ ثنا الوليد قال حدثنى خليد عن
قتادة انه سمعه يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان لكل امة فرعونا
وان فرعون هذه الامة ابوجهل قتله الله شر قتلة قتله ابنا عفراء وقتلته الملائكة
وتدافه ابن مسعود يعنى اجهز عليه . قال ابن اسحق وقاتل عكاشة بن محصن
الاسدى يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه حذلا
من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن ابيض الحديدة فقاتل به حتى فتح
الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده . وقال الواقدى وحدثنى اسامة
ابن زيد الليثى عن داود بن الحصين عن رجال من بنى عبد الاشهل قالوا انكسر
ـ345ـ
سيف سلمة بن اسلم بن الحريس يوم بدر فبقى اعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول
الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب
به فاذا سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر ابى عبيد . قال ابن اسحق
وحدثنى يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها قالت لما
امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى ان يطرحوا في القليب طرحوا فيه الا
ما كان من امية بن خلف فانه انتفخ في درعه فملاها فذهبوا ليحركوه فتزايل
فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة . وروينا عن الطبرى ثنا موسى
ابن الحسن الكسائى ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس
ابن مالك قال انشأ عمر بن الخطاب يحدثنا عن اهل بدر فقال ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يرينا مصارع اهل بدر بالامس من بدر يقول هذا مصرع فلان
غدا ان شاء الله قال عمر فو الذى بعثه بالحق ما اخطؤا الحدود التى حدها رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى انتهى اليهم فقال يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل
وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدنى الله حقا فقال عمر يا رسول
الله كيف تكلم اجسادا لا ارواح فيها فقال ما انتم بأسمع لما اقول منهم غير انهم
لا يستطيعون ان يردوا شيئا . وروينا عن ابن عائذ اخبرنى الوليد بن مسلم اخبرنى
سعيد بن بشير عن قتادة عن انس عن ابى طلحة ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان اذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثا فلما كان يوم بدر اقام ثلاثا والقى بضعة
وعشرين رجلا من صناديد قريش في طوى من اطواء بدر ثم امر براحلته فشد
عليها رحلها فقلنا انه منطلق لحاجة فانطلق حتى وقف على شفى الركى فجعل يقول
يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان الحديث . وروينا من طريق مالك بن سليمان
الهروى ثنا معمر عن حميد الطويل عن انس وفى آخره قال قتادة احياهم الله حتى
سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم توبيخا لهم . هذا حمل لهذا الخبر على
ـ346ـ
ظاهره . وقد روينا عن عائشة رضى الله عنها انها تأولت ذلك وقالت انما اراد
النبى صلى الله عليه وسلم انهم الآن ليعلمون ان الذى اقول لهم هو الحق ثم قرأت
( انك لا تسمع الموتى ) الآية .
رجع إلى الخبر عن ابن اسحق : قال وتغير وجه ابى حذيفة بن عتبة عند طرح
ابيه في القليب ففطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لعلك دخلك في شأن ابيك شئ
فقال لا والله لكنى كنت اعرف من ابى رأيا وحلما وفضلا فكنت ارجو ان
يهديه الله للاسلام فلما رأيت ما مات عليه اخذنى ذلك قال فدعا له رسول الله
صلى الله عليه وسلم بخير . ومات يومئذ فتية من قريش على كفرهم
ممن كان فتن على الاسلام فافتتن بعد اسلامه منهم من بنى اسد الحرث بن زمعة بن الاسود
من بنى مخزوم ابوقيس بن الفاكه وابوقيس بن الوليد بن المغيرة . ومن بنى جمح على بن امية بن خلف . ومن بنى سهم العاصى بن منبه بن الحجاج فنزل
فيهم ( ان الذين توفاهم الملائكة ظالمى انفسهم ) ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في
العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه هو لنا وقال الذين
كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه لولا نحن ما اصبتموه نحن شغلنا عنكم العدو فهو لنا
وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأينا ان نقتل العدو
حين منحنا الله اكنافهم ولقد رأينا ان نأخذ المتاع حين لم يكن له من يمنعه ولكنا
خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو فما انتم بأحق به منا فنزعه الله من ايديهم
فجعله إلى رسول الله فقسمه في المسلمين عن بواء يقول عن السواء . وروينا عن
ابن عائذ اخبرنى الوليد بن مسلم قال واخبرنى سعيد بن بشير عن محمد بن
السائب الكلبى عن ابى صالح عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما كان
يوم بدر قال من قتل قتيلا فله سلبه ومن جاء بأسير فجاء ابواليسر بأسيرين
فقال سعد اى رسول الله اما والله ما كان بنا جبن عن العدو ولا ضن بالحياة ان نصنع
ـ347ـ
ما صنع اخواننا ولكن رأيناك قد افردت فكرهنا ان تكون بمضيعة قال فأمرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يوزعوا تلك الغنائم بينهم ، المشهور ان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا فله سلبه " انما كان يوم حنين واما قوله ذلك يوم بدر وأحد
فأكثر ما يوجد من رواية من لا يحتج به . وقد روى ارباب المغازى والسير ان
سعد بن ابى وقاص قتل يوم بدر سعيد بن العاص واخذ سيفه فنفله رسول الله
صلى الله عليه وسلم اياه حتى نزلت سورة الانفال وان الزبير بن العوام بارز يومئذ
رجلا فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه وان ابن مسعود نفله رسول الله
صلى الله عليه وسلم يومئذ سلب ابى جهل . واما ابن الكلبى فمضعف عندهم وروايته
عن ابى صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد تضعيف .
رجع إلى خبر ابن اسحق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة بشيرا
إلى اهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المسلمين ، وبعث زيد بن حارثة إلى
السافلة قال اسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم اقبل عليه السلام قافلا إلى المدينة ومعه الاسارى من المشركين
وفيهم عقببة بن ابى معيط والنضر بن الحرث واحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه النفل
الذى اصيب من المشركين وجعل عليه عبدالله بن كعب من بنى مازن بن النجار
ثم اقبل عليه السلام حتى اذا خرج من مضيق الصفراء فقسم النفل بين المسلمين
على السواء وبالصفراء امر عليا فقتل النضر بن الحرث ثم بعرق الظبية قتل عقبة
ابن ابى معيط فقال حين قتله من للصبية يا محمد قال النار والذى قتله عاصم بن ثابت
ابن ابى الافلح وقيل على والذى اسره عبدالله بن سلمة ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم . قال ابن اسحق وحدثنى نبيه بن وهب
اخو بنى عبد الدار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اقبل بالاسارى فرقهم
بين اصحابه وقال استوصوا بهم خيرا قال فكان ابوعزيز بن عمير بن هاشم
ـ348ـ
اخو مصعب لابيه وامه في الاسارى فقال مر بى اخى مصعب ورجل من الانصار
يأسرنى فقال له شد يديك به فان امه ذات متاع لعلها تفديه منك فكنت في
رهط من الانصار حين اقبلوا بى من بدر فكانوا اذا قدموا غداءهم وعشاءهم
خصونى بالخبز واكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم اياهم بنا ثم فدى بأربعة آلاف
درهم وهى اعلى الفداء . وذكر قاسم بن ثابت في دلائله ان قريشا لما توجهت إلى
بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذى وقع بهم المسلمون وهو ينشد بأبعد
صوت ولا يرى شخصه : ازار الحنيفيون بدرا وقيعة * سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
ابادت رجالا من قريش وابرزت * خرائد يضربن الترائب حسرا
فيا ويح من امسى عدو محمد * لقد جار عن قصد الهوى وتحيرا
فقال قائلهم من الحنفيون فقالوا هو محمد واصحابه يزعمون انهم على دين ابراهيم
الحنيف ، ثم لم يلبث النفر ان جاءهم الخبر .
رجع إلى الاول : وكان اول من قدم بمصابهم الحيسمان ( 1 ) بن عبد الله الخزاعى
وكان يسمى ابن عبد عمرو واسلم بعد ذلك فقال قتل عتبة وشيبة وابوالحكم وامية
وفلان فقال صفوان بن امية وهو جالس في الحجر والله ان يعقل هذا فسلوه
عنى فسألوه فقال هو ذاك جالسا في الحجر وقد رأيت ابه واخاه حين قتلا .
* ( هامش ) * بفتح الحاء وسكون الباء وضم السين . ( * )
ـ349ـ
( ذكر الخبر عن مهلك ابى لهب )
قال ابن اسحق وحدثنى حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة
مولى ابن عباس قال قال ابورافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما
للعباس بن ع بدالمطلب وكان الاسلام قد دخلنا اهل البيت فأسلم العباس
واسلمت ام الفضل واسلمت انا وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم فكان
يكتم اسلامه وكان ذا مال فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر وكنت رجلا
ضعيفا اعمل الاقداح انحتها في حجرة زمزم فوالله انى لجالس فيها انحت اقداحى
وعندى ام الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر اذ اقبل ابولهب يجر رجليه
بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهرى فبينا هو جالس اذ
قدم ابوسفيان بن الحرث فقال ابولهب هلم إلى فعندك الخبر فقال والله ما هو الا ان
لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع
ذلك ما لمت الناس لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والارض والله ما تليق
شيئا ولا يقوم لها شئ ، قال ابورافع فرفعت طنب الحجرة بيدى ثم قلت ذلك والله
الملائكة قال فرفع ابولهب يده فضرب وجهى ضربة شديدة قال وثاورته فاحتملنى
فضرب بى الارض ثم برك على يضربنى فقامت ام الفضل إلى عمود فضربته به
ضربة فلغت ( 1 ) في رأسه شجة منكرة وقالت استضعفته ان غاب عنه سيده فقام
موليا ذليلا فوالله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته . قال ابن
اسحق في رواية يونس بن بكير عنه انهم لم يحفروا له ولكن اسندوه إلى حائط
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : شدخت . ( * )
ـ350ـ
وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه . وذكر محمد بن جرير الطبرى
في تاريخه ان العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون انها تعدى اشد العدوى
فلما اصابت ابا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول
دفنه فلما خافوا السبة في تركه حفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته وقذفوه بالحجارة
من بعيد حتى واروه . ويروى ان عائشة رضى الله عنها كانت اذا مرت بموضعه
ذلك غطت وجهها
قال ابن اسحق : وحدثنى يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن ابيه عباد
قال ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا د تفعلوا فيبلغ محمدا واصحابه فيشمتوا بكم
ولا تبعثوا في اسراكم حتى تستأنسوا بهم لا يأرب عليكم محمد واصحاتبه في الفداء .
قال ابن عقبة اقام النوح شهرا . قال ابن اسحق وكان الاسود بن المطلب
قد اصيب له ثلاثة من ولده زمعة بن الاسود وعقيل بن الاسود والحرث بن زمعة
وكان يحب ان يبكى على بنيه قال فبينا هو كذلك اذ سمع صوت نائحة من الليل
فقال لغلام له وقد ذهب بصره انظر هل احل النحب هل بكت قريش على قتلاها
لعلى ابكى على ابى حكيمة يعنى زمعة فان جوفى قد احترق قال فلما رجع اليه الغلام
قال انما هى امرأة تبكى على بعير لها اضلته قال فذلك حين يقول الاسود
أتبكى ان يضل لها بعير * وتمنعها من النوم السهود
فلا تبكى على بكر ولكن * على بدر تقاصرت الجدود
وكان في الاسارى ابووداعة بن ضبيرة السهمى فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال يعين المطلب وكأنكم به قد جاء
في طلب فداء ابيه قال قالت قريش لا تعجلوا بفداء اساراكم لا يأرب ( 1 ) عليكم محمد
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : لا يتشدد . ( * )
ـ351ـ
واصحابه قال المطلب صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ اباه
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 351 سطر 1 الى ص 360 سطر 23
واصحابه قال المطلب صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ اباه
بأربعة آلاف درهم وانطلق فبعث قريش في فداء الاسارى فقدم مكرز بن حفص
ابن الاخيف في فداء سهيل بن عمرو وكان الذى اسره مالك بن التخشم وكان
سهيل اعلم بشفته السفلى ( 1 ) . قال ابن اسحق وحدثنى محمد بن عمرو بن عطاء اخو
بنى عامر بن لؤى ان عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول
الله انزع ثنيتى سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن ابدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا امثل به فيمثل الله بى وان كنت نبيا .
قال ابن اسحق وقد بلغنى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا
الحديث انه عسى ان يقوم مقاما لا تذمه فلما قاولهم مكرز وانتهى إلى رضاهم قالوا
هات الذى لنا قال اجعلوا رجلى مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث اليكم بفدائه
ففعلوا وكان عمرو بن ابى سفيان اسيرا في يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل لابى سفيان افد عمرا ابنك فقال ايجمع على دمى ومالى قتلوا حنظلة وأفدى
عمرا دعوه في ايديهم يمسكونه ما بدا لهم قال فبينا هو كذلك اذ خرج سعد بن
النعمان بن اكال اخو بنى عمرو بن عوف معتمرا فعدا عليه ابوسفيان فحبسه
بابنه عمرو ، ثم قال ابوسفيان :
أرهط ابن اكال اجيبوا دعاءه * تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا
فان بنى عمرو بن عوف اذلة * لئن لم يفكوا عن اسيرهم الكبلا
وفى رواية بنى عمرو لئام اذلة ففدى به وكان فيهم ابوالعاص بن الربيع ختن
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب بعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة
ادخلتها بها عليه حين بنى عليها قال فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : مشقوق الشفة السفلى . ( * )
ـ352ـ
لها رقة شديدة وقال ان رأيتم ان تطلقوا لها اسيرها وتردوا عليها فافعلوا قالوا نعم
يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذى لها . وروينا من طريق ابى داود ثنا عبد
الله بن محمد النفيلى ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحق عن يحيى بن عباد عن
ابيه عباد بن عبدالله بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها بنحوه ، وفى آخره فكان
النبى صلى الله عليه وسلم اخذ عليه او وعده ان يخلى سبيل زينب اليه وبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الانصار فقال كونا ببطن
ياجج حتى تمر بكما زينبب فتصحباها حتى تأتيا بها ، وممن من عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بغير فداء ايضا المطلب بن حنطب وصيفى بن ابى رفاعة وابوعزة الجمحى
واخذ عليه ان لا يظاهر عليه احدا .
قال ابن اسحق وحدثنى محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال
جلس عمير بن وهب الجمحى مع صفوان بن امية بعد مصاب اهل بدر من قريش
في الحجر بيسير وكان عمير بن وهب شيطانا من شباطبن قريش وكان ممن يؤذى
رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب بن عمير
في اسارى بدر فذكر اصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان لمن في العيش والله
خير بعدهم قال له عمير صدقت اما والله لولا دين على ليس له عندى قضاء وعيال
اخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت إلى محمد حتى اقتله فان لى فيهم علة ابنى اسير
في ايديهم قال فاغتنمها صفوان فقال على دينك انا اقضيه عنك وعيالك مع عيالى
اواسيهم ما بقوا لا يسعنى شئ ويعجز عنهم قال عمير فاكتم عنى شأنى وشأنك
قال افعل قال ثم امر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا
عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما اكرمهم
الله به وما اراهم من عدوهم اذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين اناخ على باب
المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء الا لشر
ـ353ـ
وهذا الذى حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا نبى الله هذا عدو الله عمير بن وهب وقد جاء متوشحا سيفه قال فأدخله على
قال فأقبل عمر حتى اخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه ( 1 ) بها وقال لرجال ممن كانوا معه
من الانصار ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث
فانه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال ارسله يا عمر ادن يا عمير ادن
يا عمير فدنا ثم قال انعموا صباحا وكانت تحية اهل الجاهلية بينهم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد اكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية اهل الجنة
قال اما والله ان كنت بها يا محمد لحديث عهد قال فما جاء بك يا عمير قال جئت
لهذا الاسير الذى فيكم فاحسنوا فيه قال فما بال السيف في عنقك قال قبحها الله
من سيوف وهل اغنت عنا شيئا قال اصدقنى ما الذى جئت له قال ما جئت الا
لذلك قال بلى قعدت انت وصفوان بن امية في الحجر فذكرتما اصحاب القليب
من قريش ثم قلت لولا دين على وعيال لى لخرجت حتى اقتل محمدا فتحمل لك
صفوان بدينك وعيالك على ان تقتلنى له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير
اشهد انك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتى به من خبر السماء
وما ينزل عليك من الوحى وهذا امر لم يحضره الا انا وصفوان فوالله انى لاعلم
ما اتاك به الا الله والحمد لله الذى هدانى للاسلام وساقنى هذا المساق ثم تشهد
شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا اخاكم في دينه واقرئوه القرآن واطلقوا
له اسيره ففعلوا ذلك ثم قال يا رسول اللهه انى كنت جاهدا على اطفاء نور الله شديد
الاذى لمن كان على دين الله فأنا احب ان تأذن لى فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله
والى الاسلام لعل الله يهديهم والا آذيتهم في دينهم كما كنت اؤذى اصحابك
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : جعلها في عنقه وجره بها . ( * )
ـ354ـ
في دينهم قال فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة قال وكان صفوان حين
خرج عمير يقول ابشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل
عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن اسلامه فحلف ان لا يكلمه ابدا
وان لا ينفعه بنفع ابدا .
( ذكر فوائد تتعلق بهذه الاخبار )
بدر بن قريش بن يخلد بن النضر حفر هذه البئر فنسبت اليه . والتحسس
بالحاء ان تستمع الاخبار بنفسك ، وبالجيم ان تفحص عنها بغيرك . واللطيمة العير
تحمل الطيب والبز . وضيعة الرجل حرفته وصناعته . والمقنب زهاء ثلاثمائة من
الخيل . وقوله لاط له بأربعة آلاف درهم اى أربى له ، ، ومنه الحديث " وما كان من
دين لا رهن فيه فهو لياط " وأصل هذه اللفظة من اللصوق . وتغور ما وراءه من القلب
قيد بالعين المهملة وبالغين المعجمة وتشديد الواو ، والسهيلى يقول بضم العين المهملة
وسكون الواو وقال وجاء على لغة من يقول قول القول وبوع المتاع . وحقبت الحرب
اشتدت . ومستنتل امام الصف : متقدم . والعريش ما يستظل به . واطن قدمه اسرع قطعها فطارت اى طنت . والمسكة السوار من الذبل وهو جلد السلحفاة .
واخلف الرجل سيفه مده لحاجته . اقدم حيزوم بضم الدال اقدم الخيل وحيزوم
فرس جبريل وقيل في تقييدها غير ذلك . . مرضخة النوى بالحاء المهملة وبالمعجمة
وقيل الرضح بالمهملة كسر اليابس وبالمعجمة كسر الرطب . وضبث الشئ قبض
ـ355ـ
عليه بيده وضبثه ضربه . وجهيم بن الصلت اسلم عام حنين ووقع في الرواية ابن
ابى الصلت . ومعوذ بن عفراء بكسر الواو وكان الوقشى يأبى الا الفتح . والمجذر
عبدالله بن ذياد ، قال ابوعمر ويقال ذياد والكسر اكثر . وابواسيد مالك
ابن ربيعة قال عياض قال فيه عبدالرزاق ووكيع بضم الهمزة وقال ابن مهدى
بفتحها ، قال احمد بن حنبل والصواب الاول . وابوداود المازنى اسمه عمرو وقيل
عمير بن عامر وكان الجيانى يقول ابوداود . وذكر عياض ان ابن مسعود انما
وضع رجله على عنق ابى جهل لتصدق رؤياه ، قال ابن قتيبة ذكر ان ابا جهل
قال لابن مسعود لاقتلنك فقال والله لقد رأيت في النوم انى اخذت حدجة حنظل
فوضعتها بين كتفيك ورأيتنى اضرب كتفيك بنعلى ولئن صدقت رؤياى لاطأن
على رقبتك ولاذبحنك ذبح الشاة . الحدجة الحنظلة الشديدة ، فلما انقضى امر بدر
انزل الله فيه سورة الانفال بأسرها .
ـ357ـ
( تسمية من شهد بدرا من المسلمين )
من بنى هاشم بن عبد مناف
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة بن ع بدالمطلب وعلى بن ابى طالب
ومن مواليهم زيد بن حارثة وانسة وابوكبشة . ومن حلفائهم ابومرثد حليف
حمزة وابنه مرثد ثمانية . ومن بنى المطلب بن عبد مناف عبيدة بن الحرث بن
المطلب واخواه الطفيل والحصين ومسطح بن اثاثة اربعة . ومن بنى عبد شمس ابن عبد مناف عثمان بن عفان خلفه عليه السلام على ابنته رقية وضرب له بسهمه
واجره فهو معدود فيهم وابوحذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولاه وصبيح مولى
ابى العاص بن امية وقيل رجع لمرض اصابه ثم شهد ما بعد بدر . ومن حلفائهم
عبدالله بن جحش وعكاشة بن محصن واخوه ابوسنان وابنه سنان بن ابى سنان
وشجاع وعقبة ابنا وهب ويزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة
ابن كبير بن غنم بن دودان وربيعة بن اسد بن خزيمة ومحرز بن نضلة وربيعة
ابن اكتم . ومن حلفاء بنى كبير بن غنم بن دودان ثقف بن عمرو واخواه مالك
ومدلج ويقال مدلاج وابومخشى سويد بن مخشى الطائى حليف لهم سبعة عشر .
ومن بنى نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان وخباب مولاه رجلان . ومن بنى
اسد بن عبدالعزى بن قصى الزبير بن العوام وحاطب بن ابى بلتعة عمرو بن
راشد بن معاذ اللخمى مولى الزبير وسعد مولى حاطب ثلاثة . ومن بنى عبد الدار
ابن قصى مصعب بن عمير وسويبط رجلان . ومن بنى زهرة عبدالرحمن بن
عوف وسعد بن ابى وقاص واخوه عمير . ومن حلفائهم المقداد بن عمرو و عبدالله
ـ358ـ
ابن مسعود ومسعود بن ربيعة وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان
ابن سليم بن ملكان بن افصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة وخباب
ابن الارت بن حندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن عبد مناة بن تميم
لحقه سباء في الجاهلية فاشترته امرأة من خزاعة واعتقته وكانت من حلفاء بنى زهرة
ثمانية . ومن بنى تيم بن مرة ابوبكر الصديق ومولياه بلال وعامر بن فهيرة وصهيب
ابن سنان وطلحة بن عبيد الله " 3 " وكان بالشام فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه
وأجره خمسة . ومن بنى مخزوم ابوسلمة بن عبدالاسد " 3 " وشماس بن عثمان " 3 " والارقم بن ابى الارقم " 3 " وعمار بن ياسر مولاهم " 3 " ومعتب بن عوف السلولى حليف
لهم " 3 " خمسة . ومن بنى عدى بن كعب عمر بن الخطاب " 3 " واخوه زيد ومهجع
مولاه وعمرو بن سراقة " هب " واخوه عبدالله " هب " وواقد بن عبدالله " هب "
وخولى ومالك ابنا ابى خولى " هب " وعامر بن ربيعة " 3 " وعامر " 3 " وخالد " 3 "
واياس " 3 " وعاقل " 3 " بنو البكير وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " 3 " قدم
من الشام بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه
واجره اربعة عشر ومن بنى جمح بن عمرو عثمان بن مظعون " 3 " واخواه قدامة
و عبدالله وابنه السائب بن عثمان ومعمر بن الحرث " 3 " خمسة . ومن بنى سهم
خنيس بن حذافة " 3 " رجل واحد . ومن بنى عامر بن لؤى ابوسبرة بن ابى
رهم " ها " و عبدالله بن مخرمة " ها " و عبدالله بن سهيل بن عمرو " ها " وعمرو او عمير
ابن عوف مولى سهيل بن عمرو وسعد بن خولة حليف لهم " ها " خمسة . ومن بنى الحرث
ابن فهر ابوعبيدة بن الجراح " 3 " وعمرو بن الحارث " ها " وسهيل بن وهب " ها " واخوه
صفوان ابنا بيضاء وعمرو بن ابى سرح " ها " خمسة وذكر ابوعمر فيهم وهب بن ابى
سرح اخا عمرو المذكور وحكاه عن موسى بن عقبة ولم نره في مغازيه ويشبه ان يكون
وهما . وقد ذكر ابن هشام عن غير ابن اسحق في بنى عامر بن لؤى وهب بن
ـ359ـ
سعد بن ابى سرح وهو ابن الحرث بن حبيب - ويقال حبيب بتشديد الياء - بن
خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر فيمن شهد بدرا وهو عند ابن عقبة ، وذكر
ابن عقبة فيهم عياض بن زهير بن ابى شداد بن ربيعة بن هلال بن اهيب بن
ضبة بن الحارث بن فهر " ها " وبعضهم يقول هلال بن مالك بن ضبة وذكره فيهم ايضا
خليفة بن خياط والواقدى وحكاه ابوعمر عن ابن اسحق من رواية ابراهيم بن
سعد عنه وحاطب بن عمرو العامرى " 3 " ذكره ابن هشام وحكاه ابوعمر عن موسى
ابن عقبة ولم نجده في مغازيه . وممن ذكره ابوعمر فيهم خريم بن فاتك الاسدى
وهو خريم بن الاخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك بن القليب بن عمرو بن اسد
ابن خريمة واخوه سبرة . قال ابوعمر وقد قيل ان خريما هذا وابنه ايمن بن خريم
اسلما جميعا يوم فتح مكة والاول اصح . وقد صحح البخارى وغيره ان خريما
واخاه سبرة شهدا بدرا وهو الصحيح ان شاء الله وطليب بن عمير " ها " قاله الزبير
والواقدى وروى عن ابن اسحق من غير طريق البكائى . وممن ذكر فيهم كثير بن
عمرو السلمى حليف بنى اسد ذكره ابن السراج في روايته عن عمر بن محمد بن
الحسن الاسدى عن ابيه عن زياد عن ابن اسحق وذكر اخويه مالك بن عمرو
وثقف بن عمرو وقد تقدم ذكرهما . قال ابوعمر لم ار كثيرا في غير هذه الرواية
ولعله ان يكون ثقف له لقبا واسمه كثير ويزيد بن الاخنس السلمى " 3 " وابنه معن بن
يزيد وابوه الاخنس ولا يعرف فيمن شهد بدرا ثلاثة اب وجد وابن الا هؤلاء
واكثر اهل العلم بالسير لا يصحح شهودهم بدرا فهؤلاء اربعة وتسعون . وقد روينا
عن هشام بن عروة عن ابيه عن الزبير قال ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم
وشهدها من الانصار ثم من الاوس ثم من بنى عبد الاشهل : سعد بن معاذ
ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل واخوه عمرو والحارث بن
اوس بن معاذ والحرث بن انس بن رافع بن امرئ القيس واخوه شريك وابنه
ـ360ـ
عبدالله ويزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس وابنه عامر واخوه زياد بن
السكن عند ابن الكلبى وحده وابنه عمارة بن زياد وسعد بن ريد " عج " وسلمه بن سلامة
ابن وقش " عج " وعباد بن بشر بن وقش وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد
ابن كرز بن سكن بن زعوراء واياس بن اوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الاعلم
ابن عامر بن زعوراء بن جشم اخى عبد الاشهل من ساكنى راتج ( 1 ) واخوه الحارث
ابن اوس عند ابن عقبة . ومن الناس من يقول في عتيك عبيد و ابوالهيثم بن
التيهان " عب " واخوه عبيد ويقال عتيك والحرث بن خزمة بن عدى بن ابى بن غنم
ابن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لهم ومحمد بن مسلمة
ابن خلف بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث من بنى حارثة وسلمة بن
اسلم بن حريش بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث وعببد الله بن سهل بن
زيد بن كعب بن عامر بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ثلاثة وعشرون
ومن بنى ظفر وهو كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس قتادة بن النعمان
ابن زيد بن عامر بن سواد بن كعب وعبيد بن اوس بن مالك بن سواد ونضر
ابن الحرث بن عبيد بن رزاح بن كعب ومعتب بن عبيد عمه . ومن حلفائهم
عبدالله بن طارق البلوى خمسة . ومن بنى حارثة بن الحراث بن الخزرج مسعود
ابن عبد سعد بن عامر بن عدى بن جشم بن مجدعة بن حارثة وابوعبس
عبدالرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم ومن حلفائهم من بلى ابوبردة
هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم
ابن كاهل بن ذهل بن هنى اخى فران ابنى بلى اخى بهراء ابنى عمرو بن الحاف
ابن قضاعة ثلاثة . ومن بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس ثم من بنى ضبيعة
ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح
* ( هامش ) * ( 1 ) " راتج " اطم من آطام اليهود في المدينة وتسمى الناحية به . ( * )
ـ361ـ
قيس بن عصمة بن مالك بن امية بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليك بن زيد
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 361 سطر 1 الى ص 370 سطر 22
قيس بن عصمة بن مالك بن امية بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليك بن زيد
ابن العطاف بن ضبيعة وابومليك بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة
وعمير بن معبد بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة اربعة . ومن بنى امية
ابن زيد بن مالك مبشر بن عبدالمنذر بن زنبر بن زيد بن امية ورفاعة بن عبد
المنذر بن زنبر وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن امية وعويمر
ابن ساعدة " عب " ورافع بن عنجدة وهى امه وابوه عبد الحارث حليف لهم من
بلى وعبيد بن ابى عبيد وثعلبة بن حاطب وزعموا ان ابا لبابة بن عبدالمنذر
والحارث بن حاطب بن عمر بن عبيد بن امية بن زيد خرجا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فرجعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وامر ابا لبابة على المدينة
فضرب لهما سهمين مع اصحاب بدر تسعة نفر . ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك
انيس وخداش ابنا قتادة بن ربيعة بن مطروف بن الحارث بن زيد بن عبيد واسم
مطروف خالد . ومن حلفائهم من بلى معن بن عدى بن الجد بن العجلان بن ضبيعة
واخوه عاصم ضرب له بسهمه في بدر وثابت بن اقرم - ويقال اقرن - بن ثعلبة بن
عدى بن العجلان و عبدالله بن سلمة بن مالك بن الحرث بن عدى بن الجد
ابن العجلان وزيد بن اسلم بن ثعلبة بن عدى المذكور . وربعى بن رافع بن
الحرث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان ثمانيه نفر . ومن بنى معاوية بن
مالك بن عوف بن عمرو بن عوف جبر بن عتيك بن قيس بن هيشة بن الحارث
ابن امية بن معاوية وعمه الحارث بن قيس . ومن حلفائهم مالك بن نميلة بن
مزينة ونميلة امه وهو مالك بن ثابت والنعمان بن عصر بن عبيد بن رائلة بن جارية
ابن ضبيعة بن حرام بن جعيل بن عمرو بن جشم بن وذم بن ذبيان بن هميم بن
كاهل بن دهل بن هنى بن بلى . وعصر بفتحتين عند ابن الكلبى ومكسور العين
ساكن الصاد عند ابن اسحق والواقدى وابى معشر وابن عقبة قاله الدمياطى
ـ362ـ
اربعة . ومن بنى حنش بن عوف بن عمرو بن عوف سهل بن حنيف بن واهب
ابن العكيم بن ثعلبة بن الحرث بن مجدعة بن عمرو بن حنش رجل . ومن بنى
كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف المنذر بن محمد بن عقبة بن احيحة بن الجلاح
ابن الحريش بن جحجبا بن كلفة . ومن حلفائهم ابوعقيل عبدالرحمن بن عبد
الله بن ثعلبة بن ببحان بن عامر بن الحارث بن مالك بن عامر بن انيف بن جشم
ابن عائذ الله بن تميم بن عوف بن مناة بن ناج بن تيم بن اراش بن عامر بن عبيلة بن
قسميل بن فران بن بلى رجلان . ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف عبدالله بن جبير بن
النعمان بن امية بن البرك وهو امرؤ القيس بن ثعلبة واخوه خوات بن جبير قيل خرج إلى بدر
فكسر بالروحاء فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه واجره وعمهما الحارث بن النعمان
وابوضياح النعمان بن ثابت بن النعمان بن امية والنعمان والحرث ابنا ابى خزمة بن
النعمان بن امية بن البرك وابوحبة - بالباء - بن ثابت اخو اببى ضياح عند ابن القداح
وابوحنة - بالنون - بن مالك بن عمرو بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة وسالم بن عمير بن
ثابت بن كلفة وعاصم بن قيس بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة عشرة .
ومن بنى غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الاوس سعد بن خيثمة
والمنذر ومالك ابنا قدامة بن الحرث بن مالك بن كعب بن النحاط والحرث بن
عرفجة بن الحارث بن مالك ذكره ابن عقبة والواقدى وغيرهما وتميم مولى بنى
غنم بن السلم خمسة . فجملة من ذكرنا من الاوس اربعة وسبعون . ( 1 )
وشهدها من الانصار ثم من الخزرج ثم من بنى مغالة : وهم بنو عدى بن عمرو
ابن مالك بن النجار ابوشيخ ابى بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد
مناة بن عدى واخوه اوس وابوطلحة زيد بن سهل بن الاسود بن حرام بن عمرو
ابن زيد مناة بن عدى المذكور ثلاثة . ومن بنى حديلة وهى بنت مالك بن زيد
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ363ـ
مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج وهى ام
معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار انس بن معاذ بن انس بن قيس بن عبيد
ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وابى بن كعب " عج " وابوحبيب
ابن زيد بن الحباب بن انس بن زيد بن عبيد بن زيد بن معاوية قاله ابن الكلبى
ثلاثة . ومن بنى غنم بن مالك بن النجار ابوايوب خالد بن زيد " عج " وعمارة بن
حزم " عج " وثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عشيرة وقال ابن هشام عشيرة بن عبد
ابن عوف بن غنم وسراقة بن كعب بن عمرو بن عبدالعزى بن عزية بن عمر
ابن عبد بن غوف بن غنم بن مالك بن النجار ومنهم من اسقط بعد كعب عمرا
اربعة . ومن بنى ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار سليم بن قيس بن فهد واسمه
خالد بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم وحارثة بن النعمان بن يفع
ابن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم وسهيل واخوه سهل ابنا رافع بن ابى عمرو
ابن عائذ بن ثعلبة بن غنم ومسعود بن اوس بن زيد بن اصرم بن زيد بن ثعلبة
ابن غنم واخوه ابوخزيمة بن اوس ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد بن ثعلبة
ابن غنم كذا عند الواقدى سواد وعند ابن عمارة الاسود سبعة . ومن بنى سواد
ابن غنم بن مالك بن النجار كذا عند ابن الكلبى ، وابن سعد يقول سواد بن مالك
ابن غنم بن مالك معاذ " عب " ومعوذ وعوف " عا " بنو الحارث بن رفاعة وامهم عفراء
بنت عبيد وهم ثلاثة عند ابى معشر والواقدى وابن القداح وكان ابن اسحق يزيد
فيهم رابعا يسميه رفاعة شهد عنده بدرا وانكره الواقدى والنعمان بن عمرو " عج " والنعيمان
ابن عمرو وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد و عبدالله بن قيس بن خلدة بن
الحرث بن سواد وعمرو بن قيس بن زيد بن سواد مذكور في البدريين عند ابى
معشر وابن القداح والواقدى وقيس ابنه عندهم ايضا ولم يذكرهما في البدريين
ابن عقبة ولا ابن اسحق ، وثابت بن عمرو بن زيد بن عدى بن سواد عشرة .
ـ364ـ
ومن بنى مبذول وهو عامر بن مالك بن النجار ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو
ابن عتيك بن عمرو بن عامر والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك خرج إلى
بدر فكسر بالروحاء فرده عليه السلام وضرب له بسهمه وأجره وسهل بن عتيك " عج " وعامر بن سعد بن عمرو بن ثقف واسمه كعب بن مالك بن مبذول ذكره ابن عمارة قال ابن
سعد ولم يذكره غيره . ومن حلفائهم عدى بن ابى الزغباء سنان بن سبيع بن
ثعلبة بن ربيعة بن زهرة بن بديل بن سعد بن عدى بن نصر بن كاهل بن مالك
ابن غطفان بن قيس بن جهينة حليف بنى عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن
النجار ووديعة بن عمرو بن جراد بن يربوع بن طحيل بن عمرو بن غنم بن الرابعة
ابن رشدان بن قيس بن جهينة حليف بنى سواد بن غنم بن مالك النجار
وابومعشر يسميه رفاعة بن عمرو وعصيمة حليف لهم من اشجع لم يذكره ابن عقبة
وذكره غيره كذا قال ابن سعد ، والذى قال في السيرة ان عصيمة من بنى اسد
ابن خزيمة وانه حليف بنى مازن بن النجار وكذا ذكره ابن سعد في بنى مازن
سبعة . ومن بنى عدى بن النجار ثم من بنى عدى بن مالك بن عدى بن النجار
حارثة بن سراقة بن الحرث بن عدى وهو اول قتيل بعد مهجع وعمرو بن ثعلبة
ابن وهب بن عدى ومحرر بن مالك بن عامر بن عدى وسليط بن قيس بن عمرو
ابن عبيد بن مالك بن عدى وابوسليط عسيرة بن ابى خارجة عمرو بن قيس
ابن مالك بن عدى وذكر الكلبى ان اباه خارجة شهد بدرا وفيه نظر
وعامر بن امية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدى وابوصرمة قيس بن
ابى قيس صرمة بن ابى انس قيس بن صرمة بن مالك بن عدى قال ابوعمر
ولم يختلف في شهوده بدرا ولم يذكره فيهم ابن عقبة ولا ابن اسحق ولا ابن سعد
وهذا عجيب من ابى عمر رحمه الله ثمانية . ومن بنى حرام بن جندب بن عامر
ابن غنم بن عدى بن النجار ابوالاعور الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام
ـ365ـ
وحرام وسليم ابنا ملحان بن خالد بن زيد بن حرام امهما مليكة بنت مالك بن
عدى بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار . ومن حلفاء بنى عدى
ابن النجار سواد بن غزية بن وهب من بلى وهو الذى قال له النبى صلى الله عليه
وسلم استقدمنى وهو الذى اسر خالدا والعاصى والحارث اخوة ابى جهل بن هشام
اربعة . ومن بنى عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن عبدالله بن
كعب ببن عمرو واحد . ومن بنى خنساء بن مبذول المذكور ابوداود عمير بن
عامر بن مالك بن خنساء وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء اثنان . ومن بنى
ثعلبة بن مازن بن النجار قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب بن الحارث
ابن ثعلبة وابوحبس المازنى تميم بن عبد عمرو بن قيس بن محرث بن الحرث بن
ثعلبة . قال ابوعمر شهد بدرا وقال شيخنا الحافظ ابومحمد الدمياطى وهذا غير ثابت
وكذا هو عند ابن سعد معدود في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها اثنان .
ومن بنى دينار بن النجار سليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الاشهل بن
حارثة بن دينار والنعمان والضحاك ابنا عبد عمرو وكعب بن زيد بن قيس بن مالك
ابن كعب بن عبد الاشهل وسعيد بن سهل بن مالك بن كعب بن عبد الاشهل ،
وابن اسحق وابومعشر يقولان في سهل سهيل وبجير بن ابى بجير حليف لهم من
بلى او جهينة ستة . ومن بنى الحارث بن الخزرج ثم من بنى مالك الاغر بن ثعلبة
ابن كعب بن الخزرج عبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الاصغر بن
عمرو بن امرئ القيس الاكبر بن مالك الاغر قال ابن سعد ليس له عقب وليس
كذلك وسعد بن الربيع " ق " وخارجة بن زيد " عج " وخلاد بن سويد " عج " وبشير
ابن سعد " عج " وسماك بن سعد اخوه ستة . ومن بنى حارثة بن ثعلبة بن كعب
ابن الخزرج بن الحارث بن الخزرج يزيد بن الحرث بن قيس بن مالك بن احمر
ابن حارثة واحد . ومن بنى عدى بن كعب بن الخزرج خبيب بن يساف ويقال
ـ366ـ
اساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم وعن حبيب بن عبدالرحمن ان
جده خبيبا هذا ضرب يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولامه ورده فانطلق واحد . ومن بنى زيد مناة . وبعضهم يسقط مناة بن الحرث بن
الخزرج عبدالله بن زيد بن عبد ربه صاحب الاذان " عج " واخوه حريث وسفيان بن
نسر ويقال بشر بن عمرو بن الحرث بن كعب بن زيد مناة ثلاثة . ومن بنى
عوف بن الحارث بن الخزرج ثم من بنى جدارة بن عوف تميم بن يعار بن قيس
ابن عدى بن امية بن جدارة وابن عمه زيد بن المزين بن قيس بن عدى وعبد
الله بن عمير بن حارثة بن ثعلبة بن خلاس بن امية بن جدارة لم يذكره ابن عمارة
في البدريين وذكره غيره و عبدالله بن عرفطة بن عدى بن امية بن جدارة كذا
نسبه ابن اسحق وابن سعد يقول عبدالله بن عرفطة حليف لهم وعقبة بن عمرو
ابومسعود البدرى " عج " عده البخارى في البدريين ، والمشهور انه لم يشهد بدرا
وانما هو منسوب إلى المات خمسة . ومن بنى الابجر خدرة بن عوف عبدالله بن
الربيع " عج " واحد . ومن بنى طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج
سعد بن عبادة " ق " وقع في صحيح مسلم ولم يصح شهوده بدرا وعبد ربه بن حق
ابن اوس بن عامر بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف اثنان . ومن بنى ثعلبة
ابن الخزرج بن ساعدة المنذر بن عمرو " ق " وابودجانة سماك بن خرشة ابولوذان
ابن عبدود ببن زيد بن ثعلبة وابن الكلبى يقول سماك بن اوس بن خرشة اثنان .
ومن بنى عمرو بن الخزرج بن ساعدة ابواسيد مالك بن ربيعة بن البدن
وبعضهم يقول اليدى - بن عامر وقيل عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو وقيل البدن
وهو عامر او عمرو بن عوف وابن عمه مالك بن مسعود بن البدن وسعد بن سعد
ابن مالك بن خالد بن تعلبة بن حارثة بن عمر تجهز لبدر فمات فضرب له رسول
الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره . ومن حلفائهم بسبس بن عمرو بن ثعلبة
ـ367ـ
ابن خرشة بن عمرو بن سعد بن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة واخواه زياد
وضمرة وبعضهم يقول في ضمرة ابن اخى زياد ، وعند ابن سعد زياد بن كعب
ابن عمرو بن عدى بن عامر بن رفاعة بن كليب بن مودعة بن عدى بن غنم بن
الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة و عبدالله بن عامر البلوى وكعب بن جماز ،
وبعضهم يقول حماز وعند الزمخشرى حماز - بن مالك بن ثعلبة بن خرشة ، وبعضهم
يسقط من نسبه مالكا ثمانية . ومن بنى الحبلى اوس بن خولى بن عبدالله بن
الحرث بن عبيد بن مالك بن سالم الحبلى وريد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن
جزى بن عدى بن مالك بن سالم ورفاعة بن عمرو " عج " وابنه مالك " عج "
ذكره الاموى فيمن شهد العقبة وبدرا ومعبد بن عبادة بن قشعر - ويقال قشير -
ابن الفدم بن سالم بن مالك بن سالم . ومن حلفائهم عقبة بن وهب " عج " وعامر
ابن سلمة بن عامر وعاصم بن العكير من مزينة ثمانية . ومن بنى غنم بن عوف
ابن الخزرج وهو قوقل عبادة بن الصامت " عب " والنعمان الاعرج بن مالك بن
ثعلبة بن اصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم والنعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن
فهر بن ثعلبة بن غنم ومالك بن الدخشم " عج " والحرث بن خزمة بن عدى بن
ابى غنم حليف لبنى عبد الاشهل من الاوس ونوفل بن عبدالله بن نضلة بن مالك
ابن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم وعتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان ومليل
ابن وبرة بن خالد بن العجلان وابن اخيه عصمة بن الحصين بن وبرة عند ابن
القداح والواقدى وهبيل اخوه ذكره ابراهيم بن المنذر قال حدثنى عبدالله بن محمد
ابن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن ابيه فيمن شهد بدرا ، حكاه ابوعمر
وفيه نظر ، وثابت بن هزال بن عمرو بن قريوش بن غنم بن امية بن لوذان بن
سالم والربيع وودفة ابنا اياس بن عمرو بن غنم بن امية . ومن حلفائهم المجذر بن
ذياد بن عمرو بن زمزمه بن عمرو بن عمارة بن مالك بن غصينة بن عمرو بن بثيرة بن مشنوء
ـ368ـ
ابن القشر بن تيم بن عوذ مناة بن ناج بن تيم بن اراشه بن عامر بن عميلة بن قسميل بن
فران بن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وعند ابن اسحق مشنو بن قشر بن تيم بن اراش
ابن عامر باسقاط ما زاد على ذلك البلوى وعبدة بن الحسحاس عند الواقدى مهملة الحاء
والسين ومعجمتهما عند ابن اسحق وقيل عبادة . وبحاث بن ثعلبة بن خزمة بن اصرم
ابن عمرو بن عمارة بالباء الموحدة وآخرها ثاء مثلثة عند ابن الكلبى وعند ابن
اسحق بالنون وآخرها باء موحدة ، واخوه عبد الله بن ثعلبة وعتبة بن ربيعة بن
خالد بن معاوية من بنى بهراء اخى بلى ابنى عمرو بن الحاف بن قضاعة وابن هشام
وابن القداح يقولان من بنى بهر . الابهراء قال ابوعمر وقد اختلف في شهوده بدرا
وعمرو بن اياس بن زيد بن جشم من اهل اليمن من غسان تسعة عشر . ومن بنى
سلمة بن سعد بن على بن اسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ، تم من بنى حرام بن
كعب بن غنم بن سلمة عبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن عمرو بن حرام
ابوجابر وقد ذكر فيهم ابنه جابر قال الواقدى غلط من عده في البدريين من اهل
العراق لم يذكره ابن عقبة ولا ابن اسحق ولا ابومعشر وعمرو بن الجموح " عج "
واخوته معوذ وخلاد ومعاذ وخراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن زيد بن
حرام واخوه معاذ بن الصمة ، وقال محمد بن عمر ليس بثبت ولا مجمع عليه ، وعمير
ابن حرام بن عمرو بن الجموح شهد بدرا عند الواقدى وابن عمارة ، ولم يذكره
ابن عقبة ولا ابن اسحق ولا ابومعشر ، وعمير بن الحمام بن الجموح والحباب بن
المنذر بن الجموح وعقبة بن عامر بن نابى " عا " وعمير بن عامر اخوه شهد بدرا
وغيرها عند ابن الكلبى ، وقال الدمياطى ولم ار من تابع ابن الكلبى على ذكره
في الصحابة ، وثابت بن ثعلبة وهو ابن الجذع وعمرو " عج " وقيل عمير بن الحارث .
ومن مواليهم تميم مولى خراش بن الصمة وحبيب بن الاسود سبعة عشر ومن
بنى سنان بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عمرو بن طلق بن زيد بن امية
ـ369ـ
ابن سنان ، ولم يذكره ابن عقبة واحد . ومن بنى عبيد بن عدى بن غنم بن كعب
ابن سلمة البراء بن معرور " ق " وابنه بشر و عبدالله بن الجد بن قيس بن صخر
ابن خنساء بن سنان بن عبيد وعتبة بن عبدالله بن صخر بن خنساء بن سنان
وسنان بن صيفى " عج " والطفيل بن مالك " عج " والطفيل بن النعمان بن خنساء " عج "
قال ابن سعد ولا احسبه الا وهلا وجبار بن صخر " عج " ويزيد بن خذام ( 1 )
ومسعود بن زيد " عج " عشرة . ومن بنى خناس بن سنان بن عبيد يزيد بن
المنذر " عج " واخوه معقل " عج " و عبدالله بن النعمان بن بلذمة ( 2 ) بن خناس وابو
قتادة بن ربعى بن بلذمة بن خناس مختلف في شهوده بدرا . اربعة . ومن بنى
النعمان بن سنان بن عبيد عبدالله بن عبد مناف بن النعمان وخليد وخلاد ولبدة
بنو قيس بن النعمان وجابر بن عبدالله بن رئاب بن النعمان . خمسة . ومن بنى ثعلبة
ابن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة الضحاك بن حارثة " عج " وسواد
بن رزن بن زيد بن ثعلبة . اثنان . ومن بنى ربيعة بن عبيد معبد بن قيس بن
صيفى بن صخر بن حرام بن ربيعة واخوه عبدالله وحمزة بن الحمير من حلفائهم
وابن اسحق يسميه خارجة - واخوه عبدالله والنعمان بن سنان مولى لهم . خمسة .
ومن بنى سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة " عا " وابن
عمه سليم بن عمرو بن حديدة وابواليسر كعب بن عمرو " عج " وصيفى بن
سواد " عج " وثعلبة بن عنمة " عج " وعببس بن عامر بن سنان " عج " وسهل
ابن قيس بن ابى بن كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد . ومن حلفائهم
معاذ بن جبل " عج " . ثمانية . ومن بنى زريق ذكوان بن عبد قيس " عب " وسعد
ابن عثمان بن خلدة واخوه عقبة وابن عمهما قيس بن محصن بن خلدة بن مخلد
* ( هامش ) * ( 1 ) بالخاء المعجمة والذال المعجمة ، وقيل " حرام " بالمهملة والراء .
( 2 ) بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الذال المعجمة ، وقيل بالمهملة . ( * )
ـ370ـ
ابن عامر بن زريق والحارث بن قيس " عج " وجبير بن اياس بن خلدة بن مخلد
ابن عامر بن زريق ومسعود بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق وعباذ بن قيس " عج "
ورافع بن مالك " عج " وابناه رفاعة وخلاد وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان بن عمرو
ابن عامر بن زريق والعجلان بن النعمان بن عامر بن العجلان واسعد بن يزيد
ابن الفاكه بن زيد بن خلدة بن عامر بن زريق والفاكه بن بشر بن الفاكه
ابن زيد بن خلدة ومعاذ وعائذ ابنا ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر ومسعود
ابن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر ، ومن حلفائهم من بنى مالك اخى الحارث
رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عدى بن مالك واخوه
هلال بن المعلى ولم يذكره ابن اسحق قال ابن الكلبى وشهد رافع وراشد وهلال
وابوقيس بنو المعلى بدرا ولم يذكر ابن اسحق منهم سوى رافع . اثنان وعشرون
ومن بنى بياضة بن عامر بن زريق زياد بن لبيد " عج " وخليفة بن عدى بن عمرو
ابن مالك بن عامر بن بياضة وفروة بن عمرو " عج " وغنام بن اوس بن عمرو بن
مالك بن عامر بن بياضة ذكره ابن الكلبى وخالد بن قيس " عج " ورحيلة بن
ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة وعطية بن نوير بن عامر بن عطية بن
عامر بن بياضة قاله ابن الكلبى . سبعة .
فجملة من ذكرنا من الخزرج مائة وخمسة وتسعون ، ومن الاوس اربعة
وسبعون ، ومن المهاجرين اربعة وتسعون فذلك ثلاثمائة وثلاثة وستون . وهذا
العدد اكثر من عدد اهل بدر وانما جاء ذلك من جهة الخلاف في بعض من
ذكرنا ، وقد تقدم نظير ذلك في اهل العقبة والله اعلم . وكان معهم من الخيل
فرس مرثد بن ابى مرثد الغنوى السبل وفرس المقداد بعرجة ويقال سبحة وقيل
وفرس الزبير اليعسوب وقال ابن عقبة ويقال كان مع النبى صلى الله عليه وسلم
ـ371ـ
فرسان على احدهما مصعب بن عمير وعلى الاخرى سعد بن خيثمة ومرة الزبير
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 371 سطر 1 الى ص 380 سطر 6
فرسان على احدهما مصعب بن عمير وعلى الاخرى سعد بن خيثمة ومرة الزبير
ابن العوام ومرة المقداد بن الاسود .
واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر من المسلمين عبيدة بن الحرث
وعمير بن ابى وقاص - وكانت سنه ستة عشر او سبعة عشر عاما - وعمير بن الحمام
من بنى سلمة من الانصار وسعد بن خيثمة من بنى عمرو بن عوف من الاوس وذو
الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعى حليف ببنى زهرة ومبشر بن عبدالمنذر
من بنى عمرو بن عوف وعاقل بن البكير الليثى ومهجع مولى عمر حليفا بنى عدى
وصفوان بن بيضاء الفهرى ويزيد بن الحرث من بنى الحرث بن الخزرج ورافع
ابن المعلى - وفد تقدم الخلاف في اخيه هلال - وحارثة بن سراقة من بنى النجار
وعوف ومعوذ ابنا عفراء اربعة عشر : ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار : ستة
من الخزرج واثنان من الاوس .
وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون . وروينا من طريق البخارى قال
حدثنى عمر بن خالد ثنا زهير ثنا ابواسحق قال سمعت البراء قال جعل النبى صلى الله عليه وسلم
على الرماة يوم أحد عبدالله بن جبير فأصابوا منا سبعين وكان النبى صلى الله عليه وسلم واصحابه
يوم بدر اصاب من المشركين اربعين ومائة سبعين اسيرا وسبعين قتيلا . ( 1 ) فمن مشاهير القتلى : من بنى عبد شمس حنظلة بن ابى سفيان قتله زيد بن
حارثة وعبيدة بن سعيد بن العاص قتله الزبير واخوه العاصى بن سعيد قتله على
وقيل غيره وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة قتلهم حمزة وعبيدة وعلى كما
تقدم وعقبة بن ابى معيط قتله عاصم بن ثابت صبرا وقيل بل على بأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم له بذلك والحرث بن عامر بن نوفل قتله على وطعيمة بن عدى
قتله حمزة وقيل بل قتل صبرا والاول اشهر وزمعة بن الاسود بن المطلب بن اسد
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )
ـ372ـ
وابنه الحرث بن زمعة واخوه عقيل بن الاسود وا بوالبخترى بن العاصى بن هشام
وقد تقدم الخلاف في قاتله من هو ونوفل بن خويلد بن اسد قتله على وقيل الزبير
والنضر بن الحرث قتل صبرا بالصفراء وعمير بن عثمان عم طلحة بن عبيد الله بن
عثمان وابوجهل بن هشام واخوه العاصى بن هشام قتله عمر ومسعود بن ابى امية
المخزومى اخو ام سلمة وابوقيس بن الوليد اخو خالد بن الوليد وقيس بن الفاكه
ابن المغيرة والسائب بن ابى السائب المخزومى وقد قيل لم يقتل يومئذ واسلم بعد
ذلك ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمى والعاصى والحارث ابنا منبه بن
الحجاج وامية بن خلف الجمحى وابنه على .
وأسر يومئذ : مالك بن عبيد الله اخو طلحة فمات اسيرا وحذيفة بن ابى حذيفة
ابن المغيرة ثم قتل وقيل اخوه هشام بن ابى حذيفة ، وأسر من بنى مخزوم ومن
حلفائهم يومئذ اربعة وعشرون رجلا . ومن بنى عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر
رجلا منهم عمرو بن ابى سفيان والحرث بن ابى وحرة بن ابى عمرو بن امية وابو
العاصى بن الربيع صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب . واسر من
بنى هاشم العباس بن ع بدالمطلب وعقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحرث بن عبد
المطلب . ومن بنى المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد والنعمان بن عمرو .
ومن بنى نوفل عدى بن الخيار . ومن بنى عبد الدار ابوعزيز بن عمير . ومن سائر
قريش السائب بن ابى حبيش والحرث بن عامر بن عثمان بن اسد وخالد بن هشام
اخو ابى جهل وصيفى بن ابى رفاعة واخوه ابوالمنذر بن ابى رفاعة والمطلب بن
حنطب وخالد بن الاعلم وهو القائل :
ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا * ولكن على اقدامنا تقطر الدما
وهو اول من فر يوم بدر فأدرك وأسر وعثمان بن عبد شمس بن حابر المازنى
ـ373ـ
حليف لهم وهو ابن عمة عتبة بن غزوان وامية بن ابى حذيفة بن المغيرة وابوقيس
ابن الوليد اخو خالد بن الوليد وعثمان بن عبدالله بن المغيرة وابوعطاء عبدالله
ابن ابى السائب بن عابد المخزومى وابووداعة بن صبيرة السهمى - وهو اول اسير
فدى منهم - وعبد الله بن ابى بن خلف الجمحى واخوه عمرو وابوعزة الجمحى وسهيل
ابن عمرو العامرى وعبد بن زمعة ( 1 ) بن قيس العامرى وعبيد الله بن حميد بن
زهير الاسدى . هؤلاء المشاهير من الاسرى والقتلى ، نقلت ذلك عن ابى عمر ولولا
خشية الاطالة لاتيت عليهم ، وكان الفداء من اربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى
الفين إلى الف درهم . وروينا عن ابن سعد قال انا الفضل بن دكين قال ثنا
اسرائيل عن جابر بن عامر قال اسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين
اسيرا وكان يفادى بهم على قدر اموالهم وكان اهل مكة يكتبون واهل المدينة
لا يكتبون فمن لم يكن عنده فداء دفع اليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم
فاذا حذقوا فهو فداؤه . وروينا عنه قال انا محمد بن عبدالله الانصارى فثنا هشام
ابن حسان فثنا محمد بن سيرين عن عبيدة ان جبريل نزل على النبى صلى الله عليه وسلم في
اسارى بدر فقال ان شئتم قتلتموهم وان شئتم اخذتم منهم الفداء ويستشهد ( 2 ) قابل منكم سبعون قال فنادى النبى صلى الله عليه وسلم في اصحابه فجاءوا او من جاء
منهم فقال ان هذا جبريل يخبركم بين ان تقدموهم فتقتلوهم وبين ان تفادوهم
ويستشهد قابل منكم بعدتهم فقالوا بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابل منا
الجنة سبعون ففادوهم .
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " عبدالله بن زمعة " وهو خطأ .
( 2 ) في نسخة " واستشهد " وفى اخرى " وليستشهد " ( * )
ـ374ـ
( ذكر من اسلم من اسرى بدر بعد ذلك )
العباس بن ع بدالمطلب . عقيل بن ابى طالب . نوفل بن الحارث بن ع بدالمطلب .
ابوالعاص بن الربيع . ابوعزيز بن عمير العبدزى . السائب بن ابى حبيش . خالد بن
هشام المخزومى . عبدالله بن ابى السائب . المطلب بن حنظب . ابووداعة السهمى .
عبدالله بن ابى خلف الجمحى . وهب بن عمير الجمحى . سهيل بن عمرو العامرى .
عبد بن زمعة اخو سودة . قيس بن السائب المخزومى . نسطاس مولى امية بن خلف .
ويذكر ان العباس كان جسيما اسره ابواليسر كعب بن عمرو وكان دميما فقيل
للعباس لو اخذته بكفك فقال ما هو الا ان لقيته فظهر في عينى
كالخندمة ، والخندمة جبل من جبال مكة .
( فضل من شهد بدرا )
روينا من طريق البخارى حدثنى اسحق بن ابراهيم قال انا جرير عن يحيى
ابن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقى عن ابيه وكان ابوه من اهل بدر
قال جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون اهل بدر فيكم قال من افضل
المسلمين او كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة .
ـ375ـ
( ما قيل من الشعر في بدر )
حمزة بن ع بدالمطلب رضى الله عنه :
ألم تر أمرا كان من عجب الدهر * وللحين اسباب مبينة الامر
وما ذاك الا ان قوما افادهم * فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر
عشية راحوا نحو بدر جميعهم * فكانوا رهونا للركية ( 1 ) من بدر
وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها * فساروا الينا فالتقينا على قدر
فلما التقينا لم تكن مثنوية * لنا غير طعن بالمثقفة السمر
وضرب ببيض يجتلى الهام حدها * مشهرة الالوان بينة الاثر
ونحن تركنا عتبة الغى ثاويا * وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر
وعمر وثوى فيمن ثوى من حماتهم * فشقت جيوب النائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤى بن غالب * كرام تفرعن الذوائب من فهر
اولئك قوم قتلوا في صلابهم * وخلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد ابليس اهله * فخاس بهم ان الخبيث إلى غدر
وقال لهم اذ عاين الامر واضحا * برئت اليكم ما بى اليوم من صبر
فانى ارى ما لا ترون واننى * اخاف عقاب الله والله ذو قسر ( 2 )
فقدمهم للحين حتى تورطوا * وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر الفا وجمعنا * ثلاث مئين كالمسدمة الزهر
وفينا جنود الله حين يمدنا * بهم في مقام ثم مستوضح الذكر
فشد بهم جبريل تحت لوائنا * لدى مازق فيه مناياهم تجرى
* ( هامش ) * ( 1 ) الركية : البئر .
( 2 ) في نسخة " ذو قهر " . ( * )
ـ376ـ
فاد الرجل فيدا وفودا مات وافاده الله . . والجفر البئر غير المطوية . والمسدمة
من قولهم فحل سدم اذا كان هائجا . والمازق موضع الحرب . ومن الناس من ينكرها
لحمزة . فأجابه الحارث بن هشام المخزومى :
ألا يا لقوم للصبابة والهجر * وللحزن منى والحزازة في الصدر
وللدمع من عينى جودا كأنه * فريد هوى من سلك ناظمه يجرى
على البطل الحلو الشمائل اذ ثوى * رهين مقام للركية من بدر
فلا تبعدن يا عمرو من ذى القرابة * ومن ذى ندام كان من خلق غمر
فان يك قوم صادفوا منك دولة * ولا بد للايام من دول الدهر
فقد كنت في صرف الزمان الذى مضى * تريهم هوانا منك ذا سبل وعر
في ابيات .
ومما يعزى لعلى بن ابى طالب رضى الله عنه في ابيات :
ألم تر ان الله ابلى رسوله * بلاء عزيز ذى اقتدار وذى فضل
بما انزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من اسار ومن قتل
فأجابه الحارث بن هشام :
عجبت لاقوام تعنى سفيههم * بأمر سفاه ذى اعتراض وذى بطل
تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا * كرام المساعى من غلام ومن كهل
مصاليت بيض من ذؤابة غالب * مطاعين في الهيجا مطاعيم في المحل
اصيبوا كراما لم يبيعوا عشيرة * بقوم سواهم نازحى الدار والاهل
كما اصبحت غسانة فيكم بطانة * لكم بدلا منا فيا لك من فعل
ـ377ـ
عقوقا واثما بينا وقطيعة * يرى جوركم فيها ذو الرأى والعقل
فان يك قوم قد مضوا لسبيلهم * وخير المنايا ما يكون من القتل
فلا تفرحوا ان تقتلوهم فقتلهم * لكم كائن خبلا مقيما على خبل
في ابيات ذكرها .
وقال ضرار بن الخطاب الفهرى :
عجبت لفخر الاوس والحين دائر * عليهم غدا والدهر فيه بصائر
وفخر بنى النجار ان كان معشر * ببدر اصيبوا كلهم ثم صائر
فان تك قتلى غودرت من رجالنا * ببدر فانا بعدهم سنغادر
وتردى بنا الجرد العناجيج وسطكم * بنى الاوس حتى يشفى النفس ثائر
ووسط بنى النجار سوف يكرها * لنا بالقنا والدرعين زوافر
فنترك صرعى تعصب الطير نحوهم * وليس لهم الا الامانى ناصر
وتبكيهم من اهل يثرب نسوة * لهن بهاليل عن النوم ساهر
وذلك انا لا تزال سيوفنا * بهن دم مما يحاربن مائر
فان تظفروا في يوم بدر فانما * بأحمد امسى جدكم وهو ظاهر
وبالنفر الاخيار هم اولياؤه * يحامون في اللاواء ( 1 ) والموت حاضر
يعد ابوبكر وحمزة فيهم * ويدعى على وسط من انت ذاكر
اولئك لا من نتجت من ديارها * بنو الاوس والنجار حين تفاخروا
ولكن ابوهم من لؤى بن غالب * اذا عدت الانساب كعب وعامر
هم الطاعنون الخيل في كل معرك * غداة الهياج الاطيبون الاكابر
العناجيج جياد الخيل واحدها عنجوج . ومائر متردد .
* ( هامش ) * ( 1 ) اللاواء . الشدة . ( * )
ـ378ـ
ومما قاله حسان بن ثابت الانصارى :
بلوت فؤادك في المقام خريدة * تشفى الضجيع ببارد بسام
كالمسك تخلطه بماء سحابة * او عاتق كدم الذبيح مدام
اما النهار فلا افتر ذكرها * والليل توزعنى بها احلامى
أقسمت انساها واترك ذكرها * حتى تغيب في الضريح عظامى
بل من لعاذلة تلوم سفاهة * ولقد عصيت على الهوى لوامى
ان كنت كاذبة الذى حدثتنى * فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الاحبة ان يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ( 1 ) ولجام
في ابيات يعير الحارث بن هشام بالفرار ، وكان الحرث يقول :
الله يعلم ما تركت قتالهم * حتى رموا فرسى بأشقر مزبد
وعلمت انى ان اقاتل واحدا * اقتل ولا يضرر عدوى مشهدى
فصددت عنهم والاحبة فيهم * طمعا لهم بلقاء يوم مفسد ( 2 )
وكان الاصمعى يقول : هذا احسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار وكان
خلف الاحمر يقول احسن ما قيل في ذلك ابيات بن ابى وهب المخزومى
لعمرك ما وليت ظهرى محمدا * واصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكننى قلبت امرى فلم اجد * لسيفى مساغا ان ضربت ولا نبل
وقفت فلما خفت ضيعة موقفى * رجعت لعود كالهزبر ابى الشبل
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الطاء المهملة والميم وتشديد الراء مفتوحة . الفرس
المستفز للوثب والعود ، وقال ابوعبيدة هو المشمر الخلق .
( 2 ) في نسخة " اسود " . ( * )
ـ379ـ
وان تقاربا لفظا ومعنى فليس ببعيد من ان يكون الثانى اجود من الاول لانه
اكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل ، وانما علل فراره بعدم افادة وقوفه فقط
وذلك في الاول جزء علة والجزء الاخر قوله اقتل ، وقوله رموا فرسى بأشقر مزبد
يعنى الدم ويحتمل ان يكون ذلك مقيدا بكون مشهده لا يضر عدوه ومع ذلك
فالثانى اسلم من ذلك معنى واصرح لفظا .
ومما قاله حسان :
لقد علمت قريش يوم بدر * غداة الاسر والقتل الشديد
بأناحين نستجر العوالى * حماة الحرب يوم ابى الوليد
قتلنا ابنى ربيعة يوم ساروا * الينا في مضاعفة الحديد
وقر بها حكيم يوم جالت * بنو النجار تخطر كالاسود
وولت عند ذاك جموع فهر * واسلمها الحويرث من بعيد
وقالت قتيلة بنت الحارث اخت النضر بن الحارث :
يا راكبا ان الاثيل مظنة * من صبح خامسة وانت موفق
ابلغ بها ميتا بأن تحية * ما ان تزال بها النجائب تخفق
منى اليك وعبرة مسفوحة * حادت بوا كفها واخرى تخنق
هلى يسمعن النضر ان ناديته * ام كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنئ كريمة ( 1 ) * في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق
او كنت قابل فدية فلننفقن * يا عز ما يغلو به ما ينفق
( 1 ) اى : ابن كريمة . ( * )
ـ380ـ
فالنضر اقرب من اسرت قرابة * واحقهم ان كان عتق يعتق
ظلت سيوف بنى ابيه تنوشه * لله ارحام هناك تشقق
صبرا يقاد إلى المنية مثغبا * رسف المقيد وهو عان موثق
فيقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو بلغنى هذا الشعر قبل قتله
لمننت عليه . وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب رمضان اوائل شوال .
ـ381ـ
( فصل )
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 381 سطر 1 الى ص 390 سطر 7
( فصل )
قال الحافظ ابوعمر بن عبدالبر رحمه الله فلما اوقع الله بالمشركين يوم بدر
واستأصل وجوههم قالوا ان ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع الينا
من عنده من اتباع محمد فلنقتلهم بمن قتل منا ببدر . قال اخبرنا عبدالله بن محمد فثنا
محمد بن بكر فثنا ابوداود فثنا ابن السرج فثنا ابن وهب قال اخبرنى يونس
عن ابن شهاب قال بلغنى ان مخرج عمرو بن العاص وابن ابى ربيعة إلى ارض
الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر فلما بلغ رسول الله صلى
الله عليه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن امية من المدينة إلى النجاشى بكتاب .
قلت وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى ارض الحبشة ان توجه عمرو
بكتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في احدهما إلى
الاسلام والثانى في تزويجه عليه السلام ام حبيبة وقيل في شهر ربيع الاول منها
وقيل في سنة ست حكاه ابوعمر عن الواقدى . واما عمرو بن امية فشهد بدرا
وأحدا مع المشركين واسلم بعد ذلك وكان اول مشهد شهده بئر معونة فأسرته بنو
عامر يومئذ فقال له عامر بن الطفيل انه كان على امى نسمة فاذهب فأنت حر عنها
وجز ناصيته وبعثه ايضا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابى سفيان بن حرب
بهدية إلى مكة ، وسيأتى ذكر كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى مع عمرو عند
ذكر كتب النبى صلى الله عليه وسلم إلى الملوك في وضعه من هذا الكتاب
ان شاء الله ، وهذا الفصل ذكره ابوعمر في هذا الموضع من كتابه في المغازى
وفيه نظر . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل ( بلغ مقابلة لله الحمد ) . ( * )
ـ382ـ
( سرية عمير بن عدى )
روينا عن ابن سعد قال ثم سرية عمير بن عدى بن خرشة الخطمى إلى عصماء
بنت مروان من بنى امية بن زيد لخمس ليال بقين من شهر رمضان على رأس تسعة
عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت عصماء عند يزيد بن
زيد بن حصن الخطمى وكانت تعيب الاسلام وتؤذى النبى صلى الله عليه وسلم وتحرض عليه
وتقول الشعر فجاءها عمير بن عدى في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها وحولها
نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها فجسها بيده وكان ضرير البصر ونحى
الصبى عنها ووضع سيفه على صدرها حتى انفذه من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبى
صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلت ابنة
مروان قال نعم فهل على في ذلك من شئ فقال " لا ينتطح فيها عنزان " فكانت هذه
الكلمة اول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عميرا اليعمير قيل وكان اول من اسلم من خطمة عمير بن عدى وكان يدعى القارئ
كان امام قومه وقارئهم .
ـ383ـ
( سرية سالم بن عمير )
روينا عن ابن سعد قال ثم سرية سالم بن عمير إلى ابى عفك ( 1 ) اليهودى في
شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابوعفك من بنى
عمرو بن عوف شيخا كبيرا قد بلغ عشرين ومائة سنة وكان يهوديا وكان يحرض
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الشعر فقال سالم بن عمير وهو احد البكائين
وممن شهد بدرا على نذر ان اقتل ابا عفك او اموت دونه فأمهل يطلب له غرة حتى
كانت ليلة صائفة فنام ابوعفك بالفناء وسمع به سالم بن عمير فأقبل فوضع السيف
على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش وصاح عدو الله فثاب اليه ناس ممن
هو على قوله فأدخلوه منزله وقبروه . فقالت امامة المريدية ( 2 ) في ذلك :
تكذب دين الله والمرء احمدا * لعمرو الذى امناك ان بئس ما يمنى
حباك حنيفا آخر الليل طعنة * ابا عفك خذها على كبر السن
البيتان عن ابن سعد . وكان ابوعفك ممن نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحرث بن سويد بن الصامت وشهد سالم بدرا وأحدا والخندق
والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى في خلافة معاوية بن ابى
سفيان ، وقال فيه موسى بن عقبة سالم بن عبدالله .
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح العين المهملة .
( 2 ) بضم الميم وكسر الراء . وهو بطن من بلى . ( * )
ـ384ـ
( غزوة بنى سليم )
قال ابن اسحق فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يعنى من بدر لم يقم الا سبع
ليال حتى غزا بنفسه يريد بنى سليم . قال ابن هشام واستعمل على المدينة سباع
ابن عرفطة الغفارى او ابن مكتوم . قال ابن اسحق فبلغ ماء من مياههم يقال
له الكدر ( 1 ) فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا .
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الكاف وسكون الدال . ( * )
ـ385ـ
( غزوة بنى قينقاع )
قال ابن سعد وكانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا
من مهاجره . قال ابن اسحق وكان من بنى قينقاع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم
بسوق بنى قينقاع ثم قال يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة
واسلموا فانكم قد عرفتم انى نبى مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله اليكم
قالوا يا محمد انك ترى انا قومك ولا يغرنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب
فأصبت لهم فرصة اما والله لو حاربتنا لتعلمن انا نحن الناس ، فحدثنى مولى لآل
زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير او عن عكرمة عن ابن عباس قال ما نزل هؤلاء
الآيان الا فيهم ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد
قد كان لكم آية في فئتين التقتا - اى اصحاب بدر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقريش - فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة ترونهم مثليهم رأى العين والله
يؤيد بنصره من يشاء ان في ذلك لعبرة لاولى الابصار ) قال وحدثنى عاصم بن
عمر بن قتادة انهم كانوا اول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا
فيما بين بدر وأحد فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه .
قال ابن هشام وذكر عبدالله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن ابى عون قال
كان من امر بنى قينقاع ان امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بنى
قينقاع وجلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ
إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها
ـ386ـ
فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا وشدت اليهود على
المسلم فقتلوه فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمين فوقع الشر
بينهم وبين بنى قينقاع وتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتشبث به عبدالله بن ابى فيما روينا عن ابن اسحق عن ابيه عن عباد بن الوليد بن عباد
ابن الصامت قال وفيه وفى عبدالله نزلت ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود
والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ) إلى قوله ( فان حزب الله هم الغالبون )
وروينا عن ابن سعد قال وكانوا قوما من يهود حلفاء لعبد الله بن ابى بن سلول وكانوا اشجع يهود وكانوا صاغة فوادعوا النبى صلى الله عليه وسلم فلما كانت وقعة
بدر اظهروا البغى والحسد ونبذوا العهد والمدة فأنزل الله تعالى ( واما تخافن من قوم
خيانة فانبذ اليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين ) فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم انا اخاف من بنى قينقاع فسار اليهم ولواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب
وكان ابيض ولم تكن الرايات يومئذ واستخلف على المدينة ابا لبابة بن عبدالمنذر
وحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذى القعدة وكانوا اول من عدر من اليهود
وحاربوا وتحصنوا في حصنهم فحاصرهم اشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب
فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم اموالهم
وان لهم النساء والذرية فأنزلهم فكتفوا واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمى
فكلم ابن ابى فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألح عليه فقال حلوهم لعنهم الله
ولعنه معهم وتركهم من القتل وامر ان يجلوا من المدينة وتولى ذلك عبادة بن
الصامت فلحقوا بأذرعات فما كان اقل بقاءهم بها وذكر ما تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من سلاحهم وسيأتى ذكرنا له ، وخمست اموالهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفية الخمس وفض اربعة اخماس على اصحابه . فكان اول ما خمس بعد بدر .
وكان الذى ولى قبض اموالهم محمد بن مسلمة . انتهى ما وجدته عن ابن سعد . كذا
ـ387ـ
وقع صفية الخمس والمعروف ان الصفى غير الخمس . روينا عن الشعبى من طريق
ابى داود قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفى قبل الخمس .
وعن عائشة كانت صفية رضى الله عنها من الصفى فلا ادرى اسقطت الواو او كان هذا
قبل حكم الصفى والله اعلم . وكانوا اربعمائة حاسر ( 1 ) وثلاثمائة دارع وكانوا حلفاء
الخزرج
* ( هامش ) * ( 1 ) الحاسر : هو الذى لا درع ولا مغفر عليه . ( * )
ـ389ـ
( غزوة السويق )
روينا عن محمد بن اسحق قال ثم غزا ابوسفيان بن حرب في ذى الحجة غزوة
السويق . وذكر ابن سعد خروج النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس خلون
من ذى الحجة يوم الاحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجره .
رجع إلى ابن اسحق قال وكان ابوسفيان كما حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير
ويزيد بن رومان ومن لا اتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك وكان من اعلم
الانصار ان ابا سفيان حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر نذر ان لا يمس
رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتى راكب من قريش ليبر
يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له نيب ( 1 ) من المدينة على
بريد او نحوه ثم خرج من الليل حتى اتى بنى النضير تحت الليل فأتى حيى بن اخطب
فضرب عليه بابه فأبى ان يفتح له بابه وخافه فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم
وكان سيد بنى النضير في زمانه ذلك وصاحب منزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه
وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى اتى اصحابه فبعث
رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في اصوار ( 2 ) من نخل
بها ووجدوا رجلا من الانصار وحليفا لهم في حرثهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين
ونذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم في مائتين من
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح النون وسكون الياء وهناك جبل آخر يسمى " تيت " .
( 2 ) جمع صور وهو النخل المجتمع الصغار . ( * )
ـ390ـ
المهاجرين والانصار . وهذا العدد عن ابن سعد . واستعمر على المدينة بشير بن
عبدالمنذر فيما قال ابن هشام حتى بلغ قرقرة الكدر قال ابن سعد وجعل ابوسفيان
واصحابه يتخففون للهرب وكان اصحابه مائتين كما قدمنا وقيل كانوا اربعين فيلقون جرب السويق وهى عامة ازوادهم فيأخذها المسلمون فسميت غزوة السويق ، ولم
يلحقوهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة وكان غاب خمسة ايام قال
ابن اسحق وقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول
الله أتطمع ان تكون لنا غزوة قال نعم .
ـ391ـ
( غزوة قرقرة الكدر )
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 391 سطر 1 الى ص 400 سطر 6
( غزوة قرقرة الكدر )
قال ابن سعد ويقال قرارة الكدر للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين
شهرا من مهاجره وهى بناحية معذن بنى سليم قريب من الارحضية وراء سد معونة
وبين المعدن وبين المدينة ثمانية برد . وكان الذى حمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن
ابى طالب . واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم وكان بلغه ان بهذا الموضع جمعا
من بنى سليم وغطفان فسار اليهم فلم يجد في المحال احدا وارسل نفرا من اصحابه
في اعلى الوادى واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادى فوجد
رعاء منهم غلام يقال له يسار فسأله عن الناس فقال لا علم لى بهم انما اورد لخمس ( 1 )
وهذا يوم ربعى والناس قد ارتفعوا في المياه ونحن عزاب في الغنم فانصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بالنعم فانحدر به إلى المدينة واقتسموا غنائمهم
بصرار على ثلاثة اميال من المدينة وكانت النعم خمسمائة بعير فأخرج خمسه وقسم
اربعة اخماسه على المسلمين فأصاب كل رجل منهم بعيرين وكانوا مائتى رجل وصار
يسار في سهم النبى صلى الله عليه وسلم فأعتقه وذلك انه رآه يصلى وغاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم خمس عشرة ليلة . والقرقرة ارض ملساء والكدر طير في الوانها كدرة
عرف بها ذلك الموضع . وقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يذكر مسيره مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة .
* ( هامش ) * ( 1 ) الخمس بكسر الخاء من اظماء الابل اى ترعى ثلاثة ايام ثم ترد اليوم الرابع ،
وقيل أخمس الرجل اى وردت ابله خمسا . ( * )
ـ392ـ
( سرية كعب بن الاشرف )
روينا عن ابن سعد انها كانت لاربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول
على رأس خمسة وعشرين شهرا من مهاجره عليه السلام . قال ابن اسحق وكان
من حديث كعب بن الاشرف انه لما اصيب اصحاب القليب يوم بدر وقدم زيد
ابن حارثة إلى اهل السافلة و عبدالله بن رواحة إلى اهل العالية بشيرين بالفتح
قال كعب وكان رجلا من طئ ثم احد بنى نبهان وكانت امه من بنى النضير احق
هذا أترون ان محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذا الرجلان فهؤلاء اشراف العرب
وملوك الناس والله ان كان محمد اصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير من ظهرها .
فلما ايقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن ابى وداعة السهمى
وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الاشعار ويبكى على اصحاب
القليب ثم رجع إلى المدينة فتشبب ( 1 ) بنساء المسلمين حتى آذاهم . وروينا من طريق
ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عبدالله بن لهيعة عن ابى الاسود عن عروة قال
ثم انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( 2 ) ويمتدح عدوهم ويحرضهم
عليهم فلم يرض بذلك حتى ركب إلى قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له ابوسفيان والمشركون اديننا احب اليك ام دين محمد واصحابه
وأى دينينا أهدى في رأيك واقرب إلى الحق فقال انتم اهدى منهم سبيلا وافضل وفيه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لنا من ابن الاشراف فقد استعلن بعداوتنا
* ( هامش ) * ( 1 ) اى : تغزل بوصف محاسنهن . ( 2 ) في نسخة " والمسلمين . ( * )
ـ393ـ
وهجائنا وقد خرج إلى قريش فاجمعهم على قتالنا وقد اخبرنى الله عزوجل بذلك
ثم قدم اخبث ما كان ينتظر قريشا تقدم عليه فيقاتلنا ثم قرأ على المسلمين ما انزل
الله تعالى عليه فيه ( الم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب ) الآية وخمس
آيات فيه وفى قريش .
رجع إلى خبر ابن اسحق : فقال كما حدثنى عبدالله بن المغيث بن ابى بردة
من لى من ابن الاشراف فقال له محمد بن مسلمة اخو بنى الاشهل انا لك به
يا رسول الله انا اقتله قال فافعل ان قدرت على ذلك . فرجع محمد بن مسلمة فمكث
ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فدعاه فقال لم تركت الطعام والشراب ؟ قال يا رسول الله قلت لك قولا لا ادرى
هل أفين لك به ام لا قال انما عليك الجهد قال يا رسول الله انه لا بد لنا من ان
نقول قال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة
وسلكان بن سلامة بن وقش وكان اخا لكعب من الرضاعة وعباد بن بشر
ابن وقش احد بنى عبد الاشهل والحرث بن اوس بن معاذ وابوعبس بن جبر .
قلت وهؤلاء الخمسة من الاوس ، ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الاشرف قبل
ان يأتوه سلكان بن سلامة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا وكان ابو
نائلة سلكان يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الاشرف انى قد جئتك لحاجة اريد
ذكرها لك فاكتم عنى قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء
عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال
وجهدت الانفس واصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب انا ابن الاشرف
اما والله لقد كنت اخبرك يا ابن سلامة ان الامر سيصير إلى ما اقول فقال له سلكان
ان اردت ان تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك قال اترهنونى
ـ394ـ
ابناءكم قال قد اردت ان تفضحنا ان معى اصحابا على مثل رأيى وقد اردت ان
آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء واراد سلكان
ان لا ينكر السلاح اذا جاءوا بها قال ان في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان إلى
اصحابه فأخبرهم خبره وامرهم ان يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا اليه فاجتمعوا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن هشام ويقال قال اترهنونى نساءكم
قالوا كيف نرهنك نساءنا وانت اشب اهل يثرب واعطرهم ! قال اترهنونى ابناءكم .
قال ابن اسحق فحدثنى ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال مشى معهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ( 1 ) ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم اعنهم
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة واقبلوا حتى
انتهوا إلى حصنه فهتف به ابونائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفة
فأخذت امرأته بناحيتها وقالت انك امرؤ محارب وان اصحاب الحرب لا ينزلون
في مثل هذه الساعة قال انه ابونائلة لو وجدنى نائما ما ايقظنى فقالت والله انى
لاعرف في صوته الشر قال يقول لها كعب لو يدعى الفتى لطعنة لاجاب فنزل فتحدث
معهم ساعة وتحدثوا معه وقالوا هل لك يا ابن الاشرف ان تمشى معنا إلى شعب
العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا فقال ان شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم ان
ابا نائلة شام يده في فود ( 2 ) رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيبا اعطر ثم مشى
ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه
ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاختلفت عليه اسيافهم فلم تغن شيئا قال
محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفى حين رأيت اسيافنا لا تغنى شيئا فأخذته
وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن الا اوقدت عليه نارا قال فوضعته
* ( هامش ) * ( 1 ) بقيع الغرقد هو مقبرة اهل المدينة ، وانما سمى بذلك لانه كان فيه غرقد
وقطع ، والغرقد من شجر العضاه وشجر الشوك . ( 2 ) سياتى تفسير الغريب . ( * )
ـ395ـ
في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحرث بن
أوس بن معاذ فجرح في رأسه وفى رجله أصابه بعض أسيافنا قال فخرجنا حتى
سلكنا على بنى أمية بن زيد ثم على بنى قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في
حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحرث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة
ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل
وهو قائم يصلى فسلمنا عليه فخرج الينا فأخبرناه بمقتل عدو الله وتفل على جرح
صاحبنا ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها
يهودى إلا وهو يخاف على نفسه . انتهى خبر ابن إسحق ، وقال عباد بن بشر
في ذلك شعرا :
صرخت به فلم يعرض لصوتى * وأوفى طالعا من رأس جدر ( 1 )
فعدت له فقال من المنادى * فقلت أخوك عباد بن بشر
وهذى درعنا رهنا فخذها * لشهر إن وفى أو نصف شهر
فقال معاشر سغبوا وجاعوا * وما عدموا الغنى من غير فقر
فأقبل نحونا يهوى سريعا * وقال لنا لقد جئتم لامر
وفى أيماننا بيض حداد * مجربة بها الكفار نفرى
فعانقه ابن مسلمة المردى * به الكفار كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتا عليه * فقطره أبوعبس بن جبر
وكان الله سادسنا فأبنا * بأنعم نعمة وأعز نصر
وجاء برأسه نفر كرام * هم ناهيك من صدق وبر
واستشهد عباد بن بشر يوم اليمامة ، وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب
* ( هامش ) * ( 1 ) هو لغة في الجدار ، وفى نسخة " خدر " . ( * )
ـ396ـ
قال وممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر وقتل يوم اليمامة
شهيدا ، وكان له يومئذ بلاء وعناء فاستشهد وهو ابن خمس وأربعين سنة .
ـ397ـ
( خبر محيصة بن مسعود مع ابن سنينة )
قال ابن إسحق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال
يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة - ويقال ابن سبينة عن
ابن هشام رجل من تجار يهود وكان يلابسهم ويبايعهم - فقتله وكان حويصة بن
مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول
أى عدو الله أقتله أما والله لرب شحم في بطنك من ماله قال محيصة فقلت والله
لقد أمرنى بقتله من لو أمرنى بقتلك لضربت عنقك قال فوالله ان كان لاول اسلام
حويصة قال أى والله لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى قال قلت نعم والله لو أمرنى
بضرب عنقك لضربتها قال والله ان دينا يبلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة .
قال ابن إسحق حدثنى هذا الحديث مولى لبنى حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها
فقال محيصة في ذلك :
يلوم ابن أمى لو أمرت بقتله * لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله * متى ما أصوبه فليس بكاذب
وما سرنى أنى قتلتك طائعا * وأن لنا ما بين بصرى ومارب
وقيل ان الذى قتله محيصة وقال له أخوة حويصة في حقه ما قال وراجعه بما ذكرنا
كعب بن يهودا . وروينا عن ابن سعد قال أنا محمد بن حميد العبدى عن معمر
ابن راشد عن الزهرى في قوله ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن
الذين أشركوا أذى كثيرا ) قال هو كعب بن الاشرف .
ـ398ـ
( ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر )
مما نقلته من الحواشى التى ذكرتها بخط جدى رحمه الله على قوله ما تعلق به نفسه
قال هو مأخوذ من العلقة والعلقة والعلاق بلغة من الطعام إلى وقت الغداء ومعناه
ما يمسك رمقه من الغذاء ، ومنه ليس المتعلق كالمتأنق . وعلى قوله أنه لابد لنا من
أن نقول : قال المبرد في الكامل حقه أن يقول نتقول يريد افتعل قولا اختال به ،
قال وفى العين قولته مالم يقل . وقولته ادعيته عليه . وعلى قوله نرهنك من الحلقة
قال هذا هو المعروف يعنى سكون اللام ، وحكى سيبويه عن أبى عمرو أنهم كانوا
حلقة بفتح اللام . وعلى قوله بقيع الغرقد قال الاصمعى قطعت غرقدات فدفن
فيها عثمان بن مظعون فسمى المكان بقيع الغرقد لهذا السبب . وعلى قوله شام يده
في فوده أى أدخل يده ، والفود الشعر مما يلى الاذن . وشمت السيف إذا أغمدته
وهو من الاضداد ، قال والمغول سيف قصير يشتمل عليه الرجل . والثنة بين
السرة والعانة . وعلى قول ابن هشام ابن سبينة ، وقال الاستاذ أبوعلى يعنى
شيخه عمر بن محمد الازدى ولم يذكره أصحاب الحديث يعنى سبينة . وعلى
قوله لطبقت ذفراه طبق أصاب المفصل والذفرى في القفا . وأبوعبس بن جبر
اسمه عبدالرحمن . وسلكان اسمه سعد .
ـ399ـ
( غزوة غطفان بناحية نجد )
قال ابن اسحق وهى غزوة ذى أمر ، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فيما
قال ابن هشام . قال ابن اسحق فأقام بنجد صفرا كله وقريبا من ذلك ثم رجع
إلى المدينة ولم يلق كيدا . وقال ابن سعد ذو أمر بناحية النخيل وكانت في شهر ربيع
الاول على رأس خمسة وعشرين شهرا من مهاجره وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن جمعا من ثعلبة ومحارب بذى أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحرث من بنى
محارب فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وخرج لاثنتى عشرة ليلة
مضت من شهر ربيع الاول في أربعمائة وخمسين رجلا ومعهم أفراس واستخلف
على المدينة عثمان فأصابوا رجلا منهم بذى القصة ( 1 ) يقال له حبان من بنى ثعلبة فأدخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم وقال لن يلاقوك لو سمعوا
بمسيرك لهربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام
فأسلم وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال ولم يلاق رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحدا إلا أنه ينظر اليهم في رءوس الجبال وأصاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه مطر فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه ونشرهما ليجفا وألقاهما على
شجرة واضطجع وجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحرث ومعه سيف حتى
قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من يمنعك منى اليوم قال رسول
* ( هامش ) * ( 1 ) ذو القصة بالفتح : موضع قريب من المدينة . ( * )
ـ400ـ
الله صلى الله عليه وسلم ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك منى قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الاسلام ونزلت هذه
الآية ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ) الآية ثم أقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا . وكانت غيبته إحدى عشرة ليلة .
ـ401ـ
( غزوة بحران )
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 401 سطر 1 الى ص 410 سطر 27
( غزوة بحران )
قال ابن إسحق ثم غزا يريد قريشا واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما
قال ابن هشام حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع فأقام به شهر ربيع
الآخر وجمادى الاولى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا . وقال ابن سعد إنه خرج
لست خلون من جمادى الاولى على رأس سبعة وعشرين شهرا من مهاجره وذلك
انه بلغه أن بها جمعا من بنى سليم كثيرا فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه قال فأغذ ( 1 ) السير حتى ورد بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم فرجع ولم يلق كيدا
وكانت غيبته عشر ليال . والفرع بفتح الفاء والراء قيده السهيلى .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : أسرع . ( * )
ـ402ـ
( سرية زيد بن حارثة )
إلى الفردة اسم ماء
قال ابن إسحق : وكان من حديثها ان قريشا خافوا من طريقهم التى
يسلكون إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق
فخرج منهم تجار فيهم أبوسفيان بن حرب ومعهم فضة كثيرة وهى عظم تجارتهم
واستأجروا رجلا يقال له فرات بن حيان يدلهم في دلك الطريق وبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها
وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسان بن ثابت بعد أحد في
غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا في أخذها تلك الطريق :
دعوا فلجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الاوارك
بأيدى رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدى الملائك
اذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك
وقال ابن سعد كانت لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرا
من مهاجره وهى أول سرية خرج فيها زيد أميرا . والفردة من أرض نجد من الربذة .
والغمرة ناحية ذات عرق ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض العير لقريش
فيها صفوان بن أمية وحويطب بن عبدالعزى و عبدالله بن أبى ربيعة ومعه مال
كثير وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم . وكان دليلهم فرات بن حيان فخرج بهم
ـ403ـ
على ذات عرق طريق العراق وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم فوجه زيد بن حارثة
في مائة راكب فاعترض لها فأصابوا العير وأفلت عيان القوم وقدموا بالعير على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمسها فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم وقسم
ما بقى على أهل السرية . وأسر فرات بن حيان فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم
فقيل له إن تسلم تترك فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل
وحسن إسلام فرات بعد ذلك . وفيه قال عليه السلام ان منكم رجالا نكلهم إلى
إسلامهم منهم فرات . والفردة بالفاء المفتوحة وسكون الراء ، وضبطها بعضهم بفتح
القاف والراء والله أعلم بالصواب . ( 1 )
*
آخر الجزء الاول من تجزئة اثنين من السيرة النبوية
على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لله الحمد والمنة
يتلوه الثانى بغزوة أحد ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " .
( 2 ) كذا في الاصل وقد تابعناه في التجزئة . ( * )
ـ405ـ
( غزوة أحد )
قرأت على أبى النور اسماعيل بن نور بن قمر الهيتى اخبركم أبونصر موسى بن
عبد القادر الجيلى قراءة عليه وانتم تسمعون قال أنا أبوالقاسم سعيد بن أحمد
ابن البناء قال أنا أبوالقاسم على بن أحمد بن محمد البسرى قال . أنا أبوطاهر محمد بن عبد
الرحمن المخلص فثنا عبدالله فثنا العباس بن الوليد فثنا أبوعوانة عن عمرو بن
أبى سلمة عن ابيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أحدا هذا
جبل يحبنا ونحبه . وكانت في شوال سنة ثلاث يوم السبت لاحدى عشرة ليلة خلت
منه عند ابن عائذ ، وعند ابن سعد لسبع ليال خلون منه على رأس اثنين وثلاثين
شهرا من مهاجره وقيل للنصف منه . وكان من حديث أحد قال ابن اسحق كما حدثنى
محمد بن مسلم الزهرى ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين
ابن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث
بعض الحديث عن يوم أحد وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث .
عن يوم احد قالوا أو من قال منهم لما أصيب يوم بدر من كفار قريش اصحاب
القليب ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبوسفيان بن حرب بعيره مشى عبدالله بن أبى
ربيعة وعكرمة بن أبى جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب
آباؤهم واخوانهم وأبناؤهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له
في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش ان محمدا قد وتركم وقتل خياركم
فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منا ففعلوا . وقال
ابن سعد لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التى قدم
بها أبوسفيان بن حرب موقوفة في دار الندوة فمشت اشراف قريش إلى أبى
سفيان فقالوا نحن طيبو أنفس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشا إلى محمد فقال أبو
ـ406ـ
سفيان فأنا أول من أجاب إلى ذاك وبنوا عبد مناف فباعوها فصارت ذهبا
وكانت ألف بعير والمال خمسين الف دينار فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم
واخرجوا أرباحهم وكانوا يربحون في تجاراتهم لكل دينار دينارا . قال ابن اسحق
ففيهم كما ذكر لى بعض أهل العلم انزل الله تعالى ( ان الذين كفروا ينفقون أموالهم
ليصدوا عن سبيل الله ف سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين
كفروا إلى جهنم يحشرون ) فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين فعل ذلك أبوسفيان واصحاب العير بأحابيشها ( 1 ) ومن اطاعها من قبائل
كنانة وأهل تهامة . قال ابن سعد وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بخبرهم كله فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع بكتاب العباس .
رجع إلى خبر بن اسحق : وكان أبوعزة عمرو بن عبدالله الجمحى قد من عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في
الاسار فقال يا رسول الله انى فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن على
صلى الله عليك فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان بن
أمية يا ابا عزة انك رجل شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا فقال ان محمدا قد من على
فلا اريد ان اظاهر عليه قال بلى فأعنا بلسانك فلك الله على ان رجعت ان
أغنيك وإن أصبت ان اجعل بناتك مع بناتى يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر
فرجع أبوعزة ومشافع بن عبد مناف يستنفران الناس بأشعار لهما فأما أبوعزة
فظفر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة بحمراء الاسد فقال يا محمد
أقلنى فقال لا والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين ثم أمر عاصم
ابن ثابت فضرب عنقه وقال سعيد بن المسيب فيه قال عليه السلام لا يلدغ المؤمن
من جحر مرتين ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشى يقذف بحربة
له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له اخرج مع الناس فان انت قتلت حمزة
عم محمد بعمى طعيمة بن عدى فأنت عتيق وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة
وان لا يفروا فأقبلوا حتى نزلوا بعينين - جبل ببطن السبخة من قناة على شفير
الوادى مقابل المدينة - فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد نزلوا
* ( هامش ) * ( 1 ) التحبش : التجمع ، وقيل حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبشيا فسموا بذلك . ( * )
ـ407ـ
حيث نزلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : إنى قد رأيت والله خيرا . رأيت
بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفى ثلما ورأيت أنى أدخلت يدى في درع حصينة فأولتها
المدينة . وعن ابن هشام فأما البقر فناس من اصحابى يقتلون وأما الثلم الذى
رأيت في سيفى فهو رجل من أهل بيتى يقتل وقال ابن عقبة ويقول رجال كان
الذى رأى بسيفه الذى اصاب وجهه فان العدو اصابوا وجهه صلى الله عليه وسلم
يومئذ وقصموا رباعيته وجرحوا شفته وسيأتى ذكر من فعل ذلك . وعن ابن عائذ
أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة . رجع إلى الاول قال ابن اسحق قال يعنى النبى صلى الله عليه
وسلم فان رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر
مقام وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ، وكان رأى عبدالله بن أبى بن سلول مع
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ان لا يخرج اليهم فقال رجل من المسلمين
ممن اكرم الله بالشهادة يوم احد وغيره ممن فاته بدر مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم أخرج بنا إلى اعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فلم يزالوا برسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لامته ( 1 ) وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة
وقد مات في ذلك اليوم رجل من الانصار يقال له مالك بن عمرو أحد بنى النجار
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج اليهم وقد ندم الناس وقالوا
استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك فلما خرج عليهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله ا ستكرهناك ولم يكن لنا
ذلك فان شئت فاقعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغى
للنبى إذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ألف من اصحابه . قال ابن هشام واستعمل ابن أم مكتوم على
الصلاة بالناس ، قال ابن إسحق حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد
انخزل ( 2 ) عنه عبدالله بن أبى بثلث الناس وقال أطاعهم وعصانى ما ندرى على ما نقتل
أنفسنا فرجع بمن تبعه من قومه من أهل النفاق والريب واتبعهم عبدالله بن
عمرو بن حرام يقول يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر
* ( هامش ) * ( 1 ) اللامة : الدرع .
( 2 ) أى انفرد . ( * )
ـ408ـ
من عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال
قال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى
الله عنكم نبيه ، قال ابن عقبة فلما رجع عبدالله بن أبى بثلثمائة سقط في أيدى
الطائفتين من المسلمين وهما أن يقتتلا وهما بنو حارثة وبنو سلمة كما يقال . أخبرنا
الامام الزاهد أبوإسحق إبراهيم بن على بن أحمد بن الواسطى قراءة عليه وأنا
أسمع قال أنا المشايخ أب والبركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادى
وأبونصر موسى بن عبد القادر الجيلى وأبوالفضل محمد بن محمد بن السباك قال
الاولان أنا أبوالقاسم سعيد بن أحمد بن محمد بن البنا وقال الثانى أنا أبو
المعالى محمد بن محمد بن الجيان قال الاول أنا وقال الثانى أنبأنا أبوالقاسم بن
البسرى قال أنا أبوطاهر محمد بن عبدالرحمن الذهبى فثنا عبدالله بن محمد فثنا أبو
بكر بن أبى شيبة فثنا أبوأسامة عن شعبة عن عدى بن ثابت عن عبدالله بن
يزيد عن البراء بن عازب قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه
بأناس فرجعوا قال فكان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فقالت
فرقة نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم قال فنزلت ( فمالكم في المنافقين فئتين والله
أركسهم بما كسبوا ) قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها طيبة وأنها تنفى الخبث
كما تنفى النار خبث الفضة . وعن ابن اسحق من غير طريق زياد عن الزهرى أن الانصار
يوم احد قالوا يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود فقال لا حاجة لنا فيهم قال زياد
وحدثنى محمد بن اسحق قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بنى
حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف واستله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان يحب الفأل ولا يعتاف ( 1 ) يا صاحب السيف شم ( 2 ) سيفك فانى أرى السيوف
ستستل اليوم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه من رجل يخرج بنا
على القوم من كثب - أى من قرب - من طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبوخيثمة
أخو بنى حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بنى حارثة وبين
أموالهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظى وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما
* ( هامش ) * ( 1 ) لعله من العيافة زجر الطير .
( 2 ) أى سل . ( * )
ـ409ـ
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثى ( 1 ) في وجوههم
التراب ويقول إن كنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فانى لا أحل لك أن تدخل
حائطى وقد ذكر لى أنه اخذ حفنة من تراب في يده ثم قال والله لو أعلم أنى لا أصيب
بها غيرك يا محمد لضربت بها في وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر ، وقد بدر اليه
سعد بن زيد أخو بنى عبد الاشهل قبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل
الشعب من أحد في عروة الوادى إلى الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال
لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت
بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من الانصار حين نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن القتال أترعى زروع بنى قيلة ولما تضارب . وتعبأ رسول الله صلى
الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل وأمر على الرماة عبدالله بن جبير
أخا بنى عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بنياب بيض ، والرماة خمسون رجلا
فقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فأثبت
مكانك لا نؤتين من قبلك ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين
ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخى بنى عبد الدار . وقال ابن عقبة وكان حامل
لواء المهاجرين رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فقال أنا عاصم ان
شاء الله لما معى فقال له طلحة هل لك يا عاصم في المبارزة قال نعم فبدره ذلك الرجل
فضربه بالسيف على رأس طلحة حتى وقع السيف في لحيته فقتله فكان قتل صاحب
لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم " انى مردف كبشا " فلما
صرع صاحب اللواء انتشر النبى صلى الله عليه وسلم واصحابه وصاروا كتائب
متفرقة فجاسوا العدو ضربا حتى اجهضوهم ( 2 ) عن أثقالهم وحملت خيل المشركين
على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل ( 3 ) فترجع مفلولة وحمل المسلمون على
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يرمى .
( 2 ) أى : نحوهم وأزالوهم .
( 3 ) أى : ترمى بالنبل . ( * )
ـ410ـ
المشركين فنهكوهم قتلا . وذكر ابن عائذ ان طلحة المذكور في هذا الخبر هو
ابن عثمان اخو شيبة من بنى عبد الدار وكان بيده لواء المشركين يومئذ وان الرجل
الذى كان بيده لواء المسلمين المهاجرين على بن أبى طالب ، والذى قاله ابن هشام في
هذه القصة قال ويقال ان أبا سعيد بن أبى طلحة خرج بين الصفين فنادى انا
قاصم من يبارزنى مرارا فلم يخرج اليه احد فقال يا اصحاب محمد زعمتم ان قتلاكم
إلى الجنة وان قتلانا في النار كذبتم واللات لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلى بعضكم
فخرج اليه على بن أبى طالب فاختلفا ضربتين فقتله على رضى الله عنه قال ابن هشام
واجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزارى ورافع بن
خديج احد بنى حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما فقيل له ان رافعا رام
فأجازه فلما اجاز رافعا قيل له يا رسول الله فان سمرة يصرع رافعا فأجازه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورد اسامة بن زيد و عبدالله بن عمر وزيد بن ثابت واسيد بن ظهير ثم
اجازهم يوم الخندق وهم ابناء خمس عشرة سنة . قرأت على أبى الهيجاء غازى بن أبى
الفضل اخبركم أبوعلى حنبل بن عبدالله بن الفرج سماعا قال أنا أبوالقاسم بن
الحصين قال أنا أبوعلى بن المذهب قال انا أبوبكر القطيعى فثنا عبدالله بن
أحمد فثنا أبى فثنا يحيى عن عبيد الله قال اخبرنى نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله
عليه وسلم عرضه يوم احد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق
وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه . رواه أبوداود عن الامام أحمد . واخبرتنا
السيدة مونسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن
أيوب رحمهما الله ورحم سلفها سماعا قالت اخبرتنا أم هانئ عفيفة بنت أحمد
ا لفارقانية اجازة قالت انا أبوطاهر عبدالواحد بن محمد بن أحمد بن الدشتج
قال أنا أبونعيم الحافظ قال انا أبوعلى محمد بن احمد بن الصواف فثنا جعفر
ابن أحمد فثنا هشام بن عمار فثنا اسمعيل بن عياش فثنا أبو بكر الهذلى عن نافع
ان عمر بن عبدالعزيز سأله هل تدرون ما شهد عبدالله بن عمر مع النبى صلى الله
عليه وسلم من المغازى فقال نعم حدثنا عبدالله بن عمر قال كانت غزوة بدر
وانا ابن ثلاث عشرة سنة فلم اخرج مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم كانت غزوة
احد وانا بن اربع عشرة سنة فخرجت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فلما رآنى
ـ411ـ
استصغرنى فردنى وخلفنى في حرس المدينة في نفر ردهم منهم زيد بن ثابت
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 411 سطر 1 الى ص 420 سطر 26
استصغرنى فردنى وخلفنى في حرس المدينة في نفر ردهم منهم زيد بن ثابت
وعرابة بن اوس ورافع بن خديج وكان رافع أطولنا يومئذ فأنفذه النبى صلى
الله عليه وسلم فلم يرده معنا وكانت غزوة الخندق وانا ابن خمس عشرة
سنة وانفذنى فغزوت معه فلما حدث هذا الحديث دعا كاتبه فقال اعجل على كاتبا
إلى الامصار كلها فان رجالا يقدمون إلى يستفرضون لابنائهم واخوانهم فانظروا
من فرضت له فاسألوهم عن اسنانهم فمن كان منهم ابن خمس عشرة سنة فافرضوا
له في المقاتلة ومن كان دون ذلك فافرضوا له في الذرية . كذا وقع في هذا الخبر
أوس بن عرابة وإنما هو عرابة بن أوس وأبوه أوس بن قيظى كان من كبار
المنافقين وهو أحد القائلين إن بيوتنا عورة . وعرابة الذى يقول فيه الشماخ بن ضرار :
رأيت عرابة الاوسى يسمو * إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين
وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم احد أيضا البراء بن عازب وأبا سعيد
الخدرى وزيد بن ارقم وسعد بن عقيب بن عمرو بن عدى بن زيد بن جشم بن
حارثة الانصارى الحارثى وسعد بن حبتة ( 1 ) جد أبى يوسف الفقيه وهو سعد بن بحير ( 2 )
ابن معاوية حليف بنى عمرو بن عوف امه حبتة بنت مالك وزيد بن جارية من بنى
عمرو بن عوف ، وذكره ابن أبى حاتم فيمن اسم أبيه على حرف الحاء يعنى ابن
حارثة فوهم في ذلك وهو اخو مجمع بن جارية وجابر بن عبدالله . وليس بالذى
يروى عنه الحديث . قال ابن إسحق وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق ثم
تاء التأنيث . قال في القاموس حبتة بنت الحباب من الانصار صحابية ، من نسلها
أبويوسف القاضى ، قال البرهان الحلبى صريح كلامه أنها أسلمت قال ولم أر لها
ذكرا في الصحابة انما ذكروا حبتة أخت خوات بن جبير بن النعمان بن أمية الانصارى .
( 2 ) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون الياء . ( * )
ـ412ـ
ومعهم مائتا فرس . قال ابن عقبة وليس في المسلمين فرس واحد قال الواقدى لم
يكن مع المسلمين يوم احد من الخيل الا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفرس ابى بردة . قال ابن عقبة فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى
ميسرتها عكرمة بن ابى جهل . قال ابن سعد وجعلوا على الخيل صفوان بن امية
وقيل عمرو بن العاص وعلى الرماة عبدالله بن ابى ربيعة وكانوا مائة وفيهم
سبعمائة دارع والظعن خمس عشرة امرأة . وشاع خبرهم في الناس ومسيرهم حتى
نزلوا ذا الحليفة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له انسا ومؤنسا ابنى
فضالة الظفريين ليلة الخميس لخمس مضت من شوال فأتيا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بخبرهم وانهم قد حلوا ابلهم وخيلهم في الزرع الذى بالعريض حتى تركوه
ليس به خضراء ثم بعث الحباب بن المنذر بن الجموح اليهم ايضا فدخل فيهم
فحزرهم وجاءه بعلمهم وبات سعد بن معاذ واسيد بن حضير وسعد بن عبادة في
عدة ليلة الجمعة عليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحرست المدينة حتى اصبحوا وذكر الرؤيا واختلافهم في الخروج كما سقناه فصلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد
واخبرهم ان لهم النصر ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم
صلى بالناس العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالى ثم دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيته ومعه أبوبكر وعمر فعمماه ولبساه ، وصف الناس ينتظرون خروجه
فقال لهم سعد بن معاذ واسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه
وسلم على الخروج فردوا الامر اليه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس
لامته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من ادم ( 1 ) من حمائل سيف واعتم وتقلد
السيف وألقى الترس في ظهره فندموا جميعا على ما صنعوا . وقالوا ما كان لنا ان نخالفك
فاصنع ما بدالك فقال لا ينبغى لنبى إذا لبس لامته ان يضعها حتى يحكم الله بينه وبين
اعدائه وعقد ثلاثة ألوية لواء للاوس بيد أسيد بن الحضير ولواء المهاجرين بيد
* ( هامش ) * ( 1 ) قال ابن القيم في الهدى : وكان له . ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث
حلق من فضة وابزيم من فضة والطرف من فضة . كذا قال بعضهم ، وقال ابن تيمية
لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة . ( * )
ـ413ـ
على بن أبى طالب وقيل بيد مصعب بن عمير ولواء للخزرج بيد الحباب بن المنذر
وقيل بيد سعد بن عبادة وفى المسلمين مائة دارع وخرج السعدان أمامه يعدوان
سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم
وعلى الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين وأدج رسول الله صلى الله
عليه وسلم في السحر ودليله أبوخيثمة الحارثى فحانت الصلاة يعنى الصبح فصلى
وانخزل ( 1 ) حينئذ ابن أبى من ذلك المكان بثلاثمائة ومعه فرس وفرس لابى بردة
ابن نيار وهو يقول عصانى وأطاع الولدان ومن لا أرى له .
رجع إلى خبر ابن اسحق : قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ
هذا السيف بحقه فقام اليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام اليه أبودجانة سماك بن
خرشة اخو بنى ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله قال ان تضرب به في وجه
العدو حتى ينحنى قال أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه ، وكان أبودجانة
رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت ، وحين رآه عليه السلام يتبختر قال
إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن . وكان أول من أنشب الحرب بينهم
أبوعامر عبد بن عمرو بن صفى بن ملك بن النعمان احد بنى ضبيعة وكان فيما
ذكر ابن إسحق عن عاصم بن عمر بن قتادة خرج حين خرج إلى مكة مباعدا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسون غلاما من الاوس وبعض الناس
يقول خمسة عشر وكان يعد قريشا ان لو لقى قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان
فلقيهم في الاحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الاوس أنا أبوعامر قالوا
فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق وكان يسمى في الجاهلية الراهب . فسماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال لقد أصاب قومى بعدى
شر ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة . قال ابن اسحق وقد قال أبو
سفيان لاصحاب اللواء من بنى عبد الدار يحرضهم على القتال يا بنى عبد الدار
أنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم
إذا زالت زالوا فاما ان تكفونا لواءنا واما ان تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به
* ( هامش ) * ( 1 ) أى انفرد . ( * )
ـ414ـ
وتوعدوه وقالوا نحن نسلم اليك لواءنا ستعلم غدا اذا التقينا كيف نصنع وذلك أراد
أبوسفيان فلما التقى الناس قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتى معها واخذن الدفوف
يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم فقالت هند فيما تقول :
ويها بنى عبد الدار * وبها حماة الادبار * ضربا بكل بتار
وتقول : ان تقبلوا نعانق ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق
فاقتتل الناس حتى حميت الحرب ، قاتل أبودجانة حتى امعن في الناس . قال ابن
هشام وحدثنى غير واحد ان الزبير بن العوام قال وجدت في نفسى حين سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه واعطاه أبا دجانة فقلت والله لانظرن
ما يصنع فاتبعته فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه وقالت الانصار أخرج أبو
دجانة عصابة الموت وهكذا كان يقول اذا عصب بها فخرج وهو يقول :
انا الذى عاهدنى خليلى * ونحن بالسفح لدى النخيل
ان لا أقوم الدهر في الكيول ( 1 ) * إضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى احدا الا قتله . وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا الا دفف ( 2 )
عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا
فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه
أبودجانة فقتله ثم رأيته حمل بالسيف على رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف
عنها . قال ابن اسحق وقال ابودجانة رأيت انسانا يحمش ( 3 ) الناس حمشا شديدا
فعمدت اليه فلما حملت عليه السيف ولول فاكرمت سيف رسول الله صلى الله
عليه وسلم ان اضرب به امرأة . وقاتل حمزة بن ع بدالمطلب حتى قتل ارطاة بن
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : مؤخر الصفوف ، وهو بفتح الكاف وضم الياء المثناة من تحت المشددة
( 2 ) أى : أجهز عليه .
( 3 ) أى : يحرضهم على القتال . ( * )
ـ415ـ
شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان احد النفر الذين يحملون اللواء
ثم مر به سباع بن عبدالعزى الغبشانى فقال له هلم يا ابن مقطعة البظور .
وكانت امه ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله قال وحشى غلام جبير بن مطعم
والله انى لانظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه فما يليق شيئا مثل الجمل الاورق اذ
تقدم اليه سباع بن عبدالعزى فضربه ضربة فكانما اخطأ رأسه وهززت خربتى حتى
اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته ( 1 ) حتى خرجت من بين رجليه
فاقبل نحوى فغلب فوقع فامهلته حتى اذ مات جئته فأخذت حربتى ثم تنحيت
إلى العسكر ولم يكن لى بشئ حاجة غيره . وقاتل مصعب بن عمير دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذى قتله ابن قمئة الليثى وهو
يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدا فلما قتل
مصعب اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية عليا . وقال ابن سعد قتل
مصعب بن عمير فأخذ اللواء ملك في صورة مصعب وحضرت الملائكة يومئذ ولم
تقاتل وحكى دنو القوم بعضهم من بعض والرماة يرشقون خيل المشركين فتولى
هوارب فصاح طلحة بن أبى طلحة صاحب اللواء من يبارز فبرز له على فقتله . وهو
كبش الكتيبة الذى تقدمت الاشارة اليه في الرؤيا ، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبى
طلحة فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره ( 2 )
ثم حمله أبوسعيد بن أبى طلحة فرماه سعد بن أبى وقاص فأصاب حنجرته فقتله
ثم حمله مسافع بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم حمله الحارث بن طلحة فرماه
عاصم فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام ثم حمله الجلاس بن طلحة
فقتله طلحة بن عبيد الله . ثم حمله ارطاة بن شرحبيل فقتله على بن أبى طالب ثم حمله شريح
ابن قارظ فلسنا ندرى من قتله ثم حمله صواب غلامهم فقتل قتله سعد بن أبى وقاص .
وقيل على وقيل قزمان وهو اثبت الاقاويل . رجع إلى خبر ابن اسحق والتقى حنظلة بن
أبى عامر الغسيل وأبوسفيان فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الاوس فدعا أبا
سفيان فضربه شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صاحبكم
يعنى حنظلة لتغسله الملائكة فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حين سمع
* ( هامش ) * ( 1 ) الثنة : ما بين السرة والعانة
( 2 ) أى : صدره ( * )
ـ416ـ
الهاتفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة ثم انزل الله تعالى
نصره على المسلمين فحشوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة
لا شك فيها . وحدثنى يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد عن
عبدالله بن الزبير أنه قال والله لقد رأيتنى انظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها
مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير اذ مالت الرماة إلى العسكر حتى
كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل فأتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا
قد قتل فانكفأنا وانكفأ القوم علينا بعد ان أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو
منه احد من القوم . قال ابن اسحق وحدثنى بعض أهل العلم ان اللواء لم
يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به ( 1 ) وكان
آخر من أخذ اللواء منهم صواب فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذه
بصدره وعنقه حتى قتل عليه . قال ابن سعد فلما قتل أصحاب اللواء انكشف
المشركون منهزمين لا يلوون على شئ ونساؤهم يدعون بالويل وتبعهم المسلمون
يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى أجهضوهم ( 2 ) عن العسكر ووقعوا ينتهبون
العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم وتكلم الرماة الذين على عينين واختلفوا
بينهم وثبت أميرهم عبدالله بن جبير في نفر يسير دون العشرة مكانه وقال لا
أجاوز امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغنى ووعظ اصحابه وذكرهم امر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قد انهزم
المشركون فما مقامنا ههنا فانطلقوا يتبعون العسكر وينتهبون معهم وخلوا
الجبل . ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل وتبعه
عكرمة بن أبى جهل فحملوا على من بقى من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبدالله بن
جبير وانتقضت صفوف المسلمين واستدارت رحاهم وجالت الريح فصارت دبورا
وكانت قبل ذلك صبا . ونادى ابليس ان محمدا قد قتل واختلط المسلمون فصاروا
يقتتلون على غير شعار ويضرب بعضهم بعضا ما يشعرون به من العجلة والدهش
ونادى المشركون بشعارهم بالعزى بالهبل . فأوجعوا في المسلمين قتلا ذريعا وولى
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : اجتمعوا حوله .
( 2 ) أى : ازالوهم ( * )
ـ417ـ
من ولى منهم يومئذ ، قال موسى بن عقبة ولما فقد رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال رجل منهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فارجعوا إلى
قومكم فيؤمنونكم قبل ان يأتوكم فيقتلوكم فانهم داخلو البيوت وقال رجل منهم
لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا وقال آخرون ان كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد قتل افلا تقاتلون على دينكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله
عزوجل شهداء منهم انس بن ملك بن النضر شهد له بها سعد بن معاذ عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت كذا وقع في هذا الخبر انس بن مالك بن
النضر وانما هو انس بن النضر عم انس بن ملك بن النضر . رجع إلى خبر ابن سعد
وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزول يرمى عن قوسه حتى صارت
شظايا ويرمى بالحجر وثبت معه عصابة من أصحابه اربعة عشر رجلا سبعة من
المهاجرين فيهم ابوبكر الصديق وسبعة من الانصار حتى تحاجزوا . وروى
البخارى لم يبق مع النبى صلى الله عليه وسلم الا اثنا عشر رجلا . وعن ابى طلحة
غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد فجعل سيفى يسقط من يدى وآخذه
ويسقط وآخذه وكان يوم يوم بلاء وتمحيص اكرم الله فيه من اكرم من المسلمين بالشهادة حتى
خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه
واصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت ( 1 ) شفته وكان الذى اصابه عتبة بن ابى وقاص .
قال ابن إسحق فحدثنى حميد الطويل عن انس بن ملك قال كسرت رباعية
النبى صلى الله عليه وسلم يوم احد وشج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه
وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم
إلى ربهم فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك ( ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم
أو يعذبهم فانهم ظالمون ) قال ابن هشام وذكر لى ربيح ( 2 ) بن عبدالرحمن بن ابى سعيد
الخدرى عن ابيه عن ابى سعيد الخدرى ان عتبة بن ابى وقاص رمى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وان
عبدالله بن شهاب الزهرى شجه في وجهه وان ابن قمئة جرح وجنته فدخلت
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : جرحت . ( 2 ) بضم الراء وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة وحاء
مهملة . قال الترمذى قال البخارى منكر الحديث ، وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به . ( * )
ـ418ـ
حلقتان من المغفر في وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من
الحفر التى عمل أبوعامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ على بن أبى طالب
بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبدالله حتى استوى قائما
ومص ملك بن سنان أبوأبى سعيد الخدرى الدم من وجهه ثم ازدرده ( 1 ) فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس دمى دمه لم تصبه النار . وذكر عبدالعزيز
ابن محمد الدراوردى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال من سره ان ينظر إلى
شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر إلى طلحة بن عبدالله . وعن عيسى بن طلحة عن
عائشة عن أبى بكر الصديق ان أبا عبيدة بن الجراح نزع احدى الحلقتين من
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم نزع الاخرى فسقطت
ثنيته الاخرى فكان ساقط الثنيتين . وروينا عن ابن عائذ قال أنا الوليد بن مسلم
قال فحدثنى عبدالرحمن بن يزيد بن جابر أن الذى رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأحد فجرحه في وجهه قال لما رماه فأصابه خذها وأنا ابن قمئة فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم اقماك الله عزوجل ، قال ابن جابر انصرف ابن قمئة من ذلك اليوم إلى
أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل فأخذ فيها يعترض عليها ويشد عليه تيسها
فنطحه نطحة ارداه من شاهقة الجبل فتقطع . قال ابن اسحق فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشترى لنا نفسه كما حدثنى الحصين بن
عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن عمر وقال فقام زياد بن السكن
في نفر خمسة من الانصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن
فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه حتى كان
آخرهم زيادا وعمارة فقاتل حتى أثبته الجراحة ، ثم فاءت فيئة من المسلمين
فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنوه منى فأدنوه منه
فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن هشام فقالت
أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم احد فذكر سعيد بن أبى يزيد الانصارى
ان أم سعيد ابنة سعد بن الربيع كانت تقول دخلت على أم عمارة فقلت يا خالة
أخبرينى خبرك فقالت خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع النسا ومعى سقاء
* ( هامش ) * ( 1 ) أى : ابتلعه . ( * )
ـ419ـ
فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة
والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمى عن القوس حتى خلصت الجراحة
إلى فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت من أصابك بهذا قالت ابن قمئة
اقماه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلونى على محمد
فلا نجوت ان نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فضربنى هذه الضربة ولكن ضربته ضربا على ذلك
ولكن عدو الله كان عليه درعان قال ابن اسحق وترس دون رسول الله صلى
الله عليه وسلم أبودجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر
فيه النبل ورمى سعد بن أبى وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
سعد فلقد رأيته يناولنى النبل ويقول ارم فداك أبى وأمى حتى أنه ليناولنى
السهم ماله من نصل فيقول ارم به ، وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها ( 1 ) فأخذها قتادة بن
النعمان فكانت عنده . واصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته
فحدثنى عاصم بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده فكانت
أحسن عينيه واحدهما . وذكر الاصمعى عن أبى معشر المدنى قال وفد أبوبكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم بديوان أهل المدينة إلى عمر بن عبدالعزيز رجلا من ولد
قتادة بن النعمان فلما قدم عليه قال له ممن الرجل فقال :
أنا ابن الذى سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لاول أمرها * فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
حكاه ابوعمر قال ابن سعد ورمى يومئذ أبورهم الغفارى كلثوم بن الحصين
بسهم فوقع في نحره . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ قال
ابن اسحق وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول
* ( هامش ) * ( 1 ) سية القوس ما عطف من طرفيها والجمع سيات . ( * )
ـ420ـ
الناس قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر لى ابن شهاب الزهرى كعب
ابن ملك قال عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتى يا معشر
المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار لى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان انصت فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبوبكر وعمر وعلى وطلحة والزبير
والحرث بن الصمة ورهط من المسلمين . قال موسى بن عقبة بايعوه على الموت
فلما اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أبى بن خلف وهو يقول أين محمد لا نجوت
إن نجوت . قال ابن عقبة قال سعيد بن المسيب فاعترض له رجال من المسلمين فأمرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه واستقبله مصعب بن عمير أخو بنى
عبد الدار يقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبى بن خلف من فرجة من سابغة الدرع
والبيضة فطعنه بحربته فوقع أبى عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم قال سعيد
فكسر ضلعا من أضلاعه قال ففى ذلك نزلت ( وما رميت اذ رميت ولكن الله
رمى ) وقال ابن اسحق في هذا الخبر كان أبى بن خلف كما حدثنى صالح بن
إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول
يا محمد ان عندى العود فرساله أعلفه كل يوم فرقاس ذرة أقتلك عليها فيقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك ان شاء الله فلما رجع إلى قريش وقد خدشه
في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال قتلنى والله محمد قالوا له ذهب والله
فؤادك والله ان بك من بأس قال انه قد كان قال لى بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق
على لقتلنى فمات عدو الله بسرف ( 1 ) وهم قافلون به إلى مكة ، وقال ابن عقبة قال والذى
نفسى بيده لو كان هذا الذى بى بأهل ذى المجاز لماتوا اجمعون .
رجع إلى الاول فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج على بن
أبى طالب حتى ملا درقته من المهراس فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب
منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح السين وكسر الراء موضع في طريق مكة . ( * )
ـ421ـ
وهو يقول اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه . فحدثنى صالح بن كيسان
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 421 سطر 1 الى ص 430 سطر 26
وهو يقول اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه . فحدثنى صالح بن كيسان
عن من حدثه عن سعد بن أبى وقاص أنه كان يقول والله ما حرصت على قتل
رجل قط حرصى على قتل عتبة بن أبى وقاص وإن كان ما علمت لسئ الخلق مبغضا
في قومه ولقد كفانى منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله
على من دمى وجه رسوله ( 1 ) . قال ابن اسحق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الشعب معه أولئك النفر من أصحابه اذ علت عالية من قريش الجبل فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه لا ينبغى لهم ان يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب
ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل . ونهض رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة بن
عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
حدثنى يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عبدالله بن الزبير بن العوام
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ اوجب طلحة حين صنع
برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع . قال ابن هشام وبلغنى عن عكرمة
عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب
وذكر عمر مولى غفرة ان النبى صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا
من الجراح التى أصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا . قال ابن اسحق وقد كان
الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم إلى المنعى
دون الاعوص . وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال فلما خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو
حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الاطام ( 2 ) مع النساء والصبيان فقال أحدهما
لصاحبه وهما شيخان كبيران لا أبالك ما ننتظر فوالله ان بقى لواحد منا من عمره
إلا ظمء حمار ( 3 ) انما نحن هامة اليوم أو غدا أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله
* ( هامش ) * ( 1 ) في حاشية الاصل بلغ مقابلة لله الحمد .
( 2 ) جمع أطم بالضم : بناء مرتفع .
( 3 ) أى شئ يسير ، وانما خص الحمار لانه أقل الدواب صبرا عن الماء . ( * )
ـ422ـ
صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما فأما ثابت بن وقش
فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه
ولا يعرفونه فقال حذيفة أبى والله أبى قالوا والله ان عرفناه وصدقوا فقال حذيفة
يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم خيرا . قال ابن اسحق وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة قال كان فينا
رجل أتى ( 1 ) ولا ندرى ممن هو يقال له قزمان وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا ذكره يقول انه لمن أهل النار . قال فلما كان يوم احد قاتل قتالا شديدا
فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين . وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل
إلى دار بنى ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون والله لقد أبليت اليوم
يا قزمان فأبشر قال بماذا أبشر فوالله ان قاتلت الا على أحساب قومى ولولا ذلك لما
قاتلت قال فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه . وكان
ممن قتل يومئذ مخيريق وقد تقدم خبره ، وكان الحارث بن سويد بن الصامت
منافقا لم ينصرف مع عبدالله بن أبى في حين انصرافه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مع جماعته عن غزوة احد . ونهض مع المسلمين فلما التقى المسلمون
والمشركون عدا على المجذر بن زياد وعلى قيس بن زيد احد بنى ضبيعة فقتلهما
وفر إلى الكفار وكان المجذر قد قتل في الجاهلية سويد بن الصامت والد الحرث
المذكور في بعض حروب الاوس والخزرج . ثم ان الحرث رجع إلى المدينة إلى
قومه وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء ونزل جبريل عليه فأخبره
ان الحرث بن سويد قدم فانهض اليه واقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا
يوم احد فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم
فيه فخرج اليه الانصار أهل قباء في جماعتهم وفى جملتهم الحرث بن سويد وعليه
ثوب مورس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة بضرب عنقه
فقال الحرب لم يا رسول الله فقال بقتلك المجذر بن زياد وقيس بن زيد فما راجعه
* ( هامش ) * ( 1 ) أى غريب ، يقال رجل أتى وأتاوى . ( * )
ـ423ـ
الحرث بكلمة وقدمه عويم فضرب عنقه ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم ينزل عندهم . هذا عن أبى عمر النمرى ، والمأمور بضرب عنقه عند بعضهم عثمان
ابن عفان وعند آخرين بعض الانصار ، وفى قتل المجذر سويدا خلاف بين أهل
النقل . قال ابن اسحق وحدثنى الحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن
أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة قال كان يقول حدثونى عن رجل
دخل الجنة لم يصل قط فاذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول اصيرم بنى عبد
الاشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال الحصين فقلت لمحمود بن لبيد كيف كان شأن
الاصيرم قال كان يأبى الاسلام على قومه فلما كان يوم خروج النبى صلى الله عليه وسلم إلى
أحد بدا له في الاسلام فأسلم ثم اخذ سيفه فغدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى
اثبته الجراحة قال فبينا رجال من بنى عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا
والله ان هذا للاصيرم ما جاء به لقد تركناه وانه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاء
بك أحدب على قومك او رغبة في الاسلام فقال بل رغبة في الاسلام آمنت
بالله ورسوله وأسلمت ثم أخذت سيفى فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قاتلت حتى أصابنى ما أصابنى ثم لم يلبث ان مات في ايديهم فذكروه لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال انه لمن أهل الجنة ، وحدثنى أبى اسحق بن يسار عن اشياخ
من بنى سلمة ان عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج ، وكان له بنون
اربعة مثل الاسد يشهدون المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان
يوم احد أرادوا حبسه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان بنى يريدون
أن يحبسونى عن هذا الوجه والخروج معك فيه فوالله إنى لارجو أن اطأ بعرجتى
هذه في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله فلا
جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم ان لا تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة فخرج معه
فقتل يوم أحد ، وذكر أبوعمر في خبره قال فأخذ سلاحه وولى فلما ولى
أقبل على القبلة وقال اللهم ارزقنى الشهادة ولا تردنى إلى أهلى خائبا . وفيه ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده ان منكم من لو أقسم على
الله لابره منهم عمرو بن الجموح ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته ، وقيل حمل هو
ـ424ـ
وابنه خلاد حين انكشف المسلمون فقتلا جميعا . قال ابن اسحق ووقعت هند
بنت عتبة كما حدثنى صالح بن كيسان والنسوة اللاتى معها يمثلن بالقتلى من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والانف حتى اتخذت هند من
آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد واعطت خدمها وقلائدها واقرطتها وحشيا
غلام جبير بن مطعم وبقرت من كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع ان تسيغها فلفظتها
ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت :
نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لى من صبر * ولا أخى وعمه وبكر
شفيت نفسى وقضيت نذرى * شفيت وحشى غليل صدرى
فشكر وحشى على عمرى * حتى ترم اعظمى في قبرى
فأجابتها هند بن أثاثة بن عباد بن المطلب فقالت :
خزيت في بدر وبعد بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر * ب الهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حمام يفرى * حمزة ليثى وعلى صقرى
اذ رام شيب وأبوك غدرى فخضبا منه ضواحى النحر
ونذرك السوء فشر نذر
ثم أن أبا سفيان حين أراد الانصراف اشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته
انعمت فقال ان الحرب سجال يوم بيوم بدر اعل هبل أى أظهر دينك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمر فأجبه فقل الله اعلى وأجل لا سواء
قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار وقال ان لنا العزى ولا عزى لكم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم عن ابن عائذ وغيره رجع
فلما اجاب عمر أبا سفيان قال له أبوسفيان هلم إلى يا عمر فقال رسول الله صلى الله
ـ425ـ
عليه وسلم لعمر ائته فانظهر ما شأنه فجاءه فقال أبوسفيان انشدك الله يا عمر
أقتلنا محمدا . قال عمر اللهم لا وانه يسمع كلامك الآن قال أئت اصدق عندى
من ابن قمئة وأبر لقول ابن قمئة إنى قتلت محمدا ثم نادى أبوسفيان أنه قال في
قتلاكم مثل والله ما رضيت ولا سخطت ولا نهيت ولا أمرت ولما انصرف
أبوسفيان واصحابه نادى ان موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لرجل من اصحابه قل نعم هو بيننا وبينكم موعد ثم بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وقال ابن عائذ سعد بن أبى وقاص فقال
اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فان كانوا قد جنبوا الخيل
وامتطوا الابل فانهم يريدون مكة وان ركبوا الخيل وساقوا الابل فهم يريدون
المدينة والذى نفسى بيده ان أرادوها لاسيرن اليهم فيها ثم لاناجزنهم قال على
فخرجت في آثارهم انظر ما يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا إلى
مكة وفرغ الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنى محمد بن
عبدالله بن عبدالرحمن بن أبى صعصعة المازنى أخو بنى النجار من رجل ينظر
ما فعل سعد بن الربيع أفى الاحياء هو أم في الاموات فقال رجل من الانصار
أنا انظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق قال فقلت
له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى ان انظر أفى الاحياء أنت أم في الاموات
قال أنا في الاموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى السلام وقل له ان سعد
ابن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خير ما جزى به نبيا عن أمته وأبلغ قومك عنى السلام
وقل لهم ان سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله ان يخلص إلى نبيكم ومنكم
عين تطرف قال ثم لم ابرح حتى مات قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته خبره . قال ابن اسحق وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى
يلتمس حمزة بن ع بدالمطلب فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده ومثل
به فجدع انفه وأذناه . اخبرنا أبوالفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى وأبو
الهيجاء غازى بن أبى الفضل بن ع بدالوهاب بقراءة والدى عليهما وانا اسمع
متفرقين قالا أنا أبوحفص عمر بن محمد بن طبرزد قال انا أبوالقاسم هبة الله بن
ـ426ـ
محمد بن الحصين الشيبانى قال أنا أبوطالب محمد بن محمد بن غيلان قال انا أبوبكر
محمد بن عبدالله بن ابراهيم الشافعى فثنا حامد بن محمد فثنا بشر بن الوليد فثنا صالح
المرى عن سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقف على حمزة بن ع بدالمطلب حين استشهد فنظر إلى شئ لم ينظر إلى
شئ قط كان أوجع لقلبه منه ونظر قد مثل به فقال رحمة الله عليك فانك كنت
ما علمتك فعولا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعدى عليك لسرنى ان
أدعك حتى تحشر من أفواه شتى أما والله مع ذلك لامثلن بسبعين منهم قال فنزل
جبريل عليه السلام والنبى صلى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم سورة
النحل ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) إلى
آخر السورة فصبر النبى صلى الله عليه وسلم فكفر عن يمينه وأمسك عما اراد .
قال ابن اسحق وحدثنى من لا اتهم عن مقسم مولى عبدالله بن الحارث عن
ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجى ( 1 ) ببرده ثم صلى
عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى جنب حمزة فصلى عليه وعليهم
معهم حتى صلى عليهم ثنتين وسبعين صلاة . وقد روينا حديث مقسم هذا عن
ابن عباس أتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم احد فجعل يصلى على عشرة عشرة
الحديث من طريق ابن ماجه عن محمد بن عبدالله بن نمير عن أبى بكر بن عياش عن
يزيد بن أبى زياد عن مقسم به . وروينا عن ابن سعد قال أنا أبوالمنذر البزار
فثنا سفيان الثورى عن حصين عن أبى مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
على قتلى احد . وقال ابن عقبة لم يغسلهم ولم يصل على احد منهم كما يصلى على الموتى
ولم يدفنهم ( 2 ) في غير ثيابهم التى قتلوا فيها . قال أبوعمر واختلف في صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم على شهداء احد ولم يختلف عنه في انه أمر أن يدفنوا بثيابهم
ودمائهم ولم يغسلوا ومثل يومئذ بعبد الله بن جحش بن رئاب غير انه لم يبقر ( 3 ) عن
* ( هامش ) * ( 1 ) أى غطى .
( 2 ) في نسخة " يكفنهم " .
( 3 ) يبقر أى يشق . ( * )
ـ427ـ
كبده . وروى ابن وهب عن أبى صخر عن ابن قسيط عن اسحق بن سعد
ابن أبى وقاص عن أبيه ان عبدالله بن جحش قال له يوم احد ألا تأتى ندعو الله
فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال يا رب اذا لقيت العدو غدا فلقنى رجلا شديدا
بأسه شديدا حرده اقاتله فيك ويقاتلنى ثم ارزقنى عليه الظفر حتى اقتله وآخذ
سلبه فأمن عبدالله بن جحش ثم قال اللهم ارزقنى غدا رجلا شديدا بأسه شديدا
حرده اقاتله فيك ويقاتلنى فيقتلنى ثم يأخذنى فيجدع انفى واذنى . فاذا لقيتك
قلت يا عبدالله فيم جدع أنفك وأذنك فاقول فيك وفى رسولك فيقول الله
صدقت قال سعد كانت دعوة عبدالله بن جحش خيرا من دعوتى لقد رأيته آخر النهار
وان أذنه وأنفه معلقان في خيط . وذكر الزبير في ا لموفقيات ان عبدالله بن جحش
انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا
يقال ان قائمه منه وكان يسمى العرجون ولم يزل يتناقل حتى بيع من بغا التركى بمائتى
دينار . يقال انه قتل يومئذ عبدالله أبوالحكم بن الاخنس بن شريق الثقفى
ودفن هو وحمزة بن عبد المطلب في قبر واحد . قال ابن سعد ودفن عبدالله بن عمرو
ابن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع
في قبر واحد . ودفن النعمان بن ملك وعبدة بن الخشخاش في قبر واحد وكان
الناس أو عامتهم قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فنادى منادى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا القتلى إلى مضاجعهم فأدرك المنادى رجلا واحدا
لم يكن دفن فرد وهو شماس بن عثمان المخزومى ، وسيأتى لوفاة شماس ذكر في
أشعار أحد ان شاء الله تعالى . وأما أبوعمر فقال يومئذ احتمل ناس من المسلمين
قتلاهم إلى المدينة فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدفنوا حيث قتلوا . قال الواقدى
وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركة عبدالله بن جحش واشترى لابنه مالا
بخيبر ، و عبدالله لاميمة بنت ع بدالمطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشرف على القتلى أنا شهيد
على هؤلاء وما من جريح يجرح في الله الا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون
الدم والريح ريح مسك . روينا عن أبى بكر الشافعى بالاسناد المذكور آنفا فثنا
محمد بن على بن اسمعيل فثنا قطن فثنا حفص فثنا ابراهيم عن عباد بن اسحق عن
ـ428ـ
محمد بن مسلم الزهرى عن عبدالله بن ثعلبة انه أخبره ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لقتلى أحد زملوهم بجراحهم إنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا وهو
يأتى يوم القيامة لونه لون دم وريحه ريح مسك . وكذلك رواه محمد بن مصعب عن
الاوزاعى عن الزهرى وغيره يخالفه . قال الدارقطنى الصواب رواية الليث ومن
وافقه . ورووه عن الزهرى عن عبدالرحمن بن كعب عن جابر ويومئذ قال
النبى صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص ارم فداك أبى وأمى .
قرئ على عبدالرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلى وأنا أسمع أخبركم أبوعلى حنبل
ابن عبدالله بن الفرج بن سعادة الرصافى قراءة عليه وانت حاضر في الخامسة
قال انا أبوالقسم هبة الله بن محمد بن الحصين قال أنا أبوعلى الحسن بن على بن
المذهب قال أنا أبوبكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن ملك القطيعى قال أنا
عبدالله بن احمد فثنا أبى فثنا وكيع فثنا سفيان عن سعد بن ابراهيم عن عبد
الله بن شداد عن على قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدى أحدا
بأبويه الا سعد بن ملك فانى سمعته يقول له يوم أحد إرم سعد فداك أبى وأمى
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهداء أنظروا أكثر هؤلاء جمعا
للقرآن فاجعلوه امام أصحابه في القبر وكانوا يدفنون الثلاثة والاثنين في القبر .
وقال ابن سعد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفنوا عبدالله بن عمرو
وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من الصفاء قال فحفر عنهما وعليهما
نمرتان ( 1 ) و عبدالله قد أصابه جرح في وجهه فيده على جرحه فأميطت يده عن
وجهه فانبعث الدم فردت يده إلى مكانها فسكن الدم . وقال أنا عمرو بن الهيثم
أبوقطن فثنا هشام الدستوائى عن أبى الزبير عن جابر قال صرخ بنا إلى قتلانا
يوم أحد حين أجرى معاوية العين فأخرجناهم بعد أربعين سنة لينة أجسادهم
تنثنى أطرافهم . قرئ على الحرة الاصيلة أم محمد شامية بنت الحافظ صدر
الدين أبى على الحسن بن محمد بن محمد بن البكرى وأنا أسمع بالقاهرة سنة ثمان
* ( هامش ) * ( 1 ) كل شملة مخططة من مآزر الاعراب فهى نمرة كأنها أخذت من لون النمر
لما فيها من السواد والبياض . ( * )
ـ429ـ
وسبعين وستمائة أخبرك الشيخ أبوحفص عمر بن محمد بن طبرزد الدارقذى
قراءة عليه وأنت تسمعين فأقرت به قال أنا أبوغالب أحمد بن الحسن بن أحمد
ابن البناء قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا القاضى أبويعلى محمد بن الحسين بن خلف
ابن الفراء قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا أبوالحسن على بن معروف بن محمد البزاز
قراءة عليه في رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة قال أنا أبواسحق ابراهيم بن
عبدالصمد بن موسى الهاشمى فثنا خلاد بن أسلم قال أخبرنى النضر بن شميل
فثنا شعبة فثنا محمد بن المنكدر قال سمعت جابرا قال قتل أبى يوم أحد فجئت اليه
وقد مثل به وهو مغطى الوجه فكشفت عن وجهه وجعلت أبكى وجعل الناس
ينهونى ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهانى وجعلت فاطمة بنت عمر عمتى
تبكيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبكيه فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى
رفعتموه . وقرأت على عبدالله محمد بن أبى الفتح الحنبلى الصورى وأبى النور
اسمعيل بن نور بن قمر الهيتى قلت للاول أخبرك أب والبركات بن ملاعب والثانى
أخبركم أبونصر موسى بن عبد القادر قالا أنا سعيد بن البناء قال أنا أبوالقاسم بن البسرى
قال أنا أبوطاهر المخلص فثنا يحيى يعنى ابن صاعد فثنا عبدالله بن محمد بن المسور
فثنا سفيان قال أنا كوفى لنا قال أنا محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد بن عقيل
عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمت ان الله أحيا
أباك فقال له تمنه فقال أرد إلى الدنيا فأقتل فقال قد قضيت انهم إلى الدنيا لا يرجعون .
كذا وقع في هذه الرواية عن سفيان قال أنا كوفى لنا قال انا محمد بن يحيى وكأنه
تصحيف ولعل الصواب فيه ثنا سفيان قال انا كوفى لنا قال محمد بن على عن ابن عقيل وهو
محمد بن على بن ربيعة السلمى أبوعتاب الكوفى ابن عم منصور بن المعتمر
وأخوه لامه رأى ربعى بن حراش . روى عن ابن عقيل وغيره وروى عنه سفيان بن
عيينة وغيره وثقه يحيى بن معين وقال ابن أبى حاتم عن أبيه هو من الشيعة قلت
ما حاله قال صدوق لا بأس به صالح الحديث ووقع في ترجمته وهم عن ابن ابى حاتم
تبع فيه البخارى على عادته نبه عليه أبوبكر الخطيب وقد أثبته هناك ، وكذا
ذكر هذا الخبر أبوعمر بن عبدالبر قال وروى ابن عيينة عن محمد بن على السلمى عن
عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر فذكره . ويومئذ نهى رسول الله صلى الله
ـ430ـ
عليه وسلم عن النوح قال ابن اسحق وحدثنى عبدالواحد بن أبى عون عن اسماعيل
ابن محمد بن سعد بن أبى وقاص قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بنى
دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد
فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان
هو بحمد الله تعالى كما تحبين قالت أرونيه حتى انظر اليه قال فأشير لها اليه
حتى اذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل - تريد صغيرة - وكان لطلحة بن عبدالله
يومئذ المقام المحمود في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الزبير
وغيره وأبلى طلحة بلاء حسنا يوم احد ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنفسه واتقى عنه النبل بيده حتى شلت اصبعه وضرب الضربة في رأسه وحمل
رسول الله صلى الله عليه وسلم اوجب طلحة لى . وقرأت على أبى الفتح يوسف بن يعقوب
الشيبانى بسفح قاسيون أخبرتكم أم الفضل زينب بنت محمد بن أحمد بن عقيل القيسية
قراءة عليها وأنت تسمع سنة ست وستمائة قالت أنا الفقيه أبوالفتح نصر الله
قال محمد بن عبد القوى المصيصى قراءة عليه ونحن نسمع قال أنا الحافظ أبوبكر
احمد بن على بن ثابت الخطيب قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا الحسن بن أبى بكر
قال انا محمد بن عبدالله الشافعى فثنا محمد بن احمد بن النضر الازدى فثنا معاوية
ابن عمرو عن أبى اسحق يعنى الفزارى عن حميد عن أنس قال غاب عمى أنس بن
النضر عن قتال أهل بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه
وسلم المشركين اما والله اما والله لئن اشهدنى الله قتالا ليرين الله ما اصنع فلما
كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم انى أعتذر اليك مما صنع هؤلاء
لاصحابه وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء المشركون ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال
اين يا سعد واها لريح الجنة والله انى لاجد ريحها دون احد . قال سعد فما
استطعت اصنع ما صنع مضى حتى استشهد قال قال انس ما عرفته الا ببنانه لانه
مثل به وجدنا فيه بضعة وثمانين اثرا من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية
بسهم فكنا نتحدث ان فيه وفى اصحابه نزلت ( من المؤمنين رجال صدقوا
ما عاهدوا الله عليه ) وروينا عن ابن اسحق عن حميد الطويل عن انس بن النضر
ـ431ـ
يومئذ سبعين ضربة فما عرفته الا أخته عرفته ببنانه أخبرتنا السيدة الاصيلة مونسة
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 431 سطر 1 الى ص 440 سطر 27
يومئذ سبعين ضربة فما عرفته الا أخته عرفته ببنانه أخبرتنا السيدة الاصيلة مونسة
خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين ابى بكر بن ايوب رحم الله سلفها
فيما قرأته عليها عن عفيفة بنت احمد بن عبدالله ا لفارقانية اجازة قالت انا
ابوطاهر عبدالواحد بن محمد بن احمد بن الصباغ قال انا أبونعيم الحافظ قال انا
أبوعلى بن الصواف فثنا محمد بن نضر يعنى ابا جعفر الصايغ فثنا ابراهيم يعنى
ابن حمزة فثنا عبدالعزيز يعنى ابن محمد عن عبيد الله يعنى ابن عمر عن نافع عن ابن
عمر ان عمر بن الخطاب قال لاخيه زيد بن الخطاب يوم احد خذ درعى هذه
يا أخى فقال له انى اريد من الشهادة مثل ما تريد فتركاها جميعا . قال ابن اسحق
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلى
عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقنى اليوم وناولها على بن ابى طالب سيفه
وقال وهذا فاغسلى عنه دمه فوالله لقد صدقنى اليوم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وابودجانة .
وروينا عن ابن عقبة ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف على مختضبا
دما قال ان تكن أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبى الاقلح
والحرث بن الصمة وسهل بن حنيف ، ثم قال أخبرونى عن الناس ما فعلوا وأين
عامتهم ثم قال ان المشركين لن يصيبوا منا مثلها حتى نتيحهم ، ومثل المشركون
يومئذ بقتلى المسلمين الا ما كان من حنظلة ابن أبى عامر فان أباه كان معهم فلذلك
لم يمثلوا به وذكره ابن عقبة وقال قال سهل بن سعد الساعدى قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وانهزم قوم من المسلمين منهم
عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وأخوه عقبة بن عثمان من بنى زريق وخارجة بن
عامر الانصارى ثم عفا الله عنهم ونزل فيهم ( ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان
انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ) الآية قال ابن عقبة تولوا حتى انتهوا إلى
بير جرم . وروينا عن محمد بن سعد قال أبوالنمر الكنانى هو جد شريك بن
عبدالله بن ابى نمر المحدث شهد أحدا مع المشركين وقال رميت يومئذ بخمسين
مرماة فأصبت منها بأسهم وانى لانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وان
أصحابه لمحدقون به وان النبل ليمر عن يمينه وعن شماله ويقصر بين يديه ويخرج من
ورائه ، ثم هداه الله للاسلام .
ـ433ـ
( ذكر فوائد تتعلق بهذه الاخبار )
الاحابيش الذين حالفوا قريشا هم بنو المصطلق سعد بن عمرو وبنو الهون بن
خزيمة اجتعمعوا بذنبة حبشى وهو جبل بأسفل مكة فتحالفوا بالله إنا ليد على
غيرنا ما سجى ليل ووضح نهار وما رسا حبشى مكانه فسموا أحابيش باسم الجبل ،
قال حماد الراوية سموا أحابيش لاجتماعهم والتجمع في كلام العرب هو التحبش
قاله ابن قتيبة في كتاب المعارف له : رأيت ذلك بخط جدى رحمه الله وقال انه
قرأه على ابى على شيخه عمر بن محمد الازدى . والثلم ساكن اللام في السيف والثلم مفتوح
اللام ثلم الوادى . وذكر أبا حيثمة الحارثى دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
ينبه عليه ابن هشام والذى ذكره ابن سعد وغيره أبوحثمة وهو عندهم والد سهل
ابن أبى حثمة ، قال أبوعمر وليس في الصحابة أبوخيثمة الا عبدالله بن خيثمة
السالمى له خبر معروف في غزوة تبوك وأبوخيثمة عبدالرحمن بن أبى سبرة الجعفى
والد خيثمة بن عبدالرحمن صاحب عبدالله بن مسعود ، وأبوحثمة هذا عبد
الله وقيل عامر بن ساعدة بن عامر بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن
الخزرج بن عمرو بن ملك بن الاوس نسبه كذلك أبوعمر ، ونضحت النشاب بالحاء
المهملة رميت . وذكر الرجز الذى قالته هند بنت عتبة * إن تقبلوا نعانق * وأوله :
نحن بنات طارق * نمشى على النمارق
وكذا ذكره ابن سعد فقال روى هذا الشعر لهند بنت عتبة كما قال ابن
اسحق والشعر ليس لها وانما هو لهند بنت بياضة بن طارق بن رياح بن طارق
الايادى قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل وكان رئيس اياد بياضة
ابن طارق . ووقع في شعر أبى دؤاد الايادى وذكر ابورياش وغيره ان بكر
ـ434ـ
ابن وائل لما لقيت تغلب يوم قصة ويسمى يوم التحليق اقبل الفند ( 1 )
الزمانى ومعه ابنتان وكانت احداهما تقول * نحن بنات طارق * فطارق على رواية
من رواه لهند بنت عتبة أو لبنت الفند الزمانى تمثيل واستعارة لا حقيقة
شبهت اباها بالنجم الطارق في شرفه وعلوه ، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة
حقيقة لا استعارة لانه اسم جدها ، قال البطليوسى والاظهر انه لبنت
بياضة وإنما قاله غيرها متمثلا . وقال أبوالقاسم السهيلى على قول من قال أرادت به
النجم لعلوه وهذا التأويل عندى بعيد لان طارقا وصف للنجم لطروقه فلو
أرادته لقالت بنات الطارق فعلى تقدير الاستعارة يكون " بنات " مرفوعا وعلى
تقدير أن يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق يكون منصوبا على المدح والاختصاص
نحو * نحن بنى ضبة أصحاب الجمل * والكيول آخر القوم أو آخر الصفوف . ولولت
المرأة دعت بالويل . ما يليق ما يبقى . والهنذ معجم الذال القطع ومهملها الهدم . وقوله
فكأنما اخطأ رأسه اخطأ الشئ اذا لم يتعمده أى كان في إلقائه رأسه كأنه لم يتعمده
ولا قصده . ويحمس الناس بالسين المهملة يشجعهم من الحماسة وبالمعجمة من أحمشت
النار أوقدتها أى يغضبهم ، وذكر خبر قتادة بن النعمان في ذهاب عينه ورجوعها
وقد روى أن عينيه جميعا سقطتا رواه محمد بن أبى عثمان عن ملك بن أنس عن
محمد بن عبدالله بن أبى صعصعة عن أبيه عن أبى سعيد عن أخيه قتادة بن النعمان
قال أصيبت عيناى يوم احد فسالتا على وجنتى فأتيت بهما النبى صلى الله عليه وسلم
فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان . قال الدارقطنى هذا حديث غريب
عن ملك تفرد به عمار بن نصر وهو ثقة ورواه الدارقطنى عن ابراهيم الحربى
عن عمار بن نصر هذا ، وذكر قتل خسيل أبى حذيفة بن اليمان ويقال الذى قتله
خطأ عتبة بن مسعود أخو عبدالله بن مسعود . والهامة كانت العرب تقول ان
روح الميت تصير هامة ومنه * وكيف حياة أصداء وهام * وظمؤ حمار الحمار أقصر
الدواب ظمأ وأطولها الابل ، وقوله عليه السلام من رجل ينظر ما صنع سعد بن
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الفاء وسكون النون ودال مهملة هو لقب ، واسمه سهل الزمانى كذا
قاله شيخنا مجد الدين في قاموسه ولفظة الفند بالكسر الحبل العظيم أو قطعة منه ويفتح
وفى الصحاح والفند قطعة من الحبل طولا والفند الزمانى الشاعر انتهى . ( * )
ـ435ـ
الربيع لم يسم في الخبر قال الواقدى هو محمد بن مسلمة وذكر أبوعمر أنه أبى
ابن كعب ، وذكر السهيلى في حديث ابن اسحق عمن لا يتهم عن مقسم عن ابن
عباس في صلاة النبى صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد انه يعنى بمن لا يتهم
الحسن بن عمارة وضعف الحديث به ، لكن قد ذكرناه من رواية يزيد
ابن أبى زياد عن مقسم من طريق ابن ماجه ، ويزيد أخرج له مسلم مقرونا
بغيره في الاطعمة ، وصحح الترمذى حديثه في غير ما موضع ، وبينه وبين
الحسن بن عمارة بون بعيد ، وقد رأيت قبل هذا موضعا تكلم فيه السهيلى
على رواية لابن اسحق عمن لا يتهم فقال هو الحسن بن عمارة . وهذا يحتاج
إلى نقل عن ابن اسحق واقل ما في ذلك نقل عن معاصر له أو قريب منه في
الطبقة والا فما المانع من أن يكون الذى لا يتهمه في هذا الخبر هو يزيد
ابن أبى زياد فكثيرا ما يروى عنه وهو أجدر بالثناء عليه ، وقد روى الخبر عنه
أبوبكر بن عياش كما أوردناه ، وعند ابن اسحق رجل آخر يقال له يزيد بن أبى
زياد ، وهو يزيد بن زياد بن ابى زياد ميسرة يروى عن محمد بن كعب القرظى مستور
الحال . وأوجب طلحة احدث شيئا يستوجب به الجنة . الاتى الغريب لا يدرى من
اين اتى وكذا وقع في هذا الخبر عند ابن اسحق ، وذكره ابن سعد فقال قزمان
ابن الحارث من بنى عبس حليف لبنى ظفر . الوقاع السباب . ضاحية الشئ ناحيته ، انعمت
افعال اسم للفعل الحسن وانعم زاد وقال السهيلى معناه انعمت الازلام وكان استقسم
بها حين خروجه إلى احد . قال ابن اسحق وكان فيما انزل الله من القرآن يوم احد
ستون آية من سورة آل عمران فيها صفة ما كان في يومهم يقول الله تعالى لنبيه صلى
الله عليه وسلم ( واذ غدوت من اهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ) .
ـ437ـ
( ذكر من استشهد يوم أحد من المهاجرين )
عندهم من بنى هاشم بن عبد مناف حمزة بن ع بدالمطلب بن هاشم . ومن بنى
أمية بن عبد شمس عبدالله بن جحش حليف لهم من بنى اسد بن حزيمة . ومن
بنى عبد الدار بن قصى مصعب بن عمير . ومن بنى مخزوم بن يقظة شماس بن عثمان
وزاد ابن عقبة خامسا وهو سعد مولى حاطب من بنى أسد بن عبدالعزى ،
وزاد ابن سعد عبدالله و عبدالرحمن ابنى الهبيب من بنى سعد بن ليث ووهب
ابن قابوس المزنى وابن أخيه الحرث بن عقبة بن قابوس وملكا ونعمان ابنى خلف
ابن عوف بن دارم بن عنز بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم
ابن أفصى بن حارثة كانا طليعتين للنبى صلى الله عليه وسلم فقتلا يوم أحد شهيدين
ودفنا في قبر أحد عشر ، وزاد أبوعمر وثقف بن عمرو الاسلمى حليف بنى عبد
شمس وعقربة أبا بشير بن عقربة الجهنى ، وذكر أن خنيس بن حذافة بن قيس
ابن عدى بن سعيد بن سهم القرشى شهد أحدا ونالته بها جراحات مات منها
بالمدينة وليس ذلك بشئ والمعروف انه مات بالمدينة على رأس خمسة وعشرين شهرا
بعد رجوعه من بدر ، وتأيمت منه حفصة بنت عمر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه
وسلم في شعبان على رأس ثلاثين شهرا كما سيأتى إن شاء الله تعالى . وكل ذلك قبل أحد .
وفى قول أبى عمر عدى بن سعيد بن سهم وهم ثان انما هو عدى بن سعد بن سهم وسعد
وسعيد ابنا سهم فعدى من ولد سعد والله أعلم ومن الانصار ثم من الاوس
ثم من بنى عبد الاشهل عمرو بن معاذ وابن أخيه الحارث بن اوس والحارث بن أنس وعمارة
ابن زياد وسلمة وعمرو ابنا ثابت بن وقش وأبوهما وعمهما رفاعة وحسيل بن جابر
ابوحذيفة بن اليمان حليف لهم وصيفى وخباب ابنا قيظى ، وعند ابن سعد صيفى
والحباب ابنا قيظى بن عمرو بن سهل بن مخرمة بن قلع بن حريس بن عبد الاشهل
ـ438ـ
وكان ابن الكلبى يقول حريس بن جشم أخى عبد الاشهل ليس ولده . والمشهور
الاول ، وعمهما عباد بن سهل وعمه معبد بن مخرمة عند ابن سعد وعنده أيضا
عامر بن يزيد بن السكن وعند ابن اسحق في اخبار الوقعة مقتل زياد بن السكن
حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يشرى لنا نفسه " قال فقام زياد بن
السكن في خمسة من الانصار فقاتلوا حتى قتلوا ، وكان زياد آخرهم قال وبعض
الناس يقول هو عمارة بن يزيد ويزيد بن السكن بن رافع وسهل رومى بن وقش
ورافع بن يزيد وقرة بن عقبة بن قرة حليف لهم وفى عدادهم من ولد جشم بن
الحارث ابى عبد الاشهل عندهم اياس بن اوس بن عتيك ، ومن حلفائهم حبيب
ابن زيد بن تيم بن امية بن خفاف بن بياضة قال ابوعمر وقيل بل قتل بصفين
كذا ذكره ابن سعد حبيب بن زيد في حلفاء بنى عبد الاشهل ورأيته في موضع آخر
من ولد مرة بن مالك بن الاوس وهو حبيب بن زيد بن تيم بن امية بن بياضة
ابن خفاف بن سعيد بن مرة بن مالك قاله ابن الكلبى ، وعبيد بن التيهان وهو
عند ابن عقبة وابى معشر وابن القداح عتيك وابن عمارة ينسبه إلى جشم بن
الحرث هذا وغيره يقول من حلفائهم وليس من انفسهم ، وقد سبق ذلك عند
ذكر اخيه ابى الهيثم . قال ابوعمر ( 1 ) وقيل قتل بصفين ، وعند ابن سعد سهل بن
عدى بن زياد بن عامر بن جشم اخى عبد الاشهل بن جشم بن الحرث ويسار
مولى ابى الهيثم بن التيهان ، اربعة وعشرون انفرد منهم ابن سعد عن ابن
اسحق بتسعة . ومن بنى ظفر يزيد بن حاطب بن امية بن رافع بن سويد بن حرام
ابن الهيثم بن ظفر . ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو
النبيت بن مالك بن الاوس وعند ابن سعد قيس بن الحرث بن عدى بن جشم
ابن مجدعة بن حارثة ، والاقدى وابن عمارة يقولان فيه قيس بن محرث قال ابن عمارة
اما قيس بن الحارث فقتل يوم اليمامة . ومن بنى عمرو بن عوف ثم من بنى امية
ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف رفاعة بن عبدالمنذر عند ابن
سعد وفيه نظر . ومن بنى ضبيعة بن زيد ابوسفيان ( 2 ) بن الحارث بن قيس بن زيد
* ( هامش ) * ( 1 ) لعل ابا عمر قال ذلك في غير الاستيعاب . ( 2 ) هو متفق مع ابى سفيان
ابن الحرث بن ع بدالمطلب ابن عم النبى صلى الله عليه وسلم في الكنية واسم الاب . ( * )
ـ439ـ
ابن ضبيعة وحنظلة بن ابى عامر بن صيفى بن النعمان بن مالك بن امية بن ضبيعة
قتله ابوسفيان بن حرب وكان حنظلة بن ابى سفيان قتل يوم بدر فكان ابوه ابو
سفيان يقول حنظلة بحنظلة . ومن بنى عبيد بن زيد اخى ضبيعة انيس بن قتادة
ومن حلفاء بنى زيد بن مالك من بنى العجلان عبد الله بن سلمة بن مالك بن
الحارث بن عدى بن الجد بن العجلان وهو عند ابن اسحق حليف لبنى السلم
ابن امرئ القيس ، ومن بنى العجلان وانيف من بلى حلفاء بنى زيد عند ابن
سعد ثابت بن الدحداح ويقال الدحداحة بن نعيم بن غنم بن اياس ، ومن بنى
معاوية بن مالك بن عمرو بن عوف سبيع بن حاطب بن قيس بن هئبشة بن الحرث
ابن امية بن معاوية وقال فيه ابن عقبة سويبق ومن حلفائهم مالك بن نميلة ( 1 )
ذكره ابن سعد وابن هشام وليس عند ابن اسحق في روايتنا وقال ابوعمر ذكره
ابراهيم بن سعد عن ابن اسحق . ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف ابوحبة - بالباء -
ابن عمرو بن ثابت عند آخرين منهم ابن سعد ابوحنة - بالنون - بن ثابت وعبد
الله بن جبير . ومن بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الاوس خيثمة بن
الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم
وهو ابوسعد بن خيثمة . ومن بنى خطمة وهو عبدالله بن جشم بن مالك
ابن الاوس عند ابن هشام الحارث بن عدى بن خرشة بن امية بن عامر بن
خطمة اربعة عشر منهم تسعة متفق عليهم ومن الخزرج ثم من بنى النجار ثم
من بنى سواد بن غنم بن مالك بن النجار وابن سعد يقول سواد بن مالك
ابن النجار وابن سعد يقول سواد بن مالك بن غنم بن النجار والمعروف
ان ولد غنم بن مالك ثلاثة عوف وثعلبة وسواد . كذا قال ابن الكلبى عمرو
ابن قيس وابنه قيس وثابت بن عمرو وعامر بن مخلد وزاد ابن سعد عن ابن
القداح و عبدالله بن قيس ، وخالفه الواقدى فزعم انه تأخر إلى خلافة عثمان وزاد
ابن هشام فيهم مالك بن اياس ولم يوصل نسبه ، ومن بنى مبذول وهو عامر بن
مالك بن النجار ابوهبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مبذول
* ( هامش ) * ( 1 ) نميلة بالنون المضمومة وهى امه ، وهو مالك بن ثابت المزنى ، وقيل
" تميلة " بالتاء المثناة من فوق وقيل نملة . ( * )
ـ440ـ
كذا هو عن ابن اسحق وابن سعد يقول ثقف بن مالك بن مبذول قلت وعمرو بن
مبدول ومالك بن مبذول معروفان ، وكان الواقدى يقول فيه ابواسيرة وابن عمه
عمرو بن مطرف بن علقمة ومنهم من يقول فيه مطرف بن عمرو ، ومن بنى
مغالة وهم من بنى عمر بن مالك بن النجار اوس بن ثابت غير ان الواقدى انكر
ذلك وزعم انه بقى إلى خلافة عثمان ، ومن بنى عدى بن النجار انس بن النضر بن
ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى وزاد ابن سعد
عامر بن امية وزاد ابن هشام في بنى عمر بن مالك اياس بن عدى ولم يصل نسبه ،
ومن بنى مازن النجار قيس بن مخلد وكيسان عبد لهم زاد ابن سعد ورافع مولى
غزية بن عمرو ، ومن بنى دينار بن النجار سليم بن الحارث والنعمان بن عبد عمرو
وزاد ابن سعد وابوحرام عمرو بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الاشهل ،
ومن بنى الحارث بن الخزرج خارجة بن زيد وسعد بن الربيع بن عمرو واوس
ابن الارقم بن زيد بن قيس بن نعمان بن مالك الاغر ، زاد ابن سعد والحارث
ابن ثابت بن سفيان بن عدى بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الاغر
والحارث بن ثابت بن عبدالله بن سعد بن عمرو بن قيس بن عمرو بن امرئ
القيس بن مالك ، ومن بنى الابجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج
مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الابجر كذا هو عند ابن اسحق وابن
الكلبى وخليفة ابن خياط وابن سعد يخالفهم فيسقط عبيد الاول واما ابوعمر
فأسقطه في نسب ابى سعيد الخدرى كما فعل ابن سعد واثبته في نسب ابيه كما
قال غيره وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الابجر وهو سعد بن
سويد بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ابجر عند الدمياطى وسعد بن سويد
ابن عبيد بن ابجر عند ابن سعد . وعقد ابوعمر ترجمتين في كتابه في الصحابة
احداهما في باب سعد والاخرى في باب سعيد وقال في كل منهما قتل بأحد
شهيدا ويحتمل ان يكون واحدا وقع الاختلاف فيه ، وعتبة بن ربيع بن رافع
ابن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الابجر وابن سعد يقول معاوية بن
عبيد بن الابجر و عبدالله بن الربيع بن قيس ذكره ابن الكلبى ، ومن بنى ساعدة
ابن كعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن
ـ441ـ
عمرو بن الخزرج بن ساعدة وثقف بن فروة بن البدى وبعضهم يفتح قافه ايضا
............................................................................
- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 441 سطر 1 الى ص 449 سطر 18
عمرو بن الخزرج بن ساعدة وثقف بن فروة بن البدى وبعضهم يفتح قافه ايضا
ويقال فيه ثقيب ويقال في البدى البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو
ابن الخزرج وعبيد بن مسعود بن البدن قاله ابن عقبة ، و عبدالله بن عمرو بن
وهب بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة وضمرة حليف
لهم من جهينة وهو ضمرة بن عمرو بن كعب بن عمرو بن عدى بن عامر بن
رفاعة بن كليب بن مودعة بن مودعة بن عدى بن غنم بن الربعة بن رشدان بن
قيس بن جهينة ، ومن القواقلة وهم بنو غنم وبنو سالم ابنى عوف بن عمرو بن عوف
ابن الخزرج العباس بن عبادة بن نضلة ونوفل بن عبدالله بن نضلة المذكور وغير
ابن اسحق يقول نوفل بن ثعلبة بن عبدالله بن نضلة والنعمان بن مالك ، ومن حلفائهم
المجذر بن ذياد ( 1 ) وعبدة بن الخشخاش ويقال فيه عبادة ومن بنى الحبلى وهو
سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج رفاعة بن عمرو بن زيد وزيد بن وديعة ذكره
الدمياطى . ومن بنى سلمة ثم من بنى حرام عبدالله بن عمرو ابوجابر وعمرو بن
الجموح وابنه خلاد وابوايمن مولى عمرو وهذا هو المشهور قال ابوعمر ويقال
هو ابنه . ومن بنى سواد بن غنم سليم بن عمرو ومولاه عنترة وسهل بن قيس . ومن
بنى زريق ذكوان بن عبد قيس زاد ابن سعد ورافع بن مالك ومن بنى حبيب
ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج عبيد بن المعلى بن لوذان
ابن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عدى بن مالك بن زيد بن مناة بن حبيب ،
سبعة واربعون عند ابن اسحق منهم سبعة وثلاثون فجميعهم ستة وتسعون
منهم من المهاجرين ومن ذكر معهم احد عشر ومن الانصار خمسة وثمانون
ومن الاوس ثمانية وثلاثون ومن الخزرج سبعة وابعون منهم عند ابن اسحق
من المهاجرين اربعة ومن الانصار واحد وستون ومن الاوس اربعة وعشرون
ومن الخزرج سبعة وثلاثون والباقون عن موسى بن عقبة وعن ابن سعد وعن
ابن هشام وقد ذكر ابوعمر فيهم زياد بن السكن ابا عمارة ببن زياد وقد حكينا
عن ابن اسحق كيف وقع ذكره عنده وهو داخل في المعدودين من بنى عبد
* ( هامش ) * ( 1 ) المجذر بضم الميم وفتح الجيم والذال المعجمة المشددة . ابن ذياد بكسر الذال المعجمة ( * )
ـ442ـ
الاشهل ، وممن ذكره ابوعمر في الاستيعاب ابا زيد الانصارى وهو ابوبشير بن
ابى زيد ذكره عن ابن الكلبى وفى باب الباء في باب بشير ابنه وذكر في
كتاب الصحابة حارثة بن عمرو الانصارى من بنى ساعدة ولم يصل نسبه ، وذكر
الحافظ ابومحمد الدمياطى في نسب الاوس له خداش بن قتادة بن ربيعة بن خالد
ابن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد اخا انيس بن قتادة وقال شهد بدرا وقتل
بأحد قاله ابن الكلبى وقد ذكرنا اخاه انيسا في شهداء احد . وذكر ابوعمر في كتابه
في المغازى منهم عمير بن عدى الخطمى وغيره يقول في عمير لم يشهد أحدا
وكان ضرير البصر فقد تجاوزوا بهذه الزيادات المائة على انه قد ذكر ان قتلى
أحد سبعون ومن الناس من يجعل السبعين من الانصار خاصة وكذلك قال ابن سعد
في باب غزوة أحد لكنهم في تراجم الطبقات له زادوا على ذلك ويذكر في تفسير
قوله تعالى ( او لما اصابتكم مصيبة مثليها ) انه تسلية للمؤمنين عمن اصيب منهم
يوم احد بأنهم اصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلا وسبعين اسيرا فان صح
ذلك نقلا وحملا فالزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل وليست زيادة في الجملة .
وقتل من كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرون رجلا منهم حملة اللواء من
بنى عبد الدار بن قصى عشرة قد سبق ذكرهم ومنهم ابويزيد بن عمير بن هاشم
ابن عبد مناف بن عبد الدار والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد
الدار . ومن بنى اسد بن عبدالعزى عبدالله بن حميد بن زهير بن الحرث بن اسد .
ومن بنى زهرة بن كلاب ابوالحكم بن الاخنس بن شريق الثقفى حليف لهم وسباع
ابن عبدالعزى واسمه عمرو بن نضلة من غبشان بن سليم بن ملكان حليف لهم
من خزاعة ، ومن بنى مخزوم هشام بن ابى امية بن المغيرة والوليد بن العاصى بن
هشام بن المغيرة وابوامية بن ابى حذيفة بن المغيرة وخالد بن الاعلم حليف لهم ،
ومن بنى جمح عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح وهو ابوعزة
وابى بن خلف بن وهب بن حذافة قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن
بنى عامر بن لؤى عبيدة بن جابر وشيبة بن مالك ، وذكر غير ابن اسحق فيهم
شريح بن قارظ والله اعلم .
ومما قيل من الشعر يوم احد قول حسان بن ثابت يذكر اصحاب اللواء من بنى عبد الدار :
ـ443ـ
منع النوم بالعشاء الهموم * وخيال اذا تغور النجوم
من حبيب اصاب قلبك منه * سقم فهو داخل مكتوم
لم تفتها شمس النهار بشئ * غير ان الشباب ليس يدوم
رب حلم اضاعه عدم الما * ل وجهل غطى عليه النعيم
لا تسببنى فلست بسبيى ( 1 ) * ان سبيى من الرجال الكريم
ما ابالى أنب بالحزن تيس * ام لحانى بظهر غيب لئيم
ولى البأس منكم اذ رحلتم * اسرة من بنى قصى صميم
تسعة احمل اللواء وطارت * في رعاع من القنا مخزوم
واقاموا حتى اتيحوا جميعا * في مقام وكلهم مذموم
واقاموا حتى ازيروا شعوبا ( 2 ) * والقنا في نحورهم محطوم
وقريش تفر منا لواذا ( 3 ) * ان يقيموا وخف منها الحلوم
لم تطق حمله العواتق منهم * انما يحمل اللواء النجوم
ومن ابيات لعبد الله بن الزبعرى ولك يكن اسلم يومئذ :
يا غراب البين اسمعت فقل * انما تنطق شيئا قد فعل
كل عيش ونعيم زائل * وبنات الدهر يلعبن بكل
ابلغن حسان عنا آية * فقريض الشعر يشفى ذا العلل
كم قتلنا من كريم سيد * ماجد الجدين مقدام بطل
صادق النجدة قرم ( 4 ) بارع * غير ملتاث ( 5 ) لدى وقع الاسل
حين حكت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الاشل
ليت اشياخى ببدر شهدوا * جذع الخزرج من وقع الاسل
فقتلنا الضعف من اشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
( 1 ) السب بكسر السين المهملة هو الذى يساب .
( 2 ) اى الموت .
( 3 ) اى مستخفين .
( 4 ) اى سيد .
( 5 ) اى غير مضطرب ، وسيأتى تفسير باقى الالفاظ .
ـ444ـ
وقال حسان يبكى حمزة من ابيات :
أتعرف الدار عفا رسمها * بعدك صوب المسبل الهاطل
ساءلتها عن دا فاستعجمت * لم تدر ما مرجوعة السائل
دع عنك دارا قد عفا رسمها * وابك على حمزة ذى النائل
المالئ الشيزى اذا اعصفت * غبراء في ذى الشبم الماحل
والتارك القرن لذى لبدة * يعثر في ذى الخرص الذائل
والابس الخيل اذا اخجمت * كالليث في غابته الباسل
ابيض في الذروة من هاشم * لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين اسيافكم * شلت يدا وحشى من قاتل
اى امرئ غادر في ألة * مطرورة مارنة العامل
اظلمت الارض لفقدانه * واسود نور القمر الناصل
صلى عليه الله في جنة * عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزا لنا * من كل امر نابنا نازل
وقال كعب بن مالك يبكى حمزة ايضا :
طرقت همومك فالرقاد مسهد * وجزعت ان سلخ الشباب الاعيد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية * فهواك غورى وصحبك منجد
فدع التمادى في الغواية سادرا * قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أنى لك ان تناهى طائعا * او تستفيق اذا نهاك المرشد
ولقد هددت لفقد حمزة هدة * ظلت بنات الجوف منها ترعد
ولو انها فجعت حراء بمثلها * لرأيت رأسى صخرها يتهدد
قرم تمكن في ذؤابة هاشم * حيث النبوة والندى والسودد
والعاقر الكوم الجلاد اذا غدت * ريح يكاد الماء منها يجمد
والتارك القرن الكمى مجدلا * يوم الكريهة والقنا يتقصد
ـ445ـ
وتراه يرفل في الحديد كأنه * ذو لبدة شثن البراثن اربد
عم النبى محمد وصفيه * ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنية معلما في اسرة * نصروا النبى ومنهم المستشهد
ولقد اخال بذلك هندا بشرت * لتميت داخل عصة لا تبرد
مما اصبحنا بالعقنقل قومها * يوما تغيب فيه عنها الاسعد
وببئر بدر اذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبى سراتهم * قسمين نقتل من نشاء ونطرد
فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون عتبة منهم والاسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة * فوق الوريد لها رشاش مزبد
وامية الجمحى قوم ميله * عضب بأيدى المؤمنين مهند
فأتاك فل المشركين كأنهم * والخيل تثقفهم نعام شرد
شتان من هو في جهنم ثاويا * ابدا ومن هو في الجنان مخلد
وقال كعب يذكر يوم احد انشده ابن هشام :
سائل قريشا غداة السفح من احد * ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب
كنا الاسود وكانوا النمر اذ زحفوا * ما ان تراقب من آل ولا نسب
فكم تركنا بها من سيد بطل * حامى الذمار كريم الجد والحسب
فينا الرسول شهاب ثم يتبعه * نور مضئ له فضل على الشهب
الحق منطقه والعدل سيرته * فمن يجبه اليه ينج من تبب ( 1 )
نجد المقدم ماضى الهم معتزم * حين القلوب على رجف من الرعب
يمضى ويذمرنا من غير معصية * كأنه البدر لم يطبع على الكذب
بدا لنا فاتبعناه نصدقه * وكذبوه فكنا أسعد العرب
جالوا وجلنا فما فاءوا ولا رجعوا * ونحن نتبعهم لم نأل في الطلب
لسنا سواء وشتى بين أمرهما * حزب الاله وأهل الشرك والنصب
* ( هامش ) * ( 1 ) اى من الهلاك والخسران ( * )
ـ446ـ
وقال ضرار بن الخطاب الفهرى يذكر يوم أحد من أبيات
ما بال عينك قد أزرى بها السهد ( 1 ) * كأنما جال في أجفانها الرمد
أمن فراق حبيب كنت تألفه * قد حال من دونه الاعداء والبعد
أم ذاك من شغب قوم لا جداء بهم * إذ الحروب تلظت نارها تقد
ما ينتهون عن الغى الذى ركبوا * وما لهم من لؤى ويحهم عضد
وقد نشدناهم بالله قاطبة * فما تردهم الارحام والنشد
حتى إذا ما أبوا إلا محاربة * واستحصدت بيننا الاضغان والحقد
سرنا اليهم بجيش في جوانبه * قواضب البيض والمحبوكة السرد
فأبرز الحين قوما من منازلهم * فكان منا ومنهم ملتقى أحد
وقد تركناهم للطير ملحمة * وللضباع إلى أجسادهم تفد
وقالت نعم امرأة شماس بن عثمان تبكى شماسا وكان أصيب يوم أحد رحمه الله ورضى عنه
يا عين جودى بفيض غير ابساس ( 2 ) * على كريم من الفتيان لباس
صعب البديهة ميمون نقيبته * حمال ألوية ركاب أفراس
أقول لما أتى الناعى له جرعا * أودى الجواد وأودى المطعم الكاس
وقلت لما خلت منه مجالسه * لا يبعد الله منا قرب شماس
فأجابها أخوها يغزيها :
اقنى حياءك في عز وفى كرم * فانما كان شماس من الناس
لا تقتلى النفس إذ حانت منيته * في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبرى * فذاق يومئذ من كاس شماس
* ( هامش ) * ( 1 ) اى الارق .
( 2 ) اى على غير مهل . ( * )
ـ447ـ
وذكر أبوعمر البيتين الاول والاخير من هذه الابيات الثلاثة ونسبها لحمان
يعزى أخت شماس فيه ، وهو شماس بن عثمان بن الشريد بن هرمى بن عامر بن
مخزوم . كذا نسبه ابن الكلبى ، وزاد فيه أبوعمر سويدا بين الشريد وهرمى
وليس بشئ . وشماس لقب واسمه عثمان بن عثمان قتل يوم أحد ابن أربع وثلاثين
سنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرمى ببصره يمينا ولا شمالا يومئذ
إلا رأى شماسا في ذلك الوجه يذب بسيفه عنه حتى غشى رسول الله صلى الله
عليه وسلم القوم فترس بنفسه دونه حتى قتل فحمل إلى المدينة وبه رمق فأدخل
على عائشة فقالت أم سلمة ابن عمى يدخل على غيرى فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم احملوه إلى أم سلمة فحمل اليها فمات عندها فأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يرد إلى أحد فيدفن هنالك كما هو في ثيابه التى مات فيها بعد أن
مكث يوما وليلة إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولم يصل عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يغسله ، وكان خارجة بن زيد بن أبى زهير قد أخذته الرماح يوم
أحد فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية فعرفه فاجهز عليه ومثل
به وقال هذا ممن أعزى بأبى على يوم بدر يعنى أباه أمية بن خلف . وقد ذكر
بعضهم خارجة فيمن قتل أمية . ولما قتل صفوان بن أمية من قتل يوم أحد قال
الآن شفيت نفسى حين قتلت الاماثل من أصحاب محمد قتلت ابن قوقل وابن
أبى زهير وأوس بن أرقم .
ـ448ـ
( ذكر فوائد تتعلق بما ذكرناه من الاشعار )
قال السهيلى في قول حسان " وجهل غطى عليه النعيم " رواية يونس بن حبيب
غطا مخففة الطاء ومعناه عنده علا عليه النعيم . وقوله " لم تطق حمله العواتق
منهم " يريد بذلك أنه عندما قتل صواب مولى بنى عبد الدار وكان عاشر مقتول
تحت لوائهم سقط فرفعته امرأة منهم هى عمرة بنت علقمة كما ذكرناه من قبل
ثم طرحته . وفى شعر ابن الزبعرى عبد الاشل ( 1 ) يريد عبد الاشهل . والشيزى
خشب تعمل منه القصعة وقيل القصعة من خشب الجوز . الخرص الرمح القصير
وجمعه خرصان . ومراه جحده . والالة الحربة . وسنان طرير ذو هيئة حسنة .
ومارنة لبنة ، عامل الرمح صدره ، والناصل الخارج . والكوم جمع كوماء وهى
الطويلة السنام . والجلاد أدسم الابل لبنا . وقال ابن القوطية ثفن الرجل ثفنا
ضربه وثفن الكثيبة طردها ، ذمرته لمته وحضضته .
* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " عبد الاشهل " ( * )
ـ449ـ
( فضل شهداء أحد )
روينا عن ابن اسحق قال حدثنى اسماعيل بن أمية عن أبى الزبير عن ابن عباس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب اخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم
في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من
ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا
ياليت اخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند
الحرب . فقال الله تبارك وتعالى فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عزوجل على نبيه
هذه الآيات ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ) الآيات .
وذكر ابن اسحق هاهنا حدثنى الحرث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن
عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء على بارق نهر ( 1 ) بباب
الجنة في قبة خضراء يأتيهم فيها رزقهم بكرة وعشيا . قرأته على السيدة مؤنسة
خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب رحم الله سلفها
أخبرتك الشيخة أم هانئ عفيفة بنت احمد بن عبدالله كتابة عن أبى طاهر عبد
الواحد بن محمد بن احمد الصباغ قال أنا أبونعيم قال أنا أبوعلى بن الصواف
فثنا أبوجعفر احمد بن يحيى الحلوانى فثنا سعيد بن سليمان فثنا عبدالله بن
نمير عن محمد بن اسحق فذكره .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى رواية " على حافة نهر "
==========
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق